منظور عالمي قصص إنسانية

من غزة، صورة قاتمة لوضع المدنيين في "حرب ليس لها مثيل" ودعوة أممية للوقف الإنساني لإطلاق النار

يواصل الناس في غزة الفرار من القتال في غزة والبحث عن أماكن آمنة.
© UNICEF/Eyad El Baba
يواصل الناس في غزة الفرار من القتال في غزة والبحث عن أماكن آمنة.

من غزة، صورة قاتمة لوضع المدنيين في "حرب ليس لها مثيل" ودعوة أممية للوقف الإنساني لإطلاق النار

المساعدات الإنسانية

"هذه حرب ليس لها مثيل. إنها حرب ذات نطاق مرعب للغاية. والمدنيون في غزة هم من يتحملون وطأتها"، من رفح جنوب قطاع غزة، تحدثت معنا جيما كونيل من مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية حيث رسمت صورة قاتمة لحالة المدنيين وخاصة النساء والأطفال في القطاع.

 

وقالت كونيل، التي تزور غزة في مهمة إنسانية بعد أن عملت بها من قبل، إن الأطفال في القطاع مصابون بالصدمة وقد مر الكثيرون منهم بحروب متتالية. كما تطرقت إلى الوضع الصحي، حيت تعاني المستشفيات القليلة التي لا تزال تعمل من الاكتظاظ ونقص الإمدادات فضلا على تعرضها للاستهداف.

وقالت إن موظفي وكالة الأونروا وعلى الرغم من أن غالبيتهم أصبحوا نازحين إلا أنهم لا يزالون يؤدون "عملا بطوليا مخلصا" في خدمة مجتمعهم.

المزيد في الحوار التالي مع السيدة جيما كونيل:

أخبار الأمم المتحدة: زرت مستشفيات في غزة خلال الأيام الماضية. هل لك أن تخبرينا عما رأيتيه هناك؟ 

جيما كونيل: نعم، زرت مستشفى الأقصى في دير البلح قبل يوم حيث رأيت نظاما صحيا لا ينهار، بل انهار بالفعل. يقوم العاملون الصحيون بعمل بطولي، على مدار الساعة كل يوم. لكن عدد الأشخاص الموجودين في هذه المرافق الصحية كبير للغاية. والإصابات مستمرة في القدوم بسبب استمرار القصف والغارات الجوية. وفي الوقت نفسه، يضطر الأطباء إلى إجراء عمليات جراحية للمرضى ليخرجوا من المستشفى بمجرد الانتهاء من إجراء العمليات الجراحية لعدم وجود أي مساحة لاستضافتهم. المستشفيات مكتظة ومنهكة لكن العاملين في مجال الصحة يقومون بعمل رائع.

أخبار الأمم المتحدة: وماذا عن الأنشطة المسلحة حول مستشفيات غزة في الوقت الحالي؟

جيما كونيل: هناك قتال نشط الآن حول بعض المرافق الصحية في غزة. تلقينا اتصالا هذا الصباح (الثلاثاء) من مدير مستشفى كمال عدوان في شمال غزة. المستشفى محاصر من قبل القوات الإسرائيلية، وهو يقع في منطقة صراع نشط. 

لدينا مخاوف كبيرة بشأن المرضى الموجودين هناك، وهي حالة عاجلة للغاية نظرا لوجود نازحين داخل المستشفى وأيضا مرضى- بمن فيهم المرضى المصابون بأمراض خطيرة والأطفال حديثو الولادة الموجودون داخل المستشفى والذين يحتاجون إلى الخروج والوصول إلى بر الأمان. 

نحن قلقون للغاية أيضا بشأن الوضع في خان يونس، حيث وضع المرافق الصحية حرج للغاية، مثل المستشفى الأوروبي في غزة، ومستشفى ناصر، اللذين أصبحا قريبين بشكل متزايد من جبهة القتال. وإذا تعرض هذان المستشفيان للهجوم أو تأثرا بالنزاع، فسيكون ذلك بمثابة ضربة كبيرة للقدرات الصحية في غزة.

أطفال تم إنقاذهم من مستشفى الشفاء في شمال غزة يتلقون العلاج في مستشفى في رفح جنوب القطاع.
© UNICEF/Eyad El Baba

 

أخبار الأمم المتحدة: هل يمكن أن تخبرينا عن قصص الزملاء على الأرض، وكيف يتعاملون مع الضغوط الناجمة عن الاحتياجات المتزايدة لسكان غزة؟

جيما كونيل: اليأس هو ما نسمعه من زملائنا على الأرض. يشكل موظفو وكالة الأونروا- البالغ عددهم 15 ألف شخص- العمود الفقري للأمم المتحدة في غزة. وقد أصبح معظمهم نازحين. 

أنا عملت هنا في غزة في الفترة بين عامي 2009 و2011. ومنذ عودتي، رأيت العديد من زملائي السابقين يعيشون ظروفا مأساوية، وقد أصبح العديد منهم نازحين وهم يبحثون عن مأوى في المدارس. 

 أشعر بالفخر بزملائي في الأونروا لأنهم يجسدون أفضل ما في الأمم المتحدة

ولكن مع ذلك، فإن الكثير من هؤلاء الزملاء لا يزالون يستيقظون كل صباح للاستجابة لهذه الأزمة. ويمثل هذا بالنسبة لي عملا بطوليا خالصا لأنهم يتعاملون أيضا مع التحديات العائلية الخاصة بهم، حيث يتعين عليهم العثور على الماء والطعام وأماكن للنوم. ومع ذلك فإنهم مستمرون في تقديم الخدمات لمجتمعاتهم. وبصراحة، باعتباري موظفة في الأمم المتحدة، فأنا أشعر بالفخر بعملهم لأنهم يجسدون أفضل ما في الأمم المتحدة.

أخبار الأمم المتحدة: النساء والأطفال يشكلون أكثر من 70% من الضحايا في غزة، هل يمكنك إلقاء الضوء على حالة النساء والأطفال ممن التقيت بهم؟

جيما كونيل: دعني أبدأ بالنساء. تخيلوا ظروف امرأة لديها العديد من الأطفال الصغار. أنا نفسي لدي طفلان. لذلك أفكر يوميا في هذا الأمر. لقد نزح معظم الناس هنا 3 أو 4 مرات، لذا اضطروا إلى نقل أسرهم 3 أو 4 مرات. 

معظم الناس هنا لا يستطيعون الحصول على الطعام. والنساء- كما هو الحال في العديد من الأماكن الأخرى حول العالم- هن آخر من يأكل لأنهن يعتنين بأسرهن أولا. تخيلوا وضع امرأة لا تستطيع الوصول إلى الأدوات الصحية اللازمة للتعامل مع الدورة الشهرية، والتي تأتي بالطبع كل شهر. ونحن الآن قد تجاوزنا شهرين من هذا الصراع. تُهدر كرامتهن بسبب عدم قدرتهن على الاهتمام بنظافة الدورة الشهرية. تخيلوا وضع امرأة لا تملك إمكانية الوصول إلى الحمام. تخيلوا وضع امرأة تنام الآن تحت خيمة مصنوعة من البلاستيك والخشب وأي مواد يمكن العثور عليها، وربما لا تجد لحافا تنام عليها. وتخيلوا امرأة لا تملك ملابس شتوية مع انخفاض درجة الحرارة. هذا هو معنى أن تعيش امرأة اليوم في غزة. 

علينا أن نتأكد من أن العالم يرى هؤلاء النساء وحقيقة أوضاعهن. لم أر أبدا أي شيء مثل هذا من قبل. نحن بحاجة إلى أن نفهم بشكل جماعي عواقب هذه الحرب، ليس فقط على أطفال اليوم، ولكن أيضا على الأطفال في المستقبل. 

يعاني الأطفال في غزة اليوم من الصدمة. وعندما أقول إنهم مصدومون، فإنني أقول للشخص العادي الذي يستمع إلينا الآن: أن يفكر في أسوأ شيء مر به خلال حياته ويضاعفه مليون مرة، ثم تخيل كيف ستتعامل مع ذلك وأنت طفل في الرابعة أو الخامسة من عمرك.

ثم تخيل أن العديد من هؤلاء الأطفال، مروا بحروب متعددة - الطفل الذي يبلغ من العمر 16 عاما في غزة يكون الآن قد مر بأربع حروب. لذا فإن الصدمة مذهلة للغاية. إنه لأمر صادم. والأطفال في نفس الوقت جائعون. وليس بإمكانهم الذهاب إلى المدرسة. وليس لديهم إمكانية الحصول على الغذاء. ولا يمكنهم الحصول على الرعاية الصحية. ويواجه العديد منهم الآن أمراضا يمكن الوقاية منها تهدد حياتهم. إن حياة طفل اليوم في غزة غير مقبولة على الإطلاق، ولا أحد منا يقبل ذلك لأطفاله.

فلسطينيون يهربون من قصف في مدينة رفح في غزة.
© UNICEF/Eyad El Baba

 

أخبار الأمم المتحدة: المساعدات مهمة ومنقذة للحياة، ولكنك أكدت في نفس الوقت ألا بديل في غزة عن وقف الحرب.

جيما كونيل: نحاول كل يوم أن نفعل ما بوسعنا- الأمم المتحدة، ومجتمع المنظمات غير الحكومية الدولية بهدف تقديم المساعدة للناس في غزة. لكننا لا يمكننا مواكبة الاحتياجات الناجمة عن هذه الحرب. مدينة رفح كانت موطنا لما يزيد قليلا عن 200 ألف شخص قبل بدء الأزمة. وقد وصل الآلاف من الناس منذ وصولي إلى هنا. هناك موقع غير رسمي للإيواء زاد عدد الناس فيه من بضع مئات من الأشخاص إلى عشرات الآلاف، ولا يمكننا مواكبة ذلك. 

لذلك يجب أن تنتهي الحرب. هذه هي النقطة الأولى. لأن أي شخص أسأله هنا في غزة فإن أول مطلب له هو الأمان والسلامة، وأن تنجو بنفسك خلال هذه الليلة، وألا تقلق بشأن موتك أو موت أحد أفراد أسرتك الليلة. ولا أعتقد أن أيّا منا يستطيع أن يفهم مدى الرعب الذي ينتاب شخصا ما ينام ولا يدري ما إذا كان سيستيقظ في الصباح أم لا.  

لذا فإن أول شيء يتمثل في ضرورة إنهاء هذه الحرب. والشيء الثاني هو أنه في حين أن هذه الحرب لا تزال مستعرة، يجب أن نُمنح القدرة على الوصول والقدرة على تقديم المساعدة على نطاق واسع، لأننا نعلم الآن أن ما نقوم به ليس كافيا.

أخبار الأمم المتحدة: هل لديك أي كلمة أخيرة تودين مشاركتها معنا؟

جيما كونيل: ما أود قوله هو إنني تحدثت مع الكثير من العاملين في المجال الإنساني الموجودين هنا في غزة، ولم ير أي منا شيئا كهذا من قبل. بالنسبة للعالم، أنا متأكدة من أن هذه الحرب تبدو وكأنها أي حرب أخرى. لكن بالنسبة لنا وللكثيرين منا ممن عملوا في أماكن حروب متعددة، هذه ليست مثل أي حرب أخرى. الأمر مختلف تماما. 

إنها ليست مثل أي حرب أخرى. إنها حرب ذات نطاق مرعب للغاية. والمدنيون في غزة هم من يتحملون وطأة وطأتها

إنها حرب ذات نطاق مرعب للغاية. والمدنيون في غزة هم من يتحملون وطأتها. وفي الوقت نفسه، فإن عملية المساعدة التي يمكننا القيام بها ليست كافية على الإطلاق، لأننا لا نستطيع إدخال الشاحنات المناسبة، ولا يمكننا إدخالها بالترتيب الصحيح، ولا يمكننا الحصول على عدد كافٍ منها. نحاول التحرك عبر مناطق الصراع النشطة. لدينا عمال إغاثة خاطروا بحياتهم حرفيا من أجل الاستجابة لهذه الحرب والتي يجب أن تتوقف.