منظور عالمي قصص إنسانية

السودان: مفوض حقوق الإنسان يدعو السلطات إلى صون حق الناس في التجمع السلمي وتقبّل حقيقة أن لدى المتظاهرين مطالب مشروعة

المفوض السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان فولكر تورك يلتقي قادة المجتمع المدني في السودان.
Anthony Headley/OHCHR
المفوض السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان فولكر تورك يلتقي قادة المجتمع المدني في السودان.

السودان: مفوض حقوق الإنسان يدعو السلطات إلى صون حق الناس في التجمع السلمي وتقبّل حقيقة أن لدى المتظاهرين مطالب مشروعة

حقوق الإنسان

قبيل احتجاجات مخطط لها يوم غد في السودان، دعا مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، فولكر تورك، الجهات المعنية إلى توجيه تعليمات واضحة للأجهزة الأمنية بالتعامل مع التظاهرات بما يتماشى مع قوانين ومعايير حقوق الإنسان.

وقد اختتم المفوض السامي زيارة إلى السودان استمرت أربعة أيام، وقال في ختامها: "للناس الحق في التجمّع السلمي وعلى الدولة الالتزام بضمان ممارسة هذا الحق دون خوف من التعرّض لإطلاق النار."

وشدد على أنه بدلا من احتجاز المتظاهرين، طلب من الشرطة إيجاد طريقة للتعامل مع المجتمعات، وتقبّل حقيقة أن لدى المتظاهرين مطالب مشروعة، وحثهم على عدم اعتبار المتظاهرين خصوما.

تأتي زيارة تورك في "لحظة محورية" تمرّ بها البلاد، وذلك للتعبير عن تضامنه مع شعب السودان، وتوصيل رسالة قوية مفادها بأنه "يجب أن تكون حقوق الإنسان في صميم العملية الانتقالية."

وقال: "لقد كان شعب السودان مصدر إلهام للكثيرين منا في أصقاع الأرض. عندما نزل الناس – ولا سيّما شباب ونساء السودان – إلى الشوارع في كانون الأول/ديسمبر 2018 للمطالبة بحقوقهم الإنسانية وإزاحة دكتاتورية استمرت 30 عاما، تبعناهم في رهبة وإجلال، وانضممنا إلى الزخم من أجل التغيير والأمل في مستقبل أكثر إشراقا وأكثر سلاما وعدلا لشعب هذا البلد المذهل."

مقتل ما لا يقل عن 119 شخصا منذ سيطرة الجيش

خلال الزيارة، ناقش تورك هذه القضايا وغيرها مع مجموعة واسعة من الجهات الفاعلة، من بينهم رئيس مجلس السيادة الفريق الركن عبد الفتّاح البرهان ونائب الرئيس اللواء محمد حمدان دقلو، ووزراء الخارجية والعدل والداخلية بالإنابة، والنائب العام والآليات الوطنية لحقوق الإنسان وغيرهم يومي الأحد والاثنين.

وأمس الثلاثاء، التقى في الفاشر بشمال دارفور مع سلطات إقليمية رفيعة المستوى، بما في ذلك رئيس سلطة دارفور الإقليمية وولايتي شمال دارفور وغرب دارفور.

وقال: "التقيت بالعديد من ممثلي المجتمع المدني وضحايا انتهاكات حقوق الإنسان في الخرطوم والفاشر. كان عملهم الدؤوب عبر مجموعة متنوعة من قضايا الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية ملموسا. القضايا التي أثاروها والتي وثقها مكتبي خطيرة."

قُتل ما لا يقل عن 119 شخصا منذ استيلاء الجيش، وأصيب أكثر من 8,050 شخصا بجروح

وتابع قائلا إنه قد تم توثيق الاستخدام المفرط للقوة ضد المتظاهرين في الخرطوم، بما في ذلك استخدام الذخيرة الحية: "وفقا لمصادرنا الخاصة والطبية، قُتل ما لا يقل عن 119 شخصا منذ استيلاء الجيش، وأصيب أكثر من 8,050 شخصا بجروح – كثير منهم إصاباتهم غيّرت حياتهم."

وأضاف أنه استمع إلى سيّدة قريبها لاعب كرة قدم وقد أصيب برصاصة في ساقه ولن يتمكن من اللعب مرة أخرى. وتحدث إلى سائق عربة يدوية أصيب في الساق مما تسبب ببتر قدمه وهو ما أقعده عن العمل وأثر على دعم أسرته.

كما تطرق تورك إلى التقارير "المقلقة" عن العنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي ضد النساء والفتيات، وكذلك الرجال والفتيان. وقد تحقق مكتبه من 19 حادثة عنف جنسي وعنف قائم على النوع الاجتماعي، معظمها ارتكبتها عناصر الشرطة في سياق الاحتجاجات. وحتى هذا التاريخ لم يتم تقديم أي من الجناة في هذه الحوادث الـ 19 إلى العدالة.

وقال: "قد يكون هناك المزيد، لكن ضحايا هذا العنف غالبا لا يتحدثون بسبب الوصمة الاجتماعية العميقة، وعدم الثقة في نظام العدالة والخوف من الانتقام."

نساء ينتظرن في الطابور لتلقي المساعدات النقدية في السودان.
WFP/Leni Kinzli
نساء ينتظرن في الطابور لتلقي المساعدات النقدية في السودان.

المساءلة والمحاسبة

أوضح تورك أنه في منطقة دارفور، سلّط المجتمع المدني والنازحون داخليا الضوء على تفشي الإفلات من العقاب على الانتهاكات والتجاوزات الجسيمة لحقوق الإنسان، بما في ذلك قوات الدعم السريع.

وقد وثّق مكتب السيد تورك 11 اشتباكا مميتا واسع النطاق أسفر عن مقتل 1,091 شخصا على الأقل منذ كانون الثاني/يناير 2021.

وأسفرت الهجمات التي شنتها قبيلة الرزيقات العربية بشكل رئيسي على المجتمعات غير العربية عن أكبر عدد من الضحايا. كما تم توثيق عنف جنسي.

وقال تورك: "كانت استجابة السلطات لعلامات الإنذار المبكر بالعنف ضعيفة، مما خلق تصوّرا بأن السلطات غير مستعدة لحماية المدنيين الذي ينتمون إلى قبائل مختلفة."

وفي ولاية النيل الأزرق أيضا، منذ تموز/يوليو 2022، وقعت حوادث مميتة أسفرت عن مقتل ما لا يقل عن 441 شخصا. وفي ولايات كردفان، تم تسجيل مقتل أكثر من 150 شخصا.

وقال تورك: "أخشى أن تستمر دورات العنف وأدعو السلطات إلى الاهتمام بعلامات التحذير واتخاذ تدابير فورية لوقف العنف، بما يتماشى مع التزاماتها الدولية في مجال حقوق الإنسان."

وشدد على أن الخيط الرئيسي في كل تفاعل تقريبا خلال الأيام الأربعة الماضية هو الحاجة إلى المساءلة والعدالة.

واقع مرير في السودان

تطرق المفوض السامي إلى الواقع الحالي في السودان، إذ يكسب نصف السكان حوالي دولارين أميركيين فقط في اليوم. وزادت تكلفة الكهرباء 25 ضعفا في العام الماضي. كما تضاعف سعر الخبز وكذلك أسعار الوقود. الاقتصاد في تدهور، مع عواقب وخيمة على الأشخاص الأكثر ضعفا في السودان.

ثلث الشعب السوداني بحاجة إلى مساعدة إنسانية وبلغ عدد النازحين 3.7 مليون نازح، أكثر من 211 ألف شخص نزحوا منذ بداية العام الجاري

وفي بعض أجزاء البلاد – بما في ذلك دارفور والنيل الأزرق وكردفان - كان هناك تصعيد في الاشتباكات المسلحة والهجمات ضد مجتمعات معينة. والمظالم التاريخية والتنافس على الأرض والمياه والموارد الأخرى، وتدفق الأسلحة، هي من العوامل التي تدفع إلى الاشتباكات العرقية. ويؤدي ضعف قدرة الدولة – وفي بعض الحالات التواطؤ – إلى تفاقم انعدام الأمن. وأدت التوترات القبلية أيضا إلى اشتباكات في شرق السودان.

وأكد المفوض السامي على أن السودان من الدول التي يحتمل أن تتأثر بشدة بتغيّر المناخ، وواحدة من أقل البلدان استعدادا للاستجابة له. ويُعدّ تغيّر المناخ أحد العوامل المضاعفة للتهديدات التي يمكن أن تزيد من حدّة التوترات بشأن الأراضي والموارد، إذا لم يتم تخفيفها بعناية.

وتابع يقول: "هناك وضع إنساني يائس – ثلث الشعب السوداني بحاجة إلى مساعدة إنسانية. هذا رقم مذهل. بلغ عدد النازحين 3.7 مليون نازح، وأكثر من 211 ألف شخص نزحوا منذ بداية العام الجاري. سبعة ملايين طفل خارج المدرسة. كما أن ارتفاع مستويات انعدام الأمن الغذائي مقلق للغاية."

ضرورة التركيز على مصالح الشعب

طفل متظاهر يحمل علم السودان في أحد الشوارع في الخرطوم.
UN News/Abdelmonem Makki
طفل متظاهر يحمل علم السودان في أحد الشوارع في الخرطوم.

وقال تورك إن التقدم المهم الذي أحرِز بين عامي 2019 و2021 نحو الإصلاح القانوني والمؤسسي توقف بسبب الانقلاب العسكري في 25 تشرين الأول/أكتوبر 2021.

ومع استمرار المفاوضات نحو إطار لعملية انتقالية جديدة، حث جميع المعنيين على تنحية المواقف الراسخة جانبا، وألعاب القوة والمصالح الشخصية، وأن يركزوا على المصالح المشتركة للشعب السوداني.

وأكد تورك أن الوضع قاتم، لكن ثمّة أدوات في متناول اليد يمكن استخدامها للتخلص من بعض التحديات؛ مثل اتفاق جوبا للسلام، الذي يُعتبر خطوة إلى الأمام في مسار البلاد نحو السلام. وحث على تطبيق هذا الاتفاق على وجه السرعة.

هذا بلد فيه عدد لا يُصدّق من السكان الشباب، بمتوسط عمر 18.9 سنة فقط

وتحدث عن الخطة الوطنية الطموحة لحماية المدنيين بوصفها أداة رئيسية أخرى لتوفير الأمن الذي تشتد الحاجة إليه في بعض المناطق الأكثر تقلبّا في البلاد.

وقال: "في هذه الأرض الغنية بالموارد الطبيعية والأراضي الصالحة للزراعة وغالبية السكان شباب، هناك الكثير من الثروة. هذه الثروة لأهل السودان – الأجيال الحالية والمستقبلية. إنهم جميعا بحاجة إلى الاستفادة منها – وليس القلة فقط."

كما أشار إلى وجود مجتمع مدني "نشط وحيوي" ولديه رؤية لمستقبل السودان، وبناء البلاد بمشاركة هادفة من جميع المجتمعات ولصالح الجميع.

وقال: "هذا بلد فيه عدد لا يُصدّق من السكان الشباب، بمتوسط عمر 18.9 سنة فقط. في الوقت الذي قضيته هنا، رأيت لمحة عن رغبته في التغيير، والإمكانات لدى الشباب لدفع مستقبل بلاده إلى الأمام. إنه يعيش ويتنفس حقوق الإنسان."

وأوضح أن أحد أكبر التحديات هو بناء الثقة بين السلطات والشعب، كما تحتاج مؤسسات الدولة إلى أن تكون ممثلة للشعب، ويمكن الوصول إليها من قبل الناس وتعمل من أجل الناس.

وأكد أن مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان على استعداد لمواصلة العمل مع مختلف الجهات الفاعلة في السودان لتعزيز قدرة الدولة على صون وحماية حقوق الإنسان واحترام سيادة القانون، ودعم الإصلاحات القانونية ورصد حالة حقوق الإنسان والإبلاغ عنها، ودعم تعزيز الفضاء المدني والديمقراطي.

وقال في ختام كلمته: "السودان هو الأرض التي يلتقي فيها النيلان. إن التقاء هذين الرافدين في نهر واحد هو صورة عظيمة تعكس الوحدة والقوة المشتركة والإمكانيات الكبيرة – هذه هي أعمق آمالي في المرحلة التالية من عملية انتقال السودان.