منظور عالمي قصص إنسانية

باتيلي: ليبيا لم تعد تحتمل حكومة مؤقتة أخرى، والانتخابات السبيل نحو استعادة الشرعية

الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في ليبيا ورئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا (أونسميل)، عبد الله باتيلي

الوقت قد حان الآن لإنهاء هذا الفصل من الانقسام والصراع

Khaled Mohamed
الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في ليبيا ورئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا (أونسميل)، عبد الله باتيلي

باتيلي: ليبيا لم تعد تحتمل حكومة مؤقتة أخرى، والانتخابات السبيل نحو استعادة الشرعية

السلم والأمن

شدد الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في ليبيا عبد الله باتيلي على أهمية إجراء الانتخابات. وقال إن الشعب الليبي "قلق من استمرار الانقسام" الذي قد يخلق وضعا يهدد بأن تفقد ليبيا سيادتها ووحدة أراضيها.

وفي حوار خاص مع أخبار الأمم المتحدة قال باتيلي - الذي يرأس أيضا بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا (أونسميل) - إن هناك حاجة لحكومة موحدة تهيئ الظروف لبيئة مواتية لإجراء الانتخابات. وأضاف أن البلاد لم تعد تحتمل تشكيل حكومة مؤقتة أخرى.

وأكد الممثل الخاص للأمين العام في ليبيا أنه ملتزم بالعمل مع جميع الليبيين لإعادة السلام والاستقرار للبلاد وهو ما سيعم أيضا على المنطقة بأسرها.

سألنا السيد باتيلي أولا عن نتائج مشاوراته المكثفة الأخيرة مع الأطراف الرئيسية في ليبيا.

عبد الله باتيلي: أجريت مشاورات مكثفة مع اللاعبين الليبيين الرئيسيين. ولم التق فحسب بقادة المؤسسات، بل أيضا الليبيين من جميع مناحي الحياة. لقد ذهبت إلى مناطق مختلفة من ليبيا في الشرق والجنوب والغرب. زرت عدة مدن والتقيت بمواطنين مهتمين بمستقبل بلادهم. كما تعلمون، تعيش ليبيا عشر سنوات تقريبا من الصراع، عشر سنوات من الترتيبات المؤقتة، عشر سنوات من الانقسام.

استقرار وسلام ليبيا ليس للشعب الليبي فحسب وإنما للمنطقة بأسرها

أعتقد أن الوقت قد حان الآن لإنهاء هذا الفصل من الانقسام والصراع حتى يحصل الشعب الليبي على الاستقرار والسلام الذي هو في أمس الحاجة إليه. 

ليبيا لديها ما يكفي من الموارد كي تتمتع بالازدهار. هذا هو نداء الشعب الليبي حقا. 

كما أن استقرار وسلام ليبيا ليس للشعب الليبي فحسب وإنما للمنطقة بأسرها والتي عانت بشدة من هذا الصراع.

عندما أنظر إلى منطقة الساحل، أجدها منذ عام 2011 تشهد صراعا وصعودا للجماعات المتطرفة والحركات الجهادية وجميع أنواع العصابات الإجرامية التي تجوب منطقة الساحل والصحراء وكذلك جيران ليبيا المباشرين في شمال أفريقيا. ومن ثم فإن السلام والاستقرار في ليبيا اليوم ليس من أجل الليبيين فقط، بل أيضا من أجل جيرانها. ولهذا السبب أنا ملتزم بالعمل مع جميع الليبيين لإعادة السلام والاستقرار.

أخبار الأمم المتحدة: قلت إنك زرت العديد من المناطق في ليبيا مؤخرا والتقيت بليبيين من جميع مناحي الحياة. فما هي المشاعر التي نقلوها إليك، وكيف يبدو الوضع على الأرض؟

عبد الله باتيلي: الليبيون على الأرض يتوقون إلى السلام والاستقرار. إنهم يريدون الانتخابات لأنها السبيل الوحيد لاستعادة الشرعية المؤسساتية. إن الليبيين بحاجة لتلك المؤسسات، كما أننا ننتظر قيام تلك المؤسسات. إن كل تلك المؤسسات الحالية الموجودة منذ فترة طويلة، سواء كانت الأجهزة القضائية أو التشريعية، عفا عليها الزمن. هناك حاجة إلى تجديد المجلس التشريعي سواء كان مجلس النواب أو المجلس الأعلى للدولة. 

ليبيا اليوم لديها حكومتان، واحدة في الشرق وأخرى في الغرب. وهذا الوضع يمكن أن يثير المزيد من المخاوف بشأن مستقبل بلد يعاني من قيادات سياسية وأمنية وعسكرية منقسمة. وإذا استمر هذا الأمر، فقد تسقط ليبيا في غياهب انقسام طويل الأمد قد يخلق وضعا تفقد فيه البلاد سيادتها، ووحدة أراضيها. الشعب الليبي قلق للغاية من هذا الأمر، هم يريدون أن تظل بلادهم أمة موحدة. وهذا أمر مهم للغاية بالنسبة لهم. ولهذا السبب نحن كمجتمع دولي، يتعين علينا أن نستجيب لتلك الدعوة إلى الوحدة، وتلك الدعوة لاستعادة سيادة ليبيا.

ولهذا السبب أواصل مطالبة جميع اللاعبين الإقليميين والدوليين بالوقوف في صف الأمم المتحدة، وبعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا (أونسميل)، لمساعدة الليبيين على استعادة سيادتهم على بلادهم.

أخبار الأمم المتحدة: أصدر أعضاء مجلس الأمن الدولي مؤخرا بيانا حثوا فيه المؤسسات السياسية الليبية والأطراف المعنية على مضاعفة جهودها لإكمال رسم مسار إجراء الانتخابات في أقرب وقت ممكن. فكيف يمكن أن تشكل تلك الدعوة قوة دفع لجهودك في الوساطة من أجل تحقيق الأمن والاستقرار؟

عبد الله باتيلي: إنني أدعو دائما جميع اللاعبين الدوليين إلى التحدث بصوت واحد والتصرف وفقا لذلك. وكما قلت، من المهم أن تتجه ليبيا إلى الانتخابات. لسنوات عديدة لم يتم إجراء الانتخابات. كان من المفترض إجراء الانتخابات في كانون الأول/ديسمبر 2022، ولسوء الحظ، تم إلغاؤها. اجتمع مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة وكلفوا لجنة 6+6 بوضع القوانين الانتخابية. وقد أعدت تلك اللجنة مشاريع قوانين انتخابية. ومع ذلك، فإن القوانين الانتخابية ليست قابلة للتنفيذ كما هي، لأنها بحاجة إلى التعديل والضبط الدقيق والتمحيص. 

لم تكن بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا وحدها هي التي تحدثت عن الثغرات الموجودة في مشاريع القوانين الانتخابية هذه، بل أشارت اللجنة الوطنية العليا للانتخابات أيضا إلى أوجه القصور في القوانين الانتخابية التي وضعتها لجنة 6+6. 

نأمل أن يتم النظر في هذه القوانين قريبا جدا من قِبل لجنة 6+6 وكذلك من قبل المجلسين حتى يتم ضبطها بشكل دقيق، وجعلها قابلة للتنفيذ. وبمجرد الانتهاء من وضع جميع تلك القوانين الانتخابية، يمكن التوصل إلى خارطة طريق لتحديد موعد للانتخابات. 

لكن بالإضافة إلى ذلك، فإن المسألة لا تتعلق فقط بالقوانين الانتخابية، أو الأساس القانوني للانتخابات. القضايا هي سياسية للغاية. 

المواطنون الليبيون لا يريدون أن تقود بلادهم بعد الآن مؤسسات أمنية وعسكرية متشرذمة

وكما قلت، في ظل الانقسامات التي تشهدها ليبيا اليوم، هناك ضرورة لمؤسسة سياسية موحدة، ومؤسسة أمنية موحدة، ومؤسسات عسكرية موحدة. ولهذا السبب، نعتقد أن مسألة توحيد الحكومة ليست مجرد مسألة قانونية أو دستورية، إنها مسألة سياسية للغاية. لذا يتعين على الزعماء السياسيين أن يجتمعوا ويتوصلوا إلى اتفاق لتشكيل حكومة موحدة تقود البلاد إلى الانتخابات. 

وعندما أتحدث عن حكومة موحدة، فهي ليست حكومة مؤقتة أخرى. فالبلاد لا تحتاج ولا تستطيع حتى أن تتحمل حكومة مؤقتة أخرى. نحن بحاجة إلى حكومة موحدة من شأنها أن تهيئ الظروف المناسبة لخلق بيئة سياسية مواتية لإجراء الانتخابات. 

أعتقد أن هذا هو الشيء الذي يريده جميع الليبيين اليوم. هم لا يريدون المزيد من وجود حكومتين أو ثلاث حكومات في نفس الوقت. إنهم يريدون حكومة واحدة لليبيا وجيشا واحدا لليبيا. يريدون جهازا أمنيا واحدا لليبيا ليس فقط لتأمين العملية الانتخابية، وإنما أيضا لتأمين أوضاع المواطنين.

أخبار الأمم المتحدة: ما السبيل لاحتواء تداعيات الاشتباكات العنيفة الأخيرة التي شهدتها العاصمة الليبية طرابلس بين أكبر فصيلين مسلحين هناك مطلع هذا الشهر؟

عبد الله باتيلي: إن تلك الأحداث مؤسفة للغاية، ونحن ندينها. وكما تعلمون، فقد أدى ذلك إلى خسائر في الأرواح بين السكان المدنيين، حيث بلغ عدد الضحايا 50 شخصا أو أكثر. هذا غير مقبول. كلا المجموعتين موجودتان هناك لتأمين المواطنين، وليس لإطلاق النار عليهم. ولهذا السبب نعتقد أنه من المهم أن تكون هناك حكومة موحدة تمارس سلطتها ليس فقط على الجيش، ولكن أيضا على الجماعات الأمنية في جميع أنحاء البلاد.

لا تستطيع ليبيا أن تتحمل هذا، كما أن المواطنين الليبيين لا يريدون أن تقود بلادهم بعد الآن مؤسسات أمنية وعسكرية متشرذمة.

أخبار الأمم المتحدة: قلت في إحاطتك الأخيرة أمام مجلس الأمن إن الجهود الرامية لخلق آلية ليبية لإدارة شفافة للأموال العامة أتت أكلها أخيرا. فما الذي يمكن عمله للبناء على هذا التطور الإيجابي؟

عبد الله باتيلي: هذا تطور إيجابي، وأشيد بدور رئيس المجلس الرئاسي. بعد مشاورات مكثفة مع مختلف أصحاب المصلحة، وبالتحديد قادة المؤسسات، اتفقوا على وضع آلية ليبية للإشراف على إنفاق الدولة لأن مواطني ليبيا يريدون استخدام أموال وثروات البلاد لصالحهم. كما أن هناك حاجة إلى مزيد من المحاسبة والشفافية، وهذا ما يريده الليبيون.

نأمل أن تتعزز هذه الآلية أكثر، ونحن ندعمها وعلى استعداد لمساعدة الهيكل القائم الآن. 

هناك الكثير من المخاوف فيما يتعلق بحقوق الإنسان

وهناك تطور آخر مرتبط بهذا، وهو توحيد مصرف ليبيا المركزي الذي كان منقسما. أشيد أيضا بهذه الخطوة، والتي تعد خطوة إيجابية في هذا السياق.

أخبار الأمم المتحدة: إذا تحدثنا عن وضع حقوق الإنسان في ليبيا، ما هي بواعث القلق في هذا الشأن؟

عبد الله باتيلي: هناك الكثير من المخاوف، في الواقع، فيما يتعلق بحقوق الإنسان. 

عندما تنظر إلى حرية حركة الأشخاص داخل وخارج ليبيا، ترى أنه بسبب هذا الانقسام المؤسساتي، وتشرذم الآليات الأمنية والعسكرية، يجد عدد من المواطنين صعوبة في التنقل بحرية في جميع أنحاء ليبيا. 

كما أن هناك عددا من الإجراءات التي تم اتخاذها بشكل تعسفي ضد المواطنين، والنساء، والمجموعات الحقوقية. يجب أن يتوقف هذا أيضا، لأن الليبيين كانوا يقاتلون من أجل الديمقراطية، وحرية التعبير، وحرية الحركة في جميع أنحاء بلادهم. وكان هذا في صلب مطالبهم منذ عشر سنوات.

لكن حتى الآن، للأسف، لا تزال هذه المطالب مطروحة على الطاولة. لم يتم تنفيذها بالكامل. وينبغي لأولئك الذين يقودون البلاد اليوم على مستويات مختلفة من المسؤولية أن يدعموا حقوق الإنسان للمواطنين الليبيين.

أخبار الأمم المتحدة: وهل كانت هناك أي استجابة لتلك المخاوف من الأطراف الرئيسية في ليبيا؟

عبد الله باتيلي: بعض الأطراف الرئيسية تبذل بعض الجهود. لكن ما يمكننا رؤيته هو أنه بسبب غياب السلطة الوطنية، والسلطة الأخلاقية، والسلطة السياسية على المستوى الوطني، فإن هذه الأمور لا تؤخذ في الاعتبار بصورة كامل من قبل قيادة البلاد. لدينا حكومتان، ولا يمكن لأي دولة أن تكتمل قيادتها بشكل صحيح من خلال حكومتين أو سلطتين.

أخبار الأمم المتحدة: تحدثت أيضا في إحاطتك عن الوضع الإنساني ووضع حقوق الإنسان الخطير للمهاجرين وطالبي اللجوء واللاجئين على الحدود بين تونس وليبيا، فهل تحدثنا أكثر عن هذا الأمر؟

عبد الله باتيلي: تعد قضية الهجرة مهمة جدا. الآلاف من الناس يعيشون في ظل ظروف صعبة، ويتم وضعهم في مراكز احتجاز. ويخضع بعضهم لظروف لا إنسانية، وهذا أمر غير مقبول، ولا يطاق.

وأرحب بالقرار الأخير الذي اتخذته الحكومة التونسية للنظر في هذا الأمر وإنقاذ المهاجرين وطالبي اللجوء واللاجئين من هذه المحنة. 

أخبار الأمم المتحدة: ما هي الرسالة التي تحب أن توجهها إلى كل الأطراف في ليبيا وكذلك الشركاء الإقليميين والدوليين من أجل تحقيق الأمن والاستقرار في ليبيا؟

عبد الله باتيلي: يتوق المواطنون الليبيون إلى السلام والاستقرار والازدهار. ليبيا من أغنى الدول في المنطقة، ولديها كل الإمكانات لتكون قوة اقتصادية في المنطقة تحقق الرخاء لشعب ليبيا ولجميع دول المنطقة. فالمهم ليست المصالح الفردية للدول، سواء كانت جيرانا أو شركاء دوليين. بل المهم هو خلق الظروف المواتية لتحقيق الازدهار للشعب الليبي. وهذا الازدهار سيخلق الظروف لتعاون أفضل وازدهارا يعم المنطقة بأسرها. 

ولهذا السبب يسير الأمن والسلام والاستقرار والتنمية الاقتصادية جنبا إلى جنب بالنسبة لنا. هذه هي معايير السلام والاستقرار في ليبيا. ولهذا السبب قلنا إن من مصلحة الشركاء الدوليين ولإقليميين تحقيق السلام والاستقرار في ليبيا.