منظور عالمي قصص إنسانية

قواعد الحروب: ما هو القانون الدولي الإنساني؟

عائلات تفر من منازلها المدمرة في حي تل الهوى بمدينة غزة.
© UNICEF/Eyad El Baba
عائلات تفر من منازلها المدمرة في حي تل الهوى بمدينة غزة.

قواعد الحروب: ما هو القانون الدولي الإنساني؟

القانون ومنع الجريمة

يعتمد عمال الإغاثة الذين يدعمون المتأثرين بالصراعات على مجموعة من القوانين لحماية المدنيين، ولكن بعض الأطراف المتحاربة تنتهك هذه الاتفاقيات الدولية، من خلال استهداف المستشفيات والمدارس ومنع عمال الإغاثة من الوصول إلى المدنيين بالسلع والخدمات المنقذة للحياة وغيرها من جرائم الحرب.

ولكن ما هي قواعد الحرب بالضبط وماذا يحدث عندما يتم انتهاكها؟

لمعرفة المزيد عن القانون الدولي الإنساني، تحدث فريق أخبار الأمم المتحدة مع إريك مونجيلارد من المفوضية السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان.

في التقرير التالي نستعرض أهم ما جاء في حوارنا مع السيد مونجيلارد وبعض أهم النقاط التي يتضمنها القانون الدولي الإنساني.

قواعد الحرب

للحرب قواعد قديمة قدم الحرب نفسها، من النصوص الواردة في الكتاب المقدس والقرآن الكريم، إلى الفروسية الأوروبية في العصور الوسطى، تهدف هذه المجموعة المتزايدة من المعايير إلى الحد من آثار الصراع على المدنيين أو غيرهم من غير المقاتلين.

قال مونجيلارد إن هذه القوانين تمثل "الحد الأدنى من القواعد للحفاظ على الإنسانية في بعض أسوأ المواقف التي عرفتها البشرية"، مشيرا إلى أن قواعد الحرب تنطبق في اللحظة التي يبدأ فيها النزاع المسلح.

وتستند القوانين المعمول بها اليوم في المقام الأول إلى اتفاقيات جنيف، التي تم التصديق على أولها قبل إنشاء الأمم المتحدة بنحو مئتي عام.

مترجم فوري يعمل مع الأمم المتحدة أثناء مناقشة حول القانون الدولي الإنساني..
UN Photo/Loey Felipe
مترجم فوري يعمل مع الأمم المتحدة أثناء مناقشة حول القانون الدولي الإنساني..

ما هي اتفاقيات جنيف؟

في عام 1859، قام هنري دونان، وهو مواطن سويسري، برعاية ضحايا معركة في سولفرينو، وهي تجربة دفعته إلى اقتراح ما أصبح يعرف باسم اللجنة الدولية لمساعدة الجرحى.

وتحولت تلك المجموعة بعد ذلك بوقت قصير إلى اللجنة الدولية للصليب الأحمر، وتبعتها اتفاقية جنيف الأولى، التي وقعتها 16 دولة أوروبية عام 1864. ومنذ ذلك الحين، اعتمد عدد متزايد من البلدان اتفاقيات جنيف الأخرى اللاحقة.

وقد أصبحت أكثر من 190 دولة أطرافا في اتفاقيات عام 1949، مما يجعلها قابلة للتطبيق عالميا.

تطورت قواعد الحرب الجديدة والبروتوكولات الملحقة باتفاقيات جنيف، حيث أصبحت الأسلحة المستخدمة في المعارك أكثر تطورا وفتكا.

عاملة شابة في الصليب الأحمر تساعد ضحايا الجفاف في مخيم في باتي، إثيوبيا في عام 1984.
UN Photo/John Isaac
عاملة شابة في الصليب الأحمر تساعد ضحايا الجفاف في مخيم في باتي، إثيوبيا في عام 1984.

كما ظهرت معاهدات دولية لحظر مجموعة من الأسلحة التي تم استخدامها في الصراعات خلال القرن العشرين، بدءا من استخدام غاز الخردل في خنادق الحرب العالمية الأولى وحتى إسقاط النابالم جوا عبر فيتنام. وتشكل هذه الاتفاقيات الملزمة أيضا جزءا من القانون الدولي الإنساني.

من هم الأشخاص المحميون؟

المستشفيات والمدارس والمدنيين وعمال الإغاثة والطرق الآمنة لتقديم المساعدة الطارئة، من بين الأشخاص والأماكن التي يحميها القانون الدولي الإنساني.

وقال السيد مونجيلارد إن بروتوكول اتفاقيات جنيف الذي تم اعتماده عام 1977 يحتوي على "معظم القواعد" بشأن ما يتعين القيام به لحماية المدنيين من القتال. 

وبشكل عام، تنقسم المبادئ الأساسية إلى مجموعتين من القواعد، تركز الأولى على احترام كرامة الإنسان وحياته والمعاملة الإنسانية. ويشمل ذلك حظر عمليات الإعدام بإجراءات موجزة (أي بدون اتباع الإجراءات القانونية الواجبة) والتعذيب.

صبي يقف داخل بقايا مدرسته في نوفوهريهوريفكا، أوكرانيا.
© UNICEF/Aleksey Filippov
صبي يقف داخل بقايا مدرسته في نوفوهريهوريفكا، أوكرانيا.

وأضاف أن المجموعة الثانية تتعلق بالقواعد التي يجب على الأطراف المتحاربة الالتزام بها عند إجراء العمليات العسكرية، بما في ذلك مبادئ التمييز والتناسب والاحتياط، وهي مبادئ ملزمة لكل طرف متحارب.

ووفق ذلك لا يجوز للأطراف استهداف المدنيين، وعليها التأكد من أن العمليات والأسلحة التي تختار استخدامها ستقلل أو تتجنب وقوع إصابات في صفوف المدنيين، كما يجب عليها توفير تحذير كاف للسكان المدنيين بشأن هجوم وشيك.

وقال: "دائما ما يكون تقييم فعالية قانون ما أمرا صعبا. ولكن الأدلة تُظهر أن القانون الدولي الإنساني يُحترم في أغلب الأحيان".

وحتى مع وجود هذه القوانين، لقي 116 عامل إغاثة مصرعهم أثناء قيامهم بعملهم في بعض أخطر الأماكن في العالم عام 2022.

منذ بداية العام الحالي، قُتل 62 من عمال الإغاثة، وجُرح 84 واختطف 34 آخرون، وفقا للأمم المتحدة التي استشهدت ببيانات مبدئية في آب / أغسطس من منظمة الأبحاث المستقلة المعروفة باسم"النتائج الإنسانية". 

منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر، قُتل ما لا يقل عن 15 من موظفي الأمم المتحدة في غزة، بالإضافة إلى تقارير تفيد بمقتل العديد من المستجيبين الأوائل الآخرين.

ومع ذلك، قال السيد مونجيلارد إنه بدون القانون الدولي الإنساني والقواعد ذات الصلة، فإن الوضع في ساحات القتال في جميع أنحاء العالم "سيكون أسوأ بكثير".

وأضاف: "عندما تواجه أطراف النزاع ادعاءات بشن ضربات ضد المدنيين أو البنية التحتية المدنية، على سبيل المثال، فإنها تسعى دائما إما إلى الإنكار أو إلى التفسير، مما يعزز حقيقة إدراكها لأهمية هذه القواعد".

إنهاء الإفلات من العقاب

وقال السيد مونجيلارد إن "الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي الإنساني تعتبر جرائم حرب". وعلى هذا النحو، فإن جميع الدول ملزمة بتجريم تلك السلوكيات والتحقيق فيها ومقاضاة مرتكبيها.

لا يمكن أن تقع جرائم الحرب إلا في إطار نزاع مسلح. وفي الوقت نفسه، يمكن ارتكاب جرائم ضد الإنسانية أثناء الحرب وفي وقت السلم. رغم عدم وجود معاهدة مخصصة حاليا بشأن الجرائم ضد الإنسانية، فقد بدأت الجمعية العامة عام 2022 عملية مدتها عامين لمناقشة إمكانية صياغة اتفاقية بهذا الشأن. 

افتتحت الجلسة الأولى للمحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة في لاهاي عام 1993.
UN Photo
افتتحت الجلسة الأولى للمحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة في لاهاي عام 1993.

يوفر نظام روما الأساسي حاليا أحدث توافق في الآراء للمجتمع الدولي بشأن ما يقع ضمن نطاقه. ويعد نظام روما أيضا المعاهدة التي تقدم القائمة الأكثر شمولا للأفعال المحددة التي قد تشكل جريمة.

لمحاسبة الفاعلين على انتهاكاتهم، يتم إنشاء آليات دولية، بما في ذلك المحاكم بشأن رواندا ويوغوسلافيا السابقة، أو من خلال الجهود الوطنية، كما حدث عام 2020 في جمهورية الكونغو الديمقراطية عندما قدمت محكمة عسكرية مجرم حرب إلى العدالة.

تم إنشاء المحكمة الجنائية الدولية، التي تتخذ من لاهاي مقرا لها، عام 2002 بموجب نظام روما الأساسي، وهي تتمتع بسلطة قضائية على المزاعم المتعلقة بانتهاكات القانون الدولي الإنساني.

محكمة عالمية

المحكمة الجنائية الدولية هي أول محكمة جنائية عالمية دائمة تم إنشاؤها للمساعدة في إنهاء إفلات مرتكبي الجرائم الأكثر خطورة التي تثير قلق المجتمع الدولي من العقاب. وهي منظمة دولية مستقلة، وليست جزءا من منظومة الأمم المتحدة.

لكن الأمم المتحدة لديها صلة مباشرة بهذه المحكمة. فيمكن للمدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية أن يفتح القضايا أو التحقيقات المحالة من قبل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، أو الدول الأطراف في نظام روما الأساسي، أو بناء على معلومات من مصادر موثوقة.

وفي حين لا تعترف جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، البالغ عددها 193 دولة، بالمحكمة الجنائية الدولية، إلا أن المحكمة يمكنها إجراء تحقيقات وفتح قضايا تتعلق بالادعاءات من أي مكان في العالم. وقد تم الاستماع إلى قضايا، وصدرت قرارات بشأن مجموعة من الانتهاكات، بما في ذلك قضايا تتعلق باستخدام الاغتصاب كسلاح حرب وتجنيد الأطفال.

تحقق المحكمة حاليا في 17 قضية حول العالم، ويتضمن عملها إصدار أوامر اعتقال بحق الجناة المشتبه بهم. وقد أصدرت مؤخرا مذكرة اعتقال ضد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تتعلق بغزو بلاده واسع النطاق لأوكرانيا.

يمكن للجميع المساهمة

وقال السيد مونجيلارد إنه في حين أن القانون الدولي الإنساني يحكم سلوك الأطراف المتحاربة في النزاع، إلا أن هناك دورا مهما يمكن لعامة الناس القيام به لمنع انتهاكه. وحذر من أن تجريد مجموعة من الأشخاص من إنسانيتهم يمكن أن يبعث إلى القوات العسكرية رسالة مفادها أن "بعض الانتهاكات ستكون مقبولة".

وقال: "من المهم تجنب تجريد الطرف الآخر من إنسانيته أو تجريد العدو من إنسانيته، وتجنب خطاب الكراهية، وتجنب التحريض على العنف. هذا ما يمكن أن يفعله عامة الناس للمساهمة في منع الانتهاكات".

طفل يحمل قطته وسط أنقاض منزله في غزة.
© UNICEF/Mohammad Ajjour
طفل يحمل قطته وسط أنقاض منزله في غزة.

أما بالنسبة للمنظمات الدولية، فبعد تصاعد الصراع في إسرائيل وغزة في 7 تشرين الأول / أكتوبر، فتحت المحكمة الجنائية الدولية تحقيقا مستمرا، وقامت بتشغيل رابط لتقديم تقارير عن مزاعم ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وجرائم الإبادة الجماعية والعدوان، التي جميعها تعتبر انتهاكات للقانون الدولي الإنساني.

كما صدر عن منسق الأمم المتحدة للإغاثة في حالات الطوارئ، مارتن غريفيثس، تذكير بالتزامات الأطراف المتحاربة في سياق الأزمة عندما قال أمام مجلس الأمن الدولي إن هناك "قواعد بسيطة للحرب". وشددعلى أنه "يجب على أطراف النزاع المسلح حماية المدنيين".

وفي السياق نفسه، تحدث المدير الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية لشرق المتوسط، الدكتور أحمد المنظري، مع أخبار الأمم المتحدة عقب القصف الذي تعرض له المستشفى الأهلي المعمداني في غزة.

وأكد أن "الرعاية الصحية ليست هدفا، ولا ينبغي أن تكون هدفا"، وجدد دعوة المنظمة لجميع الأطراف المتنازعة إلى الالتزام بالقانون الدولي الإنساني وحماية المدنيين، بما في ذلك "المتخصصون في مجال الرعاية الصحية الموجودون في الميدان وسيارات الإسعاف".

Soundcloud