منظور عالمي قصص إنسانية

الاتجاه نحو تقنين القنب يولد انطباعا لدى الشباب بأن استخدام النبتة المخدرة آمن

تقنين القنب في أجزاء من العالم أدى إلى زايدة الاستخدام
© Unsplash
تقنين القنب في أجزاء من العالم أدى إلى زايدة الاستخدام

الاتجاه نحو تقنين القنب يولد انطباعا لدى الشباب بأن استخدام النبتة المخدرة آمن

الصحة

نشرت الهيئة الدولية لمراقبة المخدرات ملحقا خاصا لتقريرها لعام 2022 استعرضت فيه سبل ضمان حصول جميع الناس على كميات كافية من المواد الخاضعة للرقابة الدولية لأغراض طبية وعلمية والعقبات التي تحول دون ذلك.

ويقدم الفصل المواضيعي من التقرير تحليل الهيئة للاتجاه نحو تقنين استعمال مادة القنب، التي ينتج منها الحشيش والبانغو، لأغراض غير طبية، الأمر الذي يتعارض مع الاتفاقيات الدولية ومعاهدات مراقبة المخدرات.
للتعرف على المزيد تحدثنا مع الدكتور جلال التوفيق، عضو الهيئة الدولية لمراقبة المخدرات، الذي أخبرنا عن مخاطر تقنين تعاطي هذا المخدر لأغراض شخصية، وخاصة على الشباب، وعن غياب العدالة في وصول المرضى في البلدان النامية إلى الأدوية المراقبة دوليا.
المزيد في الحوار التالي:

Soundcloud

أخبار الأمم المتحدة: الدكتور جلال التوفيق، عضو الهيئة الدولية لمراقبة المخدرات، أهلا وسهلا بك مع أخبار الأمم المتحدة. أولاً، لماذا اختارت الهيئة التركيز على موضوع تقنين القنب في أحدث تقاريرها؟

الدكتور جلال التوفيق: شكراً على الاستضافة وعلى الدعوة الكريمة. سبب التركيز على تقنين القنب لأننا لاحظنا أنه منذ بضع سنوات بدأت بعض الدول خاصة في أمريكا الشمالية والجنوبية، اتباع نفس الطريق نحو تقنين استعمال القنب لأغراض غير طبية، وهو ما يناقض الاتفاقيات ومعاهدات مراقبة المخدرات. لاحظت الهيئة أن تقنين عرض القنب واستعماله لأغراض غير طبية وغير علمية ينتهك هذه الاتفاقيات، فأرادت الهيئة أن تخصص الفصل المواضيعي الأول لهذا الموضوع بالذات في هذه السنة.

أخبار الأمم المتحدة: فقط للتوضيح، ما هو القنب وما الأسماء الشائعة الأخرى له، لأن الاسم قد لا يكون مفهوماً لدى البعض؟

الدكتور جلال التوفيق: هذا سؤال وجيه جداً، لأن المشكل الأكبر للقنب هو مشكلة المفاهيم والأسماء. نضع في اسم القنب سلة مفاهيم ومواد ومشتقات مختلفة جداً، ومع ذلك نطلق عليها اسم القنب. فالقنب في الأساس هو النبتة. وهذه النبتة الطبيعية لديها مشتقات ومركزات تؤثر على الدماغ وعلى نفسية الشخص وتسبب الإدمان، ولها أيضا تأثيرات طبية وجسدية ودماغية أخرى يمكن أن تتسبب في التسمم وتشكل خطراً على الشخص. وفي نفس الوقت، هذه المشتقات لديها بعض الفوائد الطبية المحضة.

المشكلة الكبيرة تكمن في أننا الآن أصبحنا نضخم هذه المزايا الصحية ونقلل من المخاطر، وأصبح الناس ينظرون إلى هذه النبتة على أنها نبتة طبيعية ولا تشكل خطرا على الصحة ويمكن استخدامها في جميع الحالات، ويمكن استخدامها طبيا دون مراقبة وتتبع طبيين، ويمكن أيضا، في نطاق ما يسمى الآن بالحرية الشخصية الولوج إلى القنب.

هناك أصوات الآن تطالب بأن نتخلى عن هذا الحظر وأن يكون لدى الراشدين حرية الاختيار لتعاطي هذه النبتة. المشكلة الكبيرة في هذا هو أن هذه النبتة ليست وحيدة وفريدة. هناك أنواع عديدة لنبتة القنب يختلف فيها تركيز ما يسمى بالدلتا THC، وهو ما يسبب الإدمان والتسممات والأضرار الأخرى.

أخبار الأمم المتحدة: من هذا المنطلق، كيف يؤثر التقنين على نظرة المجتمعات، وخاصة الشباب بشأن القنب؟

الدكتور جلال التوفيق: مرة أخرى سؤال في محله، لأننا عندما ننظر الآن في جميع الدراسات، نلاحظ أن تقنين القنب لأغراض غير طبية وعلمية، وهو ما يتناقض مع الاتفاقيات، يترك منظورا لدى الشباب بأن هذه النبتة لا تشكل أي خطر. ومن هنا، نلاحظ أولاً أن التعاطي عند الشباب أصبح يتنامى ويتفاقم في جميع الدول التي صرحت به للاستعمال غير الطبي وغير العلمي.

ومن جانب آخر، عندما نطرح السؤال التالي على الشباب: "ما هي رؤيتكم لخطورة هذه المادة؟"، نرى الآن أن غالبية الشباب لا يعتبرون أن مشتقات النبتة تشكل خطراً عليهم، ولا يعتبرون أنها تتسبب بأضرار على صحتهم. لذا هناك تصاعد في الاستعمال عند الشباب. على رغم من المبررات التي تستخدمها الدول بأنها تسمح للراشدين فقط باستخدام القنب، إلا أنه في الحقيقة هذا الخطاب يوجه للشباب بصفة غير مباشرة، ومفاده بأن هذه النبتة ومشتقاتها ليست خطيرة.

تقنين القنب يولد انطباعا لدى الشباب بأن استخدام النبتة المخدرة آمن
© Unsplash
تقنين القنب يولد انطباعا لدى الشباب بأن استخدام النبتة المخدرة آمن

أخبار الأمم المتحدة: يفرق التقرير بين إلغاء التجريم وإلغاء العقوبة المتعلقة بالقنب. هل لك أن تفسر لنا الفرق بين هذين المفهومين؟

الدكتور جلال التوفيق: هناك بالفعل ثلاثة مفاهيم، التصريح للاستعمال غير الطبي والعلمي وللاستعمال الترفيهي. هذا هو ما يحصل الآن في بعض الدول، وهو ما يتناقض تماماً مع اتفاقيات ومعاهدات مراقبة المخدرات. وهذا بالنسبة للهيئة منحى خطير لأن الشباب الآن يؤسسون حكمهم على هذه القضية.

إلغاء التجريم يعني ألا تكون حيازة شخص للقنب لاستعماله الشخصي جريمة في القانون. المزايا من إلغاء التجريم هي عدم وجود تتبع قضائي، وعدم وضع الناس في السجون، وتقليص التكاليف. فعلى سبيل المثال، يمكن للقاضي أن يقضي بغرامة مالية أو عمل مجتمعي. ويمكن أن تكون العقوبات على هذا الشكل، ولكن ألا تكون هناك جريمة ارتكبت للحيازة والاستعمال الشخصي للقنب. كما يمكن للسلطات أن توجه الشخص إلى العلاج والسياسات التوعوية التي يمكن أن يستفيد منها لأغراض صحية.

أما إلغاء العقوبة، فهي عندما تبقى حيازة واستخدام القنب للأغراض الشخصية جريمة في بلد ما، ولكن لا تؤدي بالضرورة إلى السجن والتعامل مع الشخص كمجرم. في هذه الحالة يوجه الشخص إلى العلاج وما يسمى ببدائل المتابعة القضائية.

في كلتا الحالتين، هناك مزايا من ضمنها ألا يزج بالشباب في السجون، وعدم مواجهة العقوبات، التي قد تكون أخطر من ذلك بكثير في بعض الدول، عندما يستخدمونه لأغراض شخصية، لأن ذلك غير مجدي. ولم نر قط أن شخصاً ما كان يتعاطى المخدرات وزج به في السجن ومن ثم تمت إعادة إدماجه أو إعادة تأهيله. هذا غير صحيح. السجون لا تؤهل مستخدمي المخدرات. وهنا أريد أن أؤكد أننا لا نتكلم عن الترويج والبيع والاتجار وما إلى ذلك.

من الأرشيف: طبيبة أورام تجري عملية جراحية لمريض في مستشفى في نيجيريا.
© WHO/Blink Media/Etinosa Yvonn
من الأرشيف: طبيبة أورام تجري عملية جراحية لمريض في مستشفى في نيجيريا.

أخبار الأمم المتحدة: بالانتقال إلى التقرير الخاص حول ضمان سبل الحصول على المواد الخاضعة للمراقبة الدولية للأغراض الطبية والعلمية، ما هي أهم العقبات التي تحول دون وصول الدول منخفضة ومتوسطة الدخل لهذه المواد وما تأثير ذلك على المرضى الذين هم بأمس الحاجة لهذه الأدوية؟

الدكتور جلال التوفيق: هناك في الحقيقة غياب للعدالة بالنسبة لهذه المشكلة. والهيئة تتأسف لهذا لأن هناك عدم إنصاف في أغلب الدول النامية في مدى توفر هذه المواد الخاضعة للمراقبة الدولية لأغراض طبية وعلمية مشروعة. وحتى في بعض الدول المتقدمة يظل توافر هذه الأدوية غير كاف. ومن الغريب أنه في الدول المتقدمة نرى أن هناك افراطا في استعمال هذه المواد المحظورة، خاصة للألم ولأمراض السرطان في المرحلة النهائية وما إلى ذلك. هناك افراط وتجاوزات كبيرة جداً تؤدي إلى الإدمان وتبعاته، بما في ذلك حالات التسمم والموت. أما في البلدان النامية، للأسف الشديد، فيبقى المرضى بعيدين كل البعد عن الولوج والحصول على هذه المواد لمضادات الألم. وللأسف الشديد، حتى لا يُترك أي مريض خلف الركب يجب إحراز تقدم في العالم لضمان سبل الحصول على كميات كافية من هذه المواد الخاضعة للمراقبة الدولية لأغراض طبية وعلمية. وهناك جدوى في تدريب وتعليم الموارد البشرية المؤهلة، خاصة الأطباء، وأيضا تحسين جودة الولوج إلى المعلومات السليمة وسلوكيات الوصف في هذه الدول، وأيضا رفع الوعي لدى العاملين في القطاع الصحي، خاصة صناع القرار، الذين قد لا تكون لديهم الدراية في بعض الأحيان بهذه المشكلة التي تكلف كثيرا.

أخبار الأمم المتحدة: ما الذي يمكن فعله لسد هذه الفجوة وكسر حلقة عدم الإنصاف التي تكلمت عنها؟

الدكتور جلال التوفيق: بنظري، المشكل الأول يكمن في المنظور. عندما تنظر لما يحصل في الولايات المتحدة الأمريكية وكندا، هناك بعض التردد وحتى الرفض لإيجاد هذه المواد بكثرة في الدول. ثانياً، كما قلت لك، في بعض البلدان النامية ليس هناك أطباء مختصون في الألم، حتى في أقسام الإنعاش ووحدات السرطان، ليس هناك أناس مؤهلون لوصف هذه الأدوية التي تستند إلى قدرات وتدريبات خاصة. وهذا هو أساس المشكل في البلدان النامية، فهناك تخوف وتردد من جهة، وعدم وجود موارد بشرية مؤهلة وعدم وجود شعور كاف لصناع القرار بالصحة العامة في هذه البلدان لإيجاد وإتاحة الفرصة للناس للولوج لهذه المواد الخاضعة للمراقبة الدولية، وذلك للأغراض الطبية التي تكملت عنها كالألم، وهو المثال الأكثر شيوعاً.

أخبار الأمم المتحدة: أليس التردد مشروعاً إلى حد ما بما أن القدرات الكافية غير متاحة لدى هذه الدول لضبط هذه المواد؟

الدكتور جلال التوفيق: من منظور الصحة العامة هذا لا يقبل، لأن هناك حقوق إنسان. ومن حقوق الشخص الولوج لأحسن ما يمكن أن تقدمه الدولة. نحن لا نتكلم عن الكم، بل نتكلم عن الكيف. انظر إلى جائحة كوفيد-19 على سبيل المثال. انظر كيف تعاملنا مع كوفيد-19 حتى في البلدان الفقيرة والنامية، حيث كان على صناع القرار ضغط كبير واحساس بأن لديهم مسؤولية – وهذه من مسؤوليات الدول الدستورية في بعض الحالات – أولاً للولوج إلى المعرفة. والمعرفة تعني أنه عندما يعاني شخص ما من مرض مؤلم جدا، من حقه أن يعرف أن هناك بدائل وأدوية للتقليل من آثار المرض، خصوصاً بما يخص الألم الحاد. أنا لا أتكلم عن الألم المزمن الذي قد يشكل وصف هذه الأدوية له خطرا كبيرا، خاصة فيما يتعلق بالإدمان. ثانياً، الدراية وهي ما تحرك الناس وتضع هذه المشكلة من بين الأولويات على طاولة الصحة العامة في هذه البلدان، لأن تكلفتها المادية ليست كبيرة، وتكوين الناس لا يكلف كثيرا. يمكن مثلاً لطبيب نفسي أو طبيب في الإنعاش أو طبيب عام أن يصف هذه الأدوية، الشرط الوحيد هو التكوين السليم.

مدينة ملاطية التركية كانت واحدة من المدن المتضررة من الزلزال
© UNOCHA/Karina Sonmez
مدينة ملاطية التركية كانت واحدة من المدن المتضررة من الزلزال

أخبار الأمم المتحدة: من هذا المنطلق، ذكر التقرير أن هناك معضلات في وصول الأشخاص الذين لديهم مشاكل في الصحة النفسية للأدوية والعلاج الكافي، خاصة في حالات الطوارئ. ما هي الإجراءات التي يجب اتخاذها لضمان حصول هؤلاء الناس على العلاجات والأدوية الكافية؟

الدكتور جلال التوفيق: أولاً بصفة عامة، هناك الملايين حول العالم الذين لديهم أمراض عقلية ونفسية وإدمان وللأسف الشديد لا يصلون إلى العلاج السليم والمؤسس على معطيات علمية. فشخص واحد من بين كل خمسة أشخاص، يعاني من الإدمان، يلج إلى الخدمات المناسبة. أما بالنسبة للطوارئ فهي تشكل معاناة فوق معاناة. ففي حالة الطوارئ من البديهي ومن المستعجل أن توضع استراتيجية للولوج. الهيئة مستعدة ووضعت آليات للحصول على الأدوية. مثلا في سياق الفاجعة التي حصلت في تركيا وسوريا، وضعت الهيئة آليات في غضون 24 ساعة لتوفير التراخيص اللازمة لاقتناء تركيا وسوريا والولوج إلى هذه الأدوية المحظورة وهي مهمة جدا في حالة الطوارئ، وخاصة الأدوية المسكنة والأدوية المهدئة وأدوية الألم.

فمجددا، المشكلة العويصة بالنسبة للأمراض العقلية، هي الولوج لتقنيات العلاج المناسبة والمؤسسة على معايير ومعطيات علمية. وهذه مشكلة في البلدان الفقيرة والنامية، مشكلة موارد بشرية، مشكلة تكوين، مشكلة أيضا وصم وعار وإقصاء وتهميش، مشكلة منظور منحرف عن الواقع بالنسبة لما يحتاجه الناس، وهذه مشكلة كبيرة في العالم أجمع. يجب أن تكون من الأولويات في العالم، إزاحة الوصم بالنسبة لهؤلاء الناس.

أما بالنسبة لحالات الطوارئ، فهذه أيضا مشكلة كبيرة لأن الاحتياجات تزداد لهذه الأدوية، والهيئة وضعت آليات لتسريع الحصول على هذه الأدوية.

أخبار الأمم المتحدة: الدكتور جلال توفيق، عضو الهيئة الدولية لمراقبة المخدرات، شكرا لك على هذا الحوار.