منظور عالمي قصص إنسانية

حوار خاص: من خلال "تخضير التعليم" يمكن للمدرسة لعب دور مهم في التصدي "للقلق البيئي" الذي تشعر به الأجيال الشابة

تخضير التعليم أو خضرنة المدارس - من الطرق المستخدمة للتصدي لتغيّر المناخ.

سمعنا عمّا يُطلق عليه "القلق البيئي" بسبب هذه الأزمة، التي تقترب منا بسرعة كبيرة

Unsplash/Ryan Jacobson
تخضير التعليم أو خضرنة المدارس - من الطرق المستخدمة للتصدي لتغيّر المناخ.

حوار خاص: من خلال "تخضير التعليم" يمكن للمدرسة لعب دور مهم في التصدي "للقلق البيئي" الذي تشعر به الأجيال الشابة

المناخ والبيئة

عندما يتعلق الأمر بمقاومة تغيّر المناخ للحد من آثاره على الكوكب، فإن البشر يطبّقون نوعين من الإجراءات: التخفيف والتكيّف. يمكن اتبّاع بعض الطرق للحفاظ على البيئة مثل اختيار سيارة موفرة للطاقة وتركيب الألواح الشمسية على سطح المنزل أو القيام بما يُسمّى بـ "تخضير التعليم" أو "خضرنة المدارس."
 

والتخفيف هو عبارة عن إجراءات تتخذ لتقليص والحد من انبعاثات غازات الدفيئة، أما التكيّف فيستند إلى التقليل من حدة المخاطر الناتجة عن تغيّر المناخ. فكيف يمكن للمدارس أن تقوم بدور في مكافحة تغيّر المناخ؟ 

تشير منظمة الأمم المتحدة للعلم والتربية والثقافة (اليونسكو) إلى أن المطلوب هو إجراء تحوّل سريع وجذري على جميع المستويات وفي العديد من جوانب حياتنا مع التعليم كوسيلة مركزية وقوية لدعم التكيّف وتعزيز مرونة الطلاب والمجتمعات. ومن المهم أيضا ضمان أن تصبح أنظمة التعليم أكثر مرونة في مواجهة تغيّر المناخ لإنشاء مدارس آمنة ومقاوِمة للمناخ. 

وقد أكدت قمة تحويل التعليم التي عقدها الأمين العام للأمم المتحدة على هامش الدورة السابعة والسبعين للجمعية العامة على ضرورة تحويل التعليم للاستجابة لأزمة المناخ العالمي والأزمة البيئية.

تحدثت جون موروهاشي رئيسة قسم التعليم من أجل التنمية المستدامة في اليونسكو عبر تقنية الفيديو مع أخبار الأمم المتحدة عن التعليم الأخضر وخضرنة المدارس، وكيف يمكن أن يساهم ذلك في مساعدة الطبيعة والبيئة.

أخبار الأمم المتحدة: ماذا نعني بخضرنة المدارس وما هو التعليم الأخضر؟ 

جون موروهاشي: شكرا جزيلا على هذا السؤال. كما هو معلوم هناك العديد من التعريفات المختلفة للمدارس الخضراء أو خضرنة المدارس. لكن لدينا تعريفنا الخاص. ومن أجل شرح ما تعنيه اليونسكو بتخضير التعليم فاسمحي لي في البداية أن أشرح قليلا عن "التعليم من أجل التنمية المستدامة" لأن مبادرة التعليم الأخضر متجذرة في هذا العمل طويل الأمد في مجال التعليم والتنمية المستدامة.

Tweet URL

تعمل منظمتنا، اليونسكو، على الترويج لـ "التعليم من أجل التنمية المستدامة" منذ أوائل التسعينيات، عندما عقدنا مؤتمر ريو. وقبل تلك الفترة، روجت اليونسكو بشكل أكبر لمفهوم التثقيف البيئي منذ أوائل السبعينيات. وتم توسيع نطاق هذا العمل حول التعليم البيئي بواسطة "التعليم من أجل التنمية المستدامة."

لذا، نعم فالتحديات التي نواجهها جميعا معقدة للغاية. ستشمل هذه التحديات بالطبع أزمة المناخ وفقدان التنوع البيولوجي والتلوث وكذلك الأمراض الوبائية والصراعات، وعدم المساواة الاجتماعية والاقتصادية، وجميع هذه التحديات ينبغي - أو يمكن - معالجتها بشكل هادف عندما نحاول اعتماد نهج أكثر شمولية وتكاملية.

و"التعليم من أجل التنمية المستدامة" يدعم منظومة تحويل التعليم. نتحدث كثيرا عن تحويل التعليم، لقد نظمنا للتو هذه القمة الكبيرة في نيويورك لأن "التعليم من أجل التنمية المستدامة" يحاول التركيز على جعل التعلم مرتكزا على التجربة ومعتمدا على الحلول بحيث يمكن للجميع، جميع المتعلمين، اتخاذ إجراءات مستنيرة لحل المشكلات في حياتهم اليومية، ولكن أيضا حتى يتمكنوا من المساهمة في جعل العالم أكثر عدلا وسلما واستدامة.

لذلك كانت اليونسكو تدعم الدول الأعضاء وتتعاون معها وبالطبع مع شركاء التعليم والتنمية المستدامة، بحيث يتم تضمين هذه الرؤية للتعليم وتنفيذها أيضا من حيث التعليم والسياسة والممارسة من خلال المناهج الدراسية وتدريب المعلمين وبيئة التعلم وما إلى ذلك.

وتم تأطير عملنا بالوثيقة، والتي تُسمّى التعليم من أجل التنمية المستدامة لعام 2030 والتي اعتُمدت في عام 2019 من قبل المؤتمر العام لليونيسكو وأقرّتها الجمعية العامة في نفس العام.

نود أن نرى الأفراد والمجتمعات والعالم بأسره مجّهزين بالفهم والمهارات والقيم والمواقف

والآن، لأردّ على سؤالك، يتجذر مفهوم التعليم الأخضر في هذا العمل طويل الأمد في "التعليم من أجل التنمية المستدامة" ويركز بشكل خاص على دور التعليم في التصدّي لتغيّر المناخ، وهو أحد أكثر التحديات إلحاحا في عصرنا.

ومن خلال هذه المبادرة، نود أن نرى الأفراد والمجتمعات والعالم بأسره مجّهزين بالفهم والمهارات والقيم والمواقف للمشاركة في العمل التحويلي من أجل تشكيل مجتمعات خضراء بأقل الانبعاثات وقادرة على التكيّف مع المناخ.

هذا ما نعنيه بتخضير التعليم، ونحن بحاجة إلى اتخاذ إجراءات استجابة لهذه الأزمات على مستوى الكوكب، فهي مرتبطة بتغيّر المناخ وفقدان التنوع البيولوجي والتلوث، كل ذلك يهدد بقاءنا على قيد الحياة.

أخبار الأمم المتحدة: لكن ما هي الأدوات لخضرنة التعليم، والمدارس الخضراء، على سبيل المثال، إذا توقفت المدارس عن استخدام الورق فهل يمكن اعتبار ذلك تخضيرا؟ وما هي الأمثلة على ذلك؟

جون موروهاشي: نعم أردتُ التحدث عن ذلك. إذا، بناء على التقدم الذي تم إحرازه من خلال "التعليم من أجل التنمية المستدامة" شرعت اليونسكو ببعض الأعمال الخاصة بالتعليم في مجال تغيّر المناخ لمعالجة التخفيف من حدّة تغير المناخ والتكيّف معه وكذلك التنمية المستدامة.

غالبا ما نتحدث عن هذا التخفيف من حدّة (تغير) المناخ. على سبيل المثال في المدارس، وكنت أبحث عن بعض الأمثلة، يمكن أن يتحقق التخفيف من آثار تغيّر المناخ، على سبيل المثال، عبر الكفاءة في استخدام الطاقة أو زيادة استخدام الطاقة المتجددة، مثل النظام الشمسي. ويمكن أيضا حث الطلاب والمعلمين وجميع الأفراد على التنقل باستخدام الدراجات الهوائية وتقاسم السيارات.
الأمر كله يتعلق بمحاولة التخفيف من حدّة الوضع وليس مفاقمته. 

جانب آخر هو التكيّف مع تغيّر المناخ. تشمل تدابير التكيّف على سبيل المثال محاولة العمل على استعادة المناظر الطبيعية، كالتحريج واستخدام الحدائق المدرسية، لجعل هذه البيئة متكيّفة مع المناخ وللحد من تأثير تغيّر المناخ.

أعتقد أننا في الوقت الحاضر نتحدث كثيرا عن حدّة تغيّر المناخ من حيث الكوارث الطبيعية التي تؤثر حقا على سلامة المدرسة وسلامة المجتمع. لذلك يمكن استخدام المدارس كمحور لخلق هذه البيئة الآمنة وأن تكون على أهبة الاستعداد.

تعد محطات توليد الطاقة بالوقود الأحفوري واحدة من أكبر بواعث الغازات المسببة للاحتباس الحراري التي تسبب تغير المناخ.
© Unsplash/Marcin Jozwiak
تعد محطات توليد الطاقة بالوقود الأحفوري واحدة من أكبر بواعث الغازات المسببة للاحتباس الحراري التي تسبب تغير المناخ.

أخبار الأمم المتحدة: هذه أمثلة حول خضرنة المدارس. لكن ماذا عن التعليم الأخضر، هل الأجيال الجديدة بحسب اعتقادك على دراية ووعي أكبر إزاء قضايا تغيّر المناخ؟ أم أن ثمّة حاجة ماسة لإدماجها في المناهج التعليمية؟

جون موروهاشي: في اليونسكو في الواقع أجرينا دراسة العام الماضي للمساهمة في مؤتمر المناخ COP26 في غلاسكو، وقمنا بجمع حوالي 100 منهج وطني للدول. كان الاكتشاف المثير للاهتمام هو أن نصفهم فقط ذكر شيئا متعلقا بتغيّر المناخ، ولم يأتِ النصف الآخر على ذكر تغيّر المناخ.

لذلك، كان هذا اكتشافا مثيرا للاهتمام وأردنا أيضا التعمّق قليلا في جاهزية المعلمين. أجرينا دراسة أخرى حول معلمي المرحلتين الابتدائية والثانوية. ورأى 95 في المائة ممن شملهم الاستطلاع أن تدريس تغيّر المناخ مهم للغاية، لكن قال أقل من 30 في المائة إنهم على استعداد لتدريسه. 

هذه فجوة كبيرة أيضا من حيث جاهزية المعلمين وقدراتهم. وعلينا أن ننظر في هذه القضية لأننا نضغط حقا على المعلمين لتقديم تعليم حول تغيّر المناخ. وقد رأوا هم أيضا العديد من الممارسات الجيدة المثيرة للاهتمام للدعم القادم من الجهات الفاعلة في المجتمع. 

لذلك عندما تكون هناك قيادة قوية من مدراء المدارس هؤلاء، على سبيل المثال، فإنهم يعدون نهجا مدرسيا كاملا لمعالجة مشكلة المناخ حقا، مثل عمل الجميع ليس داخل المدرس فقط، لكن أيضا خارجها، وإدماج الآباء والبلديات والأشخاص الذين يمكنهم مساعدة المعلمين على تحسين التدريس الفعلي حول تغيّر المناخ.

أخبار الأمم المتحدة: هل يمكن أن تحدثينا عن مبادرة شراكة التعليم الأخضر، هل المشاركة فيها على المستوى الرفيع أم يمكن للأفراد المشاركة فيها أيضا؟

جون موروهاشي: انبثقت هذه الشراكة عن قمة الأمم المتحدة لتحويل التعليم في أيلول/سبتمبر، وتم إطلاقها رسميا في 19 أيلول/سبتمبر في نيويورك. هي مبادرة عالمية تهدف إلى النهوض بإجراءات أكثر قوة وتنسيقا وشمولية لدعم البلدان لتسريع تنفيذ التثقيف بشأن تغيّر المناخ. لذلك، هنا ننظر إلى مجموعتين من العضوية. 

المجموعة الأولى هي بالطبع الدول الأعضاء، وهي مدعوة للالتزام على الأقل بجانبين من جوانب العمل الأربعة. الجوانب الأربعة هي: فحص التعليم لضمان جودة المناهج وطرق التدريس المتعلقة بالتعليم في مجال المناخ؛ الجانب الثاني يتعلق بتخضير المدارس لضمان أن مرافق المدرسة وأنشطتها مقاوِمة لتغيّر المناخ؛ الجانب الثالث هو القدرة على التخضير وتجهيز المتعلمين وصانعي السياسات العاملين في مجال التعليم؛ والأمر الأخير هو تخضير المجتمعات حتى تصبح قادرة على التكيّف مع تغيّر المناخ.

والمجموعة الثانية هي أصحاب المصلحة الرئيسيين، ونحن ننظر أكثر إلى المؤسسات والمنظمات. بالطبع يشمل ذلك وكالات الأمم المتحدة وشركاء التنمية الدوليين ومنظمات المجتمع المدني وشبكات الشباب والمنظمات. 

طلاب الصف الرابع يحضرون الفصل في مدرستهم الجديدة التي أعيد بناؤها بعد أن دمرها القتال في مقاطعة كاساي الشرقية في جمهورية الكونغو الديمقراطية.
© UNICEF/Josue Mulala
طلاب الصف الرابع يحضرون الفصل في مدرستهم الجديدة التي أعيد بناؤها بعد أن دمرها القتال في مقاطعة كاساي الشرقية في جمهورية الكونغو الديمقراطية.

أخبار الأمم المتحدة: كل بلد مختلف، لديكِ دول ذات دخل مرتفع وأخرى متوسطة ومنخفضة الدخل، كيف يخلق ذلك تحديات قد تواجه تنفيذ كل هذه الأفكار العظيمة؟

جون موروهاشي: بالضبط. هذا هو النموذج المثالي الذي لا يزال قائما على بعض الأدلة والممارسات الجيدة. لكن ما أريد تسليط الضوء عليه هو أن هذه الشراكة يجب أن يُنظر إلى الأمر على أن لكل دولة تتمتع بنظام تعليمي وواقع مختلفين.

وتختلف الأولويات، ولكن بإمكان كل دولة الانضمام ومشاركة التقدم الذي أحرزته حتى الآن وأيضا تحديد الثغرات المتبقية. 

أخبار الأمم المتحدة: الأزمة المناخية مرئية ومحسوسة كثيرا. هل لا يزال لدينا الوقت لإنقاذ ما يمكن إنقاذه؟

جون موروهاشي: للأسف، لم يتبقَ وقت كثير، ونشعر حقا بالمسؤولية، خاصة تجاه الشباب، ربما رأيتِ في نيويورك كيف كانت لهم مطالب كثيرة. وسمعنا أيضا عمّا يُطلق عليه "القلق البيئي" بسبب هذه الأزمة، التي تقترب منا بسرعة كبيرة.

نحن مسؤولون حقا عن تهيئة أفضل الظروف بحيث يمكن للشباب من أن يأخذوا وقتهم للتقدم والنمو والاستجابة حقا لتطلعاتهم

لذلك نحن مسؤولون حقا عن تهيئة أفضل الظروف بحيث يمكن للشباب من أن يأخذوا وقتهم للتقدم والنمو والاستجابة حقا لتطلعاتهم.

ولهذا، أعتقد أن الشباب ليس فقط المستفيد لكنه بالفعل متعاون معنا. 

وبهذا الصدد، أود أن أطلعكم على نشاط قامت به اليونسكو مع الشباب خلال فترة الصيف. قررنا المشاركة في إعداد ما أطلقنا عليه "إرشادات تخضير المناهج" مع الشباب.

خلال فترة الصيف، أجرينا استطلاعا عالميا وتلقينا حوالي 17,000 رد من الشباب من جميع أنحاء العالم وبناء على ذلك، قمنا أيضا بتنظيم عدد من مناقشات مجموعات التركيز على المستوى الإقليمي مع مجموعة أصغر من الشباب وقمنا بتحليل هذه النتائج، وستُعرض النتائج في قمة المناخ COP27 القادمة بشرم الشيخ.

الفكرة هنا هي توضيح ما يفكر فيه الشباب حقا بشأن الجودة الفعلية للتعليم المتعلق بتغيّر المناخ في مدارسهم وفي المجتمعات، ونوعية الأفكار الجديدة التي يمكن للشباب طرحها.

كما أن دور اليونسكو، جنبا إلى جنب مع الشركاء الآخرين، هو المضي قدما في هذا العمل، والعمل عن كثب مع وزراء التربية والتعليم للنهوض بهذا العمل كعمل جماعي.