منظور عالمي قصص إنسانية

حوار: فرص الاستثمار "المريرة" وتأثير الأزمات الإنسانية على الحقوق الجنسية والإنجابية في المنطقة العربية

النزوح القسري أحد الأسباب التي تلقي بظلالها على الصحة والحقوق الجنسية والإنجابية.
© UNRWA
النزوح القسري أحد الأسباب التي تلقي بظلالها على الصحة والحقوق الجنسية والإنجابية.

حوار: فرص الاستثمار "المريرة" وتأثير الأزمات الإنسانية على الحقوق الجنسية والإنجابية في المنطقة العربية

أجرى الحوار: خالد هريدي
المرأة

أعربت المديرة الإقليمية لصندوق الأمم المتحدة للسكان في منطقة الدول العربية، ليلى بكر عن القلق إزاء التباطؤ - وفي بعض الأحيان التراجع - في التقدم الذي تم إحرازه في مجال الصحة والحقوق الجنسية والإنجابية.

جاءت تصريحات بكر في حوار خاص مع أخبار الأمم المتحدة تزامنا مع الإطلاق الإقليمي للتقرير السنوي عن حالة سكان العالم 2024، والذي يحمل عنوان "أقدارٌ مغزولة بخيوطِ الأمل: الصحة والحقوق الجنسية والإنجابية، القضاء على أوجه عدم المساواة في الصحة والحقوق الجنسية والإنجابية".

وأشارت المديرة الإقليمية لصندوق الأمم المتحدة للسكان في منطقة الدول العربية إلى تأثير الأزمات الإنسانية على الحقوق الجنسية والإنجابية والصحة، حيث "تنهار الاستثمارات" في هذا المجال نتيجة تعذر وصول الناس للخدمات، وانهيار الأنظمة الصحية والطرق، وصعوبات الوصول، "وحتى في بعض الأحيان، استهداف وقتل من يعملون بالقطاع الصحي والإنقاذ، كما رأينا في غزة مؤخرا".

لكنها أشارت إلى جانب إيجابي لتلك الأزمات، والذي وصفته بأنه "فرصة مريرة للاستثمار"، مضيفة أنه يمكن أثناء الأزمات الوصول إلى أشخاص كانوا مهمشين، "ويمكن أن نغطي بعض المواضيع مثل العنف ضد المرأة بشكل أسهل لأن هناك حاجة ماسة للوصول للناس الذين هم في أزمة، والحفاظ على الإنسانية".

تغيير المعادلة

التقرير أشار إلى أن المنطقة العربية لديها أدنى معدل مشاركة اقتصادية للمرأة على مستوى العالم بنسبة 26 في المئة فقط.

وتعليقا على هذا، نبهت بكر إلى الصعوبات التي تواجه النساء في الدول العربية بسبب نظرة المجتمع وبعض العادات والتقاليد، مشددة على أنه "لكي نغير هذه المعادلة ويكون هناك مجتمع عادل، يجب أن يكون هناك تغيير في وجهة النظر بشأن هذه التقاليد والعادات".

ولفتت كذلك إلى أن عدم وجود توازن بين النظام الأبوي (نظام السيطرة الذكورية) والتطور الذي يشهده العالم على صعيد التكنولوجيا وحقوق الإنسان، يؤدي إلى خلق نوع من التمييز ضد النساء والفتيات، فضلا عن التمييز الذي ينجم عن الأزمات الإنسانية والنزوح القسري.

فيما يلي النص الكامل للحوار مع المديرة الإقليمية لصندوق الأمم المتحدة للسكان في منطقة الدول العربية، ليلى بكر.

Soundcloud

أخبار الأمم المتحدة: دشنتم الإطلاق الإقليمي للتقرير السنوي عن حالة سكان العالم 2024. التقرير الجديد أشار إلى حدوث تباطؤ وفي بعض الجوانب توقف للتقدم الذي تم إحرازه في مجال الصحة والحقوق الجنسية والإنجابية. ما هي أسباب هذا التباطؤ والتوقف؟

ليلى بكر: نحن قلقون في الأمم المتحدة، وبالتحديد صندوق الأمم المتحدة للسكان إزاء هذا التباطؤ أو التوقف.

هناك عدة أسباب متداخلة. الصحة الإنجابية والجنسية تحديدا تحتاج إلى بيئة حاضنة تشمل الأنظمة الصحية، ولكن تعتمد على أنظمة وشبكات أخرى مثل التعليم، والنظم المعلوماتية وخاصة في هذا العالم الذي يعتمد على وسائل التواصل الاجتماعي إلى آخره، واستثمار من الناحية المادية بهذه الأنظمة.

في آخر عشر سنوات، زادت الحالات الإنسانية والحروب بالإضافة إلى النزوح، والكوارث الطبيعية، وتغير المناخ، والتي تؤدي إلى انحراف – واستخدم هنا كلمة انحراف حرفيا، حيث يحدث انحراف للموارد، وبالتحديد اهتمام الحكومات بالجوانب الصحية وتحديدا التي تخص المرأة. كل هذه الموارد تقل، وتقل الاستثمارات في الأنظمة الصحية، وخاصة أي شيء يتعلق بصحة المرأة عدا جوانب الحمل والولادة.

من ناحية ثانية، التفرقة بين المجموعات في المجتمع الواحد. على سبيل المثال، ممكن يكون هناك مناطق مهمشة زراعية أو ريفية في كافة بلدان البلدان العربية. وهناك أيضا عدم الاستثمار بشكل متوازن في كل المناطق، أدى إلى التباطؤ.

وأخيرا، هناك موضوع حقوق الإنسان التي يتم تجاهلها إلى حد كبير.

أخبار الأمم المتحدة: ذكرتِ موضوع الأزمات الإنسانية تحديدا، وهناك عدد من الأزمات الإنسانية في المنطقة الآن. كيف تؤثر على مسألة المساواة في الصحة والحقوق الجنسية والإنجابية، وخصوصا أن تلك الأزمات تتفاقم في كل يوم؟

ليلى بكر: قد يكون هناك أثر إيجابي. رغم كل الصعوبات التي تنبثق عن حدوث حرب في أي بلد، ممكن أن يكون هناك مجال أولا لتدفق الأموال.

فعلى سبيل المثال، في السودان وفي اليمن، وحتى في فلسطين؛ هذه الأيام بغزة، هناك اهتمام لأنه يوجد قضية عاجلة، قضية الإنسان والحفاظ على الإنسانية في هذه الأماكن. فربما يكون هناك نوع من الفرص، ولو أنها فرصة مريرة للاستثمار في بعض الجوانب، وأن نصل للناس الذين كانوا مهمشين، ويمكن أن نغطي بعض المواضيع مثل العنف ضد المرأة بشكل أسهل لأن هناك حاجة ماسة للوصول للناس الذين هم في أزمة، والحفاظ على الإنسانية والحماية.

في الحالات عندما لا توجد حرب أو يكون هناك استقرار، ربما تتسم هذه المواضيع بالتباطؤ، وربما يتم تجاهلها، أو تكون ممنوعة في بعض الأحيان.

هنا نجد أن هناك إطارا من الفضة لهذه الغيمة. هذا شيء إيجابي. ورأينا النتائج الإيجابية من هذا الجانب.

ولكن الجانب السلبي الكبير أن كل الاستثمارات التي حكينا عنها تنهار نتيجة عدم الوصول للناس، وانهيار الأنظمة الصحية والطرق، وصعوبات الوصول، وحتى في بعض الأحيان، استهداف وقتل من يعملون بالقطاع الصحي والإنقاذ كما رأينا في غزة مؤخرا. هذا يقلقنا، وهو أمر صعب كثيرا. أُفضل أن نبني ببطء، بدلا من أن نبني بسرعة وتنهار الأمور بسرعة كما يحدث الآن.

قابلة تزور نساء حوامل في أحد مراكز إيواء النازحين في السودان.
UNFPA Sudan
قابلة تزور نساء حوامل في أحد مراكز إيواء النازحين في السودان.

أخبار الأمم المتحدة: التقرير أيضا أشار إلى أن المنطقة العربية لديها أدنى معدل مشاركة اقتصادية للمرأة على مستوى العالم بنسبة 26 في المئة فقط. ما تداعيات هذا الأمر؟

ليلى بكر: سؤال يوجع القلب. في كافة أنحاء العالم عدا العالم العربي، المؤشر الذي يمكن أن نعتمد عليه هو أن تعليم النساء عادة يؤدي لتحسين حياتها وإدخالها بسوق العمل الرسمي. ولكن بالعالم العربي، هناك نظرة تخص المرأة وهي أنه لكي تكون إنسانة صالحة يجب أن تكون فقط ابنة أو أم أو مربية. هذا غير مشجع.

وحتى لو درست وحصلت على شهادة عالية، لا يُسمح بدخولها سوق العمل بشكل مستمر ودائم لأن حقوقها الإنجابية وحقوقها العائلية تكون أولوية أولى وسوق العمل أولوية ثانية.

ولكي نغير هذه المعادلة ويكون هناك مجتمع عادل، يجب أن يكون هناك تغيير بوجهة النظر بشأن هذه التقاليد والعادات.

وفي صندوق الأمم المتحدة للسكان، نعمل على هذا الموضوع بشكل مستمر ودائم.

وأحب أشير هنا إلى أنه أحيانا وعلى مر الزمن، عندما تتأزم الناس اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا، فإنها ترجع إلى الأشياء التي يعرفونها؛ التقاليد والعادات. وحتى لو كان هناك تقدم خلال العشر سنوات الماضية، يصبح هناك تراجع، لأن الناس تتمسك بأشياء يعتقدون أنها تحميهم. وإلى أن يصير هناك تكامل من ناحية اقتصادية، وسياسية، واجتماعية، ونهوض للمرأة، ونهوض للمجتمع بشكل عام، فسيكون هناك أزمة ومخاطرة.

أخبار الأمم المتحدة: التقرير أشار أيضا إلى أن التمييز الجنسي والعنصرية والمعلومات المضللة تعيق إعطاء أنظمة الصحة الإنجابية الأولوية بشكل مستمر لصحة وحقوق الأفراد. هل تحدثينا عن حجم هذا الأمر في المنطقة العربية؟

ليلى بكر: هذا أمر حساس جدا، ولكن دعنا نتكلم بانفتاح. إذا نظرنا للناس على أساس اللون، أو العرق، أو الدين، أو الجنس، فسيكون هناك تمييز، ولن أنظر لهذا الشخص بناء على عطائه أو الصفات التي اكتسبها.

للأسف، في العالم العربي، هناك نظام أبوي. ورغم الأشياء التي يمكن أن تعتبر إيجابية مثل النظام والعادات والتقاليد، لا يوجد توازن مع التطور في العالم من ناحية التكنولوجيا، ومن ناحية حقوق الإنسان، إلى آخره.

عدم التوازن يأتي في هذا الموضوع من الاهتمام الطاغي على الحكومات - خاصة بعد جائحة كوفيد-19 - في أن يستعيدوا الاقتصاد على المستوى الوطني وليس على مستوى كافة الأشخاص الموجودين داخل بلد واحد في أنهم يستفيدوا بشكل متساوي، ومن الحماية من ناحية أمن الدولة.

هذان الأمران إذا ظلا محصورين في إطار نظرة أبوية، فسيؤدي هذا إلى أنه لن يتم النظر إلى المرأة، وبالتالي إلى نوع من التمييز. التمييز الثاني هو نتيجة الأزمات التي تقع والنزوح القسري.

كنت أحصي عدد الدول في المنطقة (وبها حالات إنسانية) التي تشملها خدمات مكتب الأمم المتحدة للسكان قبل عشرين سنة، كانت فلسطين ثم السودان فقط.

حاليا، أكثر من نصف الدول التي تقع ضمن نطاق مكتب الأمم المتحدة للسكان في منطقة الدول العربية لديهم حالات إنسانية، وهناك أيضا نزوح قسري.

وإذا نظرنا هنا كيف تحاول الدول مواجهة مشاكلها الداخلية من الناحية السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ونزوح في بعض الأحيان؛ مثل الأردن حيث ثلث السكان غير أردنيين، فضلا عن تونس، ومصر، وكافة البلدان، فإذا لم يكن هناك انخراط واستفادة من الضيوف في تلك البلدان، فقد تكون النظرة لهؤلاء الناس أنهم عبء وأسباب كل الأشياء السيئة في الدولة.

نزح مئات الآلاف من الأشخاص في سوريا بسبب الصراع هناك.
© WFP
نزح مئات الآلاف من الأشخاص في سوريا بسبب الصراع هناك.

أخبار الأمم المتحدة: التقرير أوضح أنه في 12 دولة عربية، من المتوقع تحقيق عائد مذهل قدره خمسة دولارات مقابل كل دولار يتم استثماره في معالجة الاحتياجات غير الملباة في مجال تنظيم الأسرة ووفيات الأمهات التي يمكن الوقاية منها. هل تطلعينا أكثر على هذا الأمر؟

ليلى بكر: هنا تأتي المفارقة بين العقل والقلب. فالإنسان يمكن أن يجمع كل الأدلة اللازمة، ونحن لدينا كل المؤشرات والمعلومات التي يمكن أن تدل على الفائدة الاقتصادية والاجتماعية بمبلغ بسيط.

ولكن إذا النظام في أي بلد غير قابل لاستيعاب هذه المعلومات بشكل منفتح، أو يتم إعطاء الألوية لهذه القضايا والعقل لا يشتغل، فسيتم تجاهلها.

ولهذا يجب أن يكون هناك عمل على الجانبين؛ أن نضع معلومات سليمة بالنسبة للاستثمار ومردوده، ونعمل على القاعدة الاجتماعية لتصحيح المعلومات والتعامل مع العادات والتقاليد بشكل سليم بما في ذلك الدين.

أخبار الأمم المتحدة: ويمكن أن تلعب بعض الأطراف هذا الدور أيضا إلى جانب الحكومات. ذكرتم في التقرير الدور الذي تلعبه المنظمات التي تقودها النساء في معالجة احتياجات المجتمعات المهمشة أثناء حالات الطوارئ. هل تحدثينا أكثر عن هذه النقطة؟

ليلى بكر: طبعا أنا أحيي أي شخص يعمل في مجال الطوارئ. ولا يقتصر الأمر فقط على المجموعات النسوية.

أملي إنه في السنين القادمة ألا نحتاج حتى إلى الإشارة إلى أنه أي منظمة هي مرؤوسة من امرأة، وأن تكون المرأة مندمجة في كافة جوانب العملية، إن كانت في العمل الإنساني أو العمل التنموي التقليدي.

للأسف - وأقول للأسف هنا ليس لإظهار عدم الاحترام – نحن بحاجة لهذه المجموعات لأن هناك تهميشا من المجموعات التي حكينا عنها إن كانت الحكومة أو غير الحكومة، ولإبراز هذه القضايا واستهداف النساء لأنهن يتحملن العبء الأكبر  حتى وإن لم يكن هناك حالة إنسانية.

ففي حالة الركود الاقتصادي، المرأة هي من يتم تهميشه في العمل لأن النظرة الأبوية تعطي الأولوية في فرص العمل للرجال. المجموعات النسائية والمؤسسات النسوية تسلط الضوء على هذه المجموعات وتعطيهن أولوية في تلك الظروف.

أخبار الأمم المتحدة: وبالحديث عن الأمل، ما هي سبيل النجاح والعودة إلى الطريق الصحيح على مسار المساواة في مجال الصحة والحقوق الجنسية والإنجابية؟

ليلى بكر: لأي إنسان، إن كان امرأة أو رجل، الحق في اختيار الطريق. ومن أين يجب أن آخذ معلوماتي ومن أختار كشريك حياة، وماذا أدرس، وأين يجب أن أعمل. وربط هذا الخيار بمصالح المجتمع بشكل عام. هذا سيعالج الأمور.