منظور عالمي قصص إنسانية

كورونا: إحدى الشابات من ووهان في الصين تروي تجربتها في المدينة الموبوءة وكيف ساهمت هي والملايين في وقف الانتشار

منزل في ووهان تحول إلى مكان للحجر الصحي
Dizi
منزل في ووهان تحول إلى مكان للحجر الصحي

كورونا: إحدى الشابات من ووهان في الصين تروي تجربتها في المدينة الموبوءة وكيف ساهمت هي والملايين في وقف الانتشار

الصحة

9 ملايين شخص في ووهان مكثوا في منازلهم بعد تفشي فيروس كورونا في بلدتهم الواقعة بمقاطعة خوبي في قلب الصين. البعض أعتقد أن الأمر سيزول بعد أيام، لكن فترة المكوث في المنزل استمرت أكثر من شهرين بانتظار "الأخبار الجيدة" والقضاء على المرض الذي تحوّل إلى جائحة اجتاحت العالم بأسره وبفترة وجيزة.

في 18 آذار/مارس، لم تسجّل مقاطعة خوبي أي حالة جديدة مصابة بفيروس كورونا. عندها بدأ أكثر من 42 ألف طبيب، قدموا من جميع أنحاء الصين للمساعدة في علاج المرضى، بالعودة إلى منازلهم.

ديزي، طالبة طب، من سكان ووهان، هي واحدة من الملايين الذين التزموا الحجر المنزلي مع أسرتها. وبعد شهرين من الحجر، تحدثت ديزي مع أخبار الأمم المتحدة حول تجربتها في ووهان وما تعلمته وما ترك فيها من أثر.  الزميل في القسم الصيني، موتشي لي، أجرى هذا الحوار مع ديزي التي تحدثت عن ووهان خلال فترة جائحة كـوفيد-19.

  • هل يمكن أن تتحدثي عن إغلاق المدينة وكيف طُلب منكم البقاء بالمنزل؟

لقد حدث الأمر فجأة، لأنني عدت إلى منزل الأسرة في 23 من ذلك الشهر وبعدها تلقينا الأنباء، وقيل لنا إن البلدة ستكون مغلقة في أوقات المساء. ولم يتسنَ لنا حتى أن نعرب عن أي ردة فعل، وشعرنا أن الأمر خطير ولكنني لم أكن أتوقع أن تطول المدة. وفي ذلك الوقت إنصبّ كل تفكيري على أن الإغلاق قد يتواصل حتى احتفالات الربيع أو مهرجان الأنوار والذي يكون عادة في شباط/فبراير. شعرنا بالذعر ولكن لم يكن هناك وقت لاستيعاب ما يحدث.

  • كيف يمكن وصف حركة السكان في المقاطعة. هل التزموا بالحظر؟

بحسب ما أعلم، فقد تم تشديد القيود بشكل تدريجي. في الأسبوع الأول أو الثاني سُمح للسكان بالخروج للتبضع، ولم تُغلق المحلات التجارية أبوابها. وبعد ارتفاع عدد الحالات طُلب من كبار السن البقاء بالمنزل وعدم الخروج على الإطلاق، وسُمح للشباب والشابات بالخروج قليلا. إلا أن المسؤولين في المدينة كانوا صارمين ولم يُسمح للناس العاديين بدخول البلدة أو الخروج منها، باستثناء الأطباء والممرضين وبعض العاملين في القطاعات الضرورية ولكن فقط بتصريح خاص.

آخر مرة خرجنا فيها للتبضع كانت في 23 كانون الثاني/يناير، لأنها كانت ليلة رأس السنة في الصين. وأبلِغنا أن علينا أن نبتاع كل ما نحتاجه من ضروريات تكفي لمدة 10 أيام. ولذا ما ابتعناه كان قليلا جدا. ولكنني أذكر أن أهم ما إعتقدنا أن علينا الحصول عليه هو معقمات اليد. أما فيما يتعلق بالطعام اشترينا المعكرونة والأرز والفطائر المفرّزة، والكثير من اللحم والمشروبات والمقبّلات والوجبات الخفيفة. وفيما يتعلق بالاستعداد النفسي، كان التلفاز هو الملاذ إضافة إلى قراءة الكتب والإنترنت.

  • كيف أمضيت الوقت في المنزل لمدة شهرين متتاليين؟

في البداية إنصبّ تركيزي على الجائحة. أتذكر أنني لم أشح بنظري عن هاتفي في أول ثلاثة أيام لمدة 13 ساعة متواصلة، أي طوال فترة استيقاظي. وكنت أسعى للحصول على بعض المعلومات بشأن الجائحة لاسيّما أن الحالات في ووهان كانت كثيرة جدا في تلك الفترة، ولم نكن نعلم كم عدد المرضى، وهل الأسرّة كافية، وكثيرا ما بثّ أشخاص مقاطع فيديو على الإنترنت يطلبون المساعدة وأشخاص غير قادرين على الوصول إلى المستشفيات وحالتهم صعبة للغاية و"طوابير" طويلة أمام المستشفيات.

من الأمور التي عانيت منها هو فقدان حريتي رغم أن الأمر كان مؤقتا

لم تكن لديّ شهية لفعل أي شيء على الإطلاق. ثم بدأت شهيتي للتحرك تعود تدريجيا ورأيت أن المرضى بدأوا بالحصول على المساعدة، خاصة أن الأطباء من جميع أنحاء الدولة قدموا إلى ووهان للمساعدة، وبدأنا نشهد تحسنا خطوة بخطوة. في تلك اللحظة فقط بدأت أستيقظ في الثامنة صباحا وأقرأ قليلا حتى التاسعة ثمّ أبدأ بالعمل. وفي المساء أمارس بعض الرياضة وأتناول الطعام وأشاهد التلفاز وأحيانا أعود للعمل مساء.

  • ما هي أكثر التحديات بحسب رأيك التي واجهتِها في العزل المنزلي؟

عدم قدرتي على السيطرة على مشاعري في البداية. وبلا شك كانت تساورني حالة من القلق بسبب ما نجم عن الجائحة من تغييرات. لدينا أسرة كبيرة في ووهان وأقرباء وبدأنا نشعر بالقلق على بعضنا البعض. وأنا مصابة بحالة اكتئاب طفيف سبقت الجائحة وكنت أتلقى العلاج، ومع العزل لم أستطع الخروج لزيارة الطبيب. في البداية أصبت بالهلع وحاولت الحصول على تشخيص عبر الإنترنت لكن لم أستطع الحصول على الدواء بسبب النقص في الأدوية وفي تلك اللحظة قررت ممارسة الرياضة والقراءة وهذا ما ساعدني.

أحد الشوارع الخالية من المارة في ووهان
Dizi
أحد الشوارع الخالية من المارة في ووهان
  • عندما يعاني بعض الأشخاص من عدم الارتياح ويشعرون بالاختناق أو يصابون ببعض الحمّى، هل يجب عليهم الشعور بالقلق؟

أعتقد أن ما يجب أن يسأله الناس هو أين كنا قبل أسبوع؟ هل خالطنا مرضى أو حاملين للمرض؟ لكن إذا كانت لديهم حمّى، أي فوق 38 درجة مئوية، فيمكن الشعور ببعض القلق. ضيق التنفس هو مسألة سيكولوجية. نصيحتي بشكل عام هي إذا لم تكن تعاني من الحمّى لمدة تزيد عن ثلاثة أيام وإذا لم تعانِ من السعال الجاف، فلا داعي للقلق.

  • ما هي نصيحتك لمن يخرج للتبضع أو لقضاء الحاجات خلال فترة العزل؟

أهم ما في الأمر هو ارتداء القناع الواقي. لا أنصح بارتداء ملابس واقية لأن تركيز الفيروس لا يكون كبيرا في الهواء الطلق. حافظوا على مسافة بينكم وبين الأشخاص في المحل التجاري أو في المكان الذي تتوجه إليه، واغسلوا الأيدي مباشرة لدى العودة للمنزل.

ما رأيناه بأم أعيننا هو أن أعداد الحالات الموثقة كانت أكبر مما أعلِن عنه ولذا شعرنا بالقلق

أمضينا فترة طويلة في العزل لم تكن متوقعة. وقد طالت المدة من أسبوع إلى عشرة أيام إلى نصف شهر إلى شهرين.. ولذا فإن من المهم التجهيز جيدا والحفاظ على الروتين اليومي بأكبر قدر ممكن. ومن المهم توخي الحذر من الإصابة بالصدمات أو الإصابات المنزلية مثل الحروق أو الجروح أثناء الطبخ على سبيل المثال بسبب صعوبة التوجه للمستشفيات للحصول على العناية المطلوبة، كما أن ذلك قد يعرّض الشخص لخطر الإصابة بالفيروس أكثر من غيره في هذه الأوقات العصيبة.

  • قد يصاب البعض بشعور بالوحدة والاكتئاب. كيف يمكن تجاوز هذه المشاعر أثناء فترة العزل؟

أعتقد أنه من الطبيعي أن يشعر المرء بالاكتئاب أو الوحدة في أوقات غير طبيعية مثل هذه. كثيرا ما يعترينا شعور بالغضب بسبب ما نشاهده في الأخبار، وهذا طبيعي جدا ولكنه في نفس الوقت يعني أننا بشر ونشعر بالرحمة إزاء الآخرين. يجب أن نقرّ بذلك، بأننا إنسانيون. وبعد ذلك يجب أن نفسح المجال لأنفسنا لنشعر ببعض الغضب والحزن كي تتدفق المشاعر ولكن أن نتذكر أنها مشاعر لن تستمر لوقت طويل.

  • ما تقييمك للإجراءات التي اتخذتها الحكومة والبلدة خلال العزل؟

لقد أبلت الحكومة والبلدة بلاء حسنا في المراحل المتوسطة والأخيرة من التفشي. وقد كانا يتواصلان معا على الدوام بشأن تطور المرض. وسُمح للخبراء بالتحدث عن الوباء على شاشات التلفزة وفي كل مكان وقدموا نصائح نفسية للمواطنين. وفي البداية كنا نخضع لإجراءات فحص درجات الحرارة بشكل يومي، وبعد ذلك أصبحنا نفحصها بأنفسنا ونبلغ السلطات المعنية بها.

بالنسبة لجوانب القصور، ربما المعلومات الأولية لم تكن شفافة بما فيه الكفاية. ولذا شعر الجميع بالقلق في الأيام الأولى لأن ما رأيناه بأم أعيننا هو أن أعداد الحالات الموثقة كانت أكبر مما أعلِن عنه. ربما لأن تسارع وتيرة الأحداث كان كبيرا جدا.

  • بعد شهرين على العزل، هل بالإمكان أن نقول إن الإنترنت يمكن أن يحل محل التواصل الجسدي؟

أعتقد أن الإنترنت مهم. لكنه لا يمكن أن يحل مكان التواصل المباشر بين الأشخاص. لقد حصلت على الكثير من المعلومات عبر الإنترنت وبلا شك كانت هناك أخبار سلبية وتضخيم للأمور، ولذا أعتقد أنه لو أمضينا وقتا طويلا نتفحص الإنترنت ونتشرّب الأخبار السلبية، فهذا ليس أمرا جيدا على المدى البعيد.

  • هل العزل غيّر نظرتك للحياة؟

نعم! إن الجائحة جديدة علينا في التاريخ الحديث، ربما تفشي السارس في الصين عام 2003 كان أيضا كبيرا لكنه لم ينتشر في الصين ككل أو في العالم بأسره. أما هذه المرة، فقد مكثت بالمنزل شهرين تغيّرت خلالهما نظرتي للحياة. ورأيت أن العالم أصبح صغيرا نوعا ما، وكبيرا في نفس الوقت.

تجبرك الأوضاع على توسيع نطاق معرفتك بالجائحة وبالأوبئة وبالأمور الاجتماعية وبالعادات الصحية

وتجبرك الأوضاع على توسيع نطاق معرفتك بالجائحة وبما يحدث من حولك وبالأوبئة وبالعلاقات الاجتماعية وبالعادات الصحية. كما أن العلاقة مع الأسرة تتغير مع تقرّب الجميع من بعضهم البعض. وفي هذه الفترة تواصل معي أصدقاء لم أسمع منهم منذ فترة طويلة. وفي الوقت نفسه انتهزت الفرصة لأخذ قسط من الراحة في هذه الفترة. أصعب ما في الأمر هو فقدان الأعزاء على قلوبنا وهو ما سيؤثر فينا كثيرا.

من الأمور التي عانيت منها هي فقدان حريتي رغم أن الأمر كان مؤقتا إلا أنه يجعل المرء يفكر كثيرا في ذلك.

لكن، لدينا مقولة في ووهان أعتقد أنها تلخص كل شيء: طالما حميت نفسك ولم تُصب بالزكام ولم تمرض ولم تذهب إلى المستشفى، فأنت لا تزيد العبء على الآخرين. التزام المنزل كان واجبنا من أجل القضاء على الجائحة.