منظور عالمي قصص إنسانية

تقرير أممي: نظرة اقتصادية قاتمة للعام الحالي وتحذير من التقشف

رجال يجلسون على الرصيف في باكستان في انتظار توظيفهم للعمل.
IMF Photo/Saiyna Bashir
رجال يجلسون على الرصيف في باكستان في انتظار توظيفهم للعمل.

تقرير أممي: نظرة اقتصادية قاتمة للعام الحالي وتحذير من التقشف

أهداف التنمية المستدامة

أطلقت الأمم المتحدة اليوم الأربعاء تقريرها الرائد عن الوضع الاقتصادي العالمي وآفاقه لعام 2023 والذي أكد أن الاقتصاد العالمي قد تضرر من العديد من "الصدمات الشديدة والمتداعمة".

وفي مؤتمر صحفي في نيويورك، قال وكيل الأمين العام للشؤون الاقتصادية والاجتماعية، لي جونهوا: "إننا نواجه عاماً رابعاً من الجائحة، وحرباً استمرت قرابة العام في أوكرانيا، واشتداد حالة الطوارئ المناخية. وقد أدت هذه الأزمات المتداخلة بالفعل إلى تباطؤ النمو، وتفاقم الفقر والجوع، وتهديد أمن الطاقة، وإطلاق العنان للضغوط التضخمية، كما أدت إلى أزمة الديون. على خلفية هذا، تبدو التوقعات الاقتصادية على المدى القريب مدعاة للقلق".

وتوقع التقرير أن يتباطأ نمو الناتج العالمي من 3 في المائة عام 2022 إلى 1.9 في المائة عام 2023، وهو ما يمثل أحد أدنى معدلات النمو في العقود الأخيرة. ومن المتوقع أن يرتفع النمو بشكل معتدل عام 2024 إلى 2.7 في المائة، لكن هذا يعتمد بشكل أساسي على وتيرة وتسلسل المزيد من التشديد النقدي، ومسار الحرب في أوكرانيا وعواقبها، وإمكانية حدوث مزيد من الاضطرابات في سلسلة التوريد.

ووجد التقرير أن الآفاق الاقتصادية العالمية الفاترة تهدد أيضاً تحقيق أهداف التنمية المستدامة السبعة عشر، في حين أن قمة أهداف التنمية المستدامة لعام 2023 في أيلول / سبتمبر ستعتبر نقطة المنتصف لتنفيذ خطة عام 2030.

وفي بيان صحفي، قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش: "هذا ليس الوقت المناسب للتفكير على المدى القصير أو للتقشف المالي الذي يؤدي إلى تفاقم عدم المساواة، ويزيد المعاناة، ويمكن أن يجعل أهداف التنمية المستدامة بعيدة المنال. تتطلب هذه الأوقات غير المسبوقة إجراءات غير مسبوقة. يشمل ذلك حزمة تحفيز تحويلية لأهداف التنمية المستدامة، يتم وضعها من خلال الجهود الجماعية والمتضافرة لجميع أصحاب المصلحة".

موظف يرتب الخضار في سوبر ماركت في إندونيسيا.
© ILO/Feri Latief
موظف يرتب الخضار في سوبر ماركت في إندونيسيا.

تباطؤ التعافي

أدى التباطؤ الحالي إلى بطء وتيرة التعافي الاقتصادي من أزمة كوفيد-19 بما يهدد العديد من الدول النامية والمتقدمة باحتمال حدوث ركود خلال العام الحالي.

وشهد زخم النمو في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والاقتصادات المتقدمة الأخرى تراجعا كبيرا عام 2022، مما كان له العديد من الآثار على بقية الاقتصاد العالمي.

بالإضافة إلى ذلك، أدت الأوضاع المالية العالمية إلى جانب ارتفاع قيمة الدولار إلى تفاقم مواطن الضعف المالية والدين في البلدان النامية.

كما شهدت معظم البلدان النامية انتعاشاً أبطأ للوظائف عام 2022 وما زالت تواجه ركوداً كبيراً في التوظيف، مما أثر بشكل غير متناسب على النساء.

امرأتان تمشيان إلى منزلها عبر مجرى نهر جاف في وادي غويمبي، زامبيا.
© UNICEF/Karin Schermbrucke
امرأتان تمشيان إلى منزلها عبر مجرى نهر جاف في وادي غويمبي، زامبيا.

أهداف عالمية بعيدة المنال

ووفقاً للتقرير، فإن تباطؤ النمو، مقروناً بارتفاع التضخم ومواطن الضعف المتزايدة فيما يخص الديون، يهدد بمزيد من التراجع عن الإنجازات التي تم تحقيقها بشق الأنفس في التنمية المستدامة، مما يعمق الآثار السلبية بالفعل للأزمات الحالية.

وأشار إلى أن عدد الأشخاص الذين يواجهون انعدام الأمن الغذائي الحاد قد تضاعف عام 2022 مقارنة بفترة ما قبل الجائحة، حيث وصل إلى ما يقرب من 350 مليون شخص. وقال إن فترة طويلة من الضعف الاقتصادي وبطء نمو الدخل لن يعيق القضاء على الفقر فحسب، بل سيحد أيضاً من قدرة البلدان على الاستثمار في أهداف التنمية المستدامة على نطاق أوسع.

وفي هذا السياق، قال السيد لي للصحفيين إنه من المرجح أن يتحسن الوضع بشكل طفيف عام 2024 في ظل غياب مزيد من الصدمات، "لكن ذلك لن يكون كافياً لوضعنا على المسار الصحيح لبناء القاعدة الاقتصادية اللازمة لتحقيق أهداف التنمية المستدامة". وأضاف: "يجب أن نعمل معاً لتسريع الإجراءات اللازمة لخلق البيئة المواتية. وفي هذا الصدد، فإن التعاون الدولي أمر أساسي".

مدينة الرياض، المملكة العربية السعودية
UNSPLASH/Ekrem Osmanoglu
مدينة الرياض، المملكة العربية السعودية

تباطؤ النمو في دول عربية

على الرغم من النواتج الاقتصادية القوية في منطقة غرب آسيا في العامين الماضيين، والتي تعزى بشكل كبير للدول المنتجة للنفط، من المتوقع أن يتباطأ النمو من 6.4 في المائة عام 2022 إلى 3.5 في المائة في عام 2023 بسبب عوامل خارجية أقل ملاءمة.

فبينما شهدت دول الخليج والعراق توسعاً اقتصادياً سريعاً بسبب ارتفاع أسعار النفط والزيادة الكبيرة في إنتاج النفط الخام، فإن التباطؤ الاقتصادي الذي يلوح في الأفق قد يضعف الطلب على النفط مما قد يؤثر سلباً على هذه الاقتصادات.

من جهة أخرى، عانت البلدان غير المنتجة للنفط في المنطقة من التأثير السلبي لشروط التبادل التجاري الناتج عن الارتفاع الحاد في أسعار السلع الأساسية، مما أدى إلى خسائر فادحة في النمو. ومن المتوقع أن تتعرض هذه البلدان لضغوط مالية كبيرة، الأمر الذي يفرض استنفاداً للحيز المالي ويقوض النمو المستدام فيها بشكل كبير.

لا تزال هناك مخاطر جيوسياسية كبيرة بالنظر إلى الصراعات المستمرة في دولة فلسطين والجمهورية العربية السورية واليمن. وفي حين انخفضت معدلات البطالة إلى أدنى مستوياتها التاريخية في العديد من بلدان المنطقة، بما في ذلك المملكة العربية السعودية، فإن البطالة المرتفعة، ولا سيما بين الشباب، لا تزال تشكل خطراً اجتماعياً واقتصادياً كبيراً في المنطقة.

نساء يصطفن للحصول على بطاقات المستفيدين لشراء الدقيق المدعم للوقاية من سوء التغذية في كونغوسي، بوركينا فاسو.
© WFP/Cheick Omar Bandaogo
نساء يصطفن للحصول على بطاقات المستفيدين لشراء الدقيق المدعم للوقاية من سوء التغذية في كونغوسي، بوركينا فاسو.

أفريقيا لم تتعاف من الجائحة

من المتوقع أن يتراجع النمو الاقتصادي في أفريقيا إلى 3.8 في عام 2023 من 4.1 في المائة عام 2022 بسبب ضعف الاستثمار وانخفاض الصادرات، فيما لا يزال مستوى الأنشطة الاقتصادية دون مستوى ما قبل الجائحة.

ويشير التقرير إلى أن القارة أصيبت بمجموعة من الصدمات التي تقوض تعافيها الكامل من الجائحة، بما في ذلك ضعف الطلب الخارجي، والارتفاع الحاد في التضخم العالمي، وارتفاع تكاليف الاقتراض والأحداث المناخية القاسية.

وفي حديثه مع الصحفيين، قال رئيس فرع مراقبة الاقتصاد العالمي في إدارة الشؤون الاقتصادية والاجتماعية بالأمم المتحدة، حميد راشد، إن أسعار الفائدة المرتفعة تترجم إلى ارتفاع تكاليف خدمة الديون التي تستهلك معظم الحيز المالي في العديد من البلدان الأفريقية.

لكن السيد راشد دعا البلدان إلى الحفاظ على مستوى الإنفاق وإعادة ترتيب أولوياته، حيث يمكن أن يكون لبعض الإنفاق آثار مضاعفة، لا سيما في مجال مقاومة تغير المناخ، وبناء القدرات البشرية، والبنية التحتية الريفية، من بين أمور أخرى. وقال إن هذا النوع من الإنفاق يمكن أن يكون له "عائد نمو قوي على المدى القصير وكذلك على المدى الطويل، مما سيساعد هذه البلدان على تسريع تقدمها نحو أهداف التنمية المستدامة".

امرأة تعمل في مصنع في ألبانيا.
© ILO/Marcel Crozet
امرأة تعمل في مصنع في ألبانيا.

التقشف ليس هو الحل

دعا التقرير الحكومات إلى تجنب التقشف المالي الذي من شأنه أن يعيق النمو ويؤثر بشكل غير متناسب على الفئات الأكثر ضعفا، كما ويؤثر على التقدم في المساواة بين الجنسين ويعرقل آفاق التنمية عبر الأجيال.

وأوضح السيد راشد أن الإنفاق العام لا يؤدي بالضرورة إلى زيادة التضخم، وقد يكون له تأثيرات مختلفة إذا كان الإنفاق في المكان المناسب. وشدد على أنه في خضم الانكماش الاقتصادي، "عندما يكون إنفاق الأسر ضعيفاً للغاية والإنفاق التجاري منخفضاً للغاية، يمكن أن يلعب الإنفاق العام دوراً مهماً كعامل استقرار ومسرع للنمو الاقتصادي".

وأوصى "تقرير الأمم المتحدة للحالة والتوقعات الاقتصادية لعام 2023" بإعادة تخصيص وترتيب أولويات النفقات العامة من خلال تدخلات سياسية مباشرة من شأنها خلق فرص العمل وتنشيط النمو. وأكد أن ذلك سيتطلب تعزيز أنظمة الحماية الاجتماعية، وضمان استمرار الدعم من خلال الإعانات الموجهة والمؤقتة، والتحويلات النقدية، والخصومات على فواتير الخدمات ، والتي يمكن استكمالها بتخفيضات في ضرائب الاستهلاك أو الرسوم الجمركية.

وشدد على ضرورة إيجاد التزام دولي أقوى لتوسيع الوصول إلى المساعدة المالية الطارئة من أجل إعادة الهيكلة وتخفيف أعباء الديون عبر البلدان النامية وتوسيع نطاق تمويل أهداف التنمية المستدامة.