منظور عالمي قصص إنسانية

مجلس الأمن يبحث قضية المساءلة عن العنف الجنسي في حالات النزاع

الوحشية الشديدة والعنف الجنسي من السمات التي ميّزت الصراع في منطقة تيغراي الإثيوبية.
© UNFPA Ethiopia/Paula Seijo
الوحشية الشديدة والعنف الجنسي من السمات التي ميّزت الصراع في منطقة تيغراي الإثيوبية.

مجلس الأمن يبحث قضية المساءلة عن العنف الجنسي في حالات النزاع

السلم والأمن

شددت الممثلة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بالعنف الجنسي في النزاع براميلا باتن على ضرورة ألا يهدأ لنا بال حتى ينام كل ناج من العنف، وكل مدني، تحت غطاء العدالة.
 

وعقد مجلس الأمن، اليوم الأربعاء، مناقشته المفتوحة السنوية حول العنف الجنسي في حالات النزاع. وركزت المناقشة هذا العام على موضوع: "المساءلة كآلية للوقاية: إنهاء دورات العنف الجنسي في حالات الصراع."

وترأس جلسة المجلس اللورد طارق أحمد (من ويمبلدون)، الممثل الخاص لرئيس الوزراء البريطاني، ووزير الدولة لشؤون الكومونولث والأمم المتحدة شمال أفريقي، والممثل الخاص لرئيس الوزراء البريطاني المعني بمنع العنف الجنسي في حالات النزاع.

وفي بداية حديثها، وجهت السيدة براميلا باتن سؤالا إلى أعضاء مجلس الأمن قائلة:

"ماذا تعني الآن القرارات العشرة المتعلقة بالمرأة والسلام والأمن – والتي تركز خمسة منها بشكل مباشر على منع العنف الجنسي المرتبط بالنزاع والتصدي له- بالنسبة للمرأة في أوكرانيا أو أفغانستان أو ميانمار أو تيغراي؟"

وقالت الممثلة الخاصة إن الوقاية من العنف هي أفضل شكل من أشكال الحماية، بما في ذلك منع الصراع نفسه. "يجب أن نرتقي إلى مستوى التحدي في عصرنا. التقاعس ليس خيارا."

سياقات مشجعة للإفلات من العقاب

وقدمت الممثلة الخاصة تقرير الأمين العام بشأن العنف في حالات النزاع، وحوى التقرير تفاصيل من إثيوبيا، أفريقيا الوسطى، وميانمار، الصومال، كمبوديا، وأفغانستان، سوريا، العراق، واليمن. 

وقالت إنه في كل من هذه السياقات، نرى ما يشجع على الإفلات من العقاب، مشيرة إلى ما وصفته بالفجوة بين الالتزامات والامتثال والقرارات، والواقع، في كل صفحة من صفحات التقرير السنوي.

"خلال العام الماضي، استمر ارتكاب العنف الجنسي كأسلوب من أساليب الحرب والتعذيب والإرهاب والقمع السياسي."

ويغطي التقرير 18 حالة قطرية، ويوثق 3293 حالة عنف جنسي مرتبطة بالنزاع تحققت منها الأمم المتحدة في عام 2021، "وهو ما يمثل زيادة كبيرة بنحو 800 حالة مقارنة بعام 2020. 

الكونغو الديمقراطية تسجل أكبر عدد من حوادث العنف

ومرة أخرى، تم تسجيل أكبر عدد من الحوادث في جمهورية الكونغو الديمقراطية الكونغو (1016). استهدفت الغالبية العظمى من الحوادث النساء والفتيات.

عندما يتحرر الجناة، يمشي الناجون في خوف، حاملين عبء الوصم والعار

وأشارت المسؤولة الأممية المعنية بالعنف الجنسي في النزاع إلى ما وصفته باستمرار إسكات الناجين بسبب الصدمات والألم واليأس، وكذلك بسبب وصمة العار وانعدام الأمن وندرة تقديم الخدمات. 

"هناك علاقة بين الصمت الفردي والصمت الرسمي: لا يمكن أن يُتوقع من الناجين إدانة ما تنكره الدولة نفسها. عندما يتحرر الجناة، يمشي الناجون في خوف، حاملين عبء الوصم والعار."

وقالت إن الرؤية المركزية لتقرير هذا العام تتمحور حول الحاجة إلى تعزيز بيئة وقائية تمنع العنف الجنسي في المقام الأول وتتيح الإبلاغ والاستجابة بأمان. 

"من الواضح بشكل صارخ في جميع أنحاء العالم أن الخروج على القانون والإفلات من العقاب يعادلان منح "رخصة للاغتصاب."

وأكدت الممثلة الخاصة أن الملاحقة القضائية هي أيضا شكل من أشكال الوقاية ويمكن أن تساعد في تحويل ثقافة الإفلات من العقاب، القائمة منذ قرون على هذه الجرائم، إلى ثقافة ردع. 

"بينما يؤدي الإفلات من العقاب إلى تطبيع العنف، فإن العدالة تعزز المعايير العالمية. حان الوقت للانتقال من تسليط الضوء إلى تحقيق المساءلة، ولضمان ترجمة وثائق اليوم إلى محاكمات الغد."

من الأرشيف: المديرة التنفيذية لهيئة الأمم المتحدة للمرأة بالإنابة، والممثلة الخاصة للأمين العام المعنية بالعنف الجنسي في حالات النزاع، براميلا باتن.
UN Photo/Loey Felipe
من الأرشيف: المديرة التنفيذية لهيئة الأمم المتحدة للمرأة بالإنابة، والممثلة الخاصة للأمين العام المعنية بالعنف الجنسي في حالات النزاع، براميلا باتن.

 

تطورات مشجعة

وأشارت الممثلة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بالعنف الجنسي في النزاع إلى أربع تطورات "مشجعة" حدثت خلال العام الماضي من بينها سن البرلمان العراقي قانون الناجيات الإيزيديات، لتقديم الدعم، ليس فقط للنساء الإيزيديات، ولكن للناجيات من الطوائف الإثنية والدينية الأخرى، اللواتي استهدفهن تنظيم داعش المتطرف، عقب احتلاله مساحات شاسعة من العراق، في الفترة من 2014-2017.

إضافة إلى إدانة المحكمة الإقليمية العليا في كوبلنز بألمانيا، مسؤولا سابقا في المخابرات العامة السورية بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، بما في ذلك العنف الجنسي المرتكب في عامي 2011 و2012.

تعزيز التحقيق في العنف الجنسي ومقاضاة مرتكبيه

وقالت المسؤولة الأممية إن مكتبها أطلق في حزيران/يونيو 2021، أحكاما تشريعية نموذجية وإرشادات بشأن التحقيق والمقاضاة في العنف الجنسي المرتبط بالنزاع، تهدف إلى ضمان أن التشريع الوطني يجرم بشكل شامل جميع أشكال العنف الجنسي ويحمي جميع الأفراد المعرضين للخطر.

تدعم هذه الإرشادات تنفيذ قرار مجلس الأمن 2467 (2019)، الذي يدعو الدول الأعضاء إلى "تعزيز التشريعات وتعزيز التحقيق في العنف الجنسي ومقاضاة مرتكبيه"، من أجل تحقيق عدالة تمكينية يسهل الوصول إليها، بما يتماشى مع "النهج الذي يركز على الناجين".

خطوات للمضي قدما

فيما يتعلق بالسبيل نحو المضي قدما، أوصى التقرير باتخاذ إجراءات هادفة لتعزيز الوقاية الهيكلية، من خلال:

  • المشاركات السياسية والدبلوماسية بغرض التصدي للعنف الجنسي في اتفاقات وقف إطلاق النار والسلام؛
  • استخدام مؤشرات الإنذار المبكر للعنف الجنسي لتوجيه المراقبة وتحليل التهديدات والاستجابة المبكرة؛
  • الحد من تدفق الأسلحة الصغيرة والأسلحة الخفيفة؛
  • إصلاح قطاع العدالة والأمن المراعي للمنظور الجنساني، بما في ذلك التدقيق والتدريب وقواعد السلوك وسياسات عدم التسامح المطلق والمقاضاة الفعالة؛
  • تضخيم أصوات الناجين والمجتمعات المتضررة، ودعم المدافعين عن حقوق المرأة الإنسانية، وحماية الضحايا والشهود.

 

ضحايا العنف الجنسي.
UN Photo
ضحايا العنف الجنسي.

 

نادية مراد: كل نزاع مسلح يتبعه اغتصاب ووحشية

وتحدثت في جلسة المجلس أيضا الناشطة الإيزيدية نادية مراد، الحاصلة على جائزة نوبل للسلام، مشيرة إلى أنه مقابل كل نكسة تواجهها مجتمعاتنا، تتقهقر النساء والفتيات عشر خطوات للوراء. 

"يُظهر التاريخ أنه كلما نشب نزاع مسلح في أي مكان في العالم، يتبعه اغتصاب ووحشية. نشهد هذا في أوكرانيا بينما نتحدث، مع ورود تقارير مقلقة عن العنف الجنسي."

وأضافت أن العنف الجنسي ليس من الآثار الجانبية للنزاع. "إنه أسلوب حرب قديم قدم الزمن. مجموعات مثل داعش تدرك التأثير المزعزع للاستقرار للعنف القائم على النوع الاجتماعي، ويجب علينا أن ندرك ذلك أيضا."

حان الوقت الآن لمحاكمة داعش بتهمة الإبادة الجماعية والعنف الجنسي. حولوا هذه القضية إلى المحكمة الجنائية الدولية

وتحدثت الناشطة الإيزيدية عن المآسي التي تعرض لها أفراد مجتمعها عند هجوم تنظيم داعش عام 2014. وتطرقت إلى ثلاثة جوانب بشأن تحقيق المساءلة وهي العدالة، ودعم الناجيات، والالتزام بالمساواة بين الجنسين على المدى الطويل. وأضافت قائلة:

"السعي لتحقيق العدالة هو أحد أكثر أشكال المساءلة وضوحا. في العام الماضي، أدانت محكمة ألمانية أحد أعضاء داعش بارتكاب إبادة جماعية. كانت هذه هي المرة الأولى التي يحدث فيها هذا في أي مكان في العالم. هذا الحكم التاريخي خطوة مهمة. ولكن سؤالي لكم هو: ثم ماذا بعد؟"

دعوة إلى إنشاء محكمة مختلطة

ووجهت السيدة مراد دعوة إلى أعضاء مجلس الأمن قائلة:

"حان الوقت الآن لمحاكمة داعش بتهمة الإبادة الجماعية والعنف الجنسي. حولوا هذه القضية إلى المحكمة الجنائية الدولية، أو انشأوا محكمة مختلطة بموجب معاهدة لملاحقة جرائم داعش. في غضون ذلك، يجب على الدول الأخرى أن تحذو حذو ألمانيا، وأن تستخدم مبدأ الولاية القضائية العالمية لمحاكمة مجرمي الحرب على الفظائع التي يرتكبونها، بما في ذلك العنف الجنسي. يجب أن تجري هذه المحاكمات بشفافية بالنسبة للناجين الذين يستحقون العدالة."

مسؤولية أخلاقية

وقالت الناشطة الإيزيدية إنه وبعد ثماني سنوات من الإبادة الجماعية التي ارتكبها تنظيم داعش، لا يزال الناجون الذين عادوا إلى سنجار يكافحون في سبيل التعافي في مواجهة الخلافات السياسية بين بغداد وأربيل.

ودعت مجلس الأمن إلى إرسال مبعوث خاص لإنهاء معاناة الأيزيديين في العراق، مشيرة إلى أن الدول الأعضاء تتحمل "مسؤولية أخلاقية بعدم التخلي عن الناجين من الإبادة الجماعية."

الناشطة العراقية الإيزيدية نادية مراد سفيرة الأمم المتحدة للنوايا الحسنة لكرامة ضحايا الاتجار بالبشر.
UN Photo
الناشطة العراقية الإيزيدية نادية مراد سفيرة الأمم المتحدة للنوايا الحسنة لكرامة ضحايا الاتجار بالبشر.

 

مدونة مراد

وقالت السيدة نادية مراد إنها تتطلع إلى الانضمام إلى، اللورد أحمد، يوم غد الخميس، لإصدار مدونة مراد رسميا، "وهي مجموعة من الإرشادات تهدف إلى تغيير المعايير حول كيفية تفاعل الصحفيين والمحققين وأي شخص مكلف بتوثيق العنف الجنسي المرتبط بالنزاع والتحقيق فيه مع الناجين. تم تشكيل هذه المبادئ التوجيهية من خلال التعليقات الواردة من الناجين في جميع أنحاء العالم، وتهدف إلى تعزيز قدر أكبر من الاحترام، والتفاهم، والشفافية، والشفاء."

"السوريات والسوريون لم يعودوا قادرين على انتظار العدالة"

استمع مجلس الأمن أيضا إلى إحاطة من ماريانا كركوتلي، وهي "مستشارة قانونية وإحدى مؤسسات "حقوقيات"، وهي منظمة تضم محاميات وأخصائيات قانونيات يدعون إلى المساءلة والمحاسبة في سوريا،" حيث تناولت ثلاثة موضوعات في كلمتها وهي استخدام العنف الجنسي ضد النساء، التمييز المتجذر بين الجنسين في سوريا، والخطوات اللاحقة التي يتعين على المجتمع الدولي اتخاذها لضمان المحاسبة.

وقالت السيدة ماريانا كركوتلي إن جهود المساءلة تعتبر مهمة جدا للسوريات وللسوريين المتلهفات والمتلهفين لتحقيق العدالة بعد أكثر من عقد من الحرب. 

"ولكنها مستحيلة التحقق في سوريا طالما بقي نظام الأسد في السلطة. فعلى الرغم من أن دولا أوروبية عديدة اليوم ترفع قضايا ضد متهمين بارتكاب جرائم في سوريا بموجب الولاية القضائية العالمية، لكننا أيضا نكتشف محدودية هذه الجهود بما فيها ضرورة مراعاة الواقع في سوريا كالخوف من الانتقام بسبب إبلاغ السلطات المحلية والصدمات النفسية والوصم الذي تعاني منه الناجيات من العنف الجنسي، وكلاهما يؤثر على قدرة الضحايا ورغبتهن في الإبلاغ عن هذه الجرائم."

نتطلع إليكم في مجلس الأمن لمساعدتنا في إحالة الوضع في سوريا إلى المحكمة الجنائية الدولية

وقالت إن السوريات والسوريين لم يعودوا قادرين على انتظار العدالة وأضافت قائلة: 

"لذلك، نحث جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة على مواصلة السعي إلى تحقيق المحاسبة بموجب الولاية القضائية العالمية. ولكننا أيضاً نتطلع إليكم في مجلس الأمن لمساعدتنا في إحالة الوضع في سوريا إلى المحكمة الجنائية الدولية."

 

ماريانا كركوتلي، مستشارة قانونية وإحدى مؤسسات "حقوقيات"، وهي منظمة تضم محاميات وأخصائيات قانونيات يدعون إلى المساءلة والمحاسبة في سوريا.
UN Photo/Loey Felipe
ماريانا كركوتلي، مستشارة قانونية وإحدى مؤسسات "حقوقيات"، وهي منظمة تضم محاميات وأخصائيات قانونيات يدعون إلى المساءلة والمحاسبة في سوريا.

إثيوبيا: العنف الجنسي وسيلة للانتقام

وتحدثت في جلسة مجلس الأمن أيضا الناشطة الإثيوبية هيلينا بيرهانو، حيث تطرقت إلى العنف المرتبط بالنزاعات في إثيوبيا منذ بدء الحرب في تيغراي في تشرين الثاني/نوفمبر 2020، إلى أنها رأت بأم عينها ووثقت الجرائم التي ارتكبت بحق النساء. 

وأشارت إلى ارتكاب الاغتصاب بشكل ممنهج "وتم استخدامه كوسيلة في الحرب بغرض الانتقام... كما استخدم العنف الجنسي لترويع المجتمعات."

وأضافت الناشطة الإثيوبية أن العنف الجنسي كان له دوافع إثنية.

"كانت هناك امرأة من تيغراي تفر من منطقة النزاع مع طفلها وقد اعترضتها مليشيا من أمهرة وفصلتها من أسرتها واغتصبتها جماعيا. وتم إدخال عصا حديدية ساخنة في رحمها من أجل منعها من الولادة."

وأوضحت الناشطة الإثيوبية أن العنف الجنسي تم استخدامه لإذلال الناجيات ومجتمعاتهن، داعية أعضاء مجلس الأمن إلى الوقوف إلى جانب النساء الإثيوبيات.

 

نادية مراد: كل نزاع مسلح يتبعه اغتصاب ووحشية