منظور عالمي قصص إنسانية

مدير شؤون الأونروا في غزة: الحاجة ماسة لوقف إطلاق النار، وتفعيل المادة 99 يجسد خطورة الوضع

طفل من غزة في أحد الملاجئ جنوبي القطاع.
© WHO
طفل من غزة في أحد الملاجئ جنوبي القطاع.

مدير شؤون الأونروا في غزة: الحاجة ماسة لوقف إطلاق النار، وتفعيل المادة 99 يجسد خطورة الوضع

السلم والأمن

قال توماس وايت مدير شؤون وكالة الأونروا في قطاع غزة إن هذه الحرب ألحقت خسائر فادحة بغزة وأهلها، حيث فقد الناس ذويهم وممتلكاتهم ومنازلهم، مشيرا إلى أن تفعيل الأمين العام للمادة 99 من ميثاق الأمم المتحدة يجسد مدى خطورة الوضع. 

من رفح، تحدث توماس وايت لأخبار الأمم المتحدة، مؤكدا أن وقف إطلاق النار وحده الكفيل بوقف الموت والدمار والنزوح في غزة.

ملاجئ الأونروا في رفح تعاني من الاكتظاظ الشديد ويقيم الكثير من الأشخاص الآن في العراء. لكن موظفي الوكالة الأممية يواصلون العمل لساعات طويلة جدا، يوميا، لخدمة مجتمعهم، على الرغم من فقدان زملائهم وأحبائهم ومنازلهم، وعلى الرغم من أنهم أصبحوا أنفسهم نازحين ويعيش الكثير منهم في الملاجئ، وفقا للسيد توماس وايت.

كما سلط مدير الأونروا الضوء على القصص المأساوية التي يرويها الأشخاص الناجون من الاعتداءات في الشمال وخاصة في الشجاعية وجباليا. في بداية الحوار سألناه عن الوضع في مدينة رفح التي يلجأ إليها الآلاف من الفارين من الحرب، والتي لم تسلم هي الأخرى من القتال فقال:

في كل مرة أسمع فيها إحدى هذه الغارات الجوية، أعرف أن عائلة ستحزن على أحبائها

توماس وايت: في الواقع، لا يوجد مكان آمن في غزة. هناك قتال عنيف للغاية في شمال غزة، مدينة غزة. هناك الآن قتال نشط للغاية في خان يونس ورفح، في الجنوب، حيث أقيم، وحيث يلجأ الكثير من الفارين من القتال في خان يونس الآن. نشهد غارات جوية مستمرة على المدينة. في كثير من الأحيان يتم إطلاق نار من البحرية على منطقة رفح. لذا فإن سماع أصوات الغارات الجوية خلال وجودي في مركز التوزيع الخاص بالأونروا، للأسف، أصبح أمرا طبيعيا. في كل مرة أسمع فيها إحدى هذه الغارات الجوية، أعرف أن عائلة ستحزن على أحبائها، لأن معظم هذه الغارات الجوية تضرب المنازل.

أخبار الأمم المتحدة: ذكرت أن المجتمع في غزة على حافة الانهيار الكامل. هل يمكن توضيح ذلك؟

توماس وايت: لقد ألحقت هذه الحرب خسائر فادحة بغزة وأهلها. الجميع في غزة يشعرون بالحزن. لقد فقد كل إنسان هنا قريبا أو صديقا أو زميلا. فقدت بعض الأسر معظم أفرادها. ومن الناحية النفسية، فإن الأمر صعب للغاية على سكان غزة. وقد تسبب هذا الصراع في نزوح أكثر من مليون شخص. فقد الناس أيضا منازلهم وجميع ممتلكاتهم. استثمرت العائلات في غزة المدخرات التي جنتها طوال العمر في بناء منازلها، هذه المنازل تتوارثها الأجيال المتعددة، وهي عزيزة على أصحابها. لذلك، من المدمر أن يخسر مئات الآلاف من الأشخاص منازلهم. 

يبلغ عدد سكان رفح عادة 280 ألف نسمة. ونتوقع أن يكون هناك ما يزيد عن800 ألف نازح الآن في رفح. لذلك هناك ضغط هائل على البنية التحتية من حيث القدرة على ضخ المياه، وتوفير مياه الشرب النظيفة، وضخ مياه الصرف الصحي، وإزالة النفايات من الشوارع. حرفيا، المدينة منهكة بعدد الأشخاص الذين تحاول دعمهم. حولت الأونروا معظم مدارسها إلى ملاجئ. تضم ملاجئنا بين 6-7 آلاف شخص في المتوسط، في أحسن الأحوال. لقد كنا نخطط دائما أنه إذا احتجنا إلى تحويل المدارس إلى ملاجئ، فإنها ستسع لنحو 1,500 شخص. 

لذلك نحن نكافح من أجل توفير ما يكفي من الصرف الصحي، على سبيل المثال، داخل هذه الملاجئ. إنها مزدحمة للغاية. الكثير من الأشخاص الذين لا يستطيعون العثور على مكان في ملجأ يخيّمون الآن فعليا في العراء سواء في المدينة أو في ضواحيها. لذا فإن الظروف المعيشية يائسة للغاية. هناك ضغط هائل على المجتمع المضيف في رفح الذي أصبح منهكا بسبب استضافة كمية من الناس تفوق عدد سكان المدينة بثلاثة أضعاف. هناك ضغط على الخدمات العامة والبنية التحتية للمياه وأماكن الإيواء. الوضع صعب للغاية الآن.

أخبار الأمم المتحدة: هل ما زالت المساعدات تصل إلى غزة عبر معبر رفح؟

توماس وايت: إحدى أكبر المشكلات التي تواجه الاستجابة الإنسانية في غزة هي أننا لم نتمكن من إدخال ما يكفي من المساعدات. هناك عملية معقدة للغاية تنطلق من مصر عبر موقع إسرائيلي للفحص على الحدود المصرية الإسرائيلية ثم العودة للدخول إلى معبر رفح. 

تعيش معظم العائلات في غزة على قطعة أو قطعتين من الخبز الصغير للشخص الواحد

لذا فإن الضوابط المفروضة على هذه العملية لم تسمح بإدخال ما يكفي من الشاحنات إلى غزة. لذلك، لم نتمكن من جلب ما يكفي من دقيق القمح. تعيش معظم العائلات في غزة على قطعة أو قطعتين من الخبز العربي الصغير للشخص الواحد. 

لم نتمكن من جلب إمدادات المياه الحيوية مثل مضخات المياه ومعدات محطات تنقية المياه. لا يمكننا توفير الخيام للأشخاص الذين ينامون في العراء. وتكافح المستشفيات من أجل التأقلم بسبب نقص الأدوية. وبالتالي فإن القيود وهذه العملية المعقدة للغاية لجلب المساعدات إلى غزة تعني عدم وصول مساعدات كافية. زادت مسألة عدم توفر الوقود الأمر تعقيدا. الوقود هو إحدى السلع الأساسية لغزة لأنه يستخدم في تشغيل المخابز ومحطات تحلية المياه وجميع الخدمات البلدية، بالإضافة إلى جميع المولدات والشاحنات والسيارات التي نحتاجها لدعم العملية الإنسانية. فرضت إسرائيل قيودا على إمدادات الوقود. وقد أدى ذلك إلى فرض ضغط هائل على قدرتنا على خدمة السكان أيضا. 

أخبار الأمم المتحدة: لقد وُصفت خان يونس بأنها "منطقة قتال خطيرة". هل لا يزال هناك مدنيون داخل المدينة؟

توماس وايت: عبارة "منطقة قتال خطيرة" هي التي يستخدمها الجيش الإسرائيلي لوصف قلب مدينة خان يونس، في اتصالاته مع سكان المدينة سواء من خلال الرسائل النصية أو المنشورات التي يتم إسقاطها من الجو. لذلك، طُلب من الناس مغادرة الضواحي أو المناطق الواقعة إلى الشمال والشرق من مدينة خان يونس، لأنه ستكون هناك عمليات عسكرية. نحن ندرك أن أكثر من 150 ألف شخص قد غادروا بالفعل. كما غادر بعض الأشخاص من قلب المدينة حيث تلقوا هذه الرسالة من الجيش الإسرائيلي تفيد بأنها منطقة قتال خطيرة، وهي كذلك بالفعل لأن الناس لا يزالون يفقدون حياتهم في مدينة خان يونس. شهدت الليالي القليلة الماضية غارات جوية مكثفة للغاية داخل المدينة، وكذلك عمليات برية للجيش الإسرائيلي داخل المدينة.

أخبار الأمم المتحدة: هل يمكنك أن تخبرنا عن الوضع في الشمال؟ هل لديك أرقام تقديرية لمن لا يزالون هناك؟

توماس وايت: الوضع في الشمال صعب للغاية بالنسبة للأشخاص الذين لا يزالون هناك. لقد فقدنا إمكانية الوصول بقوافل المساعدات إلى الشمال. لذلك يتعين علينا المرور عبر منطقة تسيطر عليها أو تحتلها إسرائيل.

 لقد تمكنا من الوصول إلى الشمال خلال الهدنة الإنسانية التي استمرت حوالي سبعة أيام. نسقنا من أجل التحرك وإدخال الإمدادات إلى المدينة. لقد غادرت نسبة كبيرة من سكان تلك المدينة، ولكن لا يزال أشخاص يقيمون هناك. 

في الوقت الحالي، نسمع قصصا مأساوية حقا من ناجين من الاعتداءات في منطقتين رئيسيتين، الشجاعية وجباليا، شمال مدينة غزة. لقد تم إخلاء المستشفيات بصورة قسرية. لذلك ليس هناك رعاية طبية فعالة. ندرك أنه أصبح من الصعب بشكل متزايد ضخ أي مياه. لذا فإن الوضع مأساوي حقا بالنسبة لأولئك الذين لا يزالون في الشمال.

أخبار الأمم المتحدة: قُتل أكثر من 130 من الزملاء في الأونروا، وتم تهجير ما لا يقل عن 70% من موظفي الوكالة. كيف تستطيع الأونروا القيام بمهامها في خضم كل هذا؟ 

توماس وايت: أولا، إنه لأمر مأساوي للغاية أن تفقد الأونروا 130 موظفا. أشعر بالخوف في كل صباح عندما أفتح رسالة بريد إلكتروني تخبرنا بأن موظفا قد فقد حياته، لأنه يوميا تُفقد حياة أخرى من زملائنا في عائلة الأونروا. 

ما يقرب من 70% من موظفينا فقدوا منازلهم أو تم تهجيرهم. ولكن هذا في الواقع يعكس ما يحدث في جميع أنحاء غزة، التي تشهد مستوى غير مسبوق من الموت والدمار، بالإضافة إلى تهجير أكثر من مليون شخص خلال الصراع. 

حالة موظفينا هي انعكاس لما يعيشه بقية المجتمع

لذا فإن ما يعيشه موظفونا هو انعكاس لما يعيشه بقية المجتمع. الأمر المذهل حقا هو أن العديد من موظفينا يواصلون العمل. لدينا الآن قوة عاملة تزيد عن 5,000 شخص يواصلون خدمة السكان. 

إنهم الأطباء والممرضون في العيادات الصحية التي لا نزال نديرها. إنهم السائقون والعاملون في الخدمات اللوجستية الذين يسعون إلى التأكد من مرور قوافل المساعدات حول غزة. 

إنهم المعلمون الذين اعتادوا الحضور في الفصول الدراسية ولكنهم يعتنون الآن بالأشخاص الذين يبحثون عن مأوى في تلك الفصول الدراسية. إذن، هناك مجموعة رائعة جدا من الأشخاص الذين يواصلون العمل لساعات طويلة جدا، يوميا، لخدمة مجتمعهم، على الرغم من فقدان زملائهم وأحبائهم ومنازلهم، وعلى الرغم من أنهم أصبحوا أنفسهم نازحين ويعيش الكثير منهم في الملاجئ.

أخبار الأمم المتحدة: المفوض العام للأونروا فيليب لازاريني قال في رسالة إلى رئيس الجمعية العامة إن قدرة الأونروا على تنفيذ ولايتها في غزة على المحك. كيف يبدو ذلك على الأرض؟

توماس وايت: المفوض العام يعبر عن وضع لا نستطيع فيه خدمة سكان غزة. لأعطيكم مثالا، يوجد في ملاجئنا الآلاف من الأشخاص الذين يعيشون في مدرسة تضم عادة ألف طفل. أعتقد أن 125 شخصا في المتوسط يستخدمون مرحاضا واحدا. 

يحصل الشخص على أقل من لترين من مياه الشرب يوميا على الرغم من أن المعايير الدولية لكمية المياه اللازمة للبقاء على قيد الحياة في حالات الطوارئ هي ثلاثة لترات من المياه. والحقيقة هي أننا كوكالة أصبحنا منهكين بسبب تزايد احتياجات الناس. 

ولا يزال الناس يموتون نتيجة الغارات على الملاجئ أو حولها حيث يلتمسون الحماية تحت راية الأمم المتحدة. نحن محرومون من الموارد التي نحتاج إلى توفيرها للناس. يعرف موظفونا ما يتعين عليهم فعله حيال المجتمع. لكننا لا نملك الأدوات اللازمة لتزويدهم بالمساعدة التي يحتاجون إليها. 

وثانيا، ينبغي حماية الناس بموجب القانون الدولي الإنساني. وعلى الرغم من ذلك، لا يمكننا أن نقدم لهم الحماية التي ينبغي توفيرها تحت راية الأمم المتحدة.

أعتقد أن تفعيل الأمين العام للمادة 99 من ميثاق الأمم المتحدة وتسليمه خطابا إلى مجلس الأمن يجسد مدى خطورة الوضع. 

والحقيقة هي أن وقف إطلاق النار هو الشيء الوحيد الذي سيوقف الموت والدمار والنزوح الذي شهدناه. من المهم جدا أن تدعو الأمم المتحدة إلى وقف إطلاق النار في غزة الآن. وهذا ما يفعله الأمين العام عندما يرفع أمرا كهذا إلى مجلس الأمن.