منظور عالمي قصص إنسانية

خبيرة حقوقية عن حرية الصحافة في إسرائيل والأرض الفلسطينية المحتلة: قتل وإفلات من العقاب وبيئة قمعية

الصحفي الفلسطيني مصطفى البايض أثناء إحدى المداخلات من قطاع غزة.
© UNDP PAPP/Abed Zagout
الصحفي الفلسطيني مصطفى البايض أثناء إحدى المداخلات من قطاع غزة.

خبيرة حقوقية عن حرية الصحافة في إسرائيل والأرض الفلسطينية المحتلة: قتل وإفلات من العقاب وبيئة قمعية

حقوق الإنسان

قالت أيرين خان مقررة الأمم المتحدة الخاصة المعنية بحرية الرأي والتعبير إن الصراع في غزة هو الأكثر فتكا وخطورة للصحفيين، حيث وصل عدد من قُتِل منهم أثناء الصراع هناك إلى نحو 140 وفقا للمكتب الإعلامي الحكومي في القطاع، وهو أعلى بكثير من أي رقم سجلته الأمم المتحدة في التاريخ الحديث أثناء النزاعات.

وفي حوار مع أخبار الأمم المتحدة، نبهت الخبيرة الحقوقية المستقلة* إلى أن ما يحدث في الأرض الفلسطينية المحتلة هو "تدهور خطير للغاية في حرية الإعلام والتعبير وحقوق الصحفيين".

وأضافت خان "هناك قتل وإفلات من العقاب وغياب لأي نوع من العدالة"، فضلا عن ارتفاع حالات الاعتقال والترهيب وإغلاق الطرق وقمع تغطية الأخبار الانتقادية. 

وقالت المقررة الخاصة "تحدثت مع بعض الصحفيين الذين قالوا لي إنهم عندما يرتدون ستراتهم التي طبعت عليها كلمة صحافة، فإنهم يشعرون بالخطر أكثر مما عليه الحال عندما لا يرتدونها".

وتطرقت إلى أوضاع الصحفيين في الضفة الغربية منبهة إلى أن "هناك أيضا بيئة قمعية وخطيرة للغاية"

وقالت إن هناك عددا من عمليات الاعتقال والاحتجاز التي طالت الصحفيين والمواطنين الصحفيين والمدافعين عن حقوق الإنسان وغيرهم مؤخرا، لمجرد انتقادهم  وأحيانا لمجرد تبادل المعلومات حول ما يحدث في غزة.

وعن وضع حرية الصحافة داخل إسرائيل، قالت خان "نرى أيضا خطابا تقشعر له الأبدان ونرى استهدافا لمختلف الأصوات الناقدة أو المدافعين عن حقوق الإنسان أو حتى وسائل الإعلام الإسرائيلية".

ودعت إسرائيل إلى التحقيق في حوادث استهداف الصحفيين، مجددة التأكيد على أهمية دور وسائل الإعلام أثناء الصراعات المسلحة، وحق الناس في معرفة ما يحدث.

فيما يلي النص الكامل للحوار مع مقررة الأمم المتحدة الخاصة المعنية بحرية الرأي والتعبير، أيرين خان.

مقررة الأمم المتحدة الخاصة المعنية بحرية الرأي والتعبير، إيرين خان.
UN News
مقررة الأمم المتحدة الخاصة المعنية بحرية الرأي والتعبير، إيرين خان.

أخبار الأمم المتحدة: قلتِ مع خبراء أمميين مستقلين آخرين إن غزة أصبحت الصراع الأكثر دموية وخطورة على الصحفيين في التاريخ الحديث. هل يمكنك أن تطلعينا على المزيد عن وضع الصحفيين في غزة اليوم بعد نحو سبعة أشهر من اندلاع الصراع هناك؟

إيرين خان: هذا صحيح. إنه بالفعل (الصراع) الأكثر فتكا وخطورة، وذلك لسبب واحد وهو العدد الكبير جدا من الوفيات التي نراها بين الصحفيين حيث وصل العدد حتى الآن إلى حوالي 140 صحفيا. ومن ثم فإنه في غضون نحو 200 يوم، قُتل 140 صحفيا، أي واحد كل يوم تقريبا. وهذا أعلى بكثير من أي رقم لقتل الصحفيين سجلته الأمم المتحدة في التاريخ الحديث نتيجة للصراع. وبطبيعة الحال، فإنه يعكس بشكل ما العدد الكبير جدا من المدنيين الذين قُتلوا في هذا الصراع. 

بالتأكيد، الصحفيون هم مدنيون وبحاجة إلى الحماية بموجب القانون الدولي الإنساني، لكنهم ليسوا مثل المدنيين الآخرين. فلا يمكنهم الهروب للعثور على ملجأ، بل من المفترض أن يقتربوا أكثر من القتال، فهم بحاجة للقيام بذلك من أجل أداء عملهم لنقل الأخبار، لذا فهم على وجه الخصوص معرضون للخطر. 

ووصلتني بعض المعلومات التي تشير إلى أنه يتم استهدافهم. وكما تعلمون، فإن استهداف مدني يعد جريمة حرب. وبالتالي، فإن استهداف صحفي يعد جريمة حرب. 

أخبار الأمم المتحدة: بالإضافة إلى ما ذكرتيه، وبموجب القانون الدولي  الإنساني وقانون حقوق الإنسان، ما هي الانتهاكات الأخرى التي تفيد التقارير بارتكابها ضد الصحفيين في غزة؟

إيرين خان: دعونا أولا نتذكر أن انتهاكات حقوق الصحفيين وانتهاكات حقوق الإنسان في الأرض الفلسطينية المحتلة لم تبدأ في 7 تشرين الأول/أكتوبر من العام الماضي. فهناك تاريخ طويل في هذا الصدد، وحتى عندما يتعلق الأمر بقتل الصحفيين، فقد تم ذلك في ظل الإفلات من العقاب. 

وحتى 7 تشرين الأول/أكتوبر، تم تسجيل مقتل حوالي 48 صحفيا في الأرض المحتلة، لم يجر التحقيق في أي منها أو إجراء محاكمة بشأنها. وهناك قضية الصحفية شيرين أبو عاقلة على سبيل المثل والتي قتلت منذ عامين تقريبا في جنين.

هناك قتل وإفلات من العقاب وغياب لأي نوع من العدالة. ولكن هناك أيضا ارتفاع في حالات الاعتقال والترهيب وإغلاق الطرق وقمع للتغطية الإخبارية الانتقادية. ومن ثم، هناك مجموعة كاملة من الانتهاكات الأخرى التي تحدث. 

وأضافت لجنة حماية الصحفيين الآن إسرائيل إلى قائمة أسوأ سجاني العالم نظرا للوضع في الأرض الفلسطينية المحتلة. هناك حوالي 39 صحفيا أو نحو ذلك معتقلين، وهذا يعني الاعتقال الإداري. ليس هناك إمكانية للمراجعة، ولا توجد إمكانية لنيل أي نوع من الخلاص من ذلك حتى تصبح إسرائيل مستعدة لإطلاق سراحهم. 

أعتقد أن ما نراه هو تدهور خطير للغاية في حرية الإعلام وحقوق الصحفيين وحرية التعبير.

أخبار الأمم المتحدة: إذا ركزنا أكثر على الوضع في الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية وحرية الصحافة هناك، خاصة منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر، هل لك أن تطلعينا أكثر على وضع حرية الصحافة والصحفيين هناك؟

إيرين خان: أنا سعيدة لأنكم تلفتون الانتباه إلى هذا الوضع بسبب المأساة الرهيبة التي تتكشف في غزة، وعمليات القتل والإبادة الجماعية وما إلى ذلك. 

هناك اهتمام أقل بالضفة الغربية. ولكننا نعلم أن هناك أيضا بيئة قمعية وخطيرة للغاية. وهناك عدد من عمليات الاعتقال والاحتجاز التي طالت الصحفيين والمواطنين الصحفيين والمدافعين عن حقوق الإنسان وغيرهم مؤخرا، لمجرد انتقادهم - وأحيانا لمجرد تبادل المعلومات - حول ما يحدث في غزة.

لقد كان الأمر صعبا في الماضي، ولكنه تفاقم بشكل كبير، ولا يحظى باهتمام المجتمع الدولي أو أي شخص آخر.

أخبار الأمم المتحدة: أعربتِ أنت وخبراء أمميون آخرون عن قلقكم من أن الصحفيين ووسائل الإعلام في إسرائيل والدول الغربية الذين ينشرون تقارير تنتقد السياسات والعمليات الإسرائيلية في الأرض المحتلة أو يعبرون عن آراء مؤيدة للفلسطينيين، كانوا هدفا للتهديدات والترهيب والانتقام. ما هي آخر ملاحظاتكم وتعليقاتكم في هذا الشأن وخاصة بشأن الوضع داخل إسرائيل؟

إيرين خان: داخل إسرائيل، نرى أيضا خطابا تقشعر له الأبدان ونرى استهدافا لمختلف الأصوات الناقدة أو المدافعين عن حقوق الإنسان أو حتى وسائل الإعلام الإسرائيلية. وتم مؤخرا اعتماد قانون يسمح بالحظر حيث تحاول السلطات الإسرائيلية حظر الجزيرة الآن، وهي وسيلة الإعلام الدولية الوحيدة التي تعمل في غزة.

وفي نفس الوقت، لم تسمح إسرائيل لأي وسيلة إعلام دولية بالدخول إلى غزة. ويعد هذا انتهاكا لحرية التعبير وحق وسائل الإعلام في حالات الحرب. ما يزعجني كثيرا ويقلقني بشدة هو أننا لا نرى هذا النوع من الاستياء الذي ينبغي من قِبل بلدان أخرى تجاه هذا الوضع.

هذا أمر مروع للغاية أنه في هذا اليوم وهذا العصر، لدينا هذا المستوى العالي من انتهاكات القانون الدولي الإنساني، وقضايا يمكن أن ترقى في الواقع إلى مستوى الإبادة الجماعية وجرائم الحرب، ووسائل الإعلام الدولية محظورة، وصحفيون محليون يخاطرون بحياتهم ويتعرضون للقتل، بينما لا يوجد ضغط كاف على إسرائيل لدفعها إلى الاهتمام بالتزاماتها الدولية.

أخبار الأمم المتحدة: ما هي دعواتكم وتوصياتكم لحماية الصحفيين، سواء في الأرض الفلسطينية المحتلة أو إسرائيل، من الاستهداف أو تكميم الأفواه أو الاضطهاد؟

إيرين خان: أولا، أعتقد أنه يتعين على إسرائيل التحقيق فيما يحدث. وعلى إسرائيل كطرف في هذا الصراع، التزام بالتحقيق. وإذا كانت هناك أية أخطاء، على سبيل المثال، كعمليات القتل العرضي، فيمكنهم معرفة ما يحدث، وإذا كان الجنود لم يتلقوا التعليمات المناسبة فيجب على إسرائيل أن تعطيهم التعليمات المناسبة حول حماية الصحفيين. 

لقد تحدثت مع بعض الصحفيين الذين قالوا لي إنهم عندما يرتدون ستراتهم التي طبعت عليها كلمة "صحافة"، فإنهم يشعرون بالخطر أكثر مما عليه الحال عندما لا يرتدونها. لذلك، يمكنك فهم نوع الخوف الذي ينشأ هنا.

ومن ثم، أولا وقبل كل شيء، يجب على إسرائيل التحقيق. وإذا فشلت في التحقيق، فأعتقد أنه على المجتمع الدولي والدول الأعضاء بالأمم المتحدة، وخاصة تلك القريبة من إسرائيل، مثل الولايات المتحدة، أن تمارس الضغط على إسرائيل. 

ثانيا، أعتقد أن المحكمة الجنائية الدولية تنظر بالفعل في هذه القضايا. أعتقد أنهم بحاجة إلى تسريع عملهم وخصوصا عندما يتعلق الأمر بالصحفيين لأنه يتعين عليهم الاستمرار في تعريض أنفسهم لتلك المخاطر نفسها مرارا وتكرارا. 

وأعتقد أنه يجب محاسبة إسرائيل. يجب أن تكون هناك قواعد بشأن التحقيق، واكتشاف الجناة، وتوفير بعض التدابير التعويضية. 

لقد تحدثت في تقريري عن حرية التعبير في النزاعات المسلحة عن الحق في الحصول على المعلومات كحق للناجين في الصراعات المسلحة. والمواطنون العاديون في غزة، الأشخاص الذين يعيشون هناك بمن فيهم النساء والشيوخ والشباب بحاجة إلى معرفة ما يحدث من أجل الحفاظ على سلامتهم. هم بحاجة إلى معرفة طبيعة القتال الذي يجري، وما يحدث في الأماكن التي تركوها.

والعالم أيضا بحاجة إلى أن يعرف. ولهذا السبب، لعبت وسائل الإعلام هذا الدور المهم في الصراعات المسلحة، من خلال وجودها والوصول إليها.

هناك طرق مختلفة لوقف ذلك، وجربت إسرائيل كل هذه التكتيكات لإبعاد وسائل الإعلام عبر عدم السماح لهم بالدخول. ولكن أولئك الموجودين - وفي هذه الحالة بالذات الصحفيون المحليون في غزة الذين يضعون حياتهم على المحك – يتم قتلهم واسكاتهم وتدمير قدرتهم على نقل الخبر والكشف عما شاهدوه.

وهذا الأمر له تداعيات هائلة ليس فقط على ما يحدث الآن، ولكن على المستقبل، عندما تكون هناك محاسبة كاملة على المستوى الدولي، عن هذا الصراع في غزة.

*يشار إلى أن المقررين الخاصين والخبراء المستقلين، يعينون من قبل مجلس حقوق الإنسان في جنيف وهي جهة حكومية دولية مسؤولة عن تعزيز وحماية حقوق الإنسان حول العالم. ويكلف المقررون والخبراء بدراسة أوضاع حقوق الإنسان وتقديم تقارير عنها إلى مجلس حقوق الإنسان. وتجدر الإشارة إلى أن هذا المنصب شرفي، فلا يعد أولئك الخبراء موظفين لدى الأمم المتحدة ولا يتقاضون أجرا عن عملهم.