منظور عالمي قصص إنسانية

مسؤول أممي: تراجع التنمية البشرية في فلسطين خسارة تاريخية، والأرقام لا تعبر عن مدى الكارثة الإنسانية

سيارة تقل فلسطينيين ومتعلقاتهم في خان يونس، جنوب قطاع غزة، وسط الدمار الواسع الذي حل بالمدينة.
© UNOCHA/Themba Linden
سيارة تقل فلسطينيين ومتعلقاتهم في خان يونس، جنوب قطاع غزة، وسط الدمار الواسع الذي حل بالمدينة.

مسؤول أممي: تراجع التنمية البشرية في فلسطين خسارة تاريخية، والأرقام لا تعبر عن مدى الكارثة الإنسانية

التنمية الاقتصادية

قال عبد الله الدردري مدير المكتب الإقليمي للدول العربية لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي إن تراجع التنمية البشرية في قطاع غزة وفي الأرض الفلسطينية المحتلة بشكل عام نتيجة الصراع، "هو خسارة تاريخية لا مثيل لها في حالات النزاعات والحروب منذ الحرب العالمية الثانية".

جاء هذا في حوار خاص مع أخبار الأمم المتحدة بعد إصدار برنامج الأمم المتحدة الإنمائي واللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (الإسكوا) تقريرا يوضح الأثر المدمر للحرب في غزة على الفلسطينيين والاقتصاد والتنمية البشرية في الأرض الفلسطينية المحتلة.

وقال الدردي "إننا عدنا إلى الثمانينيات من القرن الماضي فيما يتعلق بالتنمية البشرية في قطاع غزة"، منبها إلى أن "الأرقام لا تستطيع أن تعبر عن مدى الكارثة الإنسانية التي نشهدها في فلسطين".

وقدر التقرير أن أكثر من 80 في المائة من السكان في غزة أصبحوا يعيشون تحت خط الفقر، وأن أكثر من 1.7 مليون فلسطيني أضيفوا إلى "مجموع الفقراء" منذ الثامن من تشرين الأول/أكتوبر الماضي.

خسارة كل شيء

وأوضح المسؤول الأممي أنه عند الحديث عن أن مؤشر التنمية البشرية في فلسطين سيعود عقودا إلى الوراء، فإن "هذا يعني أن كل الاستثمارات التي وُضِعت وسُخِرت في مجال الصحة، والتعليم، ومياه الشرب، والصرف الصحي، والطاقة الكهربائية، والبنى التحتية، والنمو الاقتصادي، والاستثمار الخاص، والاستثمار العام، واستثمارات الدول المانحة، كل هذه الأمور دُمرِت، وعدنا بالمؤشر والنتائج الناجمة عن هذا التدمير إلى عشرين سنة إلى الوراء بالنسبة لفلسطين ككل وإلى أكثر من أربعين سنة إلى الوراء بالنسبة لقطاع غزة".

وأضاف أن الحديث هنا ليس عن الأرقام فحسب، بل عن "عن أطفال في المدارس وشباب في الجامعات وأمهات خسرن كل الخدمات الصحية التي تستطيع أن تؤازرهن. وخسرنا فرص العمل للأهل وللشباب والشابات"

ويشمل التقييم الجديد تقديرات محدثة لآثار الحرب بعد ستة أشهر، مع توقعات لسيناريوهات استمرار الحرب لسبعة أو ثمانية أو تسعة أشهر.

وقال المسؤول الأممي "ندلل من خلال هذه الإشارة إلى أن كل يوم إضافي في هذه الحرب هو كارثة اقتصادية إضافية تسير بمعادلة هندسية وليس بمعادلة حسابية. يعني كلفة اليوم الإضافي في الحرب هي أكثر من كلفة اليوم الذي سبقه، وهذا حتى أمر ينافي النظريات الاقتصادية التي تتحدث عن معدل الانحدار بعد سقف معين من النتائج السلبية".

عبد الله الدردري الأمين العام المساعد للأمم المتحدة والمدير المساعد ومدير المكتب الإقليمي للدول العربية لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي.
UN News
عبد الله الدردري الأمين العام المساعد للأمم المتحدة والمدير المساعد ومدير المكتب الإقليمي للدول العربية لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي.

التحضير لليوم التالي

وتطرق مدير المكتب الإقليمي للدول العربية لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي إلى ما هو مطلوب في المرحلة المقبلة، فبالإضافة إلى تجديد الدعوة إلى وقف إطلاق النار، "لا بد لنا من التحضير من الآن لليوم التالي"

وشدد على أهمية هذا الأمر لأنه في حالات النزاعات، أخطر مرحلة فيما بعد النزاع هي مرحلة الفراغ ما بين وقف إطلاق النار وما بين بدء العمل في إعادة الحياة الطبيعية. 

وقال الدردري "يجب أن نستعد كأمم المتحدة - ونحن نعمل على ذلك - وأيضا كل الجهات الدولية والسلطة الفلسطينية وغيرها، والمجتمع الفلسطيني في غزة وفي الضفة الغربية والقدس الشرقية. نستعد لأنه منذ اللحظة الأولى يجب أن تكون لدينا المواد اللازمة والأموال اللازمة للتحرك".

فيما يلي النص الكامل للحوار مع عبد الله الدردري مساعد الأمين العام للأمم المتحدة ومدير المكتب الإقليمي للدول العربية لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي.

Soundcloud

أخبار الأمم المتحدة: حمل التقرير الكثير من البيانات والأرقام التي توضح الأثر المدمر للحرب في غزة على الشعب الفلسطيني واقتصاده والتنمية البشرية في الأرض الفلسطينية المحتلة. إذا بدأنا بالبيانات المتعلقة بتأثير الحرب على الأسر الفلسطينية ومعدلات الفقر، هل تحدثنا عن هذه النقطة أكثر على ضوء ما ورد في التقرير؟

عبد الله الدردري: للأسف، الأرقام التي استقيناها من الدراسات والبحوثات والمسوحات التي أجريناها مؤخرا تشير إلى حالة اجتماعية واقتصادية وإنسانية خطيرة للغاية. 

Tweet URL

كما قلت سابقا، اسمح لي بالقول اليوم أيضا إن الأرقام لا تستطيع أن تعبر عن مدى الكارثة الإنسانية التي نشهدها في فلسطين، ولكن هذه الأرقام، هذه الدراسات والتحليلات هدفها الأساسي هو التخطيط بشكل فعال وجيد ليوم نرى ونتمنى أن يكون قريبا نبدأ فيه بإعمار وتجهيز وإعادة بعض الحياة الطبيعية إلى غزة. 

معدل الفقر في غزة طبعا أصبح يتجاوز 80 في المئة من السكان يعيشون دون خط الفقر. وقد ارتفع عدد الذين يعيشون تحت خط الفقر في الأرض الفلسطينية بمجملها يعني الضفة الغربية وغزة والقدس الشرقية بأكثر من 1.7 مليون شخص. هذا ليس إجمالي الفقراء. هذا العدد الذي أضيف إلى مجموع الفقراء منذ الثامن من تشرين الأول/أكتوبر العام الماضي. 

أيضا البطالة تجاوزت 50 في المئة في إجمالي الأرض الفلسطينية، وطبعا هي بطالة تكاد تعم الجميع في غزة. 

وأيضا لا بد أن نشير إلى أن مئات الآلاف من العاملين في السلطة الفلسطينية لم يحصلوا على رواتبهم منذ أشهر عديدة، وهؤلاء يقترضون من المصارف بضمانة مرتباتهم. وبالتالي هذا يهدد المصارف بحد ذاتها بأن نسبة المخاطر الناجمة عن عدم تسديد القروض ترتفع بشكل خطير.

أخبار الأمم المتحدة: تحدثتم أيضا في التقرير عن الخسائر في رأس المال البشري. ما هي أبرز الملاحظات التي جاءت في التقرير على هذا الصعيد؟ 

عبد الله الدردري: الخسائر في رأس المال البشري في قطاع غزة، نستطيع أن نقول بأن قطاع غزة خسر حوالي 40 سنة من التنمية البشرية. بل أستطيع أن أقول إننا عدنا إلى الثمانينيات من القرن الماضي فيما يتعلق بالتنمية البشرية في قطاع غزة. فإذاً هي كارثة بكل المعايير. 

ودولة فلسطين بشكل عام، الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية، خسرت حوالي عشرين عاما فيما إذا استمر القتال شهرين آخرين. 

وبالتالي هي خسارة تاريخية لا أجد لها مثيلا في حالات النزاعات والحروب منذ الحرب العالمية الثانية.

أخبار الأمم المتحدة: على ذكر الاستمرار لشهرين آخرين، في التقرير، وضعتم أربعة سيناريوهات عن إذا استمرت الحرب لشهر آخر أو لشهرين آخرين أو ستة أو سبعة أشهر. هل يمكن أن تحدثنا أكثر عن هذا التقسيم وتلك السيناريوهات؟ 

عبد الله الدردري: بطبيعة الحال نحن نعمل بنماذج رياضية معقدة، ولا بد لنا أن نضع سيناريوهات. النماذج تعمل على مبدأ "ماذا لو" هي مبنية على فكرة أن نسأل، ماذا لو استمرت الحرب لمدة شهر آخر؟ ما هي هذه النتائج؟ 

النموذج يحسب هذه النتائج. لذلك تقديراتنا حسب النماذج الرياضية التي استخدمناها بأنه إذا استمرت الحرب لمدة ثمانية أشهر، فإن نسبة الخسارة في الناتج المحلي الإجمالي في فلسطين سوف تصل إلى أكثر من 29 في المئة من الناتج، وهذه خسارة كبيرة للغاية. نحن نأمل ونريد أن ندلل من خلال هذه الإشارة إلى أن كل يوم إضافي في هذه الحرب هو كارثة اقتصادية إضافية تسير بمعادلة هندسية وليس بمعادلة حسابية. 

يعني كلفة اليوم الإضافي في الحرب هي أكثر من كلفة اليوم الذي سبقه، وهذا حتى أمر ينافي النظريات الاقتصادية التي تتحدث عن معدل الانحدار بعد ذلك بعد سقف معين من النتائج السلبية.

هذا ما نحن فيه اليوم، وبالتالي هذا يساعدنا على التخطيط لإعمار غزة، وبشكل عام الاقتصاد الفلسطيني، آخذين في الاعتبار هذه النتائج.

أخبار الأمم المتحدة: إذا عدت إلى نقطة التراجع الكبير في مؤشر التنمية البشرية. ماذا يعني التراجع لعشرين عاما مضت؟ وكيف ينعكس ذلك على المستقبل ما بعد الحرب؟ 

عبد الله الدردري: مؤشر التنمية البشرية هو مؤشر مركب عن حصة الفرد من الناتج القومي، ومعدل سنوات التعليم كمؤشر عن مستوى التعليم، والعمر المتوقع عند الولادة كمؤشر عن كفاءة القطاع الصحي. 

عندما نقول إن مؤشر التنمية البشرية في فلسطين سيعود عقودا إلى الوراء، هذا يعني أن كل الاستثمارات التي وضعت وسخرت في مجال الصحة والتعليم ومياه الشرب والصرف الصحي والطاقة الكهربائية، والبنى التحتية، والنمو الاقتصادي، والاستثمار الخاص، والاستثمار العام، واستثمارات الدول المانحة، كل هذه الأمور دُمرِت وعدنا بالمؤشر والنتائج الناجمة عن هذا التدمير إلى عشرين سنة إلى الوراء بالنسبة لفلسطين ككل وإلى أكثر من أربعين سنة إلى الوراء بالنسبة لقطاع غزة. 

صحيح نحن نتحدث بالأرقام، لكن نحن نتحدث عن أطفال في المدارس وشباب في الجامعات وأمهات خسرن كل الخدمات الصحية التي تستطيع أن تؤازرهن، وخسرنا فرص العمل للأهل وللشباب والشابات.

تخيل أن فلسطين يجب أن تعود إلى الوراء كل هذه العقود لتبدأ من جديد. 

تقديرنا بأن خسارة الاستثمارات التي وضعت في فلسطين خلال العشرين سنة الماضية تفوق الخمسين مليار دولار. راحت، ذهبت. وبالتالي نتحدث عن إعادة الإعمار، هذه هي الأرقام التي يجب أن نتحدث عنها بهذا العمق.

أخبار الأمم المتحدة: على ذكر المستقبل والشباب، التقرير أيضا تحدث عن التأثير على التعليم وسنوات الدراسة. هل نتحدث أكثر عن هذا الموضوع؟ 

عبد الله الدردري: إذا حسبنا عدد الأطفال الذين لم يتمكنوا من الذهاب إلى المدرسة خلال الفترة الماضية، وأيضا الذين لن يتمكنوا من الذهاب إلى المدارس حتى بعد وقف إطلاق النار بسبب عدم توفر البنى المدرسية، وعدم توفر المدرسين، وعدم توفر الإمكانيات للذهاب إلى المدرسة، نحن نتحدث عن ملايين الأيام الدراسية التي خسرناها. وهذا الذي ساهم في حسابنا لتراجع مؤشر التنمية البشرية. 

ما نريد أن نقوله هو أن خسائر نتائج الحرب في غزة لا تنطبق فقط على اليوم، هي ستبقى معنا لمدة طويلة بسبب التراجع في التعليم، وفي المكتسبات الصحية.

أخبار الأمم المتحدة: ما هي أهم التوصيات الآن للتعامل مع تلك الآثار المدمرة للصراع؟ 

عبد الله الدردري: أولا، طبعا الدعوة لوقف إطلاق النار فورا لأن كل يوم إضافي كما ذكرت تكاليفه إضافية وبشكل حاد للغاية. 

ثانيا، لا بد لنا من التحضير من الآن لليوم التالي. لماذا نقول ذلك؟ لأنه في حالات النزاعات، أخطر مرحلة فيما بعد النزاع هي مرحلة الفراغ ما بين وقف إطلاق النار وما بين بدء العمل في إعادة الحياة الطبيعية. 

يجب أن نستعد كأمم المتحدة ونحن نعمل على ذلك، وأيضا كل الجهات الدولية والسلطة الفلسطينية وغيرها، والمجتمع الفلسطيني في غزة وفي الضفة الغربية والقدس الشرقية، نستعد لأنه منذ اللحظة الأولى يجب أن يكون لدينا المواد اللازمة والأموال اللازمة للتحرك. 

أعطيك مثالا لصعوبة هذا الأمر. لدينا اليوم 37 مليون طن من الركام في غزة. ونحن نعمل على التخطيط لإعادة مئات آلاف الفلسطينيين الى موطنهم الأصلي عبر سكن كريم وخدمات اجتماعية أساسية ولو كانت مؤقتة ولكنها كافية وكريمة. 

تخيل أنك ستحرك 37 مليون طن من الركام وتدخل سكنا مؤقتا ومدارس مؤقتة ومشافي مؤقتة لمئات آلاف الفلسطينيين في مناطق مليئة بالقنابل غير المنفجرة والألغام، ومليئة بالجثامين الموجودة تحت الركام، إضافة إلى مجتمع فقد الوثائق التعليمية، وفقد الوثائق الثبوتية وأوراق الملكية. 

إذاً نحن سنبدأ تقريبا من الصفر. الشيء الأساسي المتوفر لدى الفلسطينيين هو إرادتهم وقوتهم والتعليم الذي حصلوا عليه في الماضي، والثقة بالمستقبل إن شاء الله.