منظور عالمي قصص إنسانية

شهادات مؤثرة لناجيات من العنف الجنسي والإعلان رسميا عن تأسيس صندوق لدعم الناجين... نادية مراد: نريد العدالة أن تتحقق

(من اليسار إلى اليمين) ناليدي باندور، وزيرة العلاقات الدولية والتعاون في جنوب أفريقيا؛ نادية مراد، الحائزة على جائزة نوبل للسلام؛ براميلا باتن، الممثلة الخاصة المعنية بالعنف الجنسي في حالات النزاع؛ د. دينيس موكويغي، الحائز على جائزة نوبل للسلام.
UN Photo/Mark Garten
(من اليسار إلى اليمين) ناليدي باندور، وزيرة العلاقات الدولية والتعاون في جنوب أفريقيا؛ نادية مراد، الحائزة على جائزة نوبل للسلام؛ براميلا باتن، الممثلة الخاصة المعنية بالعنف الجنسي في حالات النزاع؛ د. دينيس موكويغي، الحائز على جائزة نوبل للسلام.

شهادات مؤثرة لناجيات من العنف الجنسي والإعلان رسميا عن تأسيس صندوق لدعم الناجين... نادية مراد: نريد العدالة أن تتحقق

المرأة

يتزامن عام 2019 مع الذكرى العاشرة لتأسيس مكتب الممثلة الخاصة المعنية بالعنف الجنسي في حالات النـزاع، الذي يعنى بإحدى أكثر القضايا تهديدا للسلم والأمن الدوليين. وخلال العقد الماضي، جرى تحول في فهم آفة العنف الجنسي المرتبط بالنزاع وسبل التصدي لهذه الجرائم ودعم الناجين والناجيات. 

وتوجهت الأنظار يوم الأربعاء إلى نيويورك بعد أن قدّمت مجموعة من الفتيات إفاداتهن وشهاداتهن كناجيات من العنف الجنسي خلال صراعات حالية وسابقة لضمان إسماع أصواتهنّ لصنّاع القرار، وتقديم توصيات وحلول. 

شهادة مؤثرة: قصة بدرية من العراق

بدرية من سنجار اختُطفت وهي في سنّ 14 وظلت في قبضة داعش لمدة ثلاثة أعوام عانت خلال هذه الأعوام الأمرّين. وقالت بلهجة عراقية عامية "سجنونا وشفنا ظلما لا أحد يتصوره".

وقالت بدرية إنها تنقلت بين عدّة منازل خلال فترة الأسر، وكان آخر بيت يقطنه رج مغربي وزوجته الأميركية قبل أن تفرّ عائدة إلى أهلها.

انخطفت وتفرّقت عن أسرتي وتنقلت بين سبع أسر مختلفة من داعش، سجنونا وعذبونا ومنعونا عن الأكل والشراب

وقالت إنها عندما رأت والدتها لأول مرة بعد الأسر، اعتقدت بأنها تحلم، وأضافت "لو كان هذا حلم مش عاوزة أقعد منو"، موضحة أن حلمها كان واقعا، لكن لا يزال الكثيرون يعيشون في كابوس مرعب اسمه داعش.

وأكدت بدرية على ضرورة محاكمة ومحاسبة المسؤولين عمّا حدث لها وللكثير من الفتيات غيرها. "انخطفت وتفرّقت عن أسرتي وتنقلت بين سبع أسر مختلفة من داعش، سجنونا وعذبونا ومنعونا عن الأكل والشراب." وأكدت بدرية في شهادتها أن أختها في مخيم الهول لا تستطيع إحضارها بسبب الظروف الأمنية، وأضافت أن بلدتها مهدمة الآن، وأعربت عن شعورها بالخطر الذي يحدق بها دائما خاصة إذا ذهبت إلى الموصل بسبب بقاء مقاتلي داعش طلقاء.

وقالت بدرية إنها كانت تحلم في أن تصبح طبيبة ولا يزال هذا الحلم حاضرا.

قصة الناجية بدرية من العراق: اختطفت في 14 من عمرها وتنقلت بين عائلات داعش

ناجية من جنوب السودان أنجبت من مغتصبها

تحدثت عبر تقنية الفيديو ناجية من اعتداء جنسي في جنوب السودان، دون أن يظهر وجهها أو تذكر اسمها، وقالت إنها تعرّضت للاغتصاب هي وسبع نساء أخريات أثناء خروجهن لجمع الحطب لعائلاتهنّ. وقالت إن سبعة رجال في زيّ عسكري يتحدثون اللغة العربية اعتدوا عليهنّ في ذلك الوقت، وتناوبوا على اغتصابهنّ خلف أغصان الشجر.

وقد أنجبت طفلة ثمرة لهذا الاعتداء هي وامرأتان أخريان. وأضافت أن زوجها انفصل عنها فور علمه بالأمر، وحمّلها مسؤولية الاغتصاب، ومنعها من رؤية أطفالها وهي منذ ذلك الوقت تعيش في عار وفي حالة نفسية يُرثى لها، فهي غير قادرة على التواصل مع أطفالها، ولا تستطيع أن تقول لابنتها إنها ثمرة اعتداء جنسي على والدتها.

أنجبت طفلة ثمرة للاعتداء... زوجي حمّلني مسؤولية الاغتصاب، ومنعني من رؤية أطفالي وهي منذ ذلك الوقت أعيش في عار وفي حالة نفسية يُرثى لها

وقالت هذه الناجية إنها تطالب بالمحاسبة والقصاص من المسؤولين عن محنتها، وليس فقط الاكتفاء بمحاسبة المتعدين بل أيضا تقديم الضباط المسؤولين عنهم في الجيش إلى المحاكمة.

وأضافت، "في رسالتي إلى مجلس الأمن، أقول إن جنوب السودان يعيش في أزمة من خمسة أعوام، وثمّة العديد من ضحايا العنف الجنسي لستُ أنا فقط، أطالب المجلس بممارسة الضغط كي تضع الحرب أوزارها وتُنهي معاناتنا."

وأضافت أن الكثيرين يتحدثون عن حل سلمي في جنوب السودان، وتساءلت عمّا يمكن أن سيحدث إذا لم تصمد الهدنة؟ ودعت إلى إنهاء الحرب في جنوب السودان وجددت دعوتها إلى محاسبة المعتدين.

صندوق عالمي لدعم الناجين

أكدت الممثلة الخاصة المعنية بالعنف الجنسي في حالات النزاع، براميلا باتن، أنها تضع الأولوية لمنع ارتكاب جرائم العنف الجنسي خلال أوقات الصراعات، وقالت في مؤتمر صحفي في مقرّ الأمم المتحدة في نيويورك إنه يمكن تجنّب الاعتداءات الجنسية، وقالت "إننا اليوم نركز على الناجين وسأحشد كافة الموارد لمنع حدوث الاعتداءات." وأضافت أنها أعربت عن قلقها خلال زيارتها للعراق إزاء إبقاء مرتكبي هذه الاعتداءات الوحشية دون عقاب. وأشارت إلى أهمية النظر في أسباب تلك الجرائم واقتلاعها من جذورها، ومن هذه الأسباب انعدام المساواة بين الرجل والمرأة، والفقر والتهميش والتسليح وغيرها.

وبمناسبة الذكرى العاشرة لتأسيس مكتب الممثلة الخاصة المعنية بالعنف الجنسي في حالات النزاع، أسدل الستار رسميا عن إنشاء صندوق عالمي للناجين من العنف الجنسي المرتبط بالنزاعات. وأطلق المشروع كل من ناديا مراد، العراقية الأيزيدية الحائزة على جائزة نوبل للسلام لعام 2018 والناجية من الاعتداء الجنسي على يد داعش، وطبيب النساء الكونغولي الحائز على جائزة نوبل للسلام دنيس موكويغي.

مقطع من كلمة نادية مراد

نادية مراد تعلن رسميا إطلاق صندوق دعم الناجين من العنف الجنسي المرتبط في النزاع

وقالت مراد إن العقد الماضي لفت الانتباه إلى أهمية الاستماع إلى أصوات الناجين، مضيفة أن إطلاق هذا الصندوق "لحظة تاريخية" وهي تشعر بالفخر والتواضع لأنها كانت جزءا من هذه اللحظة.

تحدثتُ مع نفسي أولا وقلت لا يكفي أن أرى البغدادي مقتولا، نريد أن نرى العدالة تتحقق--ناديا مراد

وأكدت أن الصندوق سيركز على دعم الناجين لأن التعويض حق لهم، وشددت على أهمية الضغط على الدول والحكومات لمساعدة الناجين على التماثل للشفاء.

وأشادت مراد بدور فرنسا والاتحاد الأوروبي وألمانيا على دعم الصندوق ودعت سائر الدول إلى تقديم الدعم والمؤازرة مشيرة إلى أن من حق الأطفال أن ينعموا بحياة جيّدة "لتكون الأولوية للإنسانية لا للسياسة" على حدّ تعبيرها.

وفيما يتعلق بجهود ملاحقة الجناة قضائيا، قالت مراد، "ينبغي فعل المزيد فيما يتعلق بهذا الأمر ولكننا لم نستسلم وسنواصل السعي لتحقيق العدالة." وعند سؤالها عن الفتيات الأيزيديات اللاتي تعرّضن للاعتداءات الجنسية وما إذا كانت قد تحدثت معهنّ، قالت مراد "تحدثتُ مع نفسي أولا وقلت لا يكفي أن أرى البغدادي مقتولا، نريد أن نرى العدالة تتحقق."

وتمثل ناديا مراد المحامية اللبنانية-البريطانية المعروفة أمل كلوني وتدعمها في المطالبة بمحاكمة المجرمين أمام محكمة العدل الدولية، وتصرّان على نقل القضية إلى الرأي العام على أوسع نطاق ممكن.

من جانبه أكد د. موكويغي أهمية المحاسبة والمساءلة، لأن الحصانة التي يشعر بها مرتكبو الجرائم هي ما تشجع على ارتكاب المزيد منها.

اليوم الدولي للقضاء على العنف الجنسي في حالات النزاع

في 19 من حزيران/يونيو من كل عام يحتفل العالم باليوم الدولي للقضاء على العنف الجنسي في حالات النزاع بحسب قرار الجمعية العامة 69/239، بهدف زيادة الوعي بالحاجة إلى وضع حدّ للعنف الجنسي المرتبط بالنزاعات ولتكريم ضحايا العنف الجنسي والناجين منه في كافة أنحاء العالم، وللإشادة بمن وقفوا بشجاعة في سبيل القضاء على هذه الجرائم، ومن ضحوا بحياتهم وهم يتصدون لها.

وكان مجلس الأمن قد اعتمد قراره 1820 الصادر عام 2008 والذي يندد بالعنف الجنسي واستخدامه أسلوبا من أساليب الحرب وبوصفه عقبة أمام جهود بناء السلام.

كما اعتمد مجلس الأمن القرار 2467 في 23 نيسان/أبريل 2019 الذي أظهر نهجا مرتكزا على الناجين في سبيل السعي لمنع العنف المرتبط بالنزاعات والاستجابة له، لما للعنف الجنسي في حالات النزاع من آثار على الضحايا مثل الصدمة النفسية ووصمة العار والفقر وسوء الحالة الصحية والحمل غير المرغوب فيه والأمراض الجنسية المترتبة عليه، ويتردد صدى هذه الآثار عبر الأجيال مما يثقل كاهل الناجين وأطفالهم.