منظور عالمي قصص إنسانية

حوار – "وضع مأساوي ومحزن"، مسؤولة في منظمة الصحة العالمية تروي مشاهدات من قطاع غزة

طفلة تسير وسط الأنقاض في رفح.
© UNRWA
طفلة تسير وسط الأنقاض في رفح.

حوار – "وضع مأساوي ومحزن"، مسؤولة في منظمة الصحة العالمية تروي مشاهدات من قطاع غزة

السلم والأمن

جددت مسؤولة في منظمة الصحة العالمية التأكيد على أنه "لا مكان آمنا" في قطاع غزة، حيث وصفت الوضع الذي شاهدته خلال الفترة التي قضتها هناك بأنه "مأساوي" و"محزن". كما نبهت إلى أن الوقود والإمدادات آخذة في النفاد مما يشكل ضغطا على العاملين في المجال الصحي هناك.

نيكا ألكسندر، مسؤولة الاتصال في منظمة الصحة العالمية وصفت لأخبار الأمم المتحدة بعد مغادرتها لقطاع غزة مدى خطورة الوضع هناك في كل يوم وكل ساعة "عندما تسمع صوت طائرة، يمكن أن تسقط قنبلة بعدها بفترة وجيزة".

وأوضحت أن ما شهدته يظهر بشكل جلي مدى صعوبة الوضع لسكان غزة، وبالنسبة للأشخاص الذين يحاولون مساعدتهم. وقالت إن المستشفيات التي مازالت تعمل في القطاع غير قادرة على تقديم الخدمات الكاملة، بل "يبذل الجميع قصارى جهدهم حتى لا يموت الناس بسبب الإصابة، ويقدمون بعض الرعاية الأساسية".

وأضافت أن تلك المستشفيات والعاملين الصحيين والمرضى الذين يحاولون الوصول إلى تلك المرافق "في وضع محفوف بالمخاطر". لكنها شددت على أنه رغم كل ذلك تبذل المستشفيات قصارى جهدها لمواصلة تقديم مستوى معين من الخدمات الصحية للجرحى، وكذلك الأشخاص الذين يعانون من حالات صحية أخرى.

نيكا ألكسندر، مسؤولة اتصال في منظمة الصحة العالمية.
UN News
نيكا ألكسندر، مسؤولة اتصال في منظمة الصحة العالمية.

نقص الوقود والإمدادات

وأوضحت مسؤولة الاتصال في منظمة الصحة العالمية أن المنظمة تعمل على توفير الوقود والإمدادات للمستشفيات القادرة على العمل، وأنهم نقلوا مكان تخزين الإمدادات إلى مناطق أبعد إلى الشمال من رفح "حتى نتمكن من الحفاظ على تلك الإمدادات آمنة، والحفاظ على إيصالها إلى المستشفيات".

لكنها حذرت من أن الوقود يصل بشكل متقطع منذ إغلاق المعابر في مطلع هذا الشهر، مما يجعل من الصعب جدا على المستشفيات الاستمرار في العمل، والتأكد من أن لديها إمدادات من الوقود يمكن الاعتماد عليها لمواصلة القيام بعملها المنقذ للحياة.

عائلة فلسطينية تفر من مدينة رفح جنوب قطاع غزة.
© UNICEF/Eyad El Baba
عائلة فلسطينية تفر من مدينة رفح جنوب قطاع غزة.

إليكم النص الكامل للحوار مع مسؤولة الاتصال في منظمة الصحة العالمية، نيكا ألكسندر.

أخبار الأمم المتحدة: عدتِ للتو من غزة. فهل يمكنك وصف الوضع هناك؟

نيكا ألكسندر: لقد عدت من غزة قبل أسبوع، ومنذ ذلك الحين أفكر كثيرا في الأمر. لكن ما خرجتُ به هو كم هو الوضع مأساوي، وكم هو محزن، ومدى صعوبة الأمر على الناس هناك، ومدى صعوبة الوضع على سكان غزة، ومدى صعوبة الأمر بالنسبة للأشخاص الذين يحاولون مساعدة سكان غزة، وخطورة هذا الوضع في كل يوم وفي كل ساعة، عندما تسمع صوت طائرة، يمكن أن تسقط قنبلة بعد فترة وجيزة. لكن عندما أسمع صوت طائرة هنا، فهي ربما تحمل شخصا ذاهبا في إجازة. 

ومن ثم فإن ما يحدث هناك هو عالم مخالف تمام لما يعيشه الجميع. فما يعيشه الناس في الحرب هو أمر مروع. ومن الصعب أن نتخيل كيف يمكن للناس أن يعيشوا يوما بعد يوم هكذا. 

أخبار الأمم المتحدة: إذا تحدثنا عن المرافق الصحية في الجنوب، هل ما زالت تعمل؟

نيكا ألكسندر: في جميع أنحاء غزة، لا يزال ثلث المستشفيات يعمل، لذا فإن حوالي 12 مستشفى من أصل 36 لا تزال قادرة على العمل بطريقة ما. إنهم غير قادرين على تقديم الخدمات الكاملة. يعمل البعض منها تقريبا كنقطة لتثبيت استقرار الإصابات، حيث تحاول فقط إيقاف النزيف، ويبذل الجميع قصارى جهدهم حتى لا يموت الناس بسبب الإصابة، ويقدمون بعض الرعاية الأساسية. 

وأصبح مستشفى ناصر قادرا على تقديم بعض الرعاية الأساسية مرة أخرى. وجميع تلك المستشفيات قادرة على تقديم بعض خدمات غسيل الكلى. لكن مختلف أنحاء القطاع يعد منطقة حرب. 

في بعض الأحيان نركز على منطقة أو أخرى، مثل جباليا أو رفح. لكن في الحقيقة، في جميع أنحاء قطاع غزة، الوضع غير آمن. والمستشفيات والعاملون الصحيون والمرضى الذين يحاولون الوصول إلى تلك المرافق في وضع محفوف بالمخاطر.

ولذلك تبذل المستشفيات قصارى جهدها لمواصلة تقديم مستوى معين من الخدمات الصحية للجرحى، وكذلك الأشخاص الذين يعانون من حالات صحية أخرى مثل مرض السكري أو أمراض القلب. 

لكن الأمر صعب للغاية نظرا لنقص الوقود وعدم القدرة على إدخال الأدوية والإمدادات الأخرى منذ أكثر من أسبوع.

أخبار الأمم المتحدة: نعلم أيضا أن العديد من المستشفيات والمرافق الصحية في شمال غزة أصبحت خارج الخدمة بشكل أو بآخر. هل يمكنك أن تعطينا آخر المستجدات حول وضع تلك المستشفيات والمرافق الصحية في الشمال؟

نيكا ألكسندر: ليس لدي التفاصيل، ومن الصعب جدا الحصول على المعلومات. كانت المستشفيات نفسها تفيد بمدى صعوبة وضعها. 

هناك قتال حولها، ومن الصعب والخطير جدا على العاملين في مجال الصحة أن يواصلوا القيام بعملهم، وفي بعض الأحيان حتى داخل المستشفى، يصبح الأمر خطيرا بالنسبة لهم للقيام بعملهم. 

لا ينبغي أن يكون هذا هو الحال أبدا. لا ينبغي أبدا أن تكون المستشفيات ساحات قتال. لا يجب أبدا استخدام المستشفيات بطريقة تعرض العاملين الصحيين والمرضى للخطر. 

رأينا ذلك مرارا وتكرارا طوال هذا الصراع. لذا فإن المرء يتعاطف حقا مع العاملين في مجال الصحة الذين يحاولون فقط مساعدة الأشخاص الذين يحتاجون حقا إلى مساعدة هؤلاء للبقاء على قيد الحياة. 

إنه وضع صعب للغاية، فأحيانا يكون المستشفى قادرا، ثم يصبح غير قادر على العمل. 

أحد الأشياء التي تمكنت منظمة الصحة العالمية من القيام بها، هو أنه إذا كان أحد المستشفيات قادرا على العمل، فإننا نقوم بتوفير الوقود، إذا كان بالإمكان دخول الوقود إلى القطاع. 

ونقدم كذلك الأدوية، كانت لدينا مستودعات وقمنا بنقل إمداداتنا إلى منطقة أبعد شمالا (من رفح) بعيدا عن بعض المخاطر في الجنوب حتى نتمكن من الحفاظ على تلك الإمدادات آمنة، والحفاظ على إيصال تلك الإمدادات إلى المستشفيات.

لكن هذه الإمدادات بدأت تنفد بسبب إغلاق معبر رفح منذ السادس من أيار/مايو، ولذلك لم يكن هناك تجديد للإمدادات القادمة إلى القطاع. تمد منظمة الصحة العالمية المستشفيات بكل الاحتياجات من الوقود. لكن الوقود يصل بشكل متقطع الآن، مما يجعل من الصعب جدا على المستشفيات الاستمرار في العمل، والتأكد من أن لديها إمدادات من الوقود يمكن الاعتماد عليها لمواصلة القيام بعملها المنقذ للحياة.

أخبار الأمم المتحدة: في ظل إغلاق المعابر ونقص الإمدادات، هل من المتوقع أن ينفد الوقود والإمدادات المتوفرة قريبا؟

نيكا ألكسندر: لا يمكن تحديد متى ستنفد الإمدادات بالضبط، لأن العاملين في مجال الرعاية الصحية يحاولون عندما يكون هناك نقص في الإمدادات، إيجاد حلول قصيرة المدى. فيحاولون استخدام كميات أقل مما لديهم، على ضوء أن هناك نقصا في الإمدادات. هم يتعاملون مع هذا الأمر منذ أشهر، لذا فهم عقلانيون جدا في كيفية استخدامهم للإمدادات. 

ولكن نعم، عليك أن تستمر في إعادة الإمداد، وجلب أدوية جديدة وضمادات جديدة. ولا يمكنك فعل ذلك عندما تكون المعابر الرئيسية مغلقة. لذلك لا يمكنك تحديد وقت محدد عندما ينفد كل شيء، لأن الأمر لا يسير بهذه الطريقة. 

لكن، كما تعلمون، فإن الإمدادات آخذة في التناقص، وهذا يشكل ضغطا إضافيا على كل شيء آخر يواجهه العاملون في مجال الصحة.

أخبار الأمم المتحدة: الأشخاص الذين نزح العديد منهم عدة مرات، ينزحون مرة أخرى بسبب التصعيد في رفح ووسط غزة ومناطق في الشمال. فما هي طبيعة التحديات الصحية التي يخلقها هذا الوضع وتضاف إلى التحديات الأخرى الموجودة منذ بداية الحرب؟

نيكا ألكساندر: أعتقد أن التحديات التي يواجهها الأشخاص الذين ينتقلون عدة مرات لها عدة جوانب. 

من ناحية، هناك بالطبع تحدي الصحة العقلية، وسيخبرك الناس أنهم متعبون جدا من التنقل. أعتقد أن الناس في غزة في المتوسط تنقلوا مرة واحدة في الشهر خلال الأشهر السبعة الماضية.

ثم فكر في أي حالة صحية يعاني منها المرء أو أي شخص في عائلته. إذا لم تكن هناك استمرارية للرعاية، فمن لديه ملفات المرء الطبية، ومن يعرف ما هو العلاج الذي يحتاجه؟ وهل لا يزال بإمكانه الحصول على الأدوية التي يحتاجها عندما يضطر إلى الانتقال من مكان إلى آخر؟ ماذا لو كان مصابا بمرض في القلب؟ ماذا لو كنت مصابا بالسرطان؟ ماذا لو كان يحصل على نوع من الرعاية لمرضى السرطان؟

كل هذا مغلق تقريبا في القطاع في الوقت الحالي. لذا، بدءا من الحالات الصعبة للغاية إلى الحالات الأكثر اعتدالا، هناك مثلا حاجة لبعض الدهانات. فعلى سبيل المثال، يصاب الكثير من الأطفال بأمراض جلدية ويحتاجون إلى إمدادات منتظمة من أي دواء تستخدمه لعلاج جلد طفلك.

هل ستتمكن من الوصول إلى ذلك عندما تنتقل من مكان إلى آخر حيث إما يوجد مستشفى قريب، أو لا يوجد مستشفى أعيد فتحه أو متاح لخدمة الآلاف والآلاف من الأشخاص الذين وصلوا إلى المكان. 

لذلك هناك طرق متعددة يكون فيها الاضطرار إلى التحرك عدة مرات أمرا مرهقا على المستوى الصحي.

أخبار الأمم المتحدة: هل يمكنك إخبارنا بالمزيد عن التأثير على النساء والأطفال، وخاصة الحوامل أو المصابين؟

نيكا ألكسندر: عندما كنت في رفح، ذهبت مع زملاء في صندوق الأمم المتحدة للسكان إلى إحدى وحدات الأمومة المتنقلة التابعة لهم. والتقيت بعدد قليل من النساء اللاتي كن على وشك الولادة أو اللاتي أنجبن للتو. وذهبت أيضا إلى المستشفى الإماراتي في رفح. 

وهذا بالفعل وقت مرهق في الحياة عندما تكون على وشك جلب شخص جديد إلى العالم. فهل يمكن تخيل الاضطرار إلى القيام بذلك، دون معرفة أين سيكون مكان الولادة؟ 

إحدى النساء اللاتي تحدثت إليهن قالت لي ذلك بالضبط. وفي الأسابيع الماضية، لم تكن متأكدة حقا من المكان الذي ستتمكن فيه من ولادة طفلها، وكانت تسأل، وأخيرا أخبرها أحدهم أن هذه العيادة الميدانية يمكنها توليد الأطفال، لذلك كان هذا هو المكان الذي ذهبت إليه في نهاية المطاف.

سيدة أخرى أنجبت للتو طفلين توأم. إنه مجرد ضغط إضافي مرة أخرى، في وقت يكون فيه الأمر صعبا بالفعل، عندما تشعرين بالقلق على صحة طفلك، وتريدين التأكد من أنك بخير بعد الولادة. وعدم معرفة المكان الذي ستقيمين فيه، ذلك يمثل مستوى إضافيا من التوتر. 

وبطبيعة الحال، تضع الأمم المتحدة وشركاؤها في مجال الصحة والمستشفيات التي لا تزال قادرة على العمل، ذلك كأولوية مع العلم أن مساعدة المرأة على الولادة وتوفير الظروف الآمنة يمكن أن تنقذ حياة شخصين في وقت واحد.

أخبار الأمم المتحدة: فلنتحدث عن سلامة موظفي منظمة الصحة العالمية والعاملين في المجال الإنساني التابعين للأمم المتحدة بشكل عام، إلى أي مدى هم آمنون في رفح وبقية أنحاء غزة؟

نيكا ألكسندر: لا يوجد مكان آمن في غزة. نقول هذا طوال الوقت لأنه صحيح. إنها منطقة حرب. إنه صراع نشط عبر القطاع. لا مكان آمنا. 

لكن ما أثار إعجابي حقا هو كيف يعمل الجميع بجد على الرغم من تلك الظروف العصيبة حقا حيث يمكن أن يكون أي ضجيج أو انفجار قريبا منك، وأي قصف يمكن أن يكون أقرب إليك أو يستهدفك أنت. 

عندما غادرت رفح قبل أسبوع، كنت ضمن عملية تدوير لـ 19 من موظفي الأمم المتحدة الذين خرجوا من القطاع، بينما دخل 20 آخرون. وأعتبر هؤلاء الزملاء شجعانا للغاية.

وهم لا يأتون للعمل بمفردهم، فهم يعملون جنبا إلى جنب مع العاملين في مجال الرعاية الصحية والعاملين في المجال الإنساني في غزة الذين كثفوا جهودهم ويفعلون هذا منذ بداية الصراع. 

لذلك من المؤثر حقا، في الواقع، أن نرى كيف أن الناس، على الرغم من حقيقة أن الوضع غير آمن، يفعلون كل ما في وسعهم لمساعدة الآخرين.