منظور عالمي قصص إنسانية

منع نشوب الصراعات: أكثر الوسائل فعالية في الحد من المعاناة الإنسانية

أرشيف: في السودان، تجمع الشباب في الفاشر، شمال دارفور، في يوم الشباب العالمي.
UNAMID/Amin Ismail
أرشيف: في السودان، تجمع الشباب في الفاشر، شمال دارفور، في يوم الشباب العالمي.

منع نشوب الصراعات: أكثر الوسائل فعالية في الحد من المعاناة الإنسانية

السلم والأمن

تحتل مسألة صون السلم والأمن الدوليين الصدارة في قائمة الأهداف التي تأسست من أجلها الأمم المتحدة، في أعقاب الحرب العالمية الثانية. وتتضمن أنشطة صون السلم والأمن الدوليين: منع النزاعات وصنع وحفظ السلام.

منع النزاعات، وفقا للأمم المتحدة، هو أكثر الوسائل فعالية في الحد من المعاناة الإنسانية في النزاعات وما يترتب عليها من كلفة اقتصادية هائلة فضلا عن عواقبها على كل مجالات الحياة.  

وتضطلع المنظمة الدولية بدور مهم في منع نشوب الصراع باستخدام الدبلوماسية والمساعي الحميدة والوساطة. ويُعد المبعوثون الخاصون والبعثات السياسية في الميدان من الوسائل التي تستخدمها المنظمة في نشر السلام.

أولوية منذ اللحظة الأولى

روزلين أكومبي، المسؤولة في إدارة الأمم المتحدة للشؤون السياسية وبناء السلام تقول إن الدول الأعضاء عندما وقعت مـيثاق الأمم المتحدة قبل 75 عاما، كانت تهدف إلى "إنقاذ الأجيال المقبلة من ويلات الحرب"، من خلال منع نشوب الصراعات. وعليه، فإن هذا الهدف ظل أولوية قصوى بالنسبة للمنظمة الدولية منذ لحظة ميلادها الأولى.

وفي سبيل نجاح عملية منع نشوب الصراع، تقول روزلين أكومبي، إن هناك خمسة عناصر أساسية يتعين توفرها:

أولا، الإلمام بما يجري، بمعني أن تكون قريبا من مكان الحدث ومدركا للوضع بصورة عميقة، وهذا هو السبب في أن لدى الأمم المتحدة أكثر من 35 بعثة سياسية خاصة حول العالم.

ثانيا، البدء في رسم المسار السياسي مبكرا، وهذا يتطلب معرفة الفاعلين الأساسيين بصورة جيدة، ليس فقط المسؤولين السياسيين ولكن كافة طوائف المجتمع.

تقول روزلين أكومبي إن موظفي الأمم المتحدة للشؤون السياسية يعملون عن كثب مع الدول الأعضاء ويظلون على تواصل مع الفاعلين ويوفرون الدعم اللازم لتسهيل الانخراط المبكر في العملية السياسية.

ثالثا، شمول العديد من الأصوات مثل النساء والشباب.

رابعا، خلق الشراكات مع المنظمات الإقليمية والمؤسسات المالية العالمية وربط العمل السياسي قصير المدى مع عملية بناء السلام طويلة الأجل وجهود التنمية.

خامسا، الإرادة السياسية من كافة الأطراف بشأن منع نشوب الصراعات.

وتؤكد السيدة أكومبي أنه عندما تتوفر هذه العناصر الخمسة، تنجح جهود منع نشوب الصراعات وعندما تفشل تلك الجهود فإن أثر ذلك يبدو جليا ومدمرا جدا، على حد تعبيرها.

وتقول إنه من الصعوبة بمكان إقناع الأطراف بالجلوس إلى طاولة المفاوضات إذا كانت غير راغبة في ذلك. ولكنها تؤكد أيضا أن الأمم المتحدة مصممة على العمل بجد لدعم الفاعلين الإقليميين والنساء والرجال، حول العالم، في جهودهم لمنع نشوب الصراعات.

ورشة عمل حول المرأة والسلام والأمن في شمال دارفور، السودان نظمتها بعثة الأمم المتحدة المشتركة هناك.
UNAMID/Albert González Farran
ورشة عمل حول المرأة والسلام والأمن في شمال دارفور، السودان نظمتها بعثة الأمم المتحدة المشتركة هناك.

 

المساعي الحميدة ترياق لعدم الاستقرار

يستخدم الأمين العام للأمم المتحدة مكانته الفريدة وحياده - اللذين يترجمان إلى ما يطلق عليه "المساعي الحميدة" - لصالح "الدبلوماسية الوقائية". ويشير هذا المصطلح إلى الخطوات التي يتخذها الأمين العام أو كبار موظفيه، علنا أو سرا، لمنع نشوء المنازعات الدولية أو تصاعدها أو انتشارها.

يجب علينا أن نعمل معا بطريقة أفضل على امتداد مسار السلام، مع التركيز على جميع أبعاد النزاعات- أمين عام الأمم المتحدة

بل إنه في الوقت الذي تنتشر فيه الأحداث والأزمات على نطاق الكرة الأرضية بأكملها، فمن الممكن أن يكون لأقوال الأمين العام وأفعاله أثر بالغ.

السيد أنطونيو غوتيريش، الذي يشغل منصب الأمين العام للأمم المتحدة، يقول إن الجهود الرامية إلى بناء السلام والحفاظ عليه ضرورية ليس فقط عندما يندلع النزاع، بل وقبل ذلك بوقت طويل من خلال منع نشوب النزاع ومعالجة أسبابه الجذرية.

"يجب علينا أن نعمل معا بطريقة أفضل على امتداد مسار السلام، مع التركيز على جميع أبعاد النزاعات".

وكان السيد غوتيريش قد أطلق نداء مع بداية جائحة كورونا دعا فيه إلى وقف عالمي لإطلاق النار والتركيز على جهود مكافحة المرض الفيروسي، حيث قال:

"ضعوا حدا لمرض الحرب، وحاربوا المرض الذي يعصف بعالمنا. ويبدأ ذلك بوقف القتال في كل مكان. الآن".

وفي يونيو/حزيران الماضي، وقعت 170 من الدول الأعضاء والمراقبة في الأمم المتحدة وكيانات أخرى على إعلان أيدت من خلاله دعوة الأمين العام إلى إسكات البنادق، والاتحاد ضد التهديد العالمي لجائحة كـوفيد-19.

وأكد الإعلان على أن الوضع السلمي لا غنى عنه لتسهيل وصول المساعدات الإنسانية في الأوضاع الهشة والمتأثرة بالنزاع، مشيرا إلى أن "جهود تخفيف المعاناة الإنسانية وحل النزاعات يجب أن تسيرا جنبا إلى جنب مع إدارة إجراءات التصدي للجائحة".

مجلس الأمن دور حاسم لا غنى عنه

مجلس الأمن الدولي يناقش في جلسة طارئة المستجدات في سوريا
UN News
مجلس الأمن الدولي يناقش في جلسة طارئة المستجدات في سوريا

يتحمل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة المسؤولية الرئيسية عن صون السلم والأمن الدوليين. ويأخذ زمام المبادرة في تحديد وجود تهديد للسلام أو عمل عدواني.

ويدعو أطراف النزاع إلى تسوية النزاع بالوسائل السلمية ويوصي بطرق التكيف أو شروط التسوية. وفي بعض الحالات، يمكن لمجلس الأمن أن يلجأ إلى فرض جزاءات أو حتى السماح باستخدام القوة للحفاظ على السلم والأمن الدوليين أو استعادتهما.

وقد تبنى مجلس الأمن، في يوليو/تموز الماضي، دعوة الأمين العام لوقف إطلاق النار من خلال اعتماد القرار 2532 (2020).

ودعا القرار جميع الأطراف في النزاعات المسلحة إلى الانخراط فورا في "هدنة إنسانية دائمة" لمدة 90 يوما على الأقل، للتمكن من إيصال المساعدات المنقذة للحياة بشكل آمن، مستدام، ودون عوائق.

مشاركة المرأة ضرورة قصوى لمنع نشوب الصراعات

تقول الأمم المتحدة إن زيادة المشاركة الفعالة للمرأة في الجهود المبذولة لصنع السلام ومنع نشوب النزاعات من الأولويات الرئيسية. ولقد برزت هذه المسألة للمرة الأولى في جدول أعمال مجلس الأمن عام 2000، مع اتخاذ مجلس الأمن القرار 1325 المتعلق بالمرأة والسلام والأمن.

غير أن عدد النساء المشاركات في عمليات صنع السلام الرسمية ما زال منخفضا رغم الالتزامات والمبادرات العديدة على الصعيدين الإقليمي والعالمي؛ كما أن العديد من اتفاقات السلام لا يتضمن أحكاما متعلقة بالاعتبارات الجنسانية تلبي بالقدر الكافي احتياجات المرأة في مجالي الأمن وبناء السلام.

أرشيف: ضابطة باكستانية في بعثة اليوناميد تحتضن شرطية سودانية أثناء المشاركة في مسيرة نظمتها اليوناميد للاحتفال باليوم الدولي للمرأة في الفاشر شمال دارفور.
UNAMID/Albert González Farran
أرشيف: ضابطة باكستانية في بعثة اليوناميد تحتضن شرطية سودانية أثناء المشاركة في مسيرة نظمتها اليوناميد للاحتفال باليوم الدولي للمرأة في الفاشر شمال دارفور.

 

نختتم قصتنا هذه بما قاله أمين عام الأمم المتحدة الأسبق داغ همرشولد، الذي دفع حياته ثمنا للسلام، حيث توفي في 18 أيلول/سبتمبر 1961، جراء تحطم الطائرة التي كان تقله وهو في مهمة تحقيق السلام في الكونغو، والذي قال: "إن الأمم المتحدة لم تنشأ لقيادة الجنس البشري إلى الجنة ولكن لإنقاذ البشرية من الجحيم".