منظور عالمي قصص إنسانية

مسؤولة في منظمة الصحة العالمية: فلسطين تشهد موجة ثالثة من كوفيد-19 ويجب اتباع التدابير مع وصول مزيد من اللقاحات

د. رندة أبو ربيع، المسؤولة في منظمة الصحة العالمية، حتى وصول أول دفعة من اللقاحات ضد كوفيد-19 إلى الأرض الفلسطينية المحتلة.
WHO
د. رندة أبو ربيع، المسؤولة في منظمة الصحة العالمية، حتى وصول أول دفعة من اللقاحات ضد كوفيد-19 إلى الأرض الفلسطينية المحتلة.

مسؤولة في منظمة الصحة العالمية: فلسطين تشهد موجة ثالثة من كوفيد-19 ويجب اتباع التدابير مع وصول مزيد من اللقاحات

الصحة

أفادت المسؤولة في منظمة الصحة العالمية في القدس، د. رندة أبو ربيع، بأن الأرض الفلسطينية المحتلة تشهد موجة ثالثة من حالات الإصابة بمرض كوفيد-19، بالتزامن مع ظهور الفيروس المتغيّر الذي تم تحديده لأول مرة في المملكة المتحدة، ودعت للحفاظ على إجراءات الوقاية التي تتضمن ارتداء الكمامة والتباعد الجسدي في الوقت الذي تصل فيه المزيد من اللقاحات.

فبعد أكثر من عام على ظهور جائحة كـوفيد-19 في الأرض الفلسطينية المحتلة، تم رصد زيادة في الحالات الإيجابية في الضفة الغربية، كما يحدث تزايد متسارع في عدد الحالات في قطاع غزة.

وقد وصلت جرعات من اللقاحات ضد المرض عبر مرفق كوفاكس، بتنسيق مع اليونيسف، إلى الضفة الغربية وقطاع غزة مؤخرا، لتكون بمثابة طوق نجاة من هذا المرض.

أخبار الأمم المتحدة أجرت هذا الحوار عبر تقنية الفيديو مع د. رندة أبو ربيع، المسؤولة الوطنية للوائح الصحية العالمية والأمراض الوبائية في مكتب منظمة الصحة العالمية في القدس.

د. رندة أبو ربيع: مخاوف الناس من اللقاحات بدأت تتبدد ولكن يجب الالتزام بتدابير الصحة العامة

أخبار الأمم المتحدة: في البداية، هل بالإمكان معرفة آخر مستجدات انتقال فيروس كورونا في الأرض الفلسطينية المحتلة؟

د. رندة أبو ربيع: دعيني سيّدتي في البداية أعرّف الأراضي الفلسطينية المحتلة، فهي تنقسم إلى الضفة الغربية وقطاع غزة وتفصلهما فصلا جغرافيا دولة إسرائيل، أما بالنسبة لمدينة القدس التي يقسمها الجدار الفاصل إلى جزئين، الأول الذي يقع داخل جدار الفصل، وهذا الجزء من القدس يخضع للسيطرة الإسرائيلية بالكامل ولا تملك السلطة الفلسطينية أي مجال للتدخل في هذا الجانب من القدس. وجزء آخر من القدس الشريف يقع خارج جدار الفصل، وهو تابع في كل الإجراءات للسلطة الفلسطينية.

هذه الخصوصية ستعكس ظلالها على ما سأقوله من ناحية الوضع الوبائي في فلسطين. إذا أخذنا الضفة الغربية أولا، سنجد زيادة مستمرة في عدد الحالات في هذه اللحظة، فقد بدأت الجائحة في 5 آذار/مارس 2020، وكانت أول حالة ظهور للمرض، ثم تحوّلنا من حالات متفرقة إلى مجموعات من الحالات، وفي الوقت الحالي يشكل الانتقال الوبائي انتشارا مجتمعيا لا يمكن معرفة بؤرة انتشار الوباء، وهذا يندرج سواء على الضفة الغربية أو قطاع غزة.

في الضفة الغربية نشهد زيادة في أعداد الحالات، وارتفاعا في نسبة الإيجابية في الفحوصات، ومشكلة أكبر وهي قدرة النظام الصحي الفلسطيني على استيعاب الحالات التي تحتاج إلى إدخال للمستشفيات، وخصوصا إلى العناية الحثيثة. وهنالك أسرّة في جميع المستشفيات الخاصة مخصصة لمرضى كوفيد-19، ورغم كل ذلك، فقد وصلنا في الضفة الغربية إلى نسبة إشغال للأسرّة أكثر من 100%، وهو مؤشر يدعو للقلق.

أما فيما يخص قطاع غزة، فهنالك تزايد سريع في عدد الحالات والإصابات. وينطبق ذلك على القدس التي تقع داخل الجدار، ما ينطبق على إحصائيات وحالات دولة إسرائيل من حيث نوع الانتشار ونسب التطعيم وحتى الأرقام والأعداد تصلنا متأخرة وليس من مصدر رسمي واضح بالنسبة للأعداد.

لذلك نفصّل الأرقام بين الضفة الغربية والقدس وغزة حتى تكون هناك شفافية من ناحية الرصد الوبائي.

أخبار الأمم المتحدة: إذا هل يمكن أن نقول إننا أمام موجة جديدة للجائحة؟ وهل تنتشر أي متغيّرات للفيروس هناك؟

د. رندة أبو ربيع: في الحقيقة نعم. هذه هي الموجة الثالثة، مررنا في بداية الجائحة بالمرحلة الأولى، ثم مررنا بالجائحة في المرحلة الثانية، والآن نحن نصادف المرحلة الثالثة. هنا، أسوة بكل العالم، تم عمل دراسة مع إحدى الجامعات من أجل الكشف عن الفيروس المتحوّر، ونوعه، ووجدت هذه الدراسة، التي أعدتها وزارة الصحة والجامعة الأميركية في جنين، عددا من الحالات هي من المتحوّرات التي ظهرت في المملكة المتحدة. وبعض العيّنات التي تم فحصها خارج فلسطين أثبتت وجود المتحوّر الذي تم تحديده في جنوب أفريقيا لأول مرة. ولذلك فنحن نعتقد أن سرعة الانتشار وزيادة عدد الحالات قد تعود للمتغيّرات الجديدة سريعة الانتشار. كذلك بدأنا نرى أعمارا أصغر سنّا للمصابين عمّا كنا نشاهده سابقا.

هذا الأمر يعزز أن متغيّرات الفيروس هي سبب الانتشار. لكنني لا أعتقد أنها هي السبب الوحيد. فسبب الانتشار أيضا، ولا يمكن إهماله، هو عدم التزام بعض المواطنين بالإجراءات التي اتخذتها الحكومة للحدّ من والسيطرة على هذه الجائحة. مثلا نرى في الأسواق أشخاصا لا يرتدون الكمامة. ولا يزال الأشخاص على استعداد لحضور تجمعات وغير حريصين كل الحرص على التباعد الجسدي، هذه الأمور هي جزء لا يتجزأ - ولا يمكن إهمالها - من انتشار الجائحة. فأنا أعزو الانتشار إلى عدم التزام المواطنين، وبالطبع لوجود الطفرات الجينية للفيروس، وتحوّرها التي هي أكثر انتشارا وبائيا.

أخبار الأمم المتحدة: وصلت الدفعة الأولى من اللقاحات عبر كوفاكس إلى فلسطين، لا بد أنها تمنح الأمل، كيف تم توزيعها بين الضفة الغربية وغزة وهل من تحديات؟

د. رندة أبو ربيع: اللقاحات هي أمل لمسيرة طويلة، لكنّها لا تشكل الحل الأوحد، وهي إحدى الركائز المتعددة من أجل القضاء والسيطرة على هذه الجائحة. مثلا، ضمن تحالف كوفاكس، تم إحضار الدفعة الأولى من المطاعيم، أكثر من 61 ألف جرعة، منها 37 ألفا من فايزر، والبقية من أسترازينيكا. هذه اللقاحات وخاصة فايزر لديها طريقة في التبريد والنقل دقيقة ومميزة جدا (70 درجة مئوية تحت الصفر)، ويشكّل نقلها تحديا كبيرا لدولة تريد إيصال اللقاحات ولا يوجد فيها مطار، ولا بد من التنسيق الحثيث مع دولة إسرائيل لإدخال هذه المطاعيم.

وقد قامت اليونيسف مشكورة بتسهيل إدخال المطاعيم للأراضي المحتلة، وتم إرسال الجزء الذي يخصّ غزة مباشرة من مطار بن غوريون إلى غزة، وهي عبارة عن ثلث الكمية من اللقاحين تم إرسالها إلى غزة، والجزء المتبقي تم نقله إلى الضفة الغربية.

د. رندة أبو ربيع، المسؤولة في منظمة الصحة العالمية، حتى وصول أول دفعة من اللقاحات ضد كوفيد-19 إلى الأرض الفلسطينية المحتلة.

نحن فصلنا أصلا الكميات كي نحافظ على درجة الحرارة المتدنية وطريقة الحفظ المثلى، وعدم تعريض اللقاح لأي عامل قد يتسبب في التأثير على فعاليته أو إتلافه.

ولأن الكمية محدودة جدا أمام ما يحتاجه المواطنون في الأراضي المحتلة، تم تحديد أولويات ضمن الأولويات لكي يتم تطعيمهم ونحن بانتظار الدفعة الأخرى من كوفاكس.

دعيني أتحدث الآن عن القدس. تم تطعيم المواطنين الفلسطينيين المقدسيين حاملي البطاقة الزرقاء من قبل دولة إسرائيل بمطعوم فايزر، شأنهم شأن المواطن الإسرائيلي، وأما السكان خارج الجدار، فهم تحت سيطرة السلطة الفلسطينية، هؤلاء يُدرجون ضمن المواطنين الفلسطينيين في الضفة الغربية لأخذ اللقاحات حسب ترتيب الأولويات التي تم إدراجها في الخطة الوطنية للمطاعيم حيث قامت منظمة الصحة العالمية واليونيسف مع الفريق الوطني بتشكيل هذه الخطة الوطنية التي تشمل الأعداد وعدد المرافق والتدريبات والأماكن وكيفية التطعيم. هذه حزمة متكاملة من الأدوات لدعم الحكومة الفلسطينية من أجل بدء عملية التطعيم وإنجاحها كبوابة للخروج من هذا الوباء.

أخبار الأمم المتحدة: كيف يمكن تبديد مخاوف أولئك الذين يخشون من الحصول على اللقاح؟

د. رندة أبو ربيع: اللقاحات فعّالة وآمنة. ولا بد للمواطن أن يحصل على التطعيم لأننا نحتاج إلى أن يتلقى أكبر عدد من المواطنين اللقاحات، للحصول على الحصانة المجتمعية من أجل النجاة من هذه الجائحة.

هل كان هناك تشكك في بداية الأمر؟ فعلا، كان التشكك يسيطر والخوف والأخبار المغلوطة تنتشر بين المواطنين ونحن في منظمة الصحة العالمية تابعنا حثيثا بنشر المعلومات الصحيحة والجديدة وكل ما يتعلق بهذه المطاعيم وتواريخ إدراج اللقاحات في لوائح الاستخدام الطارئ في منظمة الصحة العالمية وكل ما جرى من لغط بخصوص لقاح أسترازينيكا، كل هذا نتابعه حثيثا من أجل تبديد مخاوف المواطن.

وأعتقد أن الأعداد والملايين في العالم التي تلقت اللقاح أعتقد ثقة لكثير من المواطنين بإجراء التطعيم وتبدد الخوف والتشكك. وهذا شاهدناه على أرض الواقع من استجابة الناس وزيادة الطلب على أخذ المطاعيم، فقد قامت وزارة الصحة (الفلسطينية) بإنشاء منصة إلكترونية يتم تسجيل المواطن من خلالها، ولذلك أصبح الناس مدركين تماما أنه لا يمكن الخلاص إلا بهذا التطعيم، بوصفه أحد أهم البنود، بالإضافة إلى إبقاء الكمامة رغم التطعيم، والتباعد الجسدي، لأن البُعد الجسدي لا يقلل من التفاعل الاجتماعي، لأن القلوب لا تؤمن بالبُعد المادي، فليس هناك من إشكال بالبُعد الجسدي فالقلوب تستطيع أن تتلاقى، وكذلك لا بد من غسل الأيدي واستخدام المعقمّات ولا بد من استنشاق الهواء النظيف والابتعاد عن التجمعات لكي ننجو جميعا فنحن جميعا في سفينة واحدة. 

أخبار الأمم المتحدة: كيف تأثرت الخدمات الأخرى التي يتلقاها المواطن الفلسطيني خلال الجائحة؟

د. رندة أبو ربيع: أعتقد أنه في بداية الجائحة كان الموضوع مؤرقا أكثر من الآن بسبب عدم توافر معلومات كافية عن الفيروس. خوف المواطنين وإحجامهم عن التوجه إلى أماكن تلقي الخدمات خوفا من الإصابة أثر بشكل أو بآخر على الخدمات الصحية بشكل عام التي يتلقاها المواطن. حين أخذت الحكومة إجراءات بتأجيل بعض العمليات الجراحية غير العاجلة وأثر ذلك على المنظومة الصحية، عندما فُرض الإغلاق الكامل على المناطق ولم يُسمح بالحركة، تأثرت الخدمات. لكنّ امتداد فترة الجائحة جعل الناس شيئا فشيئا يعودون للحياة الطبيعية جزئيا.

نظام التطعيم في فلسطين لم يتأثر مطلقا بالجائحة، فهو نظام لديه مصداقية عالية لدى المواطن، تأخر عدّة أيام بسبب الإغلاق لكنّه استؤنف. حتما هناك تأثير على الخدمات، يكفي أن يكون المواطن لديه عملية فتؤجل ولا يستطيع السفر، كما أن الإغلاق بين المدن أثر على المنظومة الصحية، وكان هنالك ضرورة لإيجاد مراكز جديدة لعلاج كوفيد، وحاجة لطواقم طبية، لا يمكن إغفال هذا الموضوع في ظل شح الموارد البشرية والمادية.

نحن في منظمة الصحة العالمية ندرك تماما أهمية توفير الخدمات للمواطن، والتغطية الصحية الشاملة، ونراقب هذا الوضع عن كثب وعن قرب من أجل دعم وزارة الصحة الفلسطينية بكل الخدمات المقدمة للمواطن الفلسطيني.

أخبار الأمم المتحدة: إذا نظرنا للمنطقة، على سبيل المثال إسرائيل التي قامت بتطعيم نسبة كبيرة من السكان، مقارنة بالسكان الفلسطينيين، هل كان لهذا أي تأثير على الفرد والمجتمع الفلسطيني؟

سيّدة عربية من الداخل الإسرائيلي تبرز بطاقة كوفيد-19 التي تشير إلى تلقيها اللقاح ضد الفيروس.
Dr. Mohamed Yassin
سيّدة عربية من الداخل الإسرائيلي تبرز بطاقة كوفيد-19 التي تشير إلى تلقيها اللقاح ضد الفيروس., by Dr. Mohamed Yassin

د. رندة أبو ربيع: حين تكونين بجوار دولة تملك مقومات أعلى، لا يمكن مقارنتها بما يعانيه المواطن الفلسطيني ولا يمكن مقارنة النظام الصحي الإسرائيلي بالنظام الصحي الفلسطيني المنهك بسبب الاعتداءات والحروب في غزة على سبيل المثال.

إسرائيل تمكنت من الحصول على اللقاحات، بشكل هو الأسرع والأكثر في الشرق الأوسط، وطعّمت أكثر من 5 ملايين مليون مواطن، هذا يشعرك بثقل ما نعاني منه كفلسطينيين، وأن ثمة فروقات في العالم.

إذا أخذنا أعلى دولتين في الحصول على المطاعيم في الشرق الأوسط فهما إسرائيل والإمارات. هذا له تبعات نفسية وتبعات على الأرض. بجوارك على بعد كيلومترات هناك أناس يتطعمون ودولتهم تدعمهم لأخذ اللقاح، وعلى الطرف الآخر هنالك أناس يستنجدون للحصول على المطاعيم ويستنفدون كل القنوات الدبلوماسية للحصول على اللقاح. هذا الفرق أظهره اللقاح وأظهرته الجائحة بشكل جلي وواضح على مدى الفروق بين الشعوب والتبعات الاجتماعية لذلك على الناس. هذا موضوع لا بد للمؤسسات الدولية الوقوف عنده والتأمل فيه بعد الانتهاء من الجائحة، من أجل ردم هذه الهوة بين من يستطيع ومن لا يستطيع وبين من يملك المقوّمات والقدرات وبين من لا يملكها.

أنا هنا أتحدث باسم منظمة الصحة العالمية، الأراضي الفلسطينية المحتلة تقع تحت الاحتلال، ولا بد للدولة المحتلة أن تقف عند استحقاقاتها بتوفير اللقاحات للشعوب تحت الاحتلال. هذه قضية شائكة ومعقدة ولا بد أن يُنظر إليها بجدية.

لا بد من إيجاد حلول للخروج من هذا المأزق وتطعيم المواطنين. هذا إجماع إنساني بشري، وليست قضية تحدها جغرافيا، وإنما تحتاج إلى فعل تكاملي إنساني بشري يضع أمامه الإنسان، وينحي قضاياه السياسية وفروقاته وخلافاته وحروبه وآلامه وأوجاعه جانبا لكي نستطيع النجاة بالبشرية من هذه الجائحة.

Soundcloud