منظور عالمي قصص إنسانية

"خسارة حياتهم تعني خسارة قوى عاملة ومهارات"، خبيرة في منظمة العمل الدولية عن الحرب في غزة

"خسارة حياتهم تعني خسارة قوى عاملة ومهارات"، خبيرة في منظمة العمل الدولية عن الحرب في غزة

تنزيل

قالت خبيرة في اقتصاد العمل في منظمة العمل الدولية إن العديد من الأسر ستواجه كثيرا من الصعوبات الاقتصادية وخصوصا تلك التي فقدت أو ستفقد معيلها بسبب الحرب في غزة، محذرة من أن العديد من تلك الأسر قد تلجأ إلى وسائل أخرى لكسب قوت يومها بما في ذلك انخراط الكثير من النساء والأطفال في سوق العمل.

ونبهت آيا جعفر، الخبيرة في اقتصاد العمل في منظمة العمل الدولية في المكتب الإقليمي للدول العربية إلى أن هذا الأمر يعني انتشار ظاهرة عمل الأطفال مما سيؤثر عليهم وعلى مستقبل دولة فلسطين واقتصادها.

جعفر كانت تتحدث لأخبار الأمم المتحدة عن تداعيات الحرب في غزة والوضع في الضفة الغربية على سوق العمل والاقتصاد الفلسطيني بشكل عام على ضوء التقرير الأخير الذي أصدرته منظمة العمل الدولية بالتعاون مع الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني وحمل عنوان "تأثير الحرب في غزة على سوق العمل وسبل العيش في الأرض الفلسطينية المحتلة: النشرة رقم 3".

إليكم نص الحوار الكامل مع آيا جعفر، الخبيرة في اقتصاد العمل في منظمة العمل الدولية في المكتب الإقليمي للدول العربية.

أخبار الأمم المتحدة: كنتِ في طليعة الفريق الذي أعد النشرة الأخيرة التي أصدرتها منظمة العمل الدولية وأظهرت التأثير الهائل للحرب في غزة على سوق العمل وسبل العيش في الأرض الفلسطينية المحتلة. إذا بدأنا بالوضع في غزة، ما هي أبرز النتائج والأرقام التي خلص إليها تقييمكم؟

آيا جعفر: من حيث النتائج الرئيسية، أشارت تقديراتنا إلى أن أكثر من حوالي 200 ألف وظيفة قد فُقدت في قطاع غزة نتيجة للحرب، وهذا نتيجة فقدان للكثير من الوظائف، حوالي 90% من الوظائف في القطاع الخاص، وحوالي 15% من الوظائف في القطاع العام، وخسارة وظائف جميع العمال من غزة الذين كانوا يعملون في الاقتصاد الإسرائيلي.

وهذه الخسائر في الوظائف تترجم إلى خسائر كبيرة أيضا في الدخل اليومي للأفراد. نتحدث عما يقدر بحوالي 3.3 مليون دولار أميركي، وهذا دون أن نأخذ في عين الاعتبار خسائر الدخل نتيجة الدفع الجزئي لموظفي القطاع العام أو انخفاض دخل العاملين في القطاع الخاص. 

فإذا أخذنا بعين الاعتبار هذه الخسائر أيضا، نرى أن خسائر الدخل اليومية في قطاع غزة وحده ترتفع إلى حوالي 4.1 مليون دولار.

أخبار الأمم المتحدة: إذا حللنا تلك الأرقام، ما هي القطاعات ونوعية الوظائف الأكثر تأثرا بالصراع في غزة؟

آيا جعفر: بشكل عام بسبب صعوبة هذا الصراع وشدة هذا الصراع، كل القطاعات تقريبا تأثرت وبشكل كبير وسجلت تراجعا حادا بالقيمة المضافة إليها ينعكس بشكل مباشر على الوظائف والتشغيل. 

لكن إذا نظرنا مجددا إلى النشرة التي وضعناها، نرى أن قطاع الإنشاءات أو البناء سجل التراجع الأكبر بنسبة حوالي 96% في الربع الرابع من العام 2023 بالمقارنة مع الربع نفسه من عام 2022. 

نفس الشيء تراجع قطاع الزراعة بنسبة حوالي 93%، يليه القطاع الصناعي الذي تراجع بنسبة 92%. وأخيرا قطاع الخدمات تراجع بحوالي 77% بالمقارنة مجددا مع الربع الأخير من عام 2022.

أخبار الأمم المتحدة: وما هي القطاعات التي ما زالت بها بعض الوظائف رغم الظروف الصعبة؟

آيا جعفر: بالرغم من أن الحياة الاقتصادية في غزة تدمرت بشكل شبه كامل، وبالرغم من أن جهاز الإحصاء يقول إن قطاع غزة يشتغل حاليا بطاقة إنتاجية قدرها ربما 14% فقط، إلا أنه لا شك أن هناك بعض القطاعات الحيوية اضطرت أن تستمر في العمل خلال الحرب. هنا نحكي عن القطاع الصحي وبعض المخابز والمحال التي تبيع مواد أولية يحتاجها الناس من طعام، وأكيد جزء من قطاع التجارة الداخلية ضروري لسد احتياجات الناس من الغذاء والدواء وغيره. 

لكن بشكل عام، القطاعات جدا تأثرت وبشكل كبير باستثناء هذه القطاعات، وأعداد قليل من العمال، يعني فقط 10% من العمال في القطاع الخاص ما زالوا يعملون بحسب آخر التقديرات.

أخبار الأمم المتحدة: هل تطرقت إلى تأثير الخسائر في الأرواح والإصابات طويلة الأمد على سوق العمل في غزة بعد أن تنتهي الحرب؟ 

آيا جعفر: لم نتطرق لهذا الموضوع بشكل مباشر. ولكن إذا نظرنا إلى الخسائر في الأرواح، لا شك أن هناك من بينهم أشخاصا كانوا يعملون قبل الحرب. لذلك لا شك أنه كان هناك تأثير. هناك تأثير على حجم القوى العاملة المتاحة في غزة. 

إذا نظرنا إلى بدقة إلى الإحصاءات، نرى أن غالبية الشهداء للأسف كانوا من النساء والأطفال، وكان هناك أكيد أيضا عدد من الأشخاص كبار السن. 

في الغالب هذه الفئات هي فئات لا تعمل، حتى النساء إذا نرى مؤشرات ما قبل الحرب نرى أن تقريبا فقط 5% من النساء في سن العمل كانوا يشتغلون. 

وبالتالي إذا نظرنا إلى هذه الفئة بشكل خاص، لا نرى أن هناك الكثير من الانخفاض في قوة العمل الموجودة. 

ولكن حوالي 25% للأسف من الشهداء كانوا من الرجال في سن العمل، وكثير منهم قبل الحرب أكيد كان يعملون. وبالتالي خسارة حياتهم تعني خسارة قوى عاملة، تعني خسارة مهارات، تعني أن جميع القطاعات سوف تتأثر في المستقبل خاصة تلك القطاعات التي تعتمد على هكذا مهارات وعلى هكذا قوى عاملة، مما يعني أنه نحن بحاجة إلى المزيد من البرامج لتنمية المهارات وضمان سد الفجوة في القطاعات التي ستتأثر أكثر من غيرها. 

وهنا أيضا مهم أن ننتبه إلى أنه هناك الكثير من الأسر خاصة الأسر التي ستخسر رب العائلة أو المعيل وهو عادة رجل، سيواجهون كثيرا من الصعوبات الاقتصادية. 

وهناك كثير من هذه الأسر سوف تلجأ إلى وسائل أخرى لإعالة أنفسها ولإعالة أسرها، منها مثلا ذهاب الكثير من النساء والأطفال إلى سوق العمل. 

وهنا مشكلة انتشار ظاهرة عمل الأطفال تصبح مقلقة لأنه هؤلاء الأطفال بدلا من أن يدرسوا، يدخلون إلى سوق العمل. سيتأثرون هم شخصيا وسوف تتأثر مهاراتهم، وسيؤثر ذلك على مستقبل فلسطين والاقتصاد في فلسطين. 

هذا إلى جانب موضوع الإصابات طويلة الأمد والتي يمكن أن تؤدي إلى إعاقات تؤثر على قدرة الأفراد على العمل، وبالتالي يمكن أن تؤدي إلى نقص في العمالة ومهارات معينة مطلوبة في قطاعات معينة.

أخبار الأمم المتحدة: إذا انتقلنا إلى الضفة الغربية، يشير التقرير إلى أنه تم فقدان أكثر من 300 ألف وظيفة، أي ما يعادل أكثر من ثلث إجمالي العمال في الضفة، حيث تأثرت الظروف الاقتصادية بشدة. ما هي القطاعات الأكثر تضررا في هذا الشأن؟ 

آيا جعفر: للأسف، الضفة الغربية لم تسلم، وبالرغم من أن الحرب لم تصر مباشرة في الضفة الغربية، إلا أن الاقتصاد تأثر بشكل كبير جدا. 25% من العمالة في القطاع العام قد فقدت. 

من حيث القطاعات المتأثرة إذا نظرنا إلى القطاعات العامة، نرى أنه مجددا قطاع الإنشاءات كان الأكثر تأثرا، وانخفضت القيمة المضافة فيه بنسبة 27% في الربع الرابع من العام 2023 بالمقارنة مع الربع الرابع من العام 2022، يليه قطاع الصناعة حيث أيضا انخفضت القيمة المضافة بنسبة 24% تقريبا، ومن ثم قطاع الخدمات الذي شهد أيضا انخفاضا بنسبة حوالي 21% في القيمة المضافة، وأخيرا قطاع الزراعة الذي كان ربما الأقل تأثرا، ولكن انخفضت القيمة المضافة فيه بنسبة 12%. 

وفيما يتعلق بقطاع الزراعة بشكل خاص، أريد أن أذكر أن هناك كثيرا من الأشخاص خاصة في فترات الحرب وفترات الصراعات يخسرون وظائفهم بقطاعات أخرى فيلجأون إلى قطاع الزراعة لتدبير أمورهم إلى أن تتحسن الأوضاع. وهذا الواقع أعتقد شهدته الضفة الغربية. هناك أراض زراعية لم يكن يعمل بها الفلسطينيون، لأنها ربما لم تعطهم مردودا مرتفعا. ولكن مع خسارة وظائفهم في قطاعات أخرى، اضطروا أن يلجأوا للعمل على حسابهم الخاص في الزراعة لتدبير أمرهم حتى يتحسن الوضع. 

أخبار الأمم المتحدة: طيب ما هي تبعات تلك الخسائر في سوق العمل على الاقتصاد الفلسطيني بشكل عام؟

آيا جعفر: بشكل عام، بحسب الإحصاءات الأخيرة نرى أنه في الربع الرابع من العام 2023 يقدر أنه الناتج الإجمالي المحلي في الأرض الفلسطينية المحتلة بشكل عام انخفض بمقدار الثلث تقريبا بالمقارنة مع الربع نفسه من العام 2022.

في غزة انخفض الناتج المحلي بنسبة 80%، وفي الضفة الغربية انخفض بنسبة 22%.

في نشرتنا الأخيرة، جربنا التنبؤ بما سيحدث في عام 2024. وكي نقوم بذلك، نظرنا في سيناريوهين. أول سيناريو يفترض أن الحرب ستستمر حتى نهاية آذار/مارس 2024. وثاني سيناريو يفترض أن الحرب ستستمر حتى نهاية حزيران/يونيو 2024.

 في السيناريو الأول، أظهرت النتائج أنه من المتوقع أن ينكمش الاقتصاد في فلسطين بنسبة حوالي 10% في عام 2024، وسيؤدي ذلك إلى انخفاض أكيد بدخل الفرد بنسبة حوالي 12%. 

في السيناريو الثاني، أظهرت النتائج أنه من الممكن أن ينخفض الاقتصاد إذا استمرت الحرب حتى أواخر شهر حزيران/يونيو بنسبة 15%، وهو ما سيترجم إلى انخفاض بدخل الفرد بنسبة 17%. وبالتالي نحكي عن خسائر جدا كبيرة وجدا هائلة سيتكبدها الاقتصاد الفلسطيني وستحتاج ربما إلى أعوام أو عقود حتى يتم معالجتها.

أخبار الأمم المتحدة: ما هي توصياتهم لتنشيط سوق العمل في الأرض الفلسطينية المحتلة والتخفيف من آثار تلك الخسائر على المدى الطويل؟ 

آيا جعفر: بشكل عام ما نحتاجه هو حلان. الحل السياسي وهو وقف الحرب بشكل كامل ووقف الصراع حتى نستطيع القيام بالعمل الإنساني والتنموي بشكل جيد. 

أما الحل الثاني، وهو الحل الاقتصادي الذي من خلاله يجب على جميع الجهات أن تعمل معا من أجل وضع استراتيجيات اقتصادية تهدف ليس فقط إلى دعم النمو الاقتصادي في فلسطين، وإنما أيضا إلى خلق وظائف ووظائف لائقة توفر أجورا لائقة للعمال في بيئة عمل لائقة، هذا بشكل عام. 

ولكن عندما نفكر في التعافي، يجب أن تركز جميع الجهود على بناء مستقبل أفضل، وتقديم الدعم للعمال والشركات. يجب نأخذ بعين الاعتبار الجهتين لأنهم تضرروا. 

على المدى القصير، يجب وضع برامج إعمار وبرامج توظيف طارئة لتقديم أو توفير الدخل للأفراد الذين خسروا وظائفهم ومساعدتهم على إعالة أنفسهم وعائلاتهم. وأذكر هنا برامج البنية التحتية المكثفة أو كثيفة العمالة التابعة لمنظمة العمل الدولية التي من ناحية تهدف إلى خلق وظائف للمجتمعات المحلية، ومن ناحية أخرى تهدف إلى تطوير وإعادة إعمار البنية التحتية التي تدمرت مع التركيز أكيد على مبادئ العمل اللائق؛ أي تكون هذه الوظائف وظائف لائقة تقدم أجورا لائقة في ظل ظروف عمل لائقة، هذا من ناحية العمال. 

ولكن أيضا يجب أن ننظر إلى حاجات الشركات، وحاجات الأشخاص الذين يعملون لحسابهم الخاص، والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة الحجم التي تضررت بشكل كبير، ومساعدتها إن كان من خلال المنح أو من خلال برامج دعم الأجور كي تقدر على استعادة نشاطها الاقتصادي، وتحافظ على عمالها أو حتى توظف المزيد من العمال. 

بالإضافة إلى ذلك، نحن بحاجة إلى برامج لتطوير المهارات والتدريب المهني لتنمية مهارات الأشخاص وتنمية مهارات الباحثين عن عمل، وضمان أن المهارات التي هم يمتلكونها تتناسب مع حاجات سوق العمل. فإذا كما نتكلم عن مشاريع إعادة بناء وإعادة إعمار البنى التحتية، فنحن بحاجة للمهارات التي تتناسب معها. 

وأكيد بالمستقبل عندما ننتقل من هذه المشاريع إلى مشاريع أخرى، يجب النظر أكيد إلى مهارات مطلوبة في قطاعات أخرى ربما القطاعات المتعلقة بمستقبل العمل مثل القطاع الأخضر أو القطاع التكنولوجي، ولكن أكيد على مراحل. 

هناك أشياء ضرورية يجب أن نعمل عليها في المدى الزمني القصير، وأشياء يمكن أن تنتظر قليلا. 

وأكيد برامج الحماية الاجتماعية، ودعم الأجور، ودعم الأشخاص الذين خسروا وظائفهم، ودعم الأشخاص الذين تعرضوا لنوع من الإعاقة، وخدمات التوظيف، كل هذه البرامج جدا مهمة. 

ونحن كمنظمة عمل دولية دائما نحرص على العمل مع الشركاء الاجتماعيين مع الحكومة، بما في ذلك غرف التجارة والنقابات العمالية لأن مشاركتهم ضرورية جدا فهم أكثر جهات أقدر على توصيل صوت العمال وأصحاب العمل، وتحدد ما هم بحاجة إليه، والمطلوب عمله من أجل دعم هذه الفئات بشكل فعال.

الصوت
UN News/Khaled Mohamed
مدة الملف
15'32"
مصدر الصورة
UN News