منظور عالمي قصص إنسانية

حوار من غزة: مستوى الدمار يستعصي على الفهم كما لو أن الحياة لم تنبض هنا من قبل

لويز ووتريدج، قسم الإعلام في الأونروا، تتحدث مع الدكتورة سلافة التي تعمل مع الأونروا في رفح، جنوب غزة.
UNRWA/Louise Wateridge
لويز ووتريدج، قسم الإعلام في الأونروا، تتحدث مع الدكتورة سلافة التي تعمل مع الأونروا في رفح، جنوب غزة.

حوار من غزة: مستوى الدمار يستعصي على الفهم كما لو أن الحياة لم تنبض هنا من قبل

المساعدات الإنسانية

"في غزة فقد الناس تماما الإحساس بالأمان وهم يعيشون الآن في خوف كبير مما سيحمله لهم المستقبل، ويتساءلون باستمرار عما إذا كانوا سينزحون مرة أخرى. ورغم ذلك فهم متمسكون بأمل وقف إطلاق النار". صورة رسمتها لنا لويز ووتريدج من قسم الإعلام في الأونروا.

في حوار مع أخبار الأمم المتحدة قالت ووتريدج إن مستوى الدمار الذي لحق بقطاع غزة يستعصي على الفهم، مشيرة إلى أن المنازل تمت تسويتها بالأرض فبدت كما لو أنها لم تُسكن أو كانت بها حياة من قبل.

عملت لويز ووتريدج مع الأونروا في غزة من قبل وقد عادت الآن في مهمة إلى القطاع، لكنها تقول إن غزة الآن ليست هي غزة التي عرفتها جيدا. تحدثت ووتريدج لأخبار الأمم المتحدة عبر الفيديو من رفح حيث رسمت صورة قاتمة لحجم الدمار الذي لحق بقطاع غزة بعد أكثر من ستة أشهر من الحرب.

لويز ووتريدج: منذ حوالي ساعة، وقع انفجار قريب جدا من مكاتبنا هنا في رفح. لا أعرف الكثير عن تفاصيل الانفجار، ولكن هذا يظهر أنه بعد مرور سبعة أشهر أو أكثر على هذه الحرب، لا يزال الوضع خطيرا للغاية ولايزال القتال نشطا للغاية. ولا يزال الخطر يحيق بالكثير من الناس بصورة يومية.

أخبار الأمم المتحدة: مؤخرا زرت عدة أجزاء من غزة، لنبدأ بزيارتك إلى جباليا في الشمال. شاركت مقاطع فيديو للدمار الذي شاهدتموه في الطريق إلى الشمال. هل يمكنك أن تخبرينا بالمزيد عن ذلك؟

لويز ووتريدج: زرت خلال اليومين الماضيين مدينة غزة ومخيم جباليا وكذلك خان يونس. كنت أعرف قطاع غزة جيدا، لأنني عملت مع الأونروا في المنطقة خلال السنوات الأربع الماضية، ولكن هذه هي المرة الأولى لي في القطاع منذ بدء الحرب. حجم الدمار الذي رأيته غير معقول. ذهبنا في مهمة مشتركة مع الأونروا إلى مخيم جباليا. تعمل الوكالات الإنسانية بشكل وثيق جدا في الشمال، وتحاول توسيع نطاق توزيع المواد الغذائية هناك. 

ما رأيته في الطريق إلى هناك كان صادما للغاية بالنسبة لي على الصعيد الشخصي، فهذه المدينة التي عرفتها طوال هذه السنوات قد سويت بالأرض تماما. كنت أنظر من نافذة السيارة وأرى أن كل شيء حولي مدمر تماما. كانت هناك منازل يمكنك رؤية بعض الصور على الحيطان، وملابس متناثرة ولكن لا أحد هناك على الإطلاق في أي مكان. كان الأمر مؤلما للغاية، وكانت تجربة صادمة حقا أن أشاهد حجم الدمار الذي حدث. تنظر إلى اليمين فلا ترى غير الدمار وتنظر إلى الشمال فلا ترى غير الدمار. ليس بوسع العقل أن يستوعب ذلك. كانت تجربة صعبة حقا أن ترى أن بعض الناس لا يزالون يعيشون هناك. 

ليس بوسع العقل أن يستوعب كل هذا الدمار. لقد كانت تجربة صعبة حقا

في جباليا، بدأت الأسواق تنتعش وبدأ المزيد من الناس يتجمعون. الأخبار السارة حقا خلال رحلتنا هذه هي أنه يبدو أن البضائع التجارية بدأت تتدفق إلى السوق خلال الأسابيع القليلة الماضية. لذلك كان هناك الكثير من الناس في الأسواق. زملائي قالوا إن الوضع كان يبدو مختلفا تماما قبل أسابيع. كان الناس جائعين جدا وخائفين جدا. لم يكن هناك الكثير من الطعام المتاح. عندما ذهبنا في نهاية هذا الأسبوع، كان من الإيجابي للغاية أن نرى أن ذلك قد تغير إلى حد ما. ستواصل الوكالات العمل للتأكد من حصول الناس في الشمال على الغذاء الذي يحتاجونه بعد كل هذا الوقت الذي أمضوه بدون طعام.

أخبار الأمم المتحدة: هل تمكنت الأونروا من تقديم أي مساعدة خلال هذه الرحلة إلى جباليا؟

لويز ووتردج: كانت الرحلة بهدف التقييم. والوقوف على حالة مرافق الأونروا التي تضررت خلال هذه الحرب. لقد تعرضت 165 منشأة في مختلف أنحاء قطاع غزة للهجوم أو لأضرار. لذلك نحن بحاجة إلى بعض المساحة وبعض المستودعات كي نتمكن من تخزين الطعام ومن ثم توزيعه على الناس. لذلك كانت هذه الرحلة على وجه الخصوص بمثابة تقييم لحالة تلك المنشآت. في بعض المرافق التي زرناها، كان هناك مستودع واحد تملأ سقفه ثقوب الرصاص. وبعضها كانت بلا جدران في حالة سيئة للغاية، وقد تعرضت لأضرار بالغة. 

قمنا أيضا بزيارة زملائنا. لقد كنت مع سكوت أندرسون مدير شؤون الأونروا بالإنابة في غزة، والذي التقى مع زملائنا في جباليا، ممن كانوا يديرون الخدمات الصحية طوال فترة الحرب. لدينا مجموعة من الزملاء الرائعين الذين ما زالوا يعملون يوميا هناك. هم أنفسهم نازحون. لقد تحدثت مع بعض النساء في المجموعة وكان الأمر مريرا. لقد فقد الناس كل شيء. ويتحدثون عن أن منازلهم باتت بلا جدران وما زالوا يعيشون فيها. لقد قضوا وقتا طويلا جدا بدون طعام. تحدثوا عن الصعوبات التي واجهوها أثناء الذهاب إلى العمل وخدمة المجتمع، ثم العودة إلى المنزل لأطفالهم في المساء.

 كانوا يعملون كل هذا الوقت في محاولة لتوفير الطعام لعائلاتهم. لقد أمضوا وقتا مروعا حقا خلال هذه الحرب، وكان من المهم جدا بالنسبة لنا قضاء بعض الوقت معهم والتحدث إليهم والاستماع إلى مخاوفهم وتحدياتهم، لأنه لا يزال هناك الكثير من التحديات التي يواجهونها في شمال غزة.

لويز ووتريدج، قسم الإعلام في الأونروا، في زيارة ميدانية إلى رفح، جنوب غزة.
UNRWA/Louise Wateridge

 

أخبار الأمم المتحدة: هل يشعرون بأنهم أكثر أمنا نوعا ما الآن؟

لويز ووتريدج: لا أحد يشعر بالأمان على الاطلاق. لم يكن هناك أي شعور بالأمان. كان هناك شعور بالارتياح البسيط لوجود المزيد من الطعام. كان الناس متفائلين جدا لمجرد رؤية الأونروا وبرنامج الأغذية العالمي في الشمال، كانوا متفائلين جدا بهذه الفرصة لأن تساعد المنظمات على توسيع توزيع الغذاء في المنطقة. لكنهم متعبون. إنهم متعبون للغاية. إنهم خائفون للغاية. لقد مروا بأكثر مما يمكن تخيله خلال الأشهر الماضية. وهم خائفون جدا بشأن ما يحمله الغد. وهم خائفون من احتمال حدوث أي عمل عسكري. إنهم خائفون من أن يتم تشريدهم مرة أخرى. لا أحد يشعر بالأمان هنا.

أخبار الأمم المتحدة: أخبرينا عن رحلتكم إلى خان يونس؟

لويز ووتريدج: بالأمس كنا في مهمة مشتركة بين وكالة الأونروا ودائرة الأمم المتحدة المعنية بالألغام. كانت مهمة للتقييم ولتمشيط المنطقة بحثا عن أي شظايا محتملة، أو أي ذخائر محتملة غير منفجرة. لقد كان مروعا حجم الدمار الذي رأيناه في مرافق الأمم المتحدة. زرنا مركزا للتدريب المجتمعي وعيادة صحية تابعة للأونروا ومدرستين. أنا أعرف كل هذه المرافق من قبل الحرب. لذلك كان من المروع رؤية الحالة التي أصبحت عليها هذه المرافق الآن. والشيء الذي صدمني حقا هو أنه كان من الواضح جدا مدى سرعة فرار الناس من هذه المرافق. نحن نتحدث عن أربعة مجمعات ضخمة للأونروا كان يحتمي بها عشرات الآلاف من الأشخاص وبين عشية وضحاها تقريبا، اضطروا إلى الإخلاء. وكان هناك تحذير من القوات الإسرائيلية بإخلاء مدينة خان يونس وإخلاء هذه المنشآت. 

 كانت هناك رسالة كتبت على الحائط فوق أحد هذه القبور تقول: يا مروة، أختك تفتقدك وتحبك

أثناء التجوال في هذه المرافق يوم أمس كانت هناك أحذية أطفال متناثرة ومتعلقات شخصية مثل فرش الأسنان والشعر، والملابس، والجوارب، وبقايا الطعام. يبدو أن الناس قد تركوا هذه الأشياء بسرعة كبيرة جدا. ولم تكن لدى أحد رفاهية حزم أمتعتهم، لأن هؤلاء الأشخاص الموجودين في مرافقنا في ذلك الوقت كانوا نازحين بالفعل ولذلك لم يكن لديهم الكثير من الأشياء ولكن مع ذلك، لا يزال هناك الكثير الذي تركوه وراءهم. 

شارك بعض زملائنا هناك في مركز التدريب في خان يونس تجاربهم والرعب الذي انتابهم لقد كان عليهم الإخلاء في غضون ساعات. وكان من الصعب رؤية القبور التي لا تحمل علامات في زاوية منشآتنا في مركز التدريب المجتمعي. وكانت بعض القبور لأطفال، وكانت هناك رسالة كتبت على الحائط فوق إحدى هذه القبور تقول: "يا مروة، أختك تفتقدك وتحبك".

لا يمكنك أن تصدق أنها منشأة تابعة للأمم المتحدة. لا يمكنك أن تصدق أن هذا مكان اعتقد الناس أنهم آمنون فيه. تم هدم جدران المبنى بالكامل. ثقوب الرصاص في كل غرفة. تقريبا كل الفصول الدراسية. لقد تم تدمير الكثير من الجدران الخارجية بالكامل. كان هناك ضرر واضح في الأسقف. لذا فإن التجربة برمتها كانت مدمرة، مستوى الدمار يستعصي على الفهم. تمت تسوية المنازل بالأرض ولا يمكنك أن تصدق أن أناسا عاشوا هنا من قبل وأن الحياة كانت تنبض هناك.

سكوت أندرسون القائم بأعمال مدير شؤون الأونروا في غزة، يزور مخيم جباليا للاجئين، شمال القطاع.
UNRWA

 

أخبار الأمم المتحدة: ما حالة زميلنا المصور الصحفي عبد الله الذي نجا من قصف في الشمال أدى إلى بتر ساقيه، وهو الآن في الدوحة لتلقي العلاج؟

لويز ووتريدج: تلقينا بعض الأخبار السارة عنه هذا الأسبوع، وقد تم إجلاؤه من غزة، وهو الآن في الدوحة. يشعر الجميع في الوكالة بالارتياح أنه تم إجلاؤه وعائلته من غزة. رأيته يوم الثلاثاء مع بعض الزملاء ممن كانوا يزورونه بانتظام في مستشفى ميداني في رفح. 

كان بحاجة إلى إجراء عملية جراحية إضافية لم تكن ممكنة في مدينة غزة. نشعر بارتياح كبير لأنه سيتمكن الآن من تلقي هذا العلاج. لقد مر بتجربة مروعة منذ القصف الذي حدث في الشمال في شهر شباط/فبراير، وبعد ذلك تم نقله إلى مستشفى الشفاء لتلقى العلاج، وكان هذا المستشفى تحت حصار القوات الإسرائيلية لمدة أسبوعين، وكان عبد الله داخله طوال مدة هذا الحصار. ليس بوسعنا أن نتخيل ما مر به عبد الله، ونحن جميعا ممتنون جدا لأنه يتلقى الآن العلاج الذي يحتاجه.

أخبار الأمم المتحدة: أخيرا، في بداية هذه المقابلة، قلت إن هذه ليست المرة الأولى لك في غزة. ما الذي يتبادر إلى ذهنك عندما ترين كل هذا الدمار وتتذكرين تجاربك السابقة؟ وما هي رسالتك؟

ينتاب الناس الكثير من الخوف وهم يتساءلون: هل سنتعرض للنزوح مرة أخرى؟ ما الذي سيحدث لنا الليلة؟

لويز ووتريدج: غزة كانت دائما بالنسبة لي مكانا رائعا للعمل. الزملاء هنا هم من أفضل من عملت معهم على الإطلاق، ليس فقط في الأونروا، ولكن في أي مكان في العالم. أشعر بالفخر لوجود هؤلاء الزملاء والأصدقاء في حياتي. ومن المروع رؤية الحياة التي يعيشونها الآن. بالنسبة للجميع يبدو كما لو أن الحياة قد انتهت ثم بدأ شيء آخر. 

لويز ووتريدج، قسم الإعلام في الأونروا، مع زميلها حسين في زيارة ميدانية إلى رفح، جنوب غزة.
UNRWA/Louise Wateridge

كان زميلي حسين يريني صور ومقاطع الفيديو لشقته الجديدة التي كان سينتقل إليها في بداية شهر تشرين الأول/أكتوبر. لقد أراني فيديو للمبنى اليوم، وهو مدمر بالكامل. هذا المنزل في مدينة غزة هو مجرد واحد من منازل كثيرة تدمرت في غزة. كل شخص لديه نفس القصة حيث ينامون الآن تحت أغطية بلاستيكية، يتكدسون فيها مع جميع أفراد العائلة والجيران. ولا أحد يعرف ما سيحمله المستقبل. الجميع متعب بشكل واضح. أعرف الكثير من الوجوه المألوفة هنا، لكنهم جميعا يبدون مختلفين تماما بعد الأشهر الستة والنصف الماضية. من الصعب جدا شرح مدى الاستنزاف، ويمكنك فقط رؤية المعاناة التي مر بها الكثير من الناس. 

لقد فقدوا الكثير من الوزن. تغير الجميع بشكل ملحوظ في فترة زمنية قصيرة جدا. إنهم جميعا متعبون جدا من جراء كل ما حدث. وأعتقد أن المشكلة الأكبر هي أنهم لا يعرفون ما سيحمله الغد. هناك الكثير من الخوف مما سيأتي. يتساءلون: هل سنتعرض للنزوح مرة أخرى؟ ما الذي سيحدث لنا الليلة؟ هناك خوف كبير على أطفالهم. ظل هؤلاء الأطفال خارج المدرسة الآن لمدة عام دراسي كامل تقريبا. الأطفال الصغار لا يعرفون الحروف الهجائية ولا الأرقام. إنهم لا يعرفون الأشياء الأساسية التي كان ينبغي عليهم تعلمها هذا العام. وقد حل الخوف من القصف مكان التعليم. يخشون من فقدان منازلهم وأفراد من أسرهم. يعيشون في بيئة مخيفة جدا جدا جدا بلا أي نوع من الاستقرار أو الأمل في المستقبل القريب.

هناك أمل كبير في حدوث وقف لإطلاق النار. يتساءل الناس يوميا عما إذا كان إطلاق النار سيتوقف؟ ولا يسعنا إلا أن نأمل في ذلك. هذا هو الأمل الذي يتمسك به الجميع.