شلل الأطفال في السودان: حوار مع خبير بمنظمة اليونيسف حول أسباب عودة المرض وخطورته والجهود الأممية لمكافحته

بعد مضي نحو 11 عاما منذ إعلان السودان خاليا من مرض شلل الأطفال، أعلنت السلطات الصحية في البلاد تفشي المرض مجددا، الأمر الذي يهدد بعكس المكاسب التي تحققت في جهود مكافحة شلل الأطفال في الأعوام الماضية.
شلل الأطفال مرض فيروسي شديد العدوى يغزو الجهاز العصبي وهو كفيل بإحداث الشلل التام في غضون ساعات من الزمن. ينتقل الفيروس عن طريق الانتشار من شخص لآخر بصورة رئيسية عن طريق البراز، وبصورة أقل عن طريق وسيلة مشتركة (مثل المياه الملوثة أو الطعام) ويتكاثر في الأمعاء.
تعمل وكالات الأمم المتحدة على مساعدة السلطات السودانية في مكافحة المرض، وقد نظمت منظمتا اليونيسف والصحة العالمية، مؤخرا، حملة تطعيم كبرى بالتعاون مع السلطات السودانية بهدف الوصول إلى آلاف الأطفال دون سن الخامسة في مختلف أنحاء البلاد.
أخبار الأمم المتحدة أجرت حوارا مع خَطّاب مصطفى عبيد خبير التحصين بمنظمة اليونيسف في السودان لتسليط الضوء على أسباب عودة تفشي شلل الأطفال في السودان وحجم وخطورة المرض، بالإضافة إلى جهود مكافحته.
خَطّاب عبيد: تنحصر مسؤولياتي في منظمة اليونيسف في دعم وزارة الصحة الاتحادية والولائية في السودان فيما يتعلق بتنفيذ أنشطة التطعيم في كل ولايات السودان. ندعم برامج التطعيم بشقيها سواء كانت برامج التطعيم الروتينية أو الاستجابة للطوارئ. نعمل على توفير اللقاحات بالإضافة إلى توفير الدعم الفني للسلطات الصحية للقيام بواجبها في تطعيم الأطفال والنساء وكل الفئات العمرية المستهدفة ببرامج التطعيم.
خَطّاب عبيد: ظل السودان خاليا من مرض شلل الأطفال منذ عام 2009 وفي عام 2015 أعلنت منظمة الصحة العالمية السودان خاليا من شلل الأطفال وكان لدى برنامج التحصين قدرة عالية على الوصول إلى كل الفئات المستهدفة من الأطفال بغرض التطعيم. في أغسطس/آب من عام 2020 أعلنت الحكومة السودانية رسميا تسجيل حالات إصابة بشلل الأطفال كان مصدرها دول الجوار. من العوامل الأساسية التي ساعدت في تفشي شلل الأطفال، انخفاض المناعة نتيجة لتوقف حملات التحصين وكذلك تأثر النظام الصحي في مجمله بجائحة كـوفيد-19.
تم الإبلاغ عن 48 حالة إصابة بشلل الأطفال منذ أغسطس/آب وحتى الآن. آخر إصابة تم الإبلاغ عنها كانت في شهر أكتوبر/تشرين الأول من العام الحالي، وهذا يعني أن الفيروس منتشر ومستمر في الانتشار منذ أغسطس/آب.
خَطّاب عبيد: تسجيل حالة إصابة واحدة بمرض شلل الأطفال يعني أن هناك حالة طوارئ وحدوث وباء. يشكل هذا التفشي الأخير خطورة كبيرة على النظام الصحي في السودان. أولا، لأن المرض كان قد تم الإعلان عن استئصاله تماما من السودان وكانت أفريقيا قد أعلنت خالية تماما من شلل الأطفال.
كان هناك أمل بإمكانية استئصال شلل الأطفال تماما من العالم، وبالتالي توجيه الموارد والجهود المخصصة لمكافحة شلل الأطفال إلى أمراض أخرى ذات أهمية صحية، وعليه فإن أي انتكاسة في هذا المجال تنعكس سلبا على النظام الصحي، الأمر الذي يتطلب مضاعفة الجهود لمنع العودة إلى نقطة البداية.
شلل الأطفال هو مرض شديد الخطورة وسريع الانتشار ويؤدي إلى حالات وفيات وشلل مستديم في أوساط الأطفال إضافة إلى مجموعة من العوامل الأخرى التي تؤثر على النظام الصحي وقدرة العاملين الصحيين على تركيز جهودهم لمكافحة أمراض أخرى ذات خطورة.
خَطّاب عبيد: السودان مقسم إلى 18 ولاية. أبلغت 13 منها عن تسجيل حالات إصابة بالشلل. هناك خمس ولايات فقط لم تبلغ عن حالات إصابة بالشلل. نحن ننظر إلى المسألة على اعتبار أن الوباء موجود في كل مكان. وجود الفيروس في أي ولاية يعني احتمال كبير بوجوده في الولايات الأخرى، لأن فرصة انتشاره إلى كل الولايات كبيرة. ليس هناك أي شخص في مأمن ما لم نتمكن من السيطرة على الشلل في كل ولايات السودان.
لا نريد أن نعطي إحساسا خاطئا بالأمان لأي شخص. الأمان الوحيد يكمن في إعطاء جرعة التطعيم ضد الشلل لأي طفل أقل من 5 سنوات. الوصول إلى كل طفل بجرعة التطعيم ضد الفيروس هو واجب نسعى إلى تحقيقه مع شركائنا في منظمة الصحة العالمية ووزارة الصحة السودانية.
خَطّاب عبيد: استهدفت الحملة الوصول إلى 8 ملايين و600 ألف طفل في ولايات السودان الـ 18. نُفذت الحملة في الفترة بين 28 نوفمبر/تشرين الثاني إلى الأول من ديسمبر /كانون الأول 2020.
غطت الحملة مناطق جغرافية كبيرة وتم الوصول، حتى الآن، إلى أكثر من 8 ملايين و41 ألف طفل، أي 97% من الأطفال تم الوصول إليهم وتطعيمهم ضد المرض. وصلت الحملة إلى التغطية المطلوبة في غالبية الولايات عدا ولايتي الخرطوم وكسلا. بدأنا التخطيط للحملة المقبلة لكي نتلافى السلبيات التي حدثت أثناء تنفيذ الحملة الأولى في هاتين الولايتين.
حدثت العديد من العوامل الإيجابية خلال هذه الحملة.
أولى هذه النقاط هو الكادر الصحي، وبرغم التوقف الطويل، إلا أنه لا يزال قادرا على قيادة عملية التطعيم بشكل سليم والوصول إلى الأطفال وتطعيمهم، وقد تمت الاستفادة من الخبرات المتراكمة بشأن استئصال شلل الأطفال في تنفيذ حملة ذات جودة عالية جدا من حيث الوصول الجغرافي إلى كل المناطق.
ثانيا، منظمتا اليونيسف والصحة العالمية بالإضافة إلى المبادرة العالمية للقضاء على شلل الأطفال ساعدت الحكومة السودانية بواسطة التخطيط الدقيق من أجل الوصول إلى الأطفال في أقصى الأماكن التي يصعب الوصول إليها، حيث تم الوصول إلى النازحين واللاجئين وقبائل البدو.
صاحبت هذه الحملة ظروف انتشار جائحة كورونا. ولحسن الحظ نجحنا في تزويد العاملين في الحملة بمعدات الوقاية الشخصية والمعقمات، لحمايتهم من مخاطر الإصابة بالفيروس ومنع المساعدة في انتشار المرض.
إضافة لذلك، فقد تمكنا، ولأول مرة، من الوصول إلى أطفال لم نتمكن من الوصول إليهم منذ عام 2011 في بعض المناطق التي كانت متأثرة بالنزاعات في منطقة جنوب النيل الأزرق.
وفرنا أيضا خدمة التطعيم للأطفال اللاجئين الإثيوبيين، دون سن الخامسة، ممن فروا مع أسرهم من النزاع في إقليم تيغراي إلى السودان. وقد نجحنا، خلال أيام الحملة التي امتدت لأربعة أيام، في الوصول إلى غالبيتهم والبالغ عددهم أكثر من 5 آلاف ومئة طفل في نقطة حمداييت للعبور وبعض معسكرات اللجوء الأخرى في كسلا، إضافة إلى اللاجئين الذين كانوا في طريقهم إلى داخل السودان.
خَطّاب عبيد: مستوى الوعي بين الناس كان ممتازا. وقد أدى القسم المسؤول عن التوعية الجماهيرية بوزارة الصحة السودانية دورا كبيرا من خلال كل الوسائل الإعلامية المتاحة بهدف إيصال الرسائل للجماهير.
كان هناك تركيز كبير من قبل منظمة اليونيسف، باعتبارها الداعم الأول لوزارة الصحة في مجال تحريك الجماهير والاتصال من أجل التنمية، وقد بذلت جهدا كبيرا في سبيل تقديم رسالة صحية وتوعوية دقيقة وواضحة لكل المواطنين.
قامت اليونيسف بإرسال 14 مشرفا للمساعدة الفنية في الولايات، بالإضافة إلى مشاركة 12 مكتبا ولائيا في تقديم الدعم الفني للولايات السودانية الـ 18.
كان هناك تركيز على مسألة تقييم مدى تجاوب المواطنين مع الحملة، وقد وجدنا تجاوبا كبيرا منهم. كان الناس يتلقون الأخبار الرئيسية عن الحملة من خلال الراديو والتلفزيون وكذلك خدمة الرسائل النصية القصيرة التي تقدمها شركات الاتصالات لكل مستخدمي الهاتف الجوال.
وكان غالبية الناس الذين وصلناهم على دراية تامة بالحملة. نشكر كل الشركاء والقطاع الخاص الذين ساهموا في نشر الوعي والمعرفة بشأن الحملة وأهميتها لكافة المواطنين في السودان.