منظور عالمي قصص إنسانية

ميلاد الأمل من بين ثنايا التطرف: إعادة تأهيل المقاتلين الإرهابيين الأجانب المحتجزين

في أعقاب هزيمة تنظيم داعش في العراق وسوريا، برزت إلى السطح قضية المقاتلين الإرهابيين الأجانب باعتبارها واحدة من التهديدات العالمية الرئيسية للسلام والأمن الدوليين.
UNODC
في أعقاب هزيمة تنظيم داعش في العراق وسوريا، برزت إلى السطح قضية المقاتلين الإرهابيين الأجانب باعتبارها واحدة من التهديدات العالمية الرئيسية للسلام والأمن الدوليين.

ميلاد الأمل من بين ثنايا التطرف: إعادة تأهيل المقاتلين الإرهابيين الأجانب المحتجزين

القانون ومنع الجريمة

في أعقاب هزيمة تنظيم داعش في العراق وسوريا، برزت إلى السطح قضية المقاتلين الإرهابيين الأجانب باعتبارها واحدة من التهديدات العالمية الرئيسية للسلام والأمن الدوليين. ويشكل المقاتلون العائدون تحديات لسلطات السجون في بلدانهم الأصلية، حيث تتطلب احتياجاتهم والمخاطرالتي يواجهونها وأمنهم تقييما دقيقا. كما تعد مسألة إعادة تأهيلهم في السجون أمرا ضروريا، ولكن يجب أن تكون البرامج مصممة وفقا لظروفهم. 

وقد تكون عملية إعادة الإدماج الاجتماعي بعد الإفراج صعبة بشكل خاص. كما تبرز مخاوف من إمكانية أن ينشر المقاتلون الإرهابيون الأجانب أفكار التطرف والعنف بين السجناء الآخرين. ولكن برغم هذه المخاوف إلا أن هناك أمثلة على إمكانية أن تتغير حياة هؤلاء الإرهابيين السابقين وأن يتخلوا عن هذه الأفكار المتطرفة ويعودوا إلى الحياة الطبيعية.

يعمل مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة من خلال برنامجه المعني بأوضاع المقاتلين الإرهابيين الأجانب المحتجزين على دعم هؤلاء الأشخاص وإعادة تأهيلهم ومساعدتهم على تغيير نمط حياتهم من التطرف إلى الحياة الطبيعية. تم تنفيذ البرنامج- الذي يموله مكتب مكافحة الإرهاب التابع لوزارة الخارجية الأمريكية- في العراق وكازاخستان وقيرغيزستان وطاجيكستان.

"ارتكبتُ أخطاء في الماضي"

أدين جومابوي وأديلزهان* بتهم إرهابية في قضيتين منفصلتين. وهما يقضيان فترة سجنهما في طاجيكستان كازاخستان. وتمنح قصتهما أملا بإمكانية أن تتغير حياة هؤلاء المقاتلين الإرهابيين الأجانب.

من غرفة في أحد السجون في طاجيكستان، تحدث جومابوي، 28 عاما، حيث قال: "لقد ارتكبت أخطاء في الماضي. كنت غير متزوج وعاطل عن العمل، ووقعت في حياة الجريمة، مما دفعني لقضاء فترة في السجن".

وأثناء قضائه عقوبة أولية بتهمة السرقة والسطو، تعرض جومابوي لأفكار متطرفة. وبعد إطلاق سراحه هرب إلى أفغانستان، حيث انضم إلى حركة طالبان وشارك في أنشطة إرهابية. ولدى عودته إلى طاجيكستان، ألقي القبض عليه وحكم عليه بالسجن 18.5 سنة لارتكابه جرائم إرهابية. وهو واحد من أكثر من ألفي سجين أدينوا بالتطرف العنيف في البلاد- بمن فيهم حوالي 280 من المقاتلين الإرهابيين الأجانب العائدين.

ويشكل المقاتلون العائدون تحديات محددة لسلطات السجون في بلدانهم الأصلية.
UNODC

 

"تغيرت نظرتي للعالم" 

تماثل قصة أديلزهان إلى حد كبير قصة جومابوي. فقد حُكم عليه بالسجن في كازاخستان عندما كان عمره 22 عاما بتهمة السرقة والسطو القتل. ويقول عن قصته: "في عام 2019، أثناء وجودي في السجن، تمت إدانتي بتهمة الدعاية للإرهاب بموجب المادة 256 من القانون الجنائي الكازاخستاني".

تمنح قصتا أديلزهان وجومابوي الأمل في إمكانية حدوث التغيير. فمنذ أن تم سجنهما، تغيرت حياتهما إلى حد كبير بفضل برنامج مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة.

يقول أديلزهان: "غيّر برنامج مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة أشياء كثيرة في حياتي. لقد تغيرت نظرتي للعالم. اكتشفت أنني كنت سطحيا جدا في كل ما يتعلق بالأيديولوجيات التي كنت أتبعها. لقد أخطأت في أشياء كثيرة".

يعمل برنامج احتجاز المقاتلين الإرهابيين الأجانب العائدين التابع لمكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة على دعم هؤلاء الأشخاص وإعادة تأهيلهم ومساعدة على تغيير نمط حياتهم من التطرف إلى الحياة الطبيعية.
UNODC

 

إعادة التأهيل والإدماج

يشير مجلس الأمن في قراره 2396 (2017) إلى أن السجون يمكن أن تكون بمثابة حاضنات محتملة للتطرف الذي يؤدي إلى الإرهاب وتجنيد الإرهابيين - ولكن يمكن أيضا أن تعمل السجون على إعادة تأهيل السجناء وإعادة إدماجهم.

ومن خلال المساعدة الفنية، ساعد البرنامج الأممي البلدان المستفيدة على ترجمة توصيات مجلس الأمن إلى إجراءات فعالة على أرض الواقع. يقول جومابوي: "يرشدنا المحاضرون للتحول بعيدا عن تطرفنا السابق، بينما يدعمنا ضباط السجن في الحياة اليومية".

وقد انفتحت أمامه أبواب جديدة بسبب انفصاله عن الأيديولوجيات العنيفة: "اكتشفت شعورا هادفا جديدا خلال وجودي في السجن: كان تعلم القراءة بمثابة نقطة تحول في حياتي، حيث فتح لي آفاقا جديدة. أتيحت لي الفرصة لتثقيف نفسي وقراءة الأدب، وهو أمر لم أتمكن من القيام به من قبل".

انطلاقا من فهمها لأهمية الحفاظ على العلاقات مع الأحباء، تساعد إدارة السجن في ترتيب الزيارات العائلية. ويصف جومابوي بعض التدخلات المتعلقة بإعادة التأهيل والتي أصبحت ممكنة في السجون نتيجة للعمل المتضافر الذي قام به مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة والسلطات الوطنية في مجالات أربعة هي:

  • تحسين السلامة والأمن؛ 
  • معالجة المخاطر واحتياجات السجناء الإرهابيين والمقاتلين العائدين؛ 
  • تعزيز القدرة على مكافحة ومنع التهديدات الإرهابية داخل السجون؛ 
  • وتبادل الممارسات الجيدة.

يقول أديلزهان إن حياته تغيرت أيضا: "أنا لحام. لقد وفروا لي وظيفة براتب. يمكنني إعالة نفسي وعائلتي. لدي أم وأخت وجدة. أعلم أن كل ما أقوم به هو مجرد قطرة في محيط - ولكن هذه هي الطريقة التي أحدث بها فرقا. إن ذلك يمنحني سعادة غامرة".

منع التطرف العنيف ومكافحة الإرهاب 

في أعقاب هزيمة تنظيم داعش، أصبحت ظاهرة المقاتلين الإرهابيين الأجانب واحدة من التهديدات العالمية الرئيسية للسلام والأمن الدوليين وإدارة السجون.
UNODC

 

تعاني أنظمة السجون من نقص التمويل والموارد وضعف البنية التحتية والاكتظاظ الأمر الذي يقوض بشدة قدرة إدارات السجون على التعامل مع السجناء المتطرفين العنيفين بشكل فعال ومنع التطرف والعنف في السجون. ويمكن لهذه العيوب أيضا أن تترك السجناء في حالة من الإحباط واليأس، مما يوفر ظروفا مواتية لإمكانية وقوعهم في براثن التطرف.

يقول السيد ميرام أيوباييف، نائب رئيس مصلحة السجون في كازاخستان: "هدفنا واحد: منع التطرف العنيف ومكافحة الإرهاب في بلداننا. من خلال تبادل المعلومات والخبرات الدولية، يمكننا أن نساعد بعضنا البعض على تعزيز قدرات ضباط إنفاذ القانون وضباط السجون".

يقول السيد جون هيربست، رئيس فريق أوراسيا في مكتب مكافحة الإرهاب بوزارة الخارجية الأمريكية: "لقد شهدت هذه المبادرة العديد من النتائج- بما في ذلك إنشاء أدوات لتقييم المخاطر والاحتياجات، وإجراء عمليات التدقيق الأمني، والعديد من الدورات التدريبية. لقد حقق البرنامج نجاحا كبيرا، ونحن نتطلع إلى مواصلة العمل مع مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة في المستقبل".

ومن الناحية العملية، يعني هذا النجاح مستقبلا أكثر أمانا داخل السجون وخارجها في العراق، وكازاخستان، وقيرغيزستان، وطاجيكستان وأماكن أخرى. ويعني ذلك مجتمعات أكثر أمانا، حيث يعاد دمج المجرمين السابقين في المجتمع ويقل احتمال ارتكابهم للجريمة مرة أخرى. ويعني حياة أكثر كرامة لجميع السجناء.

واليوم، يتطلع جومابوي إلى المستقبل وكله أمل في أن تتغير حياته وتتحقق أحلامه: "حلمي أن أصبح مزارعا وأن أحصل على قطعة أرض يمكنني من خلالها إعادة بناء حياتي. تحتاج والدتي إلى الرعاية. وهذا البرنامج لن يمنحني فرصة ثانية في الحياة فحسب، بل سيساعدني في دعم والدتي أيضا".

==================-

*تم إخفاء اسم أديلزهان الحقيقي حفاظا على خصوصيته.

نشرت هذه المقالة بالإنجليزية في موقع مكتب الأمم المتحدة المعني بمكافحة المخدرات والجريمة وقمنا بترجمتها بتصرف.