منظور عالمي قصص إنسانية

التناغم بين الأديان .. الطريق إلى تعزيز الوئام ومنع الفظائع

التناغم بين الأديان .. الطريق إلى تعزيز الوئام ومنع الفظائع

تنزيل

الإيمان، بالنسبة لمليارات الناس عبر أنحاء العالم، أساسٌ جوهريٌ للحياة. فالإيمان منبع للقوة في أوقات العسر ومصدر لشعور قوي بالانتماء الجماعي. والغالبية العظمى من المؤمنين يعيشون في وئام مع جيرانهم، أيا كانت عقيدتهم، ولكن كل دين يضم أقلية عالية الصوت، مستعدة لفرض مذاهب أصولية عبر التعصب والعنف المتطرف.

هذا ما جاء في رسالة الأمين العام بان كي مون لهذا العام بمناسبة أسبوع الوئام العالمي، الذي تحييه الأمم المتحدة من الأول وحتى السابع من شباط من كل عام والذي نخصص له الحلقة التالية ..

"مجتمع متنوع اجتماعيا وثقافيا هو مصدر قوة وسلام ووحدة... وينبغي ألا يكون مصدرا للانقسام".

هذا ما أعلنه أداما ديانغ، المستشار الخاص للأمين العام المعني بمنع الإبادة الجماعية، في ندوة خاصة بالأمم المتحدة عقدت تحت عنوان "إشراك الأديان في منع الجرائم الوحشية".

والندوة التي أتت في سياق أحياء أسبوع الوئام العالمي بين الأديان هذا العام، أدارتها السيدة هانيفا مزوي، كبيرة مستشاري مكتب ممثل الأمم المتحدة السامي لتحالف الحضارات التي قالت في بداية الندوة:

"يشير التاريخ إلى أن الإبادة الجماعية ارتكبت إلى حد كبير تحت اسم الدين. وقد رأينا ذلك من خلال الفظائع الجماعية، والمحارق ومحاولة إبادة جماعة دينية محددة. لكن على الرغم من الاختلافات الايديولوجية في عالم الإيمان الواسع، تتشاطر جميع الأديان قيمة الإنسانية والعدالة."

مزوي أشارت في كلمتها إلى أن تحالف الحضارات يقوم بدور قيادي في تغزيز أسبوع الوئام العالمي بين الأديان منذ تأسيسه:

"فيما يعترف التحالف بالدور المهم للعوامل الدينية في عالم اليوم، يتابع رؤية الأديان، -التعاون والانسجام-، من خلال التثقيف حول الدين والمعتقدات وبناء تفاهمات حول دور الدين والقضايا المتعلقة بالإيمان وتشجيع الشباب على الابتكار والقيام بمشاريع فيما بين الأديان."

مزوي دعت إلى عدم نسيان السياق الحالي للأمم المتحدة لجدول أعمال التنمية ما بين عام 2015، قائلة إن ذلك يجب أن يجمع المنظمات غير الحكومية للتركيز على حوار بين الأديان والثقافات في سبيل منع التوترات والحد من التطرف.

وأسبوع الوئام العالمي بين الأديان هو حدث سنوي يُحتفل به خلال الأسبوع الأول من شهر شباط/فبراير ابتداء من عام 2011.

وقد أقّرت الجمعية العامة للأمم المتحدة أسبوع الوئام العالمي بين الأديان في قرارها رقم A/RES/65/5 والذي اعتمد في 20 من تشرين الأول/أكتوبر 2010.

وفي هذا القرار أشارت الجمعية العامة إلى أن التفاهم المتبادل والحوار بين الأديان يشكلان بُعدَين هامين من الثقافة العالمية للسلام والوئام بين الأديان، مما يجعل الأسبوع العالمي وسيلة لتعزيز الوئام بين جميع الناس بغض النظر عن ديانتهم.

وفعالية هذا العام التي عقدت بدعوة من مبادرة الأديان المتحدة والشراكة من أجل العدالة العالمية ونُظِمت من قبل إدارة شؤون الإعلام في الأمم المتحدة، استضافت مسؤولين رفيعي المستوى في مجال حقوق الإنسان بمن فيهم السيد أداما ديانغ، المستشار الخاص للأمين العام المعني بمنع الإبادة الجماعية.

ديانغ قال إنه عمليا لم تجرِ حرب أو صراع عنيف دون بعض الدوافع الدينية أو الأيديولوجية:

"علاوة على ذلك، أصبحت أعمال عنف التي تقودها الكراهية الدينية، متكررة في الآونة الأخيرة، بشكل ينذر بالخطر، وشكلت خطورة وشدة هذه الأعمال تهديدا للتعايش المتناغم بين مجموعات مختلفة، وفي نهاية المطاف، للسلم والأمن الدوليين. بالإضافة إلى ذلك، فإننا نرى مظاهر التعصب والتمييز على أساس الدين أو المعتقد في جميع المجتمعات تقريبا."

كيف يمكن عكس هذا الاتجاه، وما هو الدور الذي يمكن أن تقوم به القيادات الدينية للوقاية من العنف بين المجتمعات؟؟ أسئلة أجاب عنها أداما ديانغ:

"أولا، من المهم أن نتذكر أن معظم الديانات والمعتقدات تبشر بأن جميع الأفراد متساوون ويجب أن يتعاملوا على قدم المساواة في الحقوق والفرص. المساواة، مع ذلك، لا تعني التماثل، وإنما الوحدة في إطار التنوع، وهو مبدأ يعتبر الاختلافات في العرق أو الدين أو أو التاريخ أو اللغة أو التقاليد كعنصر نافع."

ويؤكد ديانغ أن مبدأ احترام التنوع، واحترام الاختلافات بين الشعوب، بما في ذلك معتقداتهم، أمر أساسي لتطوير مجتمعات مستقرة وسلمية صلبة تجاه الصراعات وفظاعة الجرائم. وأوضح قائلا:

"اسمحوا لي أن أشدد على هذه النقطة. لا يوجد مجتمع متجانس. جميع المجتمعات متنوعة، وتتكون من مجموعات وطنية أو إثنية أو عرقية أو دينية مختلفة. وليست الاختلافات بين هذه الجماعات، في حد ذاتها، هي التي تخلق التوتر والصراع، بل التمييز على أساس هذه الاختلافات، الذي يخلق عدم المساواة في الحصول على الموارد والاستبعاد من عمليات صنع القرار ويؤدي إلى الحرمان من حقوق الإنسان. هذا ما يسبب الصراع."

وقد تم طرح مبادرة أسبوع الوئام بين الأديان لأول مرة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في 23 من سبتمبر/ أيلول 2010 من قبل الملك الأردني عبد الله الثاني ابن الحسين. وبعد أقل من شهر، وبالتحديد في 20 أكتوبر /تشرين الأول 2010، تم تبني المبادرة بالإجماع من قبل الأمم المتحدة، ليصبح أول أسبوع من شهر فبراير / شباط ، أسبوع الوئام بين الأديان.

وترتكز فكرة أسبوع الوئام بين الأديان على العمل الرائد لمبادرة كلمة سواء. وقد انطلقت هذه المبادرة في عام 2007، حيث دعت كلا من العلماء المسلمين والمسيحيين للحوار بناء على وصيتين أساسيتين مشتركتين وهما حب الله وحب الجار من دون المساس بأي من المعتقدات الدينية الخاصة بهم. وتعدّ هاتان الوصيتان في صميم الأديان السماوية الثلاث، لتوفر بذلك أصلب أرضية دينية عقائدية ممكنة.

وتتعدى مبادرة أسبوع الوئام بين الأديان هاتان الوصيتان من خلال إضافة “حب الخير، وحب الجار”، وتشمل هذه المعادلة كل أطراف النوايا الحسنة، بالإضافة إلى جميع الأفراد الذين يؤمنون بديانات أخرى، أو ممن لا يؤمنون بأي ديانة.

ومن بين المشاركين أيضا في الندوة التي عقدت بالمقر الدائم كان سفير كازاخستان خيرت عبدرحمانوف، الذي شدد في مداخلته على أهمية دور وسائل الإعلام الاجتماعية في منع أو تأجيج الصراعات فيما بين الأعراق والأديان ومختلف الفئات المجتمعية، قائلا إن مراكز التوتر والتطرف لا تبقى معزولة  في عالم معولم إلى حد كبير مع تطوير سريع لوسائل الإعلام الاجتماعية، بل إنها تتكاثر بسرعة، ملقية في دوامة ليس فقط البلدان ولكن قارات بأكملها تميزت الاضطرابات والحروب الأهلية.

سفير كازاخستان أوضح أيضا أن وجوده ومشاركته في هذه الندوة الكريمة هي للتحدث عن خبرة ونجاح بلاده في احتضان مجموعات عرقية ودينية مختلفة تعيش جميعها في وئام وسلام:

"منذ اثنين وعشرين عاما، عندما نالت بلادي استقلالها، كانت التدابير السياسية والتشريعية والقضائية والاقتصادية والاجتماعية في تآزر الوثيق مع الجهود الرامية إلى بناء الانسجام بين الأديان والأعراق، استنادا إلى مبادئ الكرامة الإنسانية وحقوق الإنسان، في شريحة سكانية مؤلفة من حوالي 40 ديانة في العالم وأكثر من 100 مجتمع عرقي. وفي العصر الحديث تفتخر كازاخستان باستدامة السلام والوئام بين ممثلي هذا العدد الكبير من الجنسيات التي تعيش على أراضيها."

وأكد سفير كازاخستان أن بلده تلتزم بالعمل مع إطار الأمم المتحدة متعدد الأطراف للسير بالمبادرات المتعلقة بالأديان قدما بين مختلف البلدان والثقافات.

أما سوامي برميشان وهو راهب هندوسي وأحد ممثلي المنظمات غير الحكومية المشاركين في الندوة، فتحدث عما تعانيه طائفته في بنغلادش وغيرها من البلدان المجاورة من فظائع جماعية، خاصة بعدما فصلت بريطانيا الهند إلى دولتين، الهند وباكستان، وأصبحت منطقة شرق البنغال جزءا من باكستان.

"كان هناك نزوح جماعي، واغتصبت نساء وفتيات الهندوس، وكان عليهن الفرار بين ليلة وضحاها مع ما استطعن حمله بأيديهن. الأمر نفسه حصل مجددا عام 1972 عندما تم تقسيم باكستان وأنشأت بالتالي بنغلادش. والآن تلقيت بريدا إلكترونيا من الأمم المتحدة لتأكيد ما يحصل هناك، وهو أن نفس الشيء يحدث أي أنه يجري التحرش بنساء الهندوس، وحرق معابد الهندوس والبوذيين. وهناك اتجاه لاعتماد التخويف وارتكاب هذه الفظائع لحمل الأقليات على مغادرة البلاد، وتستحوذ الجماعات المسلمة على أملاكهم (أملاك الهندوس)، وهذا جزء من المخطط."

الراهب الهندوسي ذكر أنه لم يُسمح له مؤخرا بدخول بنغلاديش  بالرغم من أنه دخل إليها سابقا مرات عدة لتفقد سير الأمور في مركز الهندوس بالبلاد، داعيا المجتمعين وعلى رأسهم أداما ديانغ إلى حشد الجهود للتخفيف من معاناة الأقلية الهندوسية في المنطقة.

وكان السيد بان قد أكد على أن هذه الأعمال تمثل إهانة لتراث جميع الديانات الكبرى وتعاليمها، كما أنها تخالف الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الذي يؤكد حق الجميع في حرية الفكر والضمير والدين. داعيا إلى تمكين الأغلبية المعتدلة لكي تستطيع الوقوف بصرامة في وجه قوى التطرف. ولكنه قال إن هذا الأمر لا يمكن أن يتحقق، -إلا من خلال قيادة قوية.

وفي رسالته بمناسبة أسبوع الوئام العالمي بين الأديان، ذكر الأمين العام أن مسؤولية الحديث بلغة التسامح والاحترام تقع على عاتق الزعماء الدينيين والثقافيين، سواء على المسرح العالمي أو داخل مجتمعاتهم، داعيا إلى توجيه رسالة أمل إلى الشباب. فالشباب الذي كثيرا ما يتعرض للتهميش والبطالة ويواجه مستقبلا مثيراً للقلق، يمكن أن يقع فريسة سهلة للمتعصبين الذين يوفرون له إحساسا بالدفاع عن قضية والانتماء إلى جماعة، قائلا إنه علينا أن نكشف عن زيف هذا الإغواء وأن نوفر لهم بديلاً مقنعاً.

ولا يمكن تحقيق ذلك بالكلمات وحدها. فالشباب بحاجة إلى وظائف وإلى الشعور بأن لديه مصلحة حقيقية في بناء مستقبل يمكنه الإيمان به. وتنخرط الأمم المتحدة حاليا في تعريف جدول أعمال للتنمية المستدامة لما بعد عام 2015. ويتمثل هدفها في استئصال الفقر المدقع، وتعزيز الفرص الاقتصادية المنصفة للجميع، مع العمل في الوقت ذاته على حماية البيئة. ولهذا الغرض، تحتاج إلى مشاركة جميع الأطراف الفاعلة - بما في ذلك الشباب والأوساط الدينية.

الاستماع للبرنامج