منظور عالمي قصص إنسانية
استضاف مقر الأمم المتحدة في نيويورك فعالية بعنوان "متساوون في الموسيقى"، حيث شاركت أوركسترا الديوان الغربي- الشرقي بتقديم فواصل موسيقية.

أوركسترا الديوان الغربي الشرقي: فكرة صديقين لمد جسور التفاهم عبر الموسيقى

UN News/Abdelmonem Makki
استضاف مقر الأمم المتحدة في نيويورك فعالية بعنوان "متساوون في الموسيقى"، حيث شاركت أوركسترا الديوان الغربي- الشرقي بتقديم فواصل موسيقية.

أوركسترا الديوان الغربي الشرقي: فكرة صديقين لمد جسور التفاهم عبر الموسيقى

الثقافة والتعليم

لدى الموسيقى قوة فريدة وجبارة توحد الناس من جميع الخلفيات والثقافات والأعمار. هذه القناعة دفعت الصديقين أدوارد سعيد، المفكر الفلسطيني الراحل البارز، ودانيال بارينبويم الموسيقار الإسرائيلي الشهير، إلى إنشاء الديوان الغربي الشرقي.

كانت لدى الرجلين قناعة راسخة بأن السلام في الشرق الأوسط لا يمكن تحقيقه بالوسائل العسكرية، وكرسا نفسيهما للبحث عن مقاربات بديلة لإيجاد حل سياسي.

نبعت فكرة الأوركسترا من المحادثات بين المؤسسين اللذين ناقشا طوال فترة صداقتهما أفكارا حول الموسيقى والثقافة والإنسانية، وأدركا الحاجة الملحة لإيجاد طريقة بديلة لمعالجة الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني.

وقد سنحت الفرصة للصديقين الحميمين للقيام بذلك عندما عقدا ورشة عمل موسيقية، في ألمانيا عام 1999 استخدما فيها خبرتهما الموسيقية كنموذج. وقد شكلت ورشة العمل تلك النواة الأولى لأوركسترا الديوان الغربي الشرقي بهدف التقريب بين الموسيقيين العرب والإسرائيليين الشباب وتعزيز الحوار والتفاهم الثقافي من خلال الموسيقى.

عيّن الأمين العام الأسبق بان كي مون في عام 2016 أوركسترا الديوان الغربي- الشرقي باعتبارها مناصرا عالميا للأمم المتحدة للتفاهم الثقافي.
UN News/Abdelmonem Makki

 

شعلة الإلهام مستمرة في التوهج

وبمناسبة مرور الذكرى الرابعة والعشرين لميلاد أوركسترا الديوان الغربي الشرقي الأم، أسس مايكل بارينبويم ابن دانييل بارينبويم فرقة الديوان الغربي الشرقي لتحمل الشعلة وتواصل المشوار الذي بدأه الأب مع أدوارد سعيد.

تتألف الأوركسترا الحالية من ثمانية أعضاء بقيادة مايكل بارينبويم، وهي تقوم بجولات في أنحاء الولايات المتحدة والعالم. عزفت الفرقة بمقر الأمم المتحدة في نيويورك في فعالية بعنوان "متساوون في الموسيقى"، نظمها تحالف الأمم المتحدة للحضارات وإدارة التواصل العالمي في الأمم المتحدة.

وكان اللقاء بمثابة فرصة للتعريف بفكرة الأوركسترا التي عيّنها الأمين العام السابق بان كي مون عام 2016  مناصرا عالميا للأمم المتحدة للتفاهم الثقافي.

يقول مايكل بارينبويم إن الفرقة تضم أعضاء يأتون من بلدان تتنازع مع بعضها بطريقة أو بأخرى. "ونحن نبرهن أنه من خلال التعاون في مشروع مثل هذا- أي الاشتراك في فرقة موسيقية- من الممكن جمع هؤلاء الأشخاص من الدول المتصارعة معا ليعملوا بصورة مشتركة من أجل هدف السلام".

وأعرب عن اعتقاده بأن هذه الفرقة الموسيقية تظهر نموذجا مختلفا وطريقة تفكير بديلة لمنطقة الشرق الأوسط، "وهي أننا يمكننا أن نحل مشاكلنا من خلال التفاهم والحوار والاستماع إلى الآخر وليس من خلال السلاح والقنابل والحرب والدم والصراع. في الفرقة الموسيقية أنت تعزف، ولكن عليك أيضا الاستماع إلى الآخرين".

أسس مايكل بارينبويم ابن دانييل بارينبويم فرقة الديوان الغربي الشرقي لتحمل الشعلة وتواصل المشوار الذي بدأه الأب مع إدوارد سعيد.
UN Photo/Mark Garten

 

وسيلة للتعرف على الآخر

مريم سعيد، أرملة المفكر الفلسطيني الراحل أدوارد سعيد، تعمل حاليا نائبة لرئيس مؤسسة بارينبويم-سعيد في الولايات المتحدة الأمريكية وأكاديمية بارنبويم - سعيد للموسيقى في رام الله.

تعد مريم سعيد قوة دافعة كبرى خلف أوركسترا الديوان الغربي- الشرقي التي شارك في تأسيسها زوجها الراحل.

تقول سعيد إن الرسالة التي تحملها الأوركسترا هي رسالة الإنسانية. وتضيف: "كتب إدوارد كثيرا عن الإنسانية وهو يعتقد أن الإنسانية هي الشيء الوحيد الذي يمكننا من خلاله التصدي لحالة التفكك التي يمر بها عالمنا. وهذه هي الرسالة التي تحاول الأوركسترا إرسالها".

وأشارت إلى أن الفرقة بدأت أولا بالعرب والإسرائيليين وعندما توسعت ضمت عازفين من أماكن أخرى من شمال أفريقيا، إيران وتركيا، ومضت قائلة:

"لم تُؤسس الأوركسترا باعتبارها أوركسترا سلام وإنما هي مشروع تعليمي. تعليم الموسيقى باعتبارها لغة تفتح العقول مما يؤدي إلى توليد أفكار جديدة في المجتمع. كتب إدوارد سعيد عن الآخر، وبالتالي فإن هذه الأوركسترا هي وسيلة أيضا للتعرف على الآخر. تتغير نظرة الإنسان وأفكاره عندما يتعرف على الآخر".

عندما نعزف معا ننسى كل شيء

سيندي فيصل عبد الوهاب من مصر وسمير ناصر عبيدو من فلسطين، من بين أعضاء الفرقة الثمانية ويعزف كلاهما على آلة الكمان. سألنا سمير وسيندي عن شعورهما بالمشاركة في فرقة تضم عازفين شبابا من دول مختلفة.

تقول سيندي إنها بدأت العزف مع فرقة الديوان الغربي- الشرقي سنة 2013، وكانت تلك أول مرة تقابل فيها موسيقيين من بلاد عربية أخرى ومن إسرائيل. وتضيف: "كانت مفاجأة بالنسبة لي وكان يتملكني الفضول في معرفة الكيفية التي سنتعامل بها مع بعضنا البعض، وكيف نعزف معا ونفهم بعضنا البعض".

يقول سمير إن تجربته مماثلة لتجربة سيندي ويضيف: "تملكني الإحساس بالمفاجأة والفضول عند انضمامي للفرقة في المرة الأولى. ولكنني أحس الآن أنني تغيرتُ كثيرا من ناحية منظوري للحياة وكيف أحكي وأتعامل مع الناس وكيف أعزف بالنظر إلى أنني كنت أدرس في بلد غربية وكانت البيئة غريبة بالنسبة لي. وأعتقد أن خبرتي في الفرقة تنعكس على حياتي بشكل عام وهذا شيء جميل".

وأضافت سيندي: "أتينا من بلاد مختلفة وتعلمنا اللغة الموسيقية ونحن نفهم بعضنا البعض بهذه اللغة. وفي الوقت نفسه، اكتشفت أن الإسرائيليين ليسوا بعيدين عنا كثيرا. فهم لهم ثقافة مشابهة لنا، ولكن السياسة هي التي تفرق الناس. وعندما نعزف معا ننسى كل شيء".

 

سيندي فيصل عبد الوهاب من مصر وسمير ناصر عبيدو من فلسطين هما من بين أعضاء أوركسترا الديوان الغربي الشرقي الثمانية ويعزف كلاهما على آلة الكمان.
UN News

 

الإنسانية فوق كل شيء

عضو الفرقة ديفيد سترونغين- وهو من إسرائيل- يعزف على آلة الكمان، وهو يرى أن مهمة هذه الأوركسترا تتمثل-ببساطة- في عزف الموسيقى معا، ويضيف:

"يمكن للمرء أن يفعل كل شيء من خلال الموسيقى. أنت لست بحاجة إلى كلمات ولست بحاجة إلى نص أو أي شيء على الإطلاق، طالما نعزف معا ونتعلم الاستماع إلى بعضنا البعض".

ومثلما يحدث في جوانب الحياة الأخرى، يقول ديفيد سترونغين إنه ليس من السهل تأليف الموسيقى مع الغرباء "لأن عزف الموسيقى بحاجة إلى الكثير من التفاهم. أشعر بأننا عائلة واحدة في هذه الفرقة، ونستمتع كثيرا عند العزف مع بعضنا البعض. ولا تهم أصولنا أو من نحن. نحن فقط نحب بعضنا البعض كبشر. ولهذا أعتقد أن الموسيقى تصلح جيدا في هذا الجانب".

أما آستريغ سيرانوسيان- التي تعزف على آلة التشيللو- فتقول إن سعيد وبارينبويم أرادا أن يبرهنا معا أنه من خلال الموسيقى يمكننا أن نتفاهم ونكون معا ونحب بعضنا البعض ونصبح أصدقاء وتضيف:

"لا يهم كونك فلسطينيا، أو إسرائيليا، أو سوريا، أو لبنانيا. لا يهم كل ذلك. يجب أن تكون الإنسانية فوق كل شيء. وأعتقد أن هذه طريقة لنُبرهن للناس وللأجيال القادمة والحالية بأن هناك طريقة ممكنة للتعايش من خلال الموسيقى، وأيضا من خلال الذكاء والحب والتفاهم تجاه بعضنا البعض. ننشد عالما أفضل يتوقف فيه البشر عن قتل بعضهم. ننشد عالما يحب فيه البشر بعضهم البعض".

 

استضاف مقر الأمم المتحدة في نيويورك فعالية بعنوان "متساوون في الموسيقى"، نظمها تحالف الأمم المتحدة للحضارات وإدارة التواصل العالمي في الأمم المتحدة، حيث شاركت أوركسترا الديوان الغربي- الشرقي بتقديم فواصل موسيقية.
UN News/Abdelmonem Makki

 

في افتتاح الفعالية الموسيقية، تحدث ممثل الأمم المتحدة السامي لتحالف الحضارات، ميغيل أنخيل موراتينوس حيث قال: "هنا في قاعة مجلس الوصاية ستستمعون إلى خطاب مختلف، إنه خطاب الموسيقى والانسجام والمصالحة. إنه خطاب التعاطف والأخوة والتضامن. إنه خطاب يتمتع بقوة أكثر تأثيرا بكثير من معظم خطاباتنا وبياناتنا الدبلوماسية والسياسية".

كما تحدث السيد ماهر ناصر مدير شعبة التوعية بإدارة التواصل العالمي في الأمم المتحدة، قائلا إن الاحتفال بالذكرى الخامسة والسبعين للإعلان العالمي لحقوق الإنسان هذا العام يعني أيضا أننا متساوون في الموسيقى وفي الحقوق وفي الإنسانية. وأضاف:

"عندما تنظر إلى مجموعة موسيقية مؤلفة من ثمانية أعضاء وكلهم يقرأون من نفس النوتة الموسيقية فإن ذلك يعني التناغم والانسجام وأنهم كلهم متساوون. بعضهم يعزف الكمان وبعضهم يعزف التشيللو لكن الصوت الصادر من هذه الآلات يبدو وكأنه يصدر من آلة موسيقية واحدة. كل نوتة موسيقية متساوية".

يشار إلى أن هذه كانت أول حفلة تقيمها أوركسترا الديوان الغربي الشرقي في مقر الأمم المتحدة. وفي نهاية الحفل الموسيقي صفق الجمهور بحرارة للأداء الرائع الذي قدمته الفرقة على أمل أن تعاود مرة أخرى العزف في مقر الأمم المتحدة في مستقبل الأيام.