أزمات لبنان تفاقم معاناة عاملات المنازل المهاجرات في لبنان

بعد مرور عقدين على اعتماد إعلان وبرنامج عمل المؤتمر العالمي الأول لمناهضة العنصرية في "ديربان" بجنوب أفريقيا، لا يزال التمييز العنصري بجميع أشكاله قائماً. بل تفاقم في بعض الأماكن.
إذ تواجه العاملات المهاجرات من مختلف الجنسيات في لبنان، تحدّيات جمّة.
ويشكل عامل البقاء أبرز هذه التحديات بعدما وجدن هؤلاء أنفسهن بلا عمل نتيجة الأزمة الاقتصادية الأخيرة، واستمرار خضوعهن لنظام الكفالة الذي يجعلهن تحت رحمة أرباب عملهن.
ولطالما عانت هذه الفئة من العمال المسلوبة من أبسط حقوقها، من شتّى أنواع التمييز الجندري والطبقي، تعيش هؤلاء العاملات ظروف عمل لا تُحترم فيها أبسط حقوقهنّ الإنسانية، كالحقّ في العمل لساعات محددة، إضافة إلى حق الاحتفاظ بالمستندات الخاصة كجواز السفر أو بطاقة الإقامة، وحق الراحة والتنقّل والتواصل مع الأهل والأصدقاء والتمتع بالحريات الشخصية الأخرى.
وتشير آخر أرقام المنظمات الحقوقية إلى نحو ٢٥٠ ألفاً من عمال الخدمة المنزلية الذين يعيشون في لبنان، غالبيتهم العظمى من النساء اللواتي يحملن تصاريح عمل، وينحدر القسم الأكبر منهن من إثيوبيا، بالإضافة إلى الفيليبين وبنغلادش وسريلانكا.
وبحسب الكثير من فاعليات المجتمع المدني والجمعيات الحقوقية التي تعمل على مناصرة حقوق العاملات المهاجرات في لبنان، بات من الواضح مدى التأثير السلبي لنظام الكفالة - الذي يرعى إقامة هؤلاء العاملات في لبنان وعلاقتهنّ بصاحب العمل، كما يمنح الأخير "سيطرة شبه كاملة" على حياة العاملات، ويجعلهن عرضة لكل أشكال الاستغلال وسوء المعاملة بعيداً عن القانون، وكل ذلك مقابل رواتب ضئيلة تتراوح بين 150 و400 دولار شهرياً.
ووفقاً لمصادر حقوقية، فإنه بموجب النظام الذي تندّد به منظمات المجتمع المدني والجمعيات الحقوقية، لا يمكن للعاملة المهاجرة فسخ العقد، من دون موافقة المشغّل الذي يصبح كفيلها، بعد دفعه مبلغاً يتراوح بين ألفين وخمسة آلاف دولار لمكاتب الاستقدام.
ولا يمنع القانون رب العمل من مصادرة جواز سفرها. وفي حال فرارها، تصبح إقامتها غير قانونية.
"أدانتش ووركو" إحدى العاملات الأثيوبيات وتعمل في أحد المنازل بمدينة بيروت، تقول في هذا السياق: "إن مكاتب الاستقدام والمشغلين يعاملوننا وكأننا سلع بشرية!"، مضيفة: "أحياناً أتعرض للضرب وأُمنع عن تناول الطعام. ولا أستطيع تغيير منزل العائلة الذي أعمل به، أو العودة إلى بلدي، بسبب العقد المبرم بيننا".
وأضافت ووركو: "تقول لي المدام: أنا اشتريتك. فلتدفعي لي ألفي دولار ومن ثم يمكنك المغادرة إلى حيثما تشائين".
"ماريا"، العاملة المهاجرة من الفيليبين، والبالغة ٣٠ عاماً، تغلبها الدموع وهي في طريقها إلى المنزل باصطحابها ثلاثة أطفال، أكبرهم لم يتجاوز عمر الـ ٦ سنوات.
وعند سؤالها عن حال عملها أجابت بأنها تعمل لدى سيدة في منطقة مار الياس بمدينة بيروت، مقابل أجر زهيد وبالليرة اللبنانية، ويكاد لا يكفي احتياجات عائلتها الصغيرة.
وأضافت أنها سبق وأن تزوجت من لبناني إلا أنه هجرهم ويرفض تسجيل أبنائه الثلاثة، موضحة أنها لم تتمكن من تسجيل أولادها بنفسها لأن جواز سفرها محجوز لدى الكفيل.
مديرة مكتب هيئة الأمم المتحدة للمرأة في لبنان، "راشيل دوري ويكس" أكدت أن هيئتها تعمل بشكل حثيث على إلغاء نظام الكفالة الذي يقيد عمال وعاملات المنازل المهاجرين بأصحاب العمل في لبنان، فيما يقع هؤلاء العمال والعاملات خارج إطار قانون العمل. فهم، بحسب ويكس، يتمتعون بقدر ضئيل جداً من الحماية، ما يجعلهم أكثر عرضة لجميع أنواع الانتهاكات، بما في ذلك الاستغلال الجنسي، والعنف، وإساءة المعاملة، وأيضا الاستغلال الاقتصادي.
وأوضحت ويكس أن عمال وعاملات المنازل المهاجرين يتقاضون رواتب منخفضة، وأحياناً لا يتلقون أجورهم على الإطلاق، خصوصاً بعد الانهيار الاقتصادي، كما أنهم لا يحصلون على إجازاتهم المستحقة.
وفي هذا الصدد، أكدت ويكس على جهود جمعية "كفى عنف واستغلال" وغيرها من المنظمات الحقوقية في لبنان بالتعاون مع هيئة الأمم المتحدة للمرأة، لتلبية احتياجات عمال وعاملات المنازل المهاجرين في لبنان. كما أكدت دعم هيئتها للمنظمات التي تُعنى بقضايا عاملات المنازل المهاجرات في محاولة للالتقاء والمناصرة من أجل إصلاح وإلغاء نظام الكفالة في لبنان.
من جهتها، ذكرت منسقة برنامج وحدة مكافحة الاتجار بالبشر والاستغلال في جمعية كفى عنف واستغلال، جولي خوري، أن البرامج التي تعمل عليها الجمعية بدعم وتمويل هيئة الأمم المتحدة للمرأة، تتمحور حول تقديم الخدمات للعاملات المهاجرات اللواتي يتعرضن للعنف الجنسي والجسدي من قبل الكفيل، وتركز على حماية العاملات في الخدمة المنزلية خصوصاً اللواتي يتعرضن للعنف، من خلال تقديم مركز للإيواء ومجموعة من الخدمات القانونية والاجتماعية والصحية والنفسية.
وأشارت خوري إلى أن المعاملة السيئة وغياب التمتع بأبسط الحقوق قد يكونان وراء الكثير من حالات الانتحار لعاملات المنازل المهاجرات، إضافة إلى غياب الحماية القانونية لهذه الفئة من العمّال، والمتمثّل بعدم اعتبار عاملات المنازل عاملات بكل ما للكلمة من معنى، وتجلى ذلك بعدم شملهنّ بقانون العمل، إضافة إلى اعتماد نظام الكفالة الذي ينتج عنه علاقة مرتبكة وغير متوازنة بين العاملة وصاحب العمل، وأخيراً صعوبة تحقيق العدالة للعاملات بسبب الافتقار إلى آليات الشكوى.
فاطمة عبد الجواد - مراسلة أخبار الأمم المتحدة - بيروت
**هذه المقالة هي واحدة من سلسلة من مقالات الوسائط المتعددة التي نُشرت كجزء من الاحتفالات بالذكرى السنوية العشرين لإعلان ديربان للأمم المتحدة، والذي يُعتبر علامة فارقة في الكفاح العالمي ضد العنصرية.