منظور عالمي قصص إنسانية

"اتجاهات مقلقة وتمسك بالأمل"، مسؤولة في الإسكوا تتبع مسار التنمية المستدامة في الدول العربية

"اتجاهات مقلقة وتمسك بالأمل"، مسؤولة في الإسكوا تتبع مسار التنمية المستدامة في الدول العربية

تنزيل

قالت مسؤولة أممية في اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الإسكوا) إن الاحتلال وحالات الصراع وعدم الاستقرار الذي يطال 9 دول عربية، تضم حوالي 40% من سكان المنطقة العربية، تشكل عائقا كبير جدا أمام تحقيق أهداف التنمية المستدامة، ليس فقط في تلك البلدان وإنما في المنطقة العربية ككل.

وفي حوار خاص مع أخبار الأمم المتحدة، نبهت جنى البابا، موظفة تنمية مستدامة في مجموعة تنسيق العمل على خطة 2030 وأهداف التنمية المستدامة في اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الإسكوا)، إلى أن هناك عدة عوامل تضع البلدان العربية التي تعاني من النزاعات "في حلقة مفرغة" لا تستطيع الخروج منها بسهولة، وتجعلها غير قادرة على استعادة مسار التنمية، الأمر الذي يؤثر على أجيال كثيرة وليس فقط على الجيل الحاضر.

فيما يلي النص الكامل للحوار مع جنى البابا، موظفة تنمية مستدامة في مجموعة تنسيق العمل على خطة 2030 وأهداف التنمية المستدامة في اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الإسكوا).

أخبار الأمم المتحدة: قالت نائبة الأمين العام للأمم المتحدة السيدة أمينة محمد في افتتاح المنتدى العربي للتنمية المستدامة لعام 2024، حيث قالت إن الصراعات المستمرة والمتكررة والهشاشة، تؤثر بشكل مباشر على 182 مليون شخص في 9 بلدان في المنطقة العربية وتفاقم من أزمة اللاجئين، وإن الحرب في غزة هي أحدث مثال على ذلك. فإلى أي مدى تؤثر تلك الصراعات على مسار العمل من أجل التنمية المستدامة في المنطقة؟ 

جنى البابا: بالتأكيد الاحتلال وحالات الصراع وعدم الاستقرار القائمة في 9 دول عربية هي موطن لحوالي 40% من سكان المنطقة العربية تشكل عائقا كبير جدا أمام تحقيق أهداف التنمية المستدامة، ليس فقط في تلك البلدان وإنما في المنطقة العربية ككل. 

وإن كنا يعني أمام حالات مختلفة في هذه البلدان لناحية يعني طبيعة الصراع والأطراف الفاعلة فيه، وشدة هذا الصراع والامتداد الزمني والجغرافي، إلا أنه يمكن التحدث عن جانبين أساسيين مشتركين ربما بين هذه الحالات. 

الجانب الأول هو مسألة النزوح. لقد حولت هذه الصراعات المنطقة العربية إلى منطقة تضم حوالي 9 ملايين لاجئ يعيشون أنفسهم يعني في حالات صعبة جدا ويؤثرون أيضا على الفئات أو المجموعات التي تستضيفهم. 

وتستضيف أيضا المنطقة العربية 19 مليون نازح داخلي، يعني نتحدث عن ثلث مجموع النازحين داخليا في العالم. 

في غزة اليوم أكبر مثال، أكثر من مليوني نازح يعيشون في ظروف مؤلمة جدا نعلمها جميعا. 

في السودان أيضا تشرد أكثر من 6.5 مليون شخص من منازلهم يجعلهم عرضة لحالات انعدام الأمن الغذائي، وأيضا النساء يجعلهن عرضة طبعا للعنف على أساس الجنس. 

في اليمن أيضا 4.5 مليون نازح داخلي هم أكثر فئات المجتمع هشاشة التي باتت نسبة الفقر فيها يعني 80%. نتكلم عن النسبة الأعلى من الفقر في العالم، فطبعا هذه يعني حالة واضحة. 

الجانب الثاني أيضا لهذه الصراعات هو يتمثل في انهيار المؤسسات؛ نتكلم عن المؤسسات العامة لأن هذه الحروب التي يستمر أكثرها لعقد أو أكثر من السنوات فعلا أضعفت من قدرة المؤسسات العامة وأفرغتها من الكفاءات ومن قدرتها على تقديم الخدمات العامة من بينها التعليم والصحة وأيضا الأمن على كامل أراضيها. وبالتالي هذا يغذي اقتصادات الحرب ويقوض التماسك الاجتماعي. 

ولهذه الأسباب كلها نجد أن البلدان العربية الواقعة في النزاع هي في حلقة مفرغة لا تستطيع الخروج منها بسهولة، وغير قادرة على استعادة مسار التنمية. ويؤثر هذا على أجيال كثيرة وليس فقط على الجيل الحاضر.

أخبار الأمم المتحدة: الأمينة التنفيذية للإسكوا السيدة رولا دشتي قالت في كلمتها أمام المنتدى العربي إن أهداف التنمية المستدامة "هي وعود لأطفال غزة وللملايين أمثالهم بأن حياتهم لن تبقى رهينة للظروف التي ولدوا فيها، بل إننا سنجعلها أفضل من خلال الفرص التي نخلقها لهم". ما هو السبيل الأمثل لتحقيق ذلك؟ 

جنى البابا: يجب ألا ننسى أن خطة 2030 وُضعت في الأصل لكي تصان حقوق الإنسان دون أن يُهمَل أي أحد أو يترك خلف الركب، ولكي تتحقق المساواة بين الجنسين والمساواة أيضا بين الدول، حيث هناك دعوة وتأكيد على أهمية دعم البلدان النامية سواء من ناحية نقل التكنولوجيا أو توفير التمويل وغيره. 

وبالتالي مهما كانت هذه الصعوبات، تبقى خطة 2030 وأهدافها هي البوصلة وهي خارطة الطريق نحو مستقبل أفضل للأجيال الحالية والأجيال المقبلة. 

وأكدت الدول العربية في المنتدى العربي وفي منتديات أخرى على التزامها بهذه الخطة. 

الآن تسألني كيف نحقق ذلك؟ يعني قد لا يكون عندي هذه الإجابة بالكامل، ولكن المقاربة التي تنتهجها الاسكوا والتي تشجع الدول أيضا على انتهاجها هي في شقين. الأول هو التركيز على ما هو ممكن، بمعنى أنه لا يجب أن نحقق الخطة أو ندخل في كل أهدافها مرة واحدة وإنما نركز على ما هو ممكن وما يسمح لنا بتعظيم العائد على الرغم من الموارد المحدودة المتاحة لدينا. مثلا من خلال تعزيز كفاءة الإنفاق الاجتماعي مثلا، اعتماد أطر التمويل المتكاملة، رقمنة الخدمات العامة أو السعي لتعزيز الربط الثلاثي بين المساعدة الإنسانية والتنمية والسلام. 

الشق الثاني هو استشراف المستقبل، يعني نضع أعيننا دائما على المستقبل بشكل استراتيجي لاقتناص الفرص الجديدة من جهة، وأيضا للاستعداد لأي تحديات قد تكون ملامحها بدأت بالظهور. وهنا أعطي أمثلة إن كانت الاتجاهات التكنولوجية، فيجب أن نضع أعيننا عليها مثل الذكاء الاصطناعي وما يطرحه من فرص، وبنفس الوقت ما يطرحه ربما من تحديات على سياسات العمل وغيرها في المنطقة. والتغيرات الديمغرافية والسياسات مثلا المعنية بكبار السن واقتصاد الرعاية. والاتجاهات في تغير المناخ، أكيد يجب أن نضعها في الحسبان وأن نضع على أساسها السياسات الخاصة بالمياه والطاقة والعمران وغيرها. 

وقد وضعت الإسكوا لهذا الغرض لتساعد الدول في هذا الأمر عددا من الأدوات التي يعني ندعو البلدان للاستفادة منها.

أخبار الأمم المتحدة: على ذكر التحديات والفرص، هل يمكنكِ أن تطلعينا أكثر على أهم مخرجات وتوصيات المنتدى العربي للتنمية المستدامة الذي انعقد مطلع أذار/مارس؟ 

جنى البابا: المنتدى العربي خرج بعدد كبير من الرسائل التي من شأنها تعزيز خطة 2030 في أوقات الأزمات المتعددة. هذا كان يعني الشعار الأكبر. وكان هناك تركيز بالطبع على الأهداف الأربعة قيد الاستعراض في المنتدى السياسي رفيع المستوى، وهي الأهداف الخاصة بالفقر والأمن الغذائي وتغير المناخ والأمن والسلام. 

من تلك الرسائل على سبيل المثال، توصيات حول كيفية إدارة برامج الحماية الاجتماعية لضمان العدالة للأجيال الحالية والأجيال القادمة، والاستثمار في السيادة الغذائية على المستوى الإقليمي، واعتماد الحلول القائمة على الطبيعة للتكيف مع تغير المناخ، ومكافحة الفساد داخل الإدارات العامة. هذه بعض الأمثلة، ولكن ربما الأبرز في هذه النسخة للمنتدى لعام 2024 كانت الرسائل المتعلقة بمؤتمر القمة المعني بالمستقبل

ومن بين الرسائل أيضا، الدعوة لوقف إطلاق النار الفوري في غزة، والسماح بالدخول غير المشروط للمساعدات الإنسانية، والضغط باتجاه إصلاح شامل للنظام متعدد الأطراف لضمان تنفيذ القانون الدولي والقرارات الأممية الداعمة للدول في الحروب، والدعوة طبعا أيضا لتعزيز الحوكمة الرقمية من خلال وضع سياسات قائمة على مبادئ حقوق الإنسان لضمان الخصوصية مثلا وسلامة البيانات وحماية الأشخاص من الانتهاكات. 

وكان هناك دعوة لإقامة آلية عالمية للتصديق على البيانات المستخدمة في الذكاء الاصطناعي والخوارزميات. 

أيضا كانت هناك دعوة لرفع الصوت من أجل تعزيز تمثيل دول الجنوب عموما والدول العربية بشكل خاص في المؤسسات المالية العالمية، وإصلاح الهيكل المالي الدولي لضمان قدرة البلدان النامية على الحصول على التمويل عندما تحتاج إليه بشكل كبير، خاصة مثلا في حالات الأزمات. 

وأخيرا، التأكيد على ضرورة استشراف المستقبل والاستعداد له بشكل أفضل للتعامل مثلا مع الاتجاهات الاجتماعية والبيئية الكبرى كالشيخوخة والتنقل الجغرافي، وتغير المناخ، وإعادة تصور نظم العمل والتعلم والرعاية الصحية والاجتماعية. 

أخبار الأمم المتحدة: الإسكوا أيضا أصدرت تقريرا في أذار/مارس 2024 حول التقدم نحو أهداف التنمية المستدامة في المنطقة العربية، قالت فيه إن تنفيذ خطة 2030 واجه العديد من التحديات والعقبات. بالإضافة إلى الصراعات، ما هي التحديات الرئيسية الأخرى التي تواجه تنفيذ خطة أهداف التنمية المستدامة 2030؟ وما هي أهم النقاط المستفادة من تقرير الإسكوا الأخير للبناء عليها من أجل المضي قدما على مسار التنمية المستدامة؟ 

جنى البابا: أشير بداية إلى أن هذا التقرير هو تقرير إحصائي سنوي تصدره الإسكوا كمدخل أو أحد مدخلات المنتدى العربي للتنمية المستدامة. 

كما تعرف أن البيانات يعني لا تخبرنا سوى جزء من القصة، خاصة عندما تكون البيانات قليلة وغير مفصلة كما هو الحال في المنطقة العربية. 

فعلى الرغم من التطور الملحوظ في توفر البيانات، لا زلنا يعني ينقصنا حوالي نصف البيانات المطلوبة لنتمكن فعلا من تقييم التقدم المحرز على أهداف التنمية المستدامة. 

ومع ذلك، مكننا التقرير من استشفاف بعض الاتجاهات المقلقة على أكثر من صعيد. وتيرة التقدم طبعا بطيئة جدا. 

إذا استمرينا في هذه الوتيرة، ستحتاج المنطقة العربية إلى 60 عاما للوصول إلى المقاصد الموضوعة، وعلما أننا على بعد 6 سنوات فقط من 2030. وهناك طبعا تباين كبير في الدول العربية ذاتها. 

فمثلا الدول المرتفعة الدخل كدول الخليج ستتمكن من تحقيق خمسة أهداف، هذا في أفضل الأحوال. دول المغرب قد تتمكن من تحقيق هدفين بحلول 2030. أما دول المشرق والدول والبلدان الأقل نموا لن تتمكن من تحقيق أي من الأهداف. 

اجتماعيا طبعا الفقر يعني يسير في اتجاه عكسي تماما. يعني بدلا من أن نقضي على الفقر المدقع، تضاعفت نسبة الفقر المدقع من 9.5% في عام 2015 إلى 20% في عام 2023. طبعا ازدياد في عدد الأشخاص الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي.

التقدم في جسر الفجوة بين الجنسين بطيئة جدا أيضا، مثلا فيما يخص التمثيل في البرلمان والحكومات المحلية والمناصب الإدارية. 

اقتصاديا، ينمو الدين العام بسرعة أكبر بكثير مما ينمو الناتج المحلي الإجمالي. باتت الديون الآن تشكل حوالي 45% من الناتج المحلي الإجمالي للمنطقة، وقد تصل حتى في بعض الدول إلى 77% من مدخولها. وبالتالي بكل بساطة لا يمكن للدول العربية أو ليس لديها القدرة للاستثمار في تحقيق أهداف التنمية المستدامة ولا حتى العمل المناخي المطلوب. 

من الناحية أيضا البيئية هناك 83% من بلدان المنطقة تعاني من الإجهاد المائي. هناك تزايد في الكوارث المناخية والظواهر الجوية المتطرفة مع ما يأتي معها من تأثيرات على الصحة وإنتاج الغذاء وغيرها. 

وبالتالي الهاجس الأكبر للمنطقة العربية هي كيف تتكيف مع تغير المناخ، علما أنه في الوقت نفسه تزداد انبعاثات الغازات الدفيئة في بلدان المنطقة بشكل أسرع بكثير من سرعة الارتفاع العالمي، يعني تصل إلى ضعف الارتفاع العام العالمي. 

وبالتالي التعامل مع كل هذه التحديات سيتطلب طبعا سياسات شاملة ومتكاملة. 

سيسلط عليها الضوء في التقرير العربي للتنمية المستدامة 2024، وهو تقرير صدر كل أربع سنوات وسيدخل في العمق في سياسات تحقيق أهداف التنمية المستدامة في المنطقة. ندعوكم للاطلاع عليه ابتداء من صيف هذا العام. 

أخبار الأمم المتحدة: وتبقى هناك دائما بارقة أمل رغم كل شيء ورغم تلك الأرقام، فهل يمكنك أن تعطينا بعض الأمثلة على قصص نجاح على مسار تحقيق أهداف التنمية المستدامة في المنطقة؟ 

جنى البابا: طبعا الأمل دائما موجود ونتمسك به دائما، ونراه في مساعي جدية تبذلها كل الدول العربية بمختلف مستوياتها ومستوى دخلها مثلا. 

على سبيل المثال، هناك في المنطقة استثمارات ضخمة في الطاقة المتجددة، وإن كنا نجدها أكثر في بعض البلدان الخليج وغيره، وإنما من المتوقع أن ترتفع القدرة الإنتاجية للمنطقة في مجال الطاقة المتجددة بمقدار 33 جيجاواط حتى عام 2026 في مختلف المنطقة العربية. 

وهناك خطة طموحة لتحقيق صافي الانبعاث الصفري في دول مجلس التعاون الخليجي هي جديرة بالذكر؛ في الإمارات العربية وعمان بحلول 2050، وفي المملكة العربية السعودية والبحرين بحلول 2060. 

هناك أيضا جهود كبيرة لجسر الفجوة الرقمية والتحول الرقمي. ارتفعت نسبة مستخدمي الإنترنت من حوالي 38% في 2015 إلى أكثر من 70% في 2020 يعني تضاعفت تقريبا. 

وهناك يعني ارتفاع ملحوظ في نسبة الخدمات الحكومية المرقمنة من 741 خدمة حكومية عبر المنطقة في عام 2022 إلى 834 خدمة في عام 2023 بحسب آخر تقرير الاسكوا حول هذا الموضوع. 

ونرصد أيضا إصلاحات كبرى في الحماية الاجتماعية. رصدت الاسكوا أكثر من 150 إصلاحا لهذه السياسات في عام 2021 وحده نحو توسيع التغطية لتشمل فئات مختلفة معرضة للمخاطر، وأيضا لتصويب وتحسين كفاءة هذه الأنظمة. 

ويمكن أختم ببارقة الأمل هذه. فعلى الرغم من الصعوبات في اليمن، يسعى اليمن حاليا إلى إحراز توافق في الرؤية بين كافة الفرقاء الحكوميين على رؤية وطنية للتعافي والتنمية بالتعاون مع الإسكوا. وبالرغم فعلا من صعوبة الوضع القائم، هم مصرون يعني في اليمن على أن ينتجوا الاستعراض الوطني الطوعي الأول لليمن باعتباره فرصة للتوافق مثل ما قلت حول سبل استعادة مسار التنمية، وفرصة أيضا لإرساء أطر مؤسسية جامعة. ونتمنى لهم كل التوفيق. وهذه كلها طبعا جهود مهمة يجب البناء عليها وأن نعظم من نتائجها.

الصوت
UN News/Khaled Mohamed
استمع
17'25"
مصدر الصورة
UN News