منظور عالمي قصص إنسانية

وسط مخاوف من أسوأ ركود منذ عقود، نداءات عاجلة للتضامن وخلق جبهة اقتصادية موحدة

الأسواق المالية حول العالم تفقد قيمتها مع تفاقم تفشي فيروس كورونا
UN Photo/Mark Garten
الأسواق المالية حول العالم تفقد قيمتها مع تفاقم تفشي فيروس كورونا

وسط مخاوف من أسوأ ركود منذ عقود، نداءات عاجلة للتضامن وخلق جبهة اقتصادية موحدة

أهداف التنمية المستدامة

في ظل الضغط الواقع على التعاون متعدد الأطراف، أطلق كبار مسؤولي الأمم المتحدة، بما في ذلك حائزون على جائزة نوبل، وخبراء أكاديميون بارزون، تقريرا جديدا يوصي بـ "نهج معدل" بشأن التنمية الاقتصادية، وحوار سياسي يستكشف سبلا تمكن الدول من التعافي من آثار كوفيد-19، بطرق تؤدي إلى تحول هيكلي حقيقي.

ولدى تقديمه التقرير، الذي أعده المجلس الاستشاري رفيع المستوى المعني بالشؤون الاقتصادية والاجتماعية، قال ليو زينمين، وكيل الأمين العام للشؤون الاقتصادية والاجتماعية إن "التهديدات الموازية المرتبطة بالأزمة الصحية والاقتصادية والاجتماعية شلت الدول وتركتنا في حالة جمود."

التقرير، الذي تم إطلاقه خلال فعالية افتراضية عقدت اليوم الأربعاء، جاء بعنوان "التعافي بشكل أفضل: التحديات والفرص الاقتصادية والاجتماعية،" وهو يحلل الاتجاهات الاقتصادية الضرورية لتحقيق أهداف التنمية المستدامة والتعافي من الأزمة الصحية الحالية.

وقال السيد زينمين إن من بين توصيات التقرير، التركيز بشكل أكبر على البيئة، وكذلك تعزيز البحث والتطوير، والاستثمار في البنية التحتية والتعليم، وتحسين المساواة الاقتصادية، مضيفا أن "التغلب على الأزمة والعودة إلى المسار الصحيح لتحقيق أهداف التنمية المستدامة سيتطلب تعزيز تعددية الأطراف." وقد بينت جائحة كوفيد-19 مدى أهمية القيادة والرؤية بعيد المدى والتعاون بين جميع الحكومات وأصحاب المصلحة.

أول ارتفاع عالمي للفقر منذ عام 1998

القضاء على الفقر هو أول أهداف التنمية المستدامة لعام 2030
© UNICEF/UN039294/Popov
القضاء على الفقر هو أول أهداف التنمية المستدامة لعام 2030

في رسالة مصورة، قالت أمينة محمد، نائبة الأمين العام للأمم المتحدة، إنه من المتوقع عودة 100 مليون شخص إلى براثن الفقر المدقع في عام 2020، وهي أول زيادة في معدل الفقر العالمي منذ عام 1998، مؤكدة على ضرورة التعاون إذا أردنا إعادة بناء اقتصاداتنا بشكل مستدام وشامل.

مشيرة إلى أن التقرير يدعو إلى تعاون ضريبي دولي أفضل، ووصول أكثر إنصافا إلى التقنيات الرقمية، قالت السيدة أمينة محمد إن الإدارة المستدامة للموارد الطبيعية، ونهج القيمة المضافة لتجارة السلع، سيكونان حاسمين أيضا.

ولا تزال خطة 2030 تمثل الإطار المتفق عليه للتعافي، بطرق تسرع التقدم بشأن تغير المناخ والفقر وعدم المساواة بين الجنسين ومعالجة نقاط الضعف التي يكشفها أو يفاقمها كوفيد-19.

المساواة والإصلاح الهيكلي

وخلال حلقتين من حوارات السياسة، تحاور اثنا عشر خبيرا بشأن ما إذا كان العالم في حالة ركود حاليا، وإذا كان الأمر كذلك، فما الذي يتطلبه الأمر للتعافي بطرق يمكن أن ترمم نقاط الضعف الأساسية بشكل شامل؟

وقالت أليشيا بارسينا، الأمينة التنفيذية للجنة الاقتصادية لأمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي، إنه "لا توجد مفاضلة بين الكفاءة الاقتصادية والمساواة".

45 مليون في خطر

تبدو مراكز التسوق في مكسيكو سيتي خالية من الناس بسبب كوفيد-19.
U.N. Mexico/Alexis Aubin
تبدو مراكز التسوق في مكسيكو سيتي خالية من الناس بسبب كوفيد-19.

 

وخلال حلقة نقاش حول موضوع "ضمان الانتعاش المستدام من خلال تعددية أطراف معززة وأكثر شمولا،" أكدت السيدة أليشيا بارسينا الحاجة الملحة للتغيير الهيكلي. فبين عامي 2000 و2010، تم انتشال 60 مليون شخص في أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي من دائرة الفقر. الآن، 45 مليون يواجهون خطر الوقوع مجددا في براثن الفقر.

عالم ما بعد كورونا سيكون عالم المناطق والتكتلات.

وأكدت على أننا بحاجة إلى ميثاق اجتماعي وسياسي جديد تماما،" مشيرة إلى أن كوستاريكا وأوروغواي وكوبا - وهي مجتمعات لديها ثقة عالية بالحكومة - كان أداؤها أفضل خلال الجائحة من غيرها.

كما دعت إلى نظام ضريبي تقدمي، حيث تتحمل دول المنطقة عبئا ضريبيا بنسبة 23 في المائة، أقل من تلك الموجودة في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، بالإضافة إلى المزيد من التكامل الإقليمي. وقالت "إن عالم ما بعد كورونا سيكون عالم المناطق والتكتلات."

ريكاردو لاغوس، الرئيس السابق لجمهورية شيلي، اقترح إنشاء اتفاقية ملزمة دوليا حول الأوبئة، تتم صياغتها تحت رعاية منظمة الصحة العالمية.

العقد الاجتماعي في أوروبا

وعلى المنوال نفسه، أشار مارسيل فراتزشر من معهد أبحاث DIW Berlin، إلى اتفاق الدول الأوروبية، في 21 تموز/يوليو، على إنشاء صندوق انتعاش بقيمة 750 مليار يورو (850 مليار دولار)، وتحويل الموارد من الدول الأقوى إلى الأضعف بهدف إعادة بناء أوروبا. وقال إن "هناك إطارا مؤسسيا قيد التنفيذ يمكن أن يؤدي في النهاية إلى اتحاد مالي يساعد على تعزيز اتحاد سوق رأس المال."

مشاكل التجارة

وقد لفت آخرون الانتباه إلى الانخفاض الكبير في التجارة العالمية، حيث قالت ميريت جانو، عميدة كلية الشؤون الدولية والعامة بجامعة كولومبيا، إن هذا الانخفاض يحدث في سياق تنامي نزعات القومية والتوترات الجيوسياسية والضغط حول المؤسسات متعددة الأطراف - وكلها تؤكد ضعف سلاسل التوريد العالمية.

وأكدت أن الأولوية الأولى يجب أن تكون لإبقاء نظام التجارة العالمي مفتوحا. وستكون هناك حاجة إلى مناهج عملية لحل المشكلات، والتي قد تتخذها البلدان بصورة محلية أو من خلال "تحالفات الراغبين." وأشارت إلى أنه عندما تم حل هيئة الاستئناف التابعة لمنظمة التجارة العالمية، اتفقت مجموعة من البلدان على التحكيم لبعض الأغراض.

أفريقيا بحاجة إلى 4 ملايين معلم

وفي مناقشة ثانية حول "تقييم حالة الاقتصاد العالمي ومسارات الانتعاش،" قالت كريستينا دوارتي، مستشارة الأمين العام الخاصة لأفريقيا، والتي شغلت سابقا منصب وزيرة المالية والتخطيط والإدارة العامة في جمهورية كابو فيردي، إن التعافي بشكل أفضل في أفريقيا يتطلب إلقاء نظرة على دواعي تأخر الأنظمة برغم النمو المتواصل على مدى 25 عاما من النمو المتواصل.

وقالت إن على أفريقيا أن تعبئ نفسها - بخلاف حلول الطوارئ - لفهم طبيعة ونوعية النمو الاقتصادي. لم تكن القارة شاملة اجتماعيا قبل تفشي الجائحة، حيث كانت تفتقر إلى توفير الوظائف لنحو 60 في المائة من شبابها.

وقالت مستشارة الأمين العام إن أفريقيا بحاجة إلى 4 ملايين معلم ومليون إلى مليوني متخصص في الصحة - والأهم من ذلك - التخلي عن الأفكار التي تساوي بين إدارة الفقر وإدارة التنمية.

يجب أن تكون مسألة إعادة توزيع الدخل، بدلا من النمو الاقتصادي، في قلب جميع استراتيجيات الانتعاش.

أما هيزو تاكيناكا من جامعة تويو اليابانية، فقال إن تجربة اليابان مع كوفيد-19 كشفت عن الحاجة إلى التفكير بعناية في أنظمة الحوكمة المعمول بها أثناء الطوارئ.

أساتذة في جنوب السودان خلال مشاركتهم في حلقات إذاعية تعليمية في راديو مرايا، التي تديرها بعثة الأمم المتحدة في البلاد.
UNMISS
أساتذة في جنوب السودان خلال مشاركتهم في حلقات إذاعية تعليمية في راديو مرايا، التي تديرها بعثة الأمم المتحدة في البلاد.

 

خلفية تاريخية

بشكل عام، قال الاقتصادي جوزيف ستيغليتز، الفائز بجائزة نوبل، إنه في الوقت الذي تشتد فيه الحاجة إلى مزيد من التعاون العالمي، فإن القوى الشديدة تزعزع الاقتصاد العالمي.

وبرغم إشارته إلى أن "النزعة الحمائية التي ينتهجها ترمب" ستأخذ مسارا ثانويا، إلا أنه قال إن المشكلة الأعمق هي أن سلاسل التوريد لم تكن مرنة، وبدلا من ذلك جعلت البلدان عرضة للخطر.

ووصف اختفاء نبرة التفاؤل السائدة بعد الحرب الباردة بأن البلدان كانت تتلاقى حول النماذج الديمقراطية الليبرالية واقتصاديات السوق الحرة. وفي ظل الاضطراب الذي أحدثه كـوفيد-19، فإن الاستبداد آخذ في الازدهار الآن في بعض أجزاء العالم، مما أدى إلى انقسام بين الدول. وأوضح قائلا:

"بعد كوفيد-19، سيكون للعالم بنية مختلفة تماما، بغض النظر عمن سيحكم الولايات المتحدة، وبغض النظر عما سيحدث حول العالم".

أسوأ تراجع منذ الكساد الكبير

وقال الخبير الاقتصادي الدولي إن الانكماش الاقتصادي العالمي سيكون الأسوأ منذ الكساد الكبير - وفي أبعاد كثيرة، سيكون أسوأ من الكساد نفسه. "يجب أن نستخدم الكم الهائل من التدخل الحكومي في البلدان ... لخلق عالم جديد أكثر انسجاما مع وجهات نظرنا حول ما يجب أن تكون عليه مجتمعاتنا."

البلدان التي حققت أداء جيدا لديها ثقة عالية في الحكومة، وتضامن اجتماعي مرتفع، وفهم العوامل الخارجية المرتبطة بانتشار الأمراض، والثقة في العلوم. وأضاف أن "40 عاما من تشويه دور الدولة يعني أنه في بعض البلدان، لم تكن الدولة قادرة على أداء دور ضروري."