منظور عالمي قصص إنسانية

أفغانستان: استمرار تدهور الأوضاع الإنسانية- وتأكيد أممي على ضرورة إتاحة الحريات العامة ووضع حد لقمع النساء

يعتمد أكثر من نصف السكان داخل أفغانستان على المساعدة الإنسانية ، ولا تزال حقوق الإنسان الخاصة بهم تواجه تحديات.
IOM 2021/Paula Bonstein
يعتمد أكثر من نصف السكان داخل أفغانستان على المساعدة الإنسانية ، ولا تزال حقوق الإنسان الخاصة بهم تواجه تحديات.

أفغانستان: استمرار تدهور الأوضاع الإنسانية- وتأكيد أممي على ضرورة إتاحة الحريات العامة ووضع حد لقمع النساء

السلم والأمن

بحث مجلس الأمن اليوم الثلاثاء الأوضاع السياسية والإنسانية في أفغانستان، حيث استمع إلى إحاطتين، الأولى من ممثلة الأمين العام في البلاد والثانية من وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية.

وقد شددت روزا أوتونباييفا، ممثلة الأمين العام الخاصة في أفغانستان ورئيسة بعثة يوناما على ضرورة أن يظل تركيز البعثة على الشعب الأفغاني وتزويده بالمساعدات الإنسانية المنقذة للحياة، وإعطاء صوت لمطالبه بالحقوق والحريات الأساسية.

وقالت إنها قامت بزيارة أكبر عدد ممكن من أجزاء أفغانستان في الأشهر الثلاثة الأولى لها بصفتها الممثلة الخاصة للأمين العام، مشيرة إلى أن أكثر ما أدهشها هو البؤس الذي يعاني منه العديد من الأفغان الذين يعيشون في فقر مدقع وحالة من عدم اليقين بشأن المستقبل.

وقالت إن الكثيرين أخبروها بأنهم يصارعون في سبيل البقاء على قيد الحياة. وأوضحت أن طالبان لا تزال تسيطر بشكل أساسي على البلاد، لكنها غير قادرة على التصدي بشكل مُرضٍ للجماعات الإرهابية داخل أفغانستان.

وأعربت عن بالغ قلقها إزاء النشاط الأخير لتنظيم داعش- خراسان على وجه الخصوص والهجمات على سفارتي روسيا وباكستان وكذلك على فندق يستضيف العديد من المواطنين الصينيين. ولا تزال الخسائر في صفوف المدنيين جراء هذه الهجمات كبيرة.

الحاجة إلى نظام حكم أكثر تعددية

وقالت المسؤولة الأممية إنه لا توجد معارضة سياسية واضحة للعيان لطالبان داخل أفغانستان، مشيرة إلى أن طالبان ترفض الحاجة إلى أي نوع من الحوار بين الأفغان وتزعم أن حكومتها ممثلة بما فيه الكفاية. وتواصل بعثة الأمم المتحدة لتقديم المساعدة إلى أفغانستان الضغط على جميع المستويات من أجل تشاور وتمثيل أوسع.

وأشارت إلى أن البعثة تواصل التفاعل مع العديد من شخصيات المجتمع المدني والشخصيات السياسية غير التابعة لطالبان في أفغانستان، مشددة على أن السبيل الوحيد للمضي قدما لأفغانستان هو من خلال نظام حكم أكثر تعددية، حيث يرى جميع الأفغان، وخاصة النساء والأقليات، أنفسهم ممثلين ولهم صوت حقيقي في صنع القرار.

عائلة تجلس داخل منزلها في موقع غير رسمي للنازحين داخليا في كابول، أفغانستان.
© UNICEF/Veronica Houser
عائلة تجلس داخل منزلها في موقع غير رسمي للنازحين داخليا في كابول، أفغانستان.

 

قمع النساء وحرية التعبير

وحذرت روزا أوتونباييفا من أن وسائل الإعلام والمجتمع المدني، لا يزالان يتعرضان للقمع والتخويف من قبل مؤسسات الأمن، وفي بعض الأحيان من خلال الإجراءات القمعية. وقالت إن قمع الأصوات المعارضة أمر مؤسف للغاية بالنظر إلى القسوة المتزايدة لسياسات طالبان الاجتماعية.

"لقد رأينا عددا كبيرا من المراسيم التي تضر بالنساء بشكل خاص. تم منع النساء اعتبارا من 9 تشرين الثاني/نوفمبر من زيارة معظم الحدائق العامة والحمامات وصالات الألعاب الرياضية. يتم الآن تقييد مساحتهن الاجتماعية بقدر ما يتم تقييد مساحتهن السياسية. سيعني منع التعليم الثانوي أنه لن يكون هناك فتيات في الجامعة خلال عامين".

وقالت ممثلة الأمين العام إن الأمم المتحدة تواصل الحوار مع طالبان فيما يتعلق بالمخاوف المتعلقة بحقوق الإنسان، وانتهاكات محددة للقانون الدولي لحقوق الإنسان. "نحن لا نتفق مع طالبان في عدد من القضايا، لكن التركيز ينصب، ويجب أن ينصب، على الحفاظ على الحوار على أمل مستقبل أفضل لأفغانستان، حيث الجميع - النساء والرجال والفتيات والفتيان - يمكن أن يعيشوا حياة كريمة ومساواة".

ضرورة الانخراط مع سلطات الأمر الواقع

طالما بقيت الفتيات مستبعدات من المدرسة واستمرت سلطات الأمر الواقع في تجاهل مخاوف المجتمع الدولي الأخرى المعلنة، فإننا لا نزال في طريق مسدود، وفقا للمسؤولة الأممية التي أشارت إلى أن بعثة الأمم المتحدة لتقديم المساعدة إلى أفغانستان تجري مراجعة داخلية لتقييم ما كان وما لم يكن فعالا في تنفيذ ولايتنا.

"بشكل عام نعتقد أن التعامل مع سلطات الأمر الواقع يجب أن يستمر بشكل ما. كما سمعتم بأنفسكم بالأمس من العاملات في المجال الإنساني، يرغب الأفغان في استمرار مشاركة المجتمع الدولي ويعتقدون أنه لا يمكن أن يحدث التغيير الإيجابي إلا من خلال زيادة التفاعل مع سلطات الأمر الواقع".

يتم تزويد الأطفال المتضررين من النزاعات والكوارث في أفغانستان بالمساعدات الإنسانية الطارئة.
© UNICEF Afghanistan

 

تطورات إيجابية على الصعيد الاقتصادي

وأشارت رئيسة بعثة يوناما إلى ما وصفتها ببعض التطورات الإيجابية، لا سيما على الصعيد الاقتصادي، مشيرة إلى انخفاض المستويات الإجمالية للفساد بشكل كبير. ومع ذلك، في الوقت الحالي، يوضح الانخفاض الكبير في الفساد الحكومي أن سلطات الأمر الواقع قد أعلنت عن تحصيل إيرادات في الأشهر العشرة الأولى من عام 2022 أكثر مما جمعته الجمهورية في عامي 2021 و2020، على الرغم من الانكماش الاقتصادي بنسبة 20 في المائة في 2021.

بفضل هذه الإيرادات، وبتخفيض تكاليف الحكومة، تمكنت طالبان من تمويل ميزانيتها التشغيلية وأشارت إلى أن لديها موارد لبدء بعض مشاريع التنمية.

تمكنت طالبان أيضا من الحفاظ على استقرار الاقتصاد الكلي، وإن كان ذلك على مستوى أقل بكثير من النشاط الاقتصادي. ظلت العملة الأفغانية مستقرة بشكل عام، بعد التدهور الحاد الذي شهدته قبل عام واحد، وارتفعت الصادرات إلى مستوى تاريخي بنحو 1.7 مليار دولار هذا العام مقارنة بنحو 700 مليون دولار في ظل الجمهورية.

تقوم سلطات الأمر الواقع بتنفيذ استراتيجية اقتصادية تركز على الاعتماد على الذات.

الحظر على زراعة الأفيون

وأشارت الممثلة الخاصة إلى الأدلة على أن طالبان تنفذ حظرها على زراعة الأفيون والمخدرات الأخرى، والذي تم الإعلان عنه في نيسان/أبريل من خلال تدمير الحقول التي كانت مزروعة قبل وبعد إعلان الحظر.

"لن نتمكن من التحقق من التنفيذ الفعلي لهذا الحظر حتى أوائل العام المقبل، لكن القصد من ورائه جدير بالثناء. ومع ذلك، سيكون للحظر تأثير سلبي على دخل المزارعين الأفراد حيث تم وضع القليل من برامج سبل العيش البديلة".

حقل خشخاش الأفيون في جنوب أفغانستان. من صور: إيرين / عبد الله شاهين
Photo: IRIN/Abdullah Shaheen

 

ثلثا الشعب الأفغاني بحاجة إلى المساعدة الإنسانية للبقاء على قيد الحياة

بدوره، قال مارتن غريفيثس، وكيل الأمين العام للشؤون الإنسانية ومنسق الإغاثة في حالات الطوارئ إنه يصعب إيجاد طرق جديدة لوصف الحرمان والمعاناة التي يواجهها الشعب الأفغاني:

"سبعة وتسعون بالمائة من الأفغان يعيشون في فقر. يحتاج ثلثا السكان إلى المساعدة الإنسانية للبقاء على قيد الحياة. يواجه عشرون مليون شخص الجوع الحاد. نصف الناس بحاجة ماسة إلى المياه النظيفة والصرف الصحي. و1.1 مليون فتاة مراهقة ما زلن محرومات من الذهاب إلى المدرسة. لا يزال ما يقرب من 7 ملايين مواطن أفغاني في البلدان المجاورة، بما في ذلك كلاجئين، وما زال أكثر من 3.4 مليون نازح داخليا بسبب الصراع يبحثون عن حلول".

وفي خضم الصراع المستمر، والفقر المترسخ، والانهيار الاقتصادي، وعدم الاستقرار السياسي، تكافح أفغانستان أيضا مع أزمة مناخية متفاقمة. تلوح في الأفق موجة جفاف ثالثة على التوالي، مصحوبة بتهديدات بمزيد من النزوح والمزيد من الأمراض والوفيات، على حد تعبير المسؤول الأممي.

فصل الشتاء يجلب المعاناة

وأشار وكيل الأمين العام إلى قدوم فصل الشتاء، مما تسبب في انخفاض درجات الحرارة، مشيرا إلى أن درجات الحرارة ستنخفض هذا الأسبوع إلى -10 درجة مئوية تحت الصفر في المناطق النائية من مقاطعة غور، والتي سجلت في وقت سابق من هذا العام ظروف ما قبل المجاعة.

ثلاثة عوامل رئيسية ساهمت في زيادة جهود الاستجابة الإنسانية

يتم تعبئة المجتمع الإنساني في أفغانستان بالكامل، في محاولة لتلبية الاحتياجات الأكثر إلحاحا. وقال غريفيثس إن أي تقدم تم إحرازه حتى الآن يرجع إلى ثلاثة عوامل رئيسية:

أولا، التوسع الهائل، بمساعدة استجابة سريعة وسخية من المانحين، مما مكننا من الوصول إلى حوالي 25 مليون شخص في جميع المحافظات الـ 34 بشكل من أشكال المساعدة على الأقل.

ثانيا، مرفق الأمم المتحدة النقدي الذي جلب 1.8 مليار دولار على الأقل هذا العام لدعم العمليات الإنسانية.

وقد مكّن ذلك من ضخ أكثر من 55 مليون دولار أمريكي في الاقتصاد شهريا، بما في ذلك دفع رواتب الموظفين الوطنيين؛ توظيف عشرات الآلاف من الموظفين في المنظمات الإنسانية الشريكة؛ وتوفير فرص عمل للعمال.

ثالثا وأخيرا، الاستثناء الإنساني الذي تبناه مجلس الأمن في كانون الأول/ديسمبر 2021 في القرار 2615، والذي لعب دورا تسهيليا حاسما.

ينام الأطفال تحت أغطية بلاستيكية بعد أن ضرب زلزال بقوة 5.9 درجة مقاطعة بكتيكا في أفغانستان.
© UNICEF/Ali Nazari

 

تحديات تواجه جهود الاستجابة الإنسانية

وسلط السيد غريفيثس الضوء على بعض التحديات التي يواجهها العاملون في المجال الإنساني في عمليات الأمم المتحدة في أفغانستان.

أولا، بينما نحافظ على التواصل البناء مع سلطات الأمر الواقع، فإننا نواجه أيضا تدخلات وقيودا روتينية. احتجزت سلطات الأمر الواقع العاملين في المجال الإنساني، وحاولت التأثير أو السيطرة على الاستجابة الإنسانية، وقيدت حرية المرأة في الحركة والمشاركة في العمل الإنساني.

التحدي الثاني يتعلق باستمرار البنك في إجراءات خفض المخاطر. كان الاستثناء الإنساني شرطا ضروريا، ولكنه غير كافٍ للمصارف لإعادة بدء المعاملات الدولية بالكامل من أفغانستان وإليها، نظرا لمجموعة العوامل غير المتعلقة بالعقوبات التي تأخذها في الاعتبار عند تحديد ما إذا كانت ستسهل المعاملات أم لا.

ثالثا، نواجه تحديا ماليا هائلا مع دخولنا عام 2023. نحتاج إلى 4.6 مليار دولار لتلبية الاحتياجات الإنسانية للبلد بشكل مناسب.

وأخيرا، هناك قلة بشأن التقدم في استئناف مبادرات التنمية التي تمس الحاجة إليها والتي بدونها من المحتمل أن يتدهور الوضع الإنساني بشكل أكبر، مما يؤدي إلى المزيد من الأشخاص الذين يحتاجون إلى المساعدة الطارئة.

ضرورة إعطاء الأولوية للشعب الأفغاني وخاصة النساء

واستمع مجلس الأمن كذلك إلى إحاطة من الناشطة الأفغانية محبوبة سراج، وهي واحدة من أبرز ناشطات حقوق المرأة في العالم، حيث قالت إن السياسات التي اتخذتها طالبان حرمت نصف القوى العاملة من الوظائف، مشيرة إلى أن النساء يبقين في المنازل اليوم.

ودعت المجلس إلى الاستمرار في توفير المساعدة المنقذة للأرواح للشعب الأفغاني، مؤكدة على ضرورة أن تصل المساعدة إلى جميع الأفغان بما في ذلك النساء والأقليات والمجموعات الهشة الأخرى.

ودعت الأسرة الدولية إلى التأكد من عدم تغيير المساعدة الإنسانية. كما دعت جماعة طالبان إلى إدراك حقيقة أن السياسات التي تتخذها هي التي تمنع الاقتصاد من العمل بشكل اعتيادي. ودعت طالبان إلى العودة عن هذه السياسات الرجعية "إن أرادت للدولة أن تعود إلى الاستقرار الاقتصادي".

ورحبت الناشطة الأفغانية بانخراط المجتمع الدولي مع طالبان، معربة عن أملها في الاستمرار لكنها شددت على ضرورة إعطاء الأولوية لصالح الشعب الأفغاني.

تطور عاجل: طالبان تحظر الطالبات من التعليم الجامعي

وفي تطور، عاجل أفادت تقارير بأن طالبان أعلنت منع الطالبات من التعليم الجامعي. وقد استهل ناصر أحمد فائق، القائم بأعمال بعثة أفغانستان لدى الأمم المتحدة كلمته في جلسة مجلس الأمن بالقول:  

"يؤسفني أن أبدأ مداخلتي بأخبار مؤسفة للغاية عما أعلنت عنه طالبان للتو عن حظر النساء من ارتياد الجامعات في كافة أنحاء أفغانستان. كما لو أن الوضع لم يكن مترديا من قبل. ها هي تعلن عن قانون جديد ينتهك أبسط حقوق الإنسان لكل بني البشر".

وقال إنه وبعد 16 شهرا من استيلاء طالبان بالقوة على السلطة في أفغانستان، لا أمل في تغير إيجابي أو تقدم بالنسبة للوضع الإجمالي في البلاد. ويعزى ذلك بصورة أساسية إلى عجز طالبان عن معالجة الأزمة الحالية وكسر الجمود والانخراط البناء من أجل الاستجابة للدعوات الوطنية والدولية من أجل نظام حوكمة عادل ومسؤول وشامل، على حد تعبير المسؤول الأفغاني.

فتيات يقرأن من كتبهن المدرسية في مركز دشتي إبراشي التعليمي في كابول، أفغانستان. (من الأرشيف)
© UNICEF/Shehzad Noorani