منظور عالمي قصص إنسانية

المتحدث باسم اليونيسيف: قتل الأطفال في غزة لن يجلب السلام إلى المنطقة

طفل يجلس أمام إحدى مدارس الأونروا في غزة التي تحولت إلى ملجأ للنازحين.
UNRWA/Fadi
طفل يجلس أمام إحدى مدارس الأونروا في غزة التي تحولت إلى ملجأ للنازحين.

المتحدث باسم اليونيسيف: قتل الأطفال في غزة لن يجلب السلام إلى المنطقة

السلم والأمن

قال جيمس إلدر المتحدث باسم اليونيسيف إن قتل الأطفال في غزة والدمار في القطاع لن يجلبا السلام للأطفال أو المنطقة، مشيرا إلى أن وقف إطلاق النار هو الحل الوحيد. وأوضح أن التأثير غير المتناسب الذي تحدثه هذه الحرب على الصبيان والفتيات يؤكد الاعتقاد السائد بأن الحرب في غزة "هي حرب على الأطفال".

متحدثا لأخبار الأمم المتحدة من رفح، جنوبي غزة، أعرب إلدر عن قلقه العميق إزاء تلاشي الأمل لدى سكان غزة، وخاصة لدى الشباب، وحث العالم على التحرك لإنهاء هذه المأساة الإنسانية. وروى قصصا مؤلمة عن أطفال فقدوا أهلهم ومنازلهم، ويعانون من سوء التغذية والصدمات النفسية، مؤكدا على ضرورة وقف إطلاق النار فورا لإنقاذ حياة الأطفال وتوفير الرعاية الصحية والتعليم لهم. 

المزيد في الحوار التالي مع المتحدث باسم اليونيسف:

جيمس إلدر: بذل الزملاء والشركاء جهدا هائلا، على مدار الأشهر الماضية، لإنشاء مراكز لعلاج حالات سوء التغذية، ثم أتت الهجمات العنيفة في رفح والتي أجبرت نحو مليون شخص على النزوح مجددا، ولمرات عديدة، وبالتالي فقدنا مراكز العلاج هذه، وفجأة، اختفى آلاف الأطفال الذين كانوا يحصلون على التغذية التي يحتاجونها بشدة. هذا هو الوضع الخطير الذي نمر به الآن. نعلم أن هناك نقصا مميتا وخطيرا في مياه الشرب والصرف الصحي، لذا فنحن نبدأ الآن من جديد، ولدينا شركاء رائعون، وتحشد جميع الوكالات الأخرى جهودها كي نتمكن من إنشاء هذه المراكز مجددا وتحديد الأمهات اليائسات للحصول على هذا الدعم.

ما من شيء طبيعي في الخوف المستمر الذي يعيشه الأطفال في غزة

يتعرض الأطفال للهجوم. إنهم يتعرضون للهجوم بسبب نقص التغذية والصرف الصحي، وبسبب القيود المستمرة على المساعدات، ولكن كذلك لا يزالون يتعرضون للقصف من الجو. أعلم أنه قد مضى 250 يوما على الحرب. أعلم أن هناك خطرا جسيما إزاء تطبيع هذا الأمر، ليس هناك شيء طبيعي في الخوف المستمر الذي يعيشه الأطفال هنا، وما من شيء طبيعي في الليالي الثلاث الأخيرة من القصف المتواصل والطائرات المسيرة التي تحرم الأطفال من النوم. وبالطبع ما من شيء طبيعي فيما يتعلق بالجراح المروعة للأطفال التي رأيتها قبل بضع ساعات فقط في مستشفى الأقصى. كنت أتحدث مع عائلات أطفال كانوا يسكنون في مبنى مكون من ثلاثة طوابق وفجأة عند الساعة الخامسة صباحا تم تدمير المبنى وأصبحوا تحت الأنقاض. قتل أطفال وأمهات، وهذا أمر مستمر منذ 250 يوما. الأطفال وأسرهم يعانون جسديا ونفسيا.

المتحدث باسم اليونيسف، جيمس إلدر متحدثا لأخبار الأمم المتحدة من رفح في غزة.
UN News/Abdelmonem Makki

 

أخبار الأمم المتحدة: كم عدد المستشفيات العاملة الآن في المناطق التي تمكنت من زيارتها؟

جيمس إلدر: هناك حفنة من المستشفيات التي تعمل جزئيا الآن، بدلا من 36 مستشفى (كانت تعمل في غزة قبل الحرب). مستشفى الأقصى - الذي تحمل العبء الأكبر من هؤلاء الأشخاص بعد العملية الي جرت يوم السبت الماضي - وكان مكتظا بالفعل، لأنه أصلا في وضعية حرب، ولذلك عندما زرت مستشفى الأقصى يوم الثلاثاء، كان هناك عشرات الأشخاص المصابون بجروح فظيعة يرقدون على الأرضيات، وعلى المراتب. 

كان هناك أطفال مصابون بإصابات فظيعة ناجمة عن انفجارات وحروق. كما تعلم، عندما تنفجر قنبلة فإنها تلتقط أي شيء وكل شيء من الطوب إلى البلاط بالإضافة طبعا إلى الشظايا. إنها تحدث آثارا فظيعة في جسم الطفل، لذا فإن المستشفيات تفيض بالجرحى. ومثلما قال لي أحد الأطباء إنه ما من مستشفى في العالم يمكنه أن يتحمل الضغط التي نمر به الآن. هناك أطباء فلسطينيون في غزة يتحلون بروح هائلة. يعمل مستشفى ناصر في خان يونس بصورة جزئية، وقد كان ثاني أكبر مستشفى في غزة ثم الآن أصبح أكبر مستشفى في القطاع بعد تدمير مستشفى الشفاء. عندما زرته (مستشفى ناصر) آخر مرة منذ شهرين كان مدمرا من الداخل بعد الهجمات على خان يونس، وقد تمت استعادته للعمل جزئيا، ولكنه ممتلئ عن آخره، جناح الطوارئ ممتلئ وكذلك جناح الأطفال ووحدة العناية المركزة.

لقد شهدنا دمارا منهجيا لنظام الرعاية الصحية الذي هو على حافة الانهيار وفقا لزملائي في منظمة الصحة العالمية.

فريق أممي يقيم الدمار اللاحق بمستشفى الشفاء بمدينة غزة، بعد الحصار الإسرائيلي.
WHO

 

أخبار الأمم المتحدة: هناك مركزان فقط يعملان من بين ثلاثة مراكز متخصصة في علاج سوء التغذية في غزة. هل لدى اليونيسف أي خطط بديلة لملء هذا الفراغ؟

جيمس إلدر: من المؤكد أن لدينا خططا وهي أن نعيد تشغيل مركز آخر. هناك مراكز أصغر حجما يديرها الشركاء. يفعل الشركاء ما بوسعهم، فهم يقدمون الأغذية العلاجية للأمهات. إنهم يتجولون في الخيام لإخبار الناس كي يأتوا إليهم. هذه من الأمور التي يمكننا القيام بها. 

وبالطبع، كما تعلمون، يوم الأربعاء الماضي، كنت في قافلة تحاول إيصال المساعدات إلى الشمال، حيث نقوم باستمرار بتوزيع المساعدات على شركائنا وكذلك تدريب الشركاء. يبدو غريبا أن ندرب الشركاء على فحص سوء التغذية والاستجابة له، ولكن يحدث هذا لأنه قبل هذه الحرب وهذه الفظائع، غزة لم تكن تعاني من مشكلة سوء تغذية حادة. ولذا نحن نقوم بالتدريب وتوصيل الإمدادات، نحاول إعادة مراكز علاج سوء التغذية هذه إلى العمل مرة أخرى، على الرغم من أننا نعلم أن هذه الحرب مستمرة، ويستمر تشريد الناس من منازلهم وتتعطل عملياتنا باستمرار مثل جميع الوكالات الأخرى.

أخبار الأمم المتحدة: تحدثت في منشور على وسائل التواصل الاجتماعي عن التحديات التي تواجهها اليونيسف في سبيل توصيل الإمدادات إلى أطفال غزة، هل يمكنك أن تحدثنا أكثر عن هذا الأمر؟

جيمس إلدر: يوم الأربعاء، كانت لدينا شاحنة محملة بإمدادات طبية ومستلزمات لعلاج سوء التغذية لـ 10,000 طفل، وحصلنا على جميع الموافقات. ومع ذلك عندما تحركنا يوم الأربعاء، استغرقت الرحلة - التي كانت في الأساس 40 كيلومترا ذهابا وإيابا - 13 ساعة، قضينا ثماني ساعات منها عالقين في نقاط التفتيش أو بالقرب منها. وفي نهاية المطاف، تم إرجاع تلك الشاحنة المحملة بالتغذية والإمدادات الطبية، ولم نتمكن من العبور. ولكننا سنعيد القيام بهذه الرحلة مرة أخرى. كما تعلمون، فمحاولة إيصال المساعدات إلى قطاع غزة محفوفة بالمخاطر. وخلال هذه الحرب المستمرة منذ ثمانية أشهر، قُتل أكبر عدد من زملائي في الأمم المتحدة - أكثر من أي صراع آخر في تاريخ الأمم المتحدة، لذا فإن الأمر ليس بهذه السهولة. نحتاج إلى مركبتين مدرعتين في كل مرة نتحرك فيها.

إرجاع قافلة المساعدات كان مخيبا للآمال للغاية، حيث كانت تحمل إمدادات للشركاء والأطفال

في اليونيسف نقوم بتوزيع الخيام ونوفر الوقود لمحطات تحلية المياه ولدينا الكثير من البرامج الأخرى، سنعاود المحاولة، ولكن إرجاع القافلة كان مخيبا للآمال للغاية، حيث كانت تحمل إمدادات للشركاء والأطفال. عند حلول الظلام كنا ننتظر بالقرب من إحدى نقاط التفتيش. انتظرنا لساعات على الخط الساحلي كنت أشاهد رجالا من الصيادين - ولا شك أنه كانت لديهم مهن سابقة، ربما كانوا محاسبين أو محامين – وقد ذهبت كل وظائفهم أدراج الرياح وتعرضت اقتصاداتهم للدمار. 

كانوا يصطادون باستخدام شبكة واحدة محاولين اصطياد بعض الأسماك لعائلاتهم وللأسف جاءت دبابة، وبعد ذلك كان هناك إطلاق نار من موقع في المنطقة المحيطة بنقطة التفتيش العسكرية الإسرائيلية، وقتل صيادان بالرصاص. لم نكن متأكدين مما إذا كانا قد ماتا بالفعل. كان لدينا زملاء من منظمة الصحة العالمية وزميل مسعف وقد قاموا بالاتصال بالسلطات الإسرائيلية عبر الراديو لسؤالهم عما إذا كان بإمكاننا الوصول إلى هذين الشخصين لمعرفة ما إذا كان بإمكاننا تقديم الرعاية الطبية لهما. وقد تم رفض طلب تقديم الرعاية الطبية لهما، وبعد نصف ساعة، عاد صيادون آخرون يحملون أكياس جثث، لنكتشف أن الرجلين قد فارقا الحياة بالفعل، حيث أصيب أحدهما برصاصة في ظهره، بينما أصيب آخر بطلق ناري في عنقه.

فلسطيني يقف  بجوار سيارة تابعة للأمم المتحدة ومبنى طالهما الدمار في غزة.
Fadi/UNRWA

 

أخبار الأمم المتحدة: أعلم أن الناس الآن يسعون للنجاة بحياتهم، ولكن إذا ما تحدثنا عن التعليم فقد تم تدمير العديد من المدارس في غزة بسبب هذه الحرب، ما رأيك في العواقب طويلة المدى لهذا الأمر؟

 جيمس إلدر: يجب أن يشعر العالم بالرعب من العواقب طويلة المدى لهذه المسألة، لأننا نعلم أنه كلما طال أمد الحرب زاد الضرر النفسي الذي تلحقه بالأطفال. اليونيسف تعرف ذلك من اليمن أو أفغانستان. إننا نتجه صوب المجهول عندما يتعلق الأمر بالصحة النفسية للأطفال. وفي الوقت نفسه، فطالما استمرت هذه الحرب، فهذا يعني استحالة تقديم العلاج للأطفال. جلست مع الطفل الصغير عمر - الذي كان يتابع علاجه النفسي - وكان يغلق عيناه باستمرار كي لا ينسى والديه اللذين قتلا وكذلك شقيقه التوأم. رأيت عمر في تشرين الثاني/نوفمبر، ورأيته مرة أخرى منذ يومين، ولم يعد قادرا على تذكر والديه.

إننا نتجه صوب المجهول عندما يتعلق الأمر بالصحة النفسية للأطفال

يتعين على الأطفال أن يوفروا الرعاية الصحية العقلية لأنفسهم لأن أولياء أمورهم يتحملون المعاناة نفسها. وهذا هو السبب في ضرورة أن يقلق العالم إزاء هذا الأمر. أي خبير اقتصادي أو متخصص في علم الديموغرافيا سيخبرك أن منح الشباب المهارات المناسبة والتعليم المناسب والفرصة المناسبة، سيحدث طفرة ديموغرافية، ولكن في غزة يحدث العكس. فالأطفال والشباب يعانون من العنف، ويُحرمون من أبسط الحقوق، ويرون الموت، ولا يحصلون على التعليم وليست هناك جامعات، وأعتقد أن هناك تقارير تفيد بمقتل ما بين 90 إلى 95 أستاذا جامعيا. وبالتالي هنا تكمن أهمية وقف إطلاق النار كي يتمكّن الأطفال من الذهاب إلى المدرسة، وكي نتمكن من تقديم المساعدات بأمان، وتتم إعادة الرهائن إلى منازلهم. ومثلما قالت لي إحدى الأمهات: إذا كان هناك وقف لإطلاق النار يمكنني أن أخلد إلى النوم وأن أوعد ابنتي أنها سوف تستيقظ في صباح الغد، ولكن أولياء الأمور ليس بإمكانهم فعل ذلك الآن.

هذه حرب على الأطفال.  لا نقول ذلك باستخفاف، ولا نقول ذلك للاستهلاك الإخباري، بل نقوله بناء على الأدلة المستندة إلى التأثير غير المتناسب

أخبار الأمم المتحدة: تؤكد الأمم المتحدة باستمرار الحاجة الملحة لوقف إطلاق النار لمعالجة هذه الأزمة الإنسانية في غزة، ومع ذلك، تستمر الحرب. ما هي رسالتك إلى العالم؟

جيمس إلدر: أعتقد أن الرسالة هي - مثلما سمعنا من الأمين العام للأمم المتحدة ومن مديرتي التنفيذية منذ البداية - لابد من وقف إطلاق النار كي تتم إعادة الرهائن إلى ديارهم، ووقف القصف. يجب على الأطراف التي لديها السلطة على وقف إطلاق النار أن تكون مرتبطة بمعاناة الناس هنا، يبدو أن هذا لا يحدث، مهما كان الهدف العسكري لهذه الأطراف المتحاربة، فهذه حرب على الأطفال، لا نقول ذلك باستخفاف، ولا نقول ذلك للاستهلاك الإخباري، بل نقوله بناء على الأدلة المستندة إلى التأثير غير المتناسب الذي تحدثه هذه الحرب على الأولاد والبنات.

وقف إطلاق النار هو الحل الوحيد. ومثلما قالت مديرتي التنفيذية قبل عدة أشهر أمام مجلس الأمن، فإن قتل الأطفال في غزة والدمار في غزة لن يجلبا السلام للأطفال أو المنطقة.

عائلة تتجمع في أحد مراكز الإيواء التابعة للأونروا في غزة.
Fadi/UNRWA

 

أخبار الأمم المتحدة: زرت قطاع غزة عدة مرات، هل رأيت أي علامات أمل أو أي شيء مختلف بينما أنت في غزة الآن؟ 

جيمس إلدر: إنها رحلتي الثالثة الآن، فقد زرت غزة في تشرين الثاني/نوفمبر وآذار/مارس، والآن. وما رأيته الآن هو عكس الأمل، رأيت الأمل ينطفئ. كنت قد لمست الأمل في قرار مجلس الأمن الذي اتخذه في آذار/مارس. كنت حينها قد تحدثت إلى الناس وكانوا يشعرون بأن الحرب تقترب من نهايتها، وقد كان شعورا رائعا. ثم بعد ذلك تلاشى ذلكم الأمل بعيدا.

هناك مزيج من الناس. هناك من يقولون لي لقد دُمر منزلي، وقُتل زوجي وطفلي، ولم أعد قادرة على إطعام أطفالي الآخرين بشكل منتظم وفقدت وظيفتي وكل ما تبقى لي هو الأمل. وهناك آخرون يقولون لي إنه كان هناك الكثير من القرارات (من مجلس الأمن).

بصورة مخيفة قال لي العديد من الشباب كلمات مفادها أنهم يأملون أن يضرب صاروخ خيمتهم كي يموتوا وتنتهي هذه المأساة. هذه هي الحالة النفسية الخطيرة التي يعيشها الناس الآن، لا يمكننا أن نسمح للعالم أن يدير ظهره، لا يمكننا أن نسمح بتطبيع هذا الأمر، لا يوجد شيء طبيعي في أزمة سوء التغذية هذه، لا يوجد شيء طبيعي في القصف المتواصل أو الفظائع التي أراها في المستشفيات من المؤكد أنه ليس هناك شيء طبيعي في أن يعيش الأطفال وأسرهم في حالة خوف دائمة.