منظور عالمي قصص إنسانية

في ختام زيارته للعراق، فولكر تورك يدعو لحماية حقوق الإنسان والتصدي للفساد والإفلات من العقاب

فولكر ترك، المفوض السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان، خلال زيارته الأولى للعراق.
UN Human Rights
فولكر ترك، المفوض السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان، خلال زيارته الأولى للعراق.

في ختام زيارته للعراق، فولكر تورك يدعو لحماية حقوق الإنسان والتصدي للفساد والإفلات من العقاب

حقوق الإنسان

دعا مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان كل من هم في مواقع السلطة والنفوذ في العراق إلى أن يتخذوا من مصالح الشعب العراقي وحقوقه الانسانية قبل كل شيء نبراساً لهم، وأن يتصدوا للفساد والتمييز والافلات من العقاب وتغير المناخ والعقبات الرئيسية الأخرى التي تعترض سبيل تحقيق الاستقرار والسلام الدائمين.

جاءت تصريحات فولكر تورك في مؤتمر صحفي عقده في ختام زيارته للعراق، والتي تعد الزيارة الأولى من نوعها لمفوض أممي سامي لحقوق الإنسان للبلاد. واستمرت الزيارة أربعة أيام زار فيها تورك بغداد وأربيل والبصرة.

وتحدث المسؤول الأممي عن عدد من القضايا الملحة التي ناقشها أثناء الزيارة بما فيها تغير المناخ، حيث قال إنه لمس، على نحو مباشر، واقع تغير المناخ في منطقة الصالحية في قضاء شط العرب في محافظة البصرة، جنوب العراق.

وأضاف تورك: "بعد أن وقفتُ تحت الحر القائظ وسط تلك المناظر الطبيعية المشوهة، وتنفست الهواء الملوث من جراء انتشار العديد من مشاعل إحراق الغاز المصاحب لاستخراج النفط في المنطقة، كان من الواضح بالنسبة لي أن عصر الغليان العالمي قد بدأ بالفعل".

وقال إن هذا الأمر يمثل حالة طوارئ مناخية، وإن الوقت قد حان كي يتم التعامل معها على هذا الأساس ليس في العراق، بل في العالم ككل. 

وأوضح كذلك أن العراق من بين أكثر البلدان المعرضة لتغير المناخ في العالم، وأن "التدهور البيئي الخطير هنا ناتج عن مزيج سام من العنف وتجاوزات صناعة النفط والاحترار العالمي وانخفاض معدلات هطول الأمطار والافتقار إلى إدارة المياه وتنظيمها بشكل فعال".

وأشار تورك إلى أن أطرافا فاعلة في المجتمع المدني أطلعوه على واقع التلوث المزمن في البصرة وما ينتج عنه من مشاكل صحية في المجتمع المحلي، بما في ذلك ارتفاع معدلات السرطان وأمراض خطيرة أخرى، وأكدوا أيضا الحاجة إلى مزيد من الشفافية.

ورحب بالتزام الحكومة العراقية بالتصدي لتحديات تغير المناخ وشح المياه، باعتبارها أولوية، مؤكدا أنه مازال هناك الكثير من العمل في مجال التوعية، وإصلاح التشريعات والسياسات، وبناء قدرات المؤسسات.

المفوض السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان فولكر تورك في مؤتمر صحفي خلال زيارته للعراق.
UN News
المفوض السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان فولكر تورك في مؤتمر صحفي خلال زيارته للعراق.

حماية حرية التعبير

وعبر مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان عن قلقه إزاء سلسلة من الإجراءات التي اتخذها أشخاص في مناصب رسمية بما فيها، على سبيل المثال، رفع دعاوى جنائية بتهمة التشهير ضد الصحفيين والجهات الفاعلة في المجتمع المدني. 

وأضاف أنه هذه الدعاوى "أحدثت تأثيراً مخيفاً على حرية التعبير"

وتطرق أيضا إلى التقارير التي تفيد بوقوع أعمال عنف وترهيب وتهديدات بالقتل ضد نشطاء بيئيين، بما في ذلك على يد عناصر مسلحة، مشيرا إلى أن "هذا يضيق المجال المتاح للمناقشة وهي أمر بالغ الأهمية لمعالجة هذه القضايا".

وصرح تورك بأن مفوضية حقوق الإنسان تخطط لإعداد تقرير عن حرية التعبير في العراق.

وأبدى المسؤول الأممي اعجابه "بالقدرة المذهلة للشعب العراقي" على مواجهة الأزمات لاسيما أن للعراق تاريخا من القمع والظلم والصراع والصدمات.

الاختفاء القسري والإفلات من العقاب

وتحدث أيضا عن الاختفاء القسري لمئات الآلاف من الأشخاص، وخصوصا في الفترة ما بين عامي 2014 و2017، عندما سيطر تنظيم داعش على مساحات واسعة من الأراضي العراقية.

ورحب تورك بالدعوة التي وجهتها الحكومة العراقية إلى لجنة الأمم المتحدة المعنية بحالات الاختفاء القسري والتي زارت العراق العام الماضي، وحث على تنفيذ توصيات تلك اللجنة. 

وأضاف: "حسب فهمي، فإن هناك قانوناً للاختفاء القسري سيصل الى مجلس النواب، وهي خطوة مرحب بها وفي الاتجاه الصحيح. وقد حان الوقت لتشريع قانون يتماشى مع معايير حقوق الانسان الدولية".

وتحدث فولكر تورك أيضا عن موضوع التعذيب، قائلا إن "للعراق تاريخا مؤلما من استخدام التعذيب وغيره من ضروب المعاملة القاسية واللاإنسانية والمهينة في عهد صدام حسين، وخلال الاحتلال الذي قادته الولايات المتحدة للعراق والصراع مع داعش وصولا الى وقتنا الحاضر"

ورحب تورك بالتزام كل من رئيس الوزراء العراقي ووزير العدل بالنظر في مسألة التصديق على البروتوكول الاختياري لاتفاقية الأمم المتحدة المناهضة للتعذيب. 

ويفوض البروتوكول الاختياري تشكيل آلية وطنية وقائية تقوم بزيارات منتظمة إلى مراكز الاحتجاز حيث يمكن أن يلعب ذلك دوراً مهماً في القضاء على التعذيب.

وشدد تورك على أن المفتاح لوقف هذه الانتهاكات الخطيرة لحقوق الانسان يتمثل في القضاء على الافلات من العقاب الذي تمتع به منتهكو حقوق الانسان في السابق. 

وأكد المسؤول الأممي أيضا على أهمية اتخاذ إجراءات سريعة وشفافة لمنع الإفلات من العقاب في القضايا المتعلقة بالتظاهرات التي شهدتها البلاد في تشرين الأول/أكتوبر عام 2019 و30 نيسان/أبريل عام 2020.

وأشار إلى أن المفوضية وثقت مقتل ما لا يقل عن 487 متظاهر و7,715 جريحا خلال تلك التظاهرات بسبب استخدام القوة من قبل قوات الامن العراقية والعناصر المسلحة ضد المتظاهرين. 

ونبّه تورك أيضا إلى أهمية تقوية المؤسسات القضائية ومؤسسات حقوق الانسان الوطنية، لكي تتمكن من العمل بصورة مستقلة وفعالة.

وأضاف: "أرحب بالجهود الجارية لإصلاح القوانين لجعلها تتماشى مع المعايير الدولية لحقوق الانسان".

وقال أيضا إنه دعا السلطات العراقية إلى إعلان وقف رسمي لاستخدام عقوبة الإعدام في العراق حيث لا يزال أكثر من 11 ألف شخص في انتظار تنفيذ حكم الإعدام.

لا يجب إطلاق العنان لحملات التضليل وخطاب الكراهية والتحريض على العنف

"التوقف عن سياسة الإلهاء"

وتطرق تورك كذلك إلى قضية تعزيز الشفافية ومكافحة الفساد حيث أكد أنه من المهم "ترسيخ تدابير قوية لمكافحة الفساد وأن يتم تعزيز ثقافة الشفافية المفتوحة ليطلع عليها الشعب"

وأكد أنه عرض خبرات مكتبه في مجال حقوق الإنسان في الميزانيات الوطنية لضمان أن تقدم تلك الميزانيات الخدمات الأساسية وأن تكون شاملة، من خلال الاستفادة من شبكة الرعاية الاجتماعية المهمة والخاصة بالحكومة لمعظم الفئات السكانية الضعيفة.

وقال المفوض السامي إن استخدام مصطلحات مثل "النوع الاجتماعي" أو "تمكين المرأة" لا يتعارض مع أي ثقافة أو دين أو تقاليد، بالنظر للهجوم والتشويه الذي تتعرض له هذه المصطلحات.

وأضاف "أن حصة الـ 25 في المائة للمرأة في مجلس النواب العراقي، جديرة بالثناء، وهناك حاجة إلى زيادتها. إن محاولات حظر استخدام المصطلحات المقبولة عالمياً التي تعتبر حاسمة في تحقيق المساواة وعدم التمييز أمر ضار وكذلك التهديدات والترهيب ضد النساء العاملات على هذه القضايا".

ودعا تورك كذلك القادة في مختلف أنحاء المجتمع العراقي إلى "التوقف عن سياسة الإلهاء"، مؤكد أنه يجب عدم استخدام حقوق الإنسان كوسيلة للتفرقة.

وأضاف "أن حقوق الإنسان هي ما يوحدنا وما يجمعنا معاً كإنسانية للعيش في كرامة. فلا تسمحوا للخطاب الشعبوي أن يُحدث المزيد من التمزق في المجتمع الذي عانى من قبل من التشظي. لا يجب إطلاق العنان لحملات التضليل وخطاب الكراهية والتحريض على العنف".

مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، فولكر تورك زار أربيل ضمن زيارته إلى العراق بدعوة من الحكومة.
UN News

 

تقدير ومخاوف

وتذكَر مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان زملاءه الـ22 الذين قضوا قبل عشرين عاما في تفجير انتحاري استهدف فندق القناة في بغداد، مؤكدا أنهم كانت لديهم رغبة صادقة في دعم الشعب العراقي ومساعدته في طموحاته بتحقيق مستقبل أفضل وأكثر عدلاً.

وقال إنه يغادر العراق "بتقدير واضح للتقدم والجهود والمنجزات التي حققها شعب هذا البلد الجميل والمتنوع – ولكن يساورني كذلك قلق من أن تظل تلك المنجزات هشة".

والتقى تورك أثناء زيارته كلا من رئيس وزراء جمهورية العراق، ورئيس إقليم كردستان العراق ورئيس وزرائه، ومسؤولين آخرين رفيعي المستوى، بمن فيهم وزيرا الخارجية والعدل، ورئيس مجلس النواب، ورئيس مجلس القضاء الأعلى، ورئيس محكمة الاستئناف في البصرة. 

كما أجرى لقاءات مع ممثلي المجتمع المدني بمن فيهم مدافعات عن حقوق الإنسان، وناشطون في مجال البيئة، وصحفيون، ومحامون، وفنانون، وأشخاص من المجتمع المحلي في الأهوار.