منظور عالمي قصص إنسانية

مسؤولة أممية: المجتمع المدني إلى جانب السلطة الفلسطينية يجب أن يكون في طليعة إعادة إعمار غزة

كبيرة منسقي الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية وإعادة الإعمار في غزة، سيخريد كاخ، تزور مجمع ناصر الطبي في خان يونس بغزة.
OCHA / Olga Cherevko
كبيرة منسقي الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية وإعادة الإعمار في غزة، سيخريد كاخ، تزور مجمع ناصر الطبي في خان يونس بغزة.

مسؤولة أممية: المجتمع المدني إلى جانب السلطة الفلسطينية يجب أن يكون في طليعة إعادة إعمار غزة

المساعدات الإنسانية

قالت سيخريد كاخ، كبيرة منسقي الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية وإعادة الإعمار في غزة، إن التقدم مستمر على مسار تشغيل الآلية الأممية لتعزيز وصول الإغاثة إلى القطاع. وذكرت أن إعادة بناء غزة "مهمة صعبة للغاية"، إلا أن المجتمع الدولي عليه "واجب ومسؤولية" يحتمان العمل من أجل تحقيق ذلك.

وفي حوار مع أخبار الأمم المتحدة في نيويورك، قالت السيدة كاخ إن الفلسطينيين في غزة يتمتعون بقدر كبير من الصمود، إلا أنهم بحاجة إلى دعم هائل لإعادة ترميم حياتهم. وفيما أشارت إلى إدراكها بأن الوضع في غزة مرتبط بشكل جوهري بالتقدم على الجبهة السياسية وحل الدولتين، قالت: "لا يمكننا أن نطلب من المدنيين الانتظار. الحياة تستمر وقد عانى الناس كثيرا".

وخلال زيارتها الرابعة إلى قطاع غزة قبل بضعة أيام، قالت الدبلوماسية المخضرمة إنها "تأثرت بشدة بكل قصص المعاناة" التي سمعتها. وأضافت أنها تستمد الإلهام من التزام المنظمات غير الحكومية الفلسطينية العاملة على الأرض. وشددت كاخ على ضرورة أن يكون المجتمع المدني الفلسطيني، إلى جانب السلطة الفلسطينية، "في المقدمة"، داعية إلى "تنمية ورعاية شجاعة المجتمع المدني وتصميمه الهائلين".

في البداية، سألناها عما رأته أثناء زيارتها الأخيرة لقطاع غزة والغاية منها:

سيخريد كاخ: الغرض من زيارتي كانت للقاء الناس والتحدث معهم والاطلاع قدر الإمكان على التحديات والقضايا، وللنظر في كيفية إحراز تقدم. كما أنها جاءت لدعم جميع الزملاء في المجال الإنساني الذين يعملون يوماً بعد يوم في غزة. ما رأيته، في الأجزاء المختلفة من غزة التي مررنا بها خلال هذه الزيارة - وكانت تلك هي زيارتي الرابعة – هو دمار واسع النطاق. تحدثت مع الناس واستمعت إليهم عن كيفية تأثرهم بالوضع والخسائر التي تكبدوها وصدماتهم، وكيف يتمكنون من التأقلم في ظل الظروف المزرية للغاية، والتي تكاد تكون غير إنسانية، التي تعيش فيها غالبية سكان غزة. 

سيخريد كاخ، كبيرة منسقي الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية وإعادة الإعمار في غزة، خلال إحدى زياراتها الأربع إلى غزة.
UN OCHA / Mustafa El-Halabi
سيخريد كاخ، كبيرة منسقي الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية وإعادة الإعمار في غزة، خلال إحدى زياراتها الأربع إلى غزة.

كان تركيز المهمة هذه المرة على الظروف الصحية في غزة، ورافقني فريق منظمة الصحة العالمية. قمنا بزيارة مجمع ناصر الطبي، الذي كان متهالكاً تماماً من الداخل. إلا أن المدير الطبي هناك كان قد بدأ بالفعل التخطيط لإعادة تشغيل المستشفى بطريقة أو بأخرى، على الأقل بشكل متواضع. كما قمت بزيارة مستشفى الهيئة الطبية الدولية الميداني، حيث كان يتم علاج الكثير من المصابين بجروح خطيرة والأطفال الذين يعانون من سوء التغذية. 

تحدثت مع المرضى والأطباء، وشعرت بالتأثر الشديد، ولكن أيضاً بالتواضع الشديد إزاء المسؤولية الجماعية التي تقع على عاتقنا جميعاً لتخفيف المعاناة، ومحاولة العمل قدر الإمكان، ليس فقط لإدخال المساعدات الإنسانية وإيصالها إلى الناس بشكل ممنهج ومستدام، ولكن أيضاً للنظر إلى ما وراء أفق الأزمة الحالية.

أخبار الأمم المتحدة: القرار 2720 التي الذي أُنشئ بمقتضاه منصبك، طلب أيضا إنشاء آلية لزيادة المساعدات الإنسانية إلى غزة. ما آخر المستجدات حول هذه الآلية، وما هي التحديات التي تواجه إنشاءها؟

سيخريد كاخ: أعتقد أن أهم جانبيين من القرار في الواقع هما: التيسير والتعجيل والإسراع بإرسال المساعدات الإنسانية إلى غزة، الجزء الثاني هو إنشاء آلية لدعم كل ذلك، وفي نهاية المطاف أيضاً لدعم الجهود الجماعية للأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية الدولية، وكذلك المنظمات غير الحكومية الفلسطينية والمجتمع الدولي الأوسع. 

ما قمنا به في الأشهر الماضية، هو إنشاء قاعدة بيانات متكاملة، وقمنا بالتفاوض على طرق (الإمدادات)، بما في ذلك ما يسمى بطريق الأردن، و عملنا مع آخرين بشأن الممر البحري، وبالطبع أيضاً نستغل أهمية الطريق المصري عبر رفح، لضمان أن تكون لدينا نقاط عبور ونتمكن من زيادة حجم [المساعدات]، وتتبع ما يدخل إلى غزة والإخطار به والحصول على فكرة أفضل عنه، دعماً للأولويات التي حددها الفريق القُطري للعمل الإنساني، ومن ثم داخل غزة لفهم أنها تصل إلى الناس ويتم توزيعها بالطريقة المثلى. 

الآلية ليست كياناً مقدساً، بل تمثل منصة لتوفر الرؤية وتساعد على تحديد الأولويات وتعطي البيانات. وفي النهاية يجب أن تسهل العملية لكي نزيل كل التأخيرات غير الضرورية، ونعلم ما يحدث. كما أنها توفر في النهاية الشفافية التي تشتد الحاجة إليها.

جناح الأمومة في مجمع ناصر الطبي بخان يونس في غزة.
OCHA / Olga Cherevko
جناح الأمومة في مجمع ناصر الطبي بخان يونس في غزة.

أخبار الأمم المتحدة: تحدثت عن إنشاء ممر بحري، وهناك الكثير من الحديث حول هذا الأمر. ما آخر المستجدات في هذا الملف؟ 

سيخريد كاخ: لا يزال العمل نشطاً جداً قيد التقدم. ولكن لعلكم تتذكرون أنه في شباط/فبراير، كُلفت من الأمم المتحدة نيابة عنها، إلى جانب عدد من وزراء خارجية البلدان الملتزمة وحكومة قبرص، لبحث الأمر. إننا نرى قيمة في إضافة الممر البحري. نحاول النظر في كيفية العمل بهذا [المقترح]. 

من جانب الأمم المتحدة والجهات الإنسانية الفاعلة داخل غزة، نبحث الظروف والمعايير التي يمكن للأمم المتحدة أن تكون فيها جزءاً من الاستلام والتوزيع في جميع أنحاء غزة. هذا له اعتبارات أمنية، ومن الواضح أن هناك شواغل جدية بشأن سلامة وأمن التوزيع، وكذلك سلامة وأمن السكان المدنيين. يتم العمل على عدد من مسائل. من جانب الأمم المتحدة، وفي إطار الآلية ومهمتي، نقدم الدعم للدول الأعضاء التي ترغب في إرسال البضائع عبر قبرص. هناك مراقبون موجودون في قبرص. ندعم العملية من البداية، ونأمل أن ندعمها إلى نقطة النهاية. 

هذا طريق مهم، لكنني قلت مرات عديدة من قبل، إنه ليس بديلاً عن أهمية المساعدة في عمليات التعافي وإعادة الإعمار المستقبلية التي تصل إلى قطاع غزة برا. الأمر كله يتعلق بالبر- البر- البر، وهذا هو تركيزنا النهائي. لكن هذه الإضافة مرحب بها بالنظر إلى تعقيد الوضع وحجم الاحتياجات، ليس فقط الآن، ولكن أيضاً في المستقبل.

حي تدمّر بالكامل في غزة.
OCHA / Olga Cherevko
حي تدمّر بالكامل في غزة.

أخبار الأمم المتحدة: هناك قلق متزايد بشأن سلامة العاملين الإنسانيين في غزة. وقد أعرب العاملون أنفسهم عن مخاوفهم بشأن سلامتهم. ما الذي يتم القيام به لتعزيز الآلية التي تضمن حمايتهم وقدرتهم على القيام بعملهم؟

سيخريد كاخ: إنه بالطبع وضع مروع حيث فقد الكثير من العاملين في المجال الإنساني حياتهم، ومعظمهم من الفلسطينيين. في حالات الحرب والصراع، هناك مخاطرة كبيرة، وهؤلاء الناس يخاطرون بحياتهم لخدمة الآخرين. إنها أنبل تضحية، لكن لا ينبغي أن نكون في هذا الموقف. لذلك فإن آلية تجنيبهم للمخاطر هي مطلب منذ زمن، وموضوع نقاش مهم وطويل الأمد - ولكنها بالطبع محط تفاوض نشط. هذه الآليه عملية حساسة ومعقدة للغاية، ولكنها تحتاج إلى مفاهيم واضحة للغاية: التواصل، والاحترام لدور العاملين في المجال الإنساني، والاتفاقات حول كيفية تشغيلها. هذا يؤثر على القوافل وأماكن التوزيع. إنه يؤثر على الاتفاقات الواضحة والمحددة للغاية التي نتفاوض عليها مع السلطات الإسرائيلية بالطبع حيث يلعب الجيش الإسرائيلي دوراً رئيسيا.

أخبار الأمم المتحدة: التركيز ينصب الآن على الأزمة الإنسانية الحالية، ومع احتدام الحرب، نرى مشاهد دمار واسع. هل من الممكن إعادة إعمار القطاع بعد كل هذا؟ 

سيخريد كاخ: أعتقد أن علينا واجبا ومسؤولية، ونحن مدينون للسكان المدنيين الفلسطينيين في غزة بالتفكير والعمل عن كثب مع السلطة الفلسطينية. وبطبيعة الحال، وقد صرح الأمين العام بذلك في مناسبات عديدة - نأمل في عودتها السريعة إلى غزة حتى تتمكن المؤسسات من قيادة هذه العملية. لدى السلطة الفلسطينية خطة لغزة. ومن الواضح أنه تم إجراء الكثير من الدراسات. 

حول ما إذا كان ذلك ممكناً، فأعتقد أنها مهمة صعبة جداً. إذا نظرت إلى حجم الضرر، حتى بمجرد النظر إلى إزالة الأنقاض، والحاجة إلى إعادة بناء المساكن في أقرب وقت ممكن، ولإعادة الأطفال إلى المدرسة، على الأقل إلى أماكن التعلم حتى لا يكون هناك جيل غير قادر على الوصول إلى التعليم أو التعليم المناسب، وخاصة للفلسطينيين لطالما كان التعليم موضع فخر لهم. إنه جانب مهم من هويتنا كبشر. 

لدينا واجب ومسؤولية لضمان أن نبدأ العمل من أجل التعافي المبكر، وأن نفكر في إعادة الإعمار، وكذلك التمويل. أنا أدرك تماماً أن المسألة مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالتقدم على الجبهة السياسية وحل الدولتين. لكن لا يمكننا أن نطلب من المدنيين الانتظار، فالحياة تستمر وقد عانى الناس كثيرا.

سيخريد كاخ تلتقي بطفلة تعاني من سوء التغذية وعائلتها في مستشفى الهيئة الطبية الدولية الميداني في غزة.
OCHA / Olga Cherevko
سيخريد كاخ تلتقي بطفلة تعاني من سوء التغذية وعائلتها في مستشفى الهيئة الطبية الدولية الميداني في غزة.

أخبار الأمم المتحدة: وبالحديث عن معاناة الناس، أردت الآن أن أتطرق إلى إعادة بناء الحياة. لأنه كما قلت، علينا واجب لإعادة إعمار غزة، ولكن كيف يمكن للأشخاص الذين عاشوا هذه الفظائع أن يحصلوا على الأمل وأن يستمروا في حياتهم؟

سيخريد كاخ: شفاء الروح أمر شخصي في جوهره. وأعتقد أنه من الصعب جداً حتى بالنسبة لنا، فيما نعيش بسلام في العالم الخارجي، أن نبدأ حتى في فهم ما يمر به الناس. الأطفال الذين أصبحوا فجأة بدون قريب حي معروف. الأطفال الذين عانوا من عمليات بتر بدون تخدير. العائلات التي فقدت أطفالها ومنازلها وتم تهجيرها عدة مرات داخل قطاع ضيق للغاية. 

لكن هذا أمر أيضاً يحتاج إلى اهتمام فوري. التعافي ليس جسدياً فحسب، بل هو أيضاً دعم لشفاء الروح ولإعطاء الصدمة بطريقة أو بأخرى مساحة ومكانا. هذا وزر يُطلب من الناس تحمله مدى الحياة. ولكن هنا، في رأيي، هذا هو المكان الذي يركز فيه بشكل كبير على الدعم النفسي الاجتماعي ودعم الصحة العقلية في حالات الأزمات، أو بالأحرى الصحة العقلية والدعم النفسي الاجتماعي.

 عندما كنت في الحكومة الهولندية، قمنا بقيادة الكثير من الجهود الدولية حول هذا الأمر، وأطلب من عدد من النظراء الذين أتحدث إليهم اعتبار هذا الجانب بأهمية الغذاء والمأوى والماء وجميع العناصر الأخرى الأساسية التي نحتاجها. يحتاج هذا الجانب إلى عناية خاصة ورعاية خاصة لسنوات عديدة قادمة. 

وهنا، في حين أن الفلسطينيين في غزة كانوا في نهاية المطاف صامدين للغاية، إلا أنهم بحاجة إلى دعم كبير. نحن بحاجة إلى الخبراء. نحن بحاجة إلى علماء النفس والأطباء النفسيين. نحن بحاجة لتدريب المدربين. جميع السكان يعانون من الصدمة.

ويطلب منا جميعا، ولدينا أيضا الكثير من الخبرة من داخل المنطقة، أن نفكر ونعمل بشكل مختلف تماما. ونحن بحاجة إلى التخطيط لذلك من الآن. ولكن إذا سألت اليوم، المطلب الأول للعديد من الفلسطينيين الذين تحدثت معهم خلال زياراتي الميدانية هو: "أعطني الكرامة". بالطبع هذا أمر معقد للغاية، لكننا بحاجة إلى البدء عملياً جداً، ولكن لا ننسى أبداً الروح والبشر والكرامة الإنسانية. هذا متساوٍ بالنسبة لنا جميعاً، أيا كنا، أينما كنا.

أخبار الأمم المتحدة: لدي سؤال أخير حول الأشخاص الذين قابلتيهم على الأرض والذين كانوا يقولون لك: "أعطونا الكرامة". هل هناك قصة معينة أو موقف أثر عليك شخصياً أثناء هذه الزيارة؟ 

السيدة كاخ: لأكون صادقة، تشعر بطريقة ما بالتواضع الشديد والتأثر بكل قصص المعاناة المختلفة. كما أن الأمر يجعلك تشعر، في مرحلة معينة، بالعجز التام أيضاً. لكن لدينا جميعا أدوار ومسؤوليات مختلفة. سأخبرك بقصة مختلفة، وليس قصصا فردية. 

التقيت بعدد من المنظمات غير الحكومية الفلسطينية، بعضها يعمل هناك منذ عقود على مر الأوضاع السياسية والعسكرية. وكانوا ملتزمين للغاية، وأود أن أقول إنهم حازمون بشكل إيجابي. لذلك كان استنتاجي أنه في كل ما نقوم به، يجب أن يكون المجتمع المدني الفلسطيني في المقدمة إلى جانب عودة السلطة الفلسطينية، لأنهم يعرفون شعبهم، هم على الأرض ولديهم الخبرة، وهم يفكرون بالفعل.

 كانت لديهم أفكار بالفعل لإعادة البدء مجددا. أعتقد أن الكثير من الناس لن يتمتعوا بالقوة العقلية أو القوة البدنية لفعل ذلك. دعونا لا ننسى شجاعتهم الهائلة وتصميمهم، ويجب علينا الاستفادة من ذلك ورعايته.