منظور عالمي قصص إنسانية

في أول إحاطة له أمام مجلس الأمن، عبد الله باتيلي يؤكد أن الوضع في ليبيا يستدعي عملية توافق في الآراء لإعادة شرعية الدولة

مجلس الأمن الدولي يجتمع حول ليبيا.
UN Photo/Loey Felipe
مجلس الأمن الدولي يجتمع حول ليبيا.

في أول إحاطة له أمام مجلس الأمن، عبد الله باتيلي يؤكد أن الوضع في ليبيا يستدعي عملية توافق في الآراء لإعادة شرعية الدولة

السلم والأمن

قدّم عبد الله باتيلي أول إحاطة له أمام مجلس الأمن الدولي بصفته الممثل الخاص للأمين العام في ليبيا ورئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا (أونسميل)، وتحدّث عن الحالة في ليبيا مشيرا إلى أن الأزمة السياسية لا تزال قائمة دون أن تلوح في الأفق نهاية واضحة للمأزق الذي طال أمده بشأن السلطة التنفيذية.

وقد اجتمع مجلس الأمن الدولي لبحث الحالة في ليبيا، مركزا على الجمود السياسي الذي طال أمده وما يوّلده من تهديدات أمنية، بما في ذلك القتال الذي اندلع في طرابلس في أواخر آب/أغسطس. واستمع أعضاء المجلس إلى إحاطة السيد عبد الله باتيلي الافتراضية، مع التركيز على العملية السياسية وإجراء الانتخابات. يشار إلى أن أعضاء مجلس الأمن شاركوا في مفاوضات بشأن مشروع قرار يجدد ولاية بعثة أونسميل والتي تنتهي في 31 تشرين الأول/أكتوبر وفقا للقرار 2647 المؤرخ في 28 تموز/يوليو.

وكان الأمين العام للأمم المتحدة قد أعلن تعيين السنغالي باتيلي، ممثلا خاصا ورئيسا لبعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا في 2 أيلول/سبتمبر 2022. وتولى باتيلي مهامه رسميا في 25 أيلول/سبتمبر ووصل إلى طرابلس في 14 تشرين الأول/أكتوبر. وفي بيان صدر فور وصوله، قال باتيلي إنه سيبدأ بالانخراط مع الأحزاب الليبية في جميع أنحاء البلاد بما في ذلك منظمات المجتمع المدني والنساء والشباب.

كما أشار إلى أن أولويته هي "تحديد مسار توافقي يفضي إلى تنظيم انتخابات وطنية شاملة وذات مصداقية في أقرب فرصة ممكنة، بالاستناد إلى إطار دستوري متين."

الشروع بالاجتماعات على الفور

Tweet URL

فور توليه مهامه قبل وصوله إلى ليبيا في 14 تشرين الأول/أكتوبر، تواصل باتيلي مع طيف واسع من ممثلي الدول الأعضاء في نيويورك، بمن فيهم أعضاء مجلس الأمن وممثلين عن المنظمات الإقليمية، للاستماع إلى أفكارهم حول الوضع في ليبيا وتصوراتهم حول كيفية التغلب على التحديات التي تواجهها البلاد.

وقال لأعضاء مجلس الأمن: "شدّدت على أهمية ضمان دعم المجتمع الدولي للجهود الليبية بطريقة منسقة والالتفاف حول قيادة الأمم المتحدة والامتناع عن اتخاذ أي إجراء من شأنه أن يعمّق الانقسامات أكثر فأكثر."

وأشار إلى أن الأزمة السياسية لا تزال قائمة دون أن تلوح في الأفق نهاية واضحة للمأزق الذي طال أمده بشأن السلطة التنفيذية. إضافة إلى ذلك، فإن الجهود المبذولة لحل القضايا العالقة المتبقية والمتصلة بالقاعدة الدستورية للانتخابات لا تصب، فيما يبدو، في سبيل اتخاذ إجراءات ملموسة من جانب الجهات الفاعلة ذات الصلة، "مما يزيد من تأخير احتمالات إجراء انتخابات شاملة وحرة ونزيهة لإنهاء المرحلة الانتقالية واستعادة شرعية المؤسسات."

وللاستجابة لهذه التحديات، أكد المسؤول الأممي أنه قرر إعطاء الأولوية للمشاورات مع الجهات الفاعلة المؤسسية والسياسية والأمنية والمجتمع المدني في ليبيا وعبر جميع أنحاء البلاد، بما في ذلك جنوبها وشرقها وغربها.

وقد انخرط بلقاءات عديدة منذ وصوله إلى ليبيا مع طيف واسع من الفاعلين السياسيين والأمنيين والاقتصاديين الليبيين وممثلي المجتمع المدني، بغية اكتساب فهم أفضل للتحديات الحالية والحلول الممكنة وتطلعات الشعب الليبي، بما في ذلك لقاءاته مع قيادة المجلس الرئاسي، رئيس وزراء حكومة الوحدة الوطنية، عبد الحميد الدبيبة، ورئيس مجلس النواب المستشار عقيلة صالح، وغيرهما.

وقال: "لا تزال هناك اختلافات كبيرة حول الطريقة التي يريدها الليبيون للتغلب على الأزمة الحالية."

سريان وقف إطلاق النار

أشار باتيلي إلى وجود إجماع يكاد يكون تاما عبر كل الأطياف بإدانة تواجد المرتزقة والمقاتلين الأجانب والقوات الأجنبية في ليبيا والتدخل الأجنبي المستمر في شؤون البلاد، وقال: "أكدتُ لجميع من تحاورت معهم أن حل الأزمة يجب أن يأتي من داخل ليبيا، استناداً إلى إرادة الشعب الليبي. وحثثتُ قادة البلاد على الإصغاء إلى تطلعات الشعب للسلام والاستقرار والتنمية الاقتصادية وإلى قيادة تستجيب لإرادتهم."

وأشار باتيلي إلى أن وقف إطلاق النار لا يزال صامدا، وأضاف أنه ينبغي إعادة تنشيط المسار الأمني لأنه تأثر سلبا بالمأزق السياسي الذي طال أمده.

وأبلغ باتيلي مجلس الأمن أن الاشتباكات العنيفة في طرابلس في 27 آب/أغسطس أدّت إلى تحوّل في ميزان القوى في العاصمة، مما زاد من عمق التوترات بين الجهات الأمنية في الشرق والغرب وأدى إلى استقرار هش.

وعلى الرغم من الانخفاض الملحوظ في تحشيد المجموعات المسلحة والاشتباكات فيما بينها، لكن ثمّة تقارير عن أنشطة جارية لعمليات تجنيد واسعة النطاق. وأدّى القتال بين المجموعات المسلحة في الزاوية، غربي طرابلس، في 25 أيلول/سبتمبر، إلى محاصرة عشرات العائلات لعدة ساعات ومقتل ثلاثة مدنيين على الأقل، بمن فيهم فتاة تبلغ من العمر 10 سنوات.

وأضاف أن اللجنة العسكرية المشتركة (5+5) وافقت على الاجتماع تحت رعاية الأمم المتحدة في سرت يوم الخميس المقبل لمناقشة استئناف الأنشطة التي تضطلع بها اللجنة لمواصلة تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار.

في بنغازي، ليبيا، الدمار الواسع هو تذكير بسنوات من الصراع.
© UNOCHA/Giles Clarke
في بنغازي، ليبيا، الدمار الواسع هو تذكير بسنوات من الصراع.

خطوات باتجاه إعادة توحيد المؤسسات العسكرية

فيما يتعلق بمحادثات رئاسة الأركان، التقى رئيسا الأركان في تونس العاصمة في 12 تشرين الأول/أكتوبر على هامش معرض للطيران والدفاع. ولم تتحقق بعد الزيارة التي يعتزم القيام بها رئيس أركان الدفاع بالجيش الليبي إلى بنغازي.

وقال: "أحث على اللقاءات الدورية بين رئيسي الأركان لتبادل الآراء وإعطاء الزخم للخطوات الرامية إلى إعادة توحيد المؤسسات العسكرية."

وفيما يتعلق بالتطورات على المسار الاقتصادي، قال باتيلي إن هذا المسار يشمل إصدار التقارير السنوية لديوان المحاسبة الليبي وهيئة الرقابة الإدارية عن أنشطة المؤسسات العامة، بما في ذلك مصرف ليبيا المركزي وحكومة الوحدة الوطنية. واستجابة لبعض النتائج والتوصيات الواردة في التقريرين، أعلن رئيس الوزراء، السيد الدبيبة، عن سلسلة من الإجراءات الإدارية التصحيحية، وتم فتح تحقيقات في عمل مسؤولين ليبيين استنادا إلى الملاحظات والتوصيات الواردة في التقريرين.

حقوق الإنسان في ليبيا

أعرب باتيلي عن أسفه إزاء حالة حقوق الإنسان في ليبيا، التي لا تزال تبعث على القلق على حدّ تعبيره. وتحدث عن مواصلة الانتهاكات التي يتعرّض لها المهاجرون وطالبو اللجوء مع الإفلات من العقاب.

ويظل الاعتقال التعسفي من الممارسات الشائعة. في 7 تشرين الأول/أكتوبر، في أعقاب الاشتباكات بين عصابات الاتجار بالبشر المتناحرة في مدينة صبراتة، تم العثور على 11 جثة متفحمة لأشخاص يُعتقد أنهم مهاجرون في قارب كان راسيا، وعُثر على أربع جثث أخرى خارج القارب وتبدو علامات الإصابات عليها.

وأشار إلى إعلان وزارة الداخلية عن إجراء تحقيق ينبغي أن يقدّم الجناة إلى العدالة. وقال السيد باتيلي: "أدعو السلطات الليبية إلى اتخاذ تدابير فورية وذات مصداقية لمعالجة الوضع المتردي للمهاجرين واللاجئين وتفكيك شبكات الاتجار بالبشر والشبكات الإجرامية المتصلة بها."

وتظهر الأرقام الرسمية التي تلقتها أونسميل في 1 تشرين الأول/أكتوبر، أن ما يقرب من 11,000 شخص من بينهم 55 سيّدة، يقضون عقوبات في سجون يديرها جهاز الشرطة القضائية. بالإضافة إلى ذلك، يقبع ما يقرب من 6,000 شخص في الحبس الاحتياطي (ثلث عدد السجناء)، من بينهم 113 سيدة. ويوجد 135 من الأحداث خلف القضبان. والعدد الإجمالي يمثل زيادة بنسبة 40 في المائة عن الإحصاءات الصادرة في آب/أغسطس 2021.

وأضاف أن هذه الأعداد لا تشمل ما يقرب من 3,243 مهاجرا من المحتجزين تعسفا في مراكز التوقيف التي تديرها جهات حكومية.

وقال: "ينبغي على السلطات الليبية ضمان الإجراءات القانونية الواجبة والمحاكمة العادلة للمحتجزين بتُهم ثابتة، والإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع الأشخاص المحتجزين تعسفياً."

يواصل الفريق الصحي التابع للمنظمة الدولية للهجرة في ليبيا دعم المهاجرين ويضمن أن لجميع المهاجرين الحق في الرعاية الصحية والحصول عليها.
IOM/Moayad Zaghdani
يواصل الفريق الصحي التابع للمنظمة الدولية للهجرة في ليبيا دعم المهاجرين ويضمن أن لجميع المهاجرين الحق في الرعاية الصحية والحصول عليها.

المصالحة الوطنية

في 12 تشرين الأول/أكتوبر، نظمت الرئاسة المشتركة لفريق العمل المعني بالقانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان والتابع للجنة المتابعة الدولية المعنية بليبيا، بالتعاون مع المجلس الرئاسي والاتحاد الأفريقي، جلسة إحاطة بشأن المصالحة الوطنية قدّمها خبراء عرضوا فيها أفضل الممارسات وغيرها من الخبرات الوطنية في هذا المجال.

وأوضح باتيلي أن الاجتماع سلّط الضوء على دور الضحايا في صميم عمليات المصالحة الفعّالة القائمة على الحقوق، والحاجة إلى إعادة بناء الثقة في مؤسسات الدولة، والأهمية القصوى لضمان الشمولية وتمثيل المرأة ومشاركتها بصورة مجدية. كما شدد الخبراء على أهمية ضمان ربط جهود المصالحة بشكل فعّال بالعملية السياسية.

وفي 18 تشرين الأول/أكتوبر، اجتمع باتيلي مع وزير خارجية جمهورية الكونغو، بصفته ممثلا لرئيس اللجنة العليا المعنية بليبيا والتابعة للاتحاد الأفريقي. وقال: "أطلعني على نتائج الاجتماع الذي اختُتم للتو والذي ناقش خلاله الاتحاد الأفريقي مع النظراء الليبيين الأعمال التحضيرية لعقد اجتماع للمصالحة الوطنية."

عملية تعيد الشرعية

وقال باتيلي في ختام كلمته إن الوضع في ليبيا يستدعي عملية توافق في الآراء لإعادة شرعية الدولة.

وأشار إلى وجوب تأسيس مؤسسات شرعية قادرة على تلبية الاحتياجات الأساسية للشعب على أساس إرادة سياسية حقيقية. وقال: "في إطار هذه العملية، يأتي إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية كأولوية قصوى."

وأكد أنه سيكثف المشاورات مع الجهات الفاعلة ذات الصلة لإحراز تقدم في التوصل إلى اتفاق بشأن المعايير اللازمة لتحقيق هذا الهدف بما في ذلك خلال القمة المقبلة لجامعة الدول العربية. وقال باتيلي إنه في الأسابيع المقبلة يتعهد بتسهيل اجتماع بين قيادتي مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة لفهم الالتزامات المعلنة في الرباط (21 تشرين الأول/أكتوبر) والاتفاق على تدابير سياسية ودستورية وقانونية وأمنية للمضي قدما في التحضير للانتخابات في أقرب وقت ممكن انسجاما مع التطلعات التي عبّر عنها الشعب الليبي بشكل جليّ.

وسيتوجه باتيلي في 27 تشرين الأول/أكتوبر إلى سرت لاستئناف عمل اللجنة العسكرية المشتركة (5+5) وإحياء المسار الأمني. إضافة إلى إنعاش المسارين السياسي والاقتصادي.

ليبيا: الليبيون في حالة ترقّب

رحب مندوب ليبيا الدائم لدى الأمم المتحدة، طاهر السني، بالسرعة التي شرع فيها السيد باتيلي بالعمل وتصريحاته التي أعلن فيها فور وصوله اعتزامه التواصل مع جميع الأطراف الليبية دون استثناء والاستماع لها بخصوص الأوضاع السياسية والاقتصادية والأمنية.

وقال: "نتمنى أن يستكمل السيد باتيلي من حيث انتهى من سبقه، فلا نعيد مرحلة التجارب والأخطاء السابقة ثم نتوقع نتائج مختلفة."

وقال إن الليبيين في حالة ترقّب وانتظار ويوّدون رؤية انتهاء هذه المرحلة من الأزمات، والتعبير عن رغبة قرابة 3 ملايين ناخب لإجراء الانتخابات.

وأشاد بما وصفه "بوادر توافق" في مجلس الأمن: "نرى ذلك في إمكانية تعيين المبعوث الخاص بعد قرابة عام وكذلك ما نتوقعه من إصدار قرار لتمديد ولاية البعثة." وأوضح أن هذا التوافق يبعث بعض الأمل حول وجود إرادة من مجلس الأمن لحل المشكلة السياسية في ليبيا.

مندوب ليبيا الدائم لدى الأمم المتحدة، طاهر السني، يلقي كلمة أمام مجلس الأمن.
UN Photo/Evan Schneider
مندوب ليبيا الدائم لدى الأمم المتحدة، طاهر السني، يلقي كلمة أمام مجلس الأمن.

دعوة إلى دعم المفوضية العليا للانتخابات

وأكد طاهر السني أن الانتخابات ستكون خطوة مهمة لإيجاد الحل، وكرر طلب دعم المفوضية العليا للانتخابات والحكومة وإرسال فرق لتقييم الاحتياجات من الأمم المتحدة وتوفير الدعم الفني واللوجستي للانتخابات بدءا من الآن بالتوازي مع المسارات السياسية والقانونية الأخرى.

"سيكون ذلك مؤشرا مهما على جدية المجتمع الدولي لدعم الانتخابات وإرجاع الزخم الذي كان موجودا قبل شهر كانون الأول/ديسمبر الماضي."

وأشار إلى الحاجة لدعم الجهود الوطنية للخروج من دائرة الصراع على حد تعبيره، وإنهاء التدخلات الأجنبية والانقسام، "ولا سبيل لذلك سوى بمصالحة وطنية حقيقية" لتساهم في حلحلة الانسداد السياسي الراهن.

وقال: "نحتاج إلى إعادة بناء الثقة بين جميع أبناء الوطن بمختلف توجهاتهم وانتماءاتهم ونعمل على طيّ صفحة الماضي"

وأضاف أن المجلس الرئاسي قام بخطوات عملية فاعلة بدأت بإنشاء المفوضية العليا للمصالحة الوطنية برئاسة النائب عبد الله اللافي وتم إنشاء لجنة من خبراء القانون لصياغة قانون موحد للمصالحة الوطنية والعدالة الانتقالية. ولفت الانتباه إلى عقد اللجنة الاستشارية اجتماعها الأول في طرابلس منذ أيام بعضوية الاتحاد الأفريقي للإعداد للملتقى التحضيري الذي سيُعقد في منتصف الشهر المقبل بحضور أكثر من 80 عضوا يمثلون كافة المدن والمناطق الليبية تمهيدا لعقد مؤتمر المصالحة الوطنية المتوقع العام المقبل.