منظور عالمي قصص إنسانية

واحة مستدامة في دولة الرأس الأخضر المنكوبة بالجفاف

الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش يرى المنتجات التي تنتجها مشاريع الأمم المتحدة لمواجهة تغير المناخ في وادي باول بدولة الرأس الأخضر
UN Photo/Mark Garten
الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش يرى المنتجات التي تنتجها مشاريع الأمم المتحدة لمواجهة تغير المناخ في وادي باول بدولة الرأس الأخضر

واحة مستدامة في دولة الرأس الأخضر المنكوبة بالجفاف

المناخ والبيئة

أمضى الأمين العام للأمم المتحدة يوم الأحد في جزيرة سانتو أنتاو بدولة الرأس الأخضر، حيث تسعى مجموعة من المشاريع التي تدعمها الأمم المتحدة إلى المساهمة في إحداث نقلة كبيرة في القطاع الزراعي في هذه الجزر الأطلسية بعد خمس سنوات من الجفاف الشديد.

سارت عربة الأمين العام أنطونيو غوتيريش لساعات على طول طريق متعرج يطل على مناطق قاحلة، ولكن عند المنعطف الأخير، بعد الصعود بضع مئات الأقدام على تلة، تبدل المنظر من النوافذ ليتجلى اللون الأخضر على مد البصر، حيث ظهرت مدرجات صغيرة مليئة بأشجار الموز والنخيل وقصب السكر مدعمة بجدران حجرية، وتيارات مائية فضية اللون تتلألأ في الأفق.

يقع وادي باول الخصب في جزيرة سانتو أنتاو الجبلية، ويمثل واحة في الأرخبيل الذي تصلح عشرة في المائة فقط من أراضيه للزراعة. وقد فقدت البلاد من هذه المساحة الزراعية القليلة أصلا ما يقرب من 18 في المائة بين عامي 2000 و2020.

زار غوتيريش حديقة تجريبية في أحد هذه المدرجات خلال اليوم الثاني من زيارته للبلاد، وكانت في استقباله مجموعة من المزارعين. وأوضحت الخبيرة لدى منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو)، كاتيا نيفيس، إن المزارعين من النساء والرجال يقومون بتجربة أنواع نباتية جديدة والتعرف على التقنيات المستدامة.

سانتو أنتاو ، واحدة من أكثر جزر الرأس الأخضر خضرة وجبلية ، وتستضيف العديد من المشاريع الأممية للمرونة في مواجهة تغير المناخ وللتنمية المستدامة
UN News/Mark Garten
سانتو أنتاو ، واحدة من أكثر جزر الرأس الأخضر خضرة وجبلية ، وتستضيف العديد من المشاريع الأممية للمرونة في مواجهة تغير المناخ وللتنمية المستدامة

 

بعبارة "Muitos Parabéns"، أي "عمل عظيم" باللغة البرتغالية، هنأ الأمين العام المجموعة مشيراً إلى طاولة تفيض بحبوب البن والملفوف والطماطم والبطاطا والكسافا وغيرها من المنتجات. إذ تعد هذه العوائد الزراعية المحلية أمرا نادرا في بلد يقوم باستيراد 80 في المائة من احتياجات سكانه الغذائية.

وقيل للأمين العام إن بعض النباتات التي تنمو في الحديقة هي نوع جديد من الكسافا، والتي يأمل الخبراء أن تثبت أنها أكثر مرونة في مواجهة الجفاف الذي أثر على البلاد على مدى السنوات الخمس الماضية. كما استمع إلى الطرق الجديدة التي يتم تعليمها للمزارعين لري وتسميد أراضيهم.

يستفيد من هذه المبادرة حوالي 285 مزارعاً وهي جزء من المشاريع العديدة التي تقودها وكالات الأمم المتحدة وشركاء آخرون على أمل تحويل الزراعة في البلاد لإطعام مزيد من الناس وجعلها أكثر استدامة لمنفعة الكوكب أجمع.

إدارة المياه وسط الجفاف

"قطرة بقطرة" هي إحدى المبادرات، وقد جعلت الري بالتنقيط في متناول مئات المزارعين. وأوضحت السيدة نيفيز أنه يتم ري 3000 هكتار فقط على الجزر العشر التي تتألف منها البلاد، "لكن الدراسات تظهر أن هذا العدد يمكن أن يرتفع إلى 5000".

تساعد الممثلة المساعدة لمنظمة الأغذية والزراعة (الفاو)، كاتيا نيفيس، في تعزيز التنمية المستدامة في سانتو أنتاو بالرأس الأخضر.
UN Photo/Mark Garten

التقى الأمين العام بالسيدة أنجيلا سيلفا، وهي من المستفيدين الذين يأملون في البدء بتثبيت نظام التنقيط قريباً.

وأوضحت سيلفا أنها تأتي من عائلة مزارعة حيث كان والداها وأجدادها من المزارعين، إلا أن زوجها السابق هو الذي كان يهتم بالأرض قبل انفصالهما.

وقبل عامين، قررت المعلمة أن تبدأ بالعمل في الأرض التي ورثتها.

وقالت: "ما زلت أتعلم، لكنني أريد أن أتعلم المزيد وأن أكون قادرة على تحويل هذا النشاط إلى وسيلة لكسب المال. حلمي هو تحويل هذه الأرض إلى غابة من الطعام يمكن أن يستمتع بها أطفالي وأحفادي".

طغى قصب السكر على معظم أرضها، وهو محصول محصور الأرباح والاستدامة، لذلك بدأت في استبداله بأشجار الموز والبابايا ومجموعة متنوعة من الخضروات الأخرى. كان هذا أحد الدروس التي تعلمتها في دورة تدريبية بدعم من الأمم المتحدة.

تشمل المشاريع التي تدعمها الأمم المتحدة الري بالتنقيط في المناطق المنكوبة بالجفاف ، مثل هذا المشروع في كاسا دو ميو، بلدية بورتو نوفو، في جزيرة سانتو أنتاو.
UN Photo/Mark Garten
تشمل المشاريع التي تدعمها الأمم المتحدة الري بالتنقيط في المناطق المنكوبة بالجفاف ، مثل هذا المشروع في كاسا دو ميو، بلدية بورتو نوفو، في جزيرة سانتو أنتاو.

 

من خلال نظام الري الجديد، تأمل السيدة سيلفا بتجنب بعض أسوأ عواقب الجفاف والاستفادة بشكل أفضل من المياه خلال الأوقات المعتادة. وتشير الدراسات إلى أنه حتى مع هطول الأمطار في الرأس الأخضر، يُفقد ما يقرب من 20 في المائة من المياه من خلال الجريان السطحي، ويتسرب إلى الأرض 13 في المائة، بينما يتبخر 67 في المائة.

هذا هو أحد التحديات التي يواجهها ديرسون دا كروز دوارتي، المزارع الشاب الذي جلب حبوب البن التي فاجأت الأمين العام – إذ لم يكن يعلم أن الجزيرة تنتجها.

أشار المزارع إلى قاع الوادي، بالقرب من خور مليء بالبطاطا، وأوضح أن حبوب البن تزرع على طول الطريق في سانتا إيزابيل، الواقعة على قمة أعلى جبل يمكن للعين رؤيته، وهي حافة خشنة حيث خضار الأرض يلتقي زرقة السماء.

السير على الأقدام هو السبيل الوحد للوصول إلى هذه البلدة التي يقيم فيها 100 شخص وجميع الزراعة فيها بعلية، مما جعل سنوات الجفاف الخمس الأخيرة قاسية بشكل خاص على السكان.

عندما انحسرت الأمطار، كان الشباب هم أول المغادرين.

وأوضح كروز دوارتي: "لا أدري ما إذا كان هناك 10 شباب يعيشون هناك الآن، جميع الشباب غادروا إلى أماكن أخرى بسبب قلة الوظائف والمطر، والجفاف. في بعض الأحيان، حتى لو كانت لديك ماشية، فلن تمتلك ما يكفي من العلف لإطعامها. ليس هناك مصدر رزق آخر، لذلك غادروا للبحث عن حياة أفضل".

 

مشروع لمقاومة تغير المناخ لمنظومة الأمم المتحدة في جزيرة سانتو أنتاو الجبلية في الرأس الأخضر.
UN Photo/Mark Garten
مشروع لمقاومة تغير المناخ لمنظومة الأمم المتحدة في جزيرة سانتو أنتاو الجبلية في الرأس الأخضر.

ارتفاع حاد في انعدام الأمن الغذائي

بعد سنوات من الجفاف المستمر، وصل إنتاج موسم الزراعة لعامي 2021-2022 إلى الصفر. وبالتوازي، اجتمعت العوامل بين تغير المناخ وجائحة كوفيد-19 وتداعيات الحرب في أوكرانيا لتخلق وضعا عاصفا بالنسبة للدول الجزرية الصغيرة النامية، واضطرت حكومة الرأس الأخضر إلى اتخاذ قرار صعب. ففي حزيران /يونيو من العام الماضي، أعلنت السلطات التنفيذية حالة طوارئ وطنية اجتماعية واقتصادية.

حتى وقت قريب جداً، كان من الممكن اعتبار الأرخبيل، الذي يقع في المحيط الأطلسي قبالة سواحل غرب أفريقيا، رائداً في جهود الحد من الفقر بين البلدان جنوب الصحراء الكبرى. وتظهر تقديرات البنك الدولي أن معدلات الفقر تراجعت بست نقاط مئوية بين عامي 2015 و2019، من 41 في المائة إلى 35 في المائة.

ولكن وفقاً لبيانات برنامج الأغذية العالمي، واجه أكثر من 46000 امرأة ورجل وطفل - ما يقرب من 10 في المائة من إجمالي سكان الرأس الأخضر - تدهوراً حاداً في الأمن الغذائي بين شهري حزيران /يونيو وآب /أغسطس.

يمثل هذا تهديداً لمكاسب التنمية التي تحققت بصعوبة في السنوات الأخيرة في البلاد، التي أعلنت التزامها بالقضاء على الفقر المدقع بحلول عام 2026. وأكد رئيس وزراء البلاد خلال لقائه بالأمين العام يوم السبت تمسك بلاده بهذا الهدف، إلا أنه أقر بأن السنوات القليلة الماضية جعلت الأمر أكثر صعوبة.

كاتيا نيفيس، نائبة ممثل منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة، قالت لأخبار الأمم المتحدة إن أزمة العام الماضي زادت من إصرار الأمم المتحدة ووكالاتها، وأضافت: "يمكننا تحقيق هذه الأهداف، ويمكننا القيام بذلك من خلال تحسين الطريقة التي تتم بها الزراعة".

بالعودة إلى الوادي، قال كروز دوارتي إنه لن يستسلم حتى بعد رؤية معظم أصدقائه يغادرون بلدته الصغيرة. بل على العكس، بعد أن أمضى سنوات في جزيرة مجاورة، ساو فيسنتي، عاد المزارع ليعمل في أرض أسلافه. وقال: "الزراعة هي رسالتي".

يعيل السيد كروز دوارتي طفليه اللذين بقيا على الجزيرة المجاورة لأن المنطقة النائية أغلقت مدرستهما منذ بضع سنوات. وسرد جميع المحاصيل التي يزرعها بفخر - البطاطا الحلوة والحبوب والقرع والقهوة التي تُباع في الجزر الأخرى بسعر مرتفع - وكيف أنها تتغير مع المواسم. وقال: "أعرف الآن كيف أزرع كل هذه المزروعات ويمكنني المحافظة عليها".

هذه ليست مهمة سهلة في هذه الجزر. ولكن حتى بعد محصول جيد، لا يزال أمامه طريق طويل.

من المزرعة إلى كافتيريا المدرسة

سارة إستريلا، مساعدة التنمية المستدامة في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي
UN Photo/Mark Garten

بالنسبة إلى أميلكار فيرا كروز، "تكمن الصعوبة الأكبر" في بيع المحاصيل التي ينتجها.

وتوضح سارة إستريلا، مساعدة التنمية المستدامة في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، أن مزارعي الرأس الأخضر ليسوا منظمين عادة في جمعيات أو تعاونيات.

وقالت: "عندما تكون القاعدة هي زراعة الكفاف أو الشركات العائلية الصغيرة، يصبح الأمر صعباً حين يأتي الوقت للبيع بسعر عادل".

أحد المشاريع التي دعمتها منظومة الأمم المتحدة هو تشكيل "جمعية المنتجين" في هذا الوادي. وقد دعمت الوكالات بناء مستودعين تجاريين حيث يمكن جمع المحاصيل وغسلها وتجهيزها للبيع بهما.

بالنسبة لإستريلا، "الهدف الأكبر هو استهداف القطاع بأكمله ومحاولة تنظيم السلسلة بأكملها، من وضع البذور في الأرض إلى وضع الطعام على الطبق".

وأضافت: "نحن نمكن المنتجين من خلال المعرفة والمعدات".

تلقى السيد فيرا كروز هذا الدعم، وبعد عقود من الكفاح من أجل بيع محاصيله يأمل أن "تكون الجمعية وسيلة لفتح آفاق جديدة من حيث الأسواق".

وقال: "لدينا صعوبات أخرى، ولكن هذا ما أخـّر التنمية الزراعية، بيع المنتجات والتغيرات في الأسعار. في بعض الأحيان لا تكسب ما يكفي لتغطية تكاليف الإنتاج".

يأمل المزارع أن تصل منتجاته إلى ما هو أبعد من مدينة بورتو نوفو على الجزيرة وإلى بلدان بعيدة، عندما تصبح جودة هذه المنتجات معروفة. ويقول إنه يمكن لمزيج من المشاريع التي ترعاها الحكومة والأمم المتحدة أن تساعد في تحويل ذلك إلى حقيقة.

لسنوات عديدة بعد استقلال البلاد، عام 1975 كان برنامج الأغذية العالمي مسؤولاً عن وجبات الطعام لجميع الطلاب في الرأس الأخضر. إلا أن الحكومة تولت هذه المهمة بعدما خرجت الدولة من فئة أقل البلدان نمواً في الأمم المتحدة إلى دولة ذات دخل متوسط أدنى عام 2007. وقررت فرض شراء 25 في المائة من جميع المواد الغذائية المستخدمة في المدارس محليا.

مع هذا القرار جاء أول اختبار كبير لجمعية منتجي وادي دو باول التي تم تشكيلها مؤخراً. فقد باع هؤلاء المنتجون جميع أنواع الموز التي تم استهلاكها في مدارس جزر سانتو أنتاو وساو فيسينتي وسانتا لوزيا خلال عام 2021-2022 الدراسي. ووصلت المبادرة إلى 20 ألف طالب وطالبة.

ستعقد الجمعية أول اجتماع لها في وقت لاحق من هذا الشهر، وهي تستعد للاختبار النهائي بحلول نهاية شهر آذار / مارس.

فالأطعمة التي ينتجها هؤلاء المزارعون، كتلك التي تذوقها الأمين العام اليوم، ستغسل وتعبأ في المستودعات الجديدة، وتحمل في قوارب، وستصل في نهاية المطاف إلى الأطفال في جميع جزر الرأس الأخضر. وفي غضون أسابيع قليلة، ستساهم واحة باول في إطعام حوالي 90 ألف طالب، أي ما يقرب من 20 في المائة من سكان البلاد.