منظور عالمي قصص إنسانية

سوريا تشهد أكبر موجة نزوح للمدنيين منذ بدء الصراع في 2011، والأمين العام يدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار

طفل يسير على الثلج في أحد المواقع غير الرسمية التي تأوي النازحين الجديد من جنوب إدلب وريف حلف في شمال غرب سوريا.
© UNICEF/Baker Kasem
طفل يسير على الثلج في أحد المواقع غير الرسمية التي تأوي النازحين الجديد من جنوب إدلب وريف حلف في شمال غرب سوريا.

سوريا تشهد أكبر موجة نزوح للمدنيين منذ بدء الصراع في 2011، والأمين العام يدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار

السلم والأمن

أعرب الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش عن قلقه البالغ إزاء التدهور السريع في الوضع الإنساني في شمال غرب سوريا ومأساة معاناة المدنيين.

وأشار بيان منسوب إلى المتحدث باسمه إلى "أن استمرار الحملة العسكرية تسبب في نزوح نحو 900 ألف مدني منذ الأول من كانون الأول/ديسمبر 2019، وغالبا ما يكون النزوح لأكثر من مرة. وقد قُتل المئات في تلك الفترة أيضا." وقال البيان إن الأطفال الصغار يموتون بسبب البرد، وقد امتدت المعارك الآن إلى المناطق المكتظة بالسكان. ولا يزال الناس يتنقلون في درجات الحرارة المتجمدة بحثا عن الأمان والذي أصبح أمرا صعبا، وفقا للبيان.

وطالب الأمين العام بوقف إطلاق النار فورا، والتمسك بالقانون الإنساني الدولي. مجددا التأكيد على أن الحل العسكري غير ممكن وأن الطريق الوحيد للاستقرار هو عبر حل سياسي ذي مصداقية وشامل بتيسير من الأمم المتحدة بموجب قرار مجلس الأمن 2254 (2015).

إدانة واسعة للعنف

هذا وقد أدانت مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان الانتهاكات المتواصلة للقانون الإنساني الدولي على يد العديد من أطراف النزاع في سوريا وإفلاتهم من العقاب، ودعت جميع الأطراف، الحكومية وغير الحكومية، لوقف القتال فورا وضمان حماية المدنيين.

وأعربت ميشيل باشيليت، في بيان صدر اليوم الثلاثاء، عن القلق "إزاء فشل الدبلوماسية التي يجب أن تضع حماية المدنيين قبل أي انتصارات سياسية وعسكرية."

وقد وثقت مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان مقتل 298 مدنيا في إدلب وحلب منذ الأول من كانون الثاني/يناير، 93% منهم قُتلوا بنيران القوات الحكومية وحلفائها.  

وبحسب تقديرات الأمم المتحدة، نزح أكثر من 900 ألف شخص، 80% منهم نساء وأطفال، منذ الأول من كانون الأول/ديسمبر، وهو ما يمثل أكبر نزوح للمواطنين منذ بدء الصراع في 2011.

وقالت باشيليت إن المدنيين الذين يفرّون من العنف يتكدسون في مناطق ليس فيها ملاجئ آمنة وتتضاءل مساحة تلك المناطق كل ساعة. وأضافت أن ثمّة مخاطر متزايدة بعدم السماح للمدنيين بالعبور من إدلب إلى أي منطقة أخرى في سوريا.

مخيمات تتعرض للقصف

كما وثقت المفوضية تعرّض مخيمات النزوح، إما للقصف المباشر أو للأضرار، بسبب استهداف مواقع مجاورة. وذكرت المفوضية تعرّض مخيم "فحيل العز" قرب بلدة سرمدا في شمال إدلب لقصف القوات الحكومية، في 14 شباط/فبراير، مما أسفر عن إصابة ثلاثة مدنيين بينهم سيدة. وفي اليوم التالي تعرّض مخيم "المثنى" للقصف ما أدى إلى مقتل مدني وإصابة ستة آخرين بجراح بينهم امرأة وصبي. وقالت باشيليت:

"ما من مكان آمن. ومع استمرار العملية الحكومية وإجبار الناس على التكدس في جيوب تصغر أكثر فأكثر، أخشى على حياة المزيد من الناس."

ودعت الحكومة السورية وحلفاءها إلى السماح بإنشاء ممرات إنسانية للوصول إلى مناطق النزاع والسماح بإنشاء ممرات آمنة لعبور المدنيين.

أكثر من نصف مليون طفل نازح

نساء وأطفال يستقلون شاحنة أثناء فرارهم من العنف في سراقب وأريحا في جنوب ريف إدلب بسوريا.
© UNICEF/Forat Abdoullah
نساء وأطفال يستقلون شاحنة أثناء فرارهم من العنف في سراقب وأريحا في جنوب ريف إدلب بسوريا.

 

بدورها، ذكرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) أن من بين النازحين أكثر من نصف مليون طفل نزحوا منذ الأول من كانون الأول/ديسمبر 2019، ويعيش عشرات الآلاف مع أسرهم في خيام وفي العراء يجابهون برودة الطقس وتساقط الأمطار.

ووثقت يونيسف مقتل وإصابة 77 طفلا منذ بداية العام بسبب تصاعد العنف في المنطقة.

الوضع في شمال غرب سوريا لا يطاق، حتى بالمعايير السورية القاتمة -- هنرييتا فور

وقالت المديرة التنفيذية ليونيسف، هنرييتا فور:

"الوضع في شمال غرب سوريا لا يطاق، حتى بالمعايير السورية القاتمة. فالأطفال وأسرهم عالقون بين العنف والبرد القارس ونقص الطعام وظروف معيشية بائسة. مثل هذا التجاهل الشديد لسلامة ورفاهية الأطفال والأسر هو أمر يتجاوز الحدود ولا ينبغي أن يستمر."

وتعمل اليونيسف مع شركائها على إيصال المساعدات المنقذة للحياة للعائلات التي تحتاج إليها، تشمل مستلزمات للحفاظ على النظافة الشخصية ومياه مأمونة للشرب وملابس دافئة للشتاء وعلاج سوء التغذية، بالإضافة إلى التعليم والدعم النفسي.

وقالت فور: "لا تزال المذبحة في شمال غرب سوريا تلحق خسائر فظيعة بالأطفال، حان وقت إسكات البنادق ووقف العنف مرة واحدة وإلى الأبد." ودعت أطراف النزاع إلى حماية الأطفال والبنى التحتية التي يعتمدون عليها، ومنح العائلات فترة راحة والسماح للعاملين الإغاثيين بالاستجابة إلى الاحتياجات الكبيرة بموجب القانون الإنساني الدولي.

تعليق عمل 74 مرفقا طبيا

وحتى تاريخ 18 شباط/فبراير، أفادت منظمة الصحة العالمية بتعليق 74 مرفقا صحيا خدماته في إدلب وحلب منذ الأول من كانون الأول/ديسمبر، وهو ما أثر بشكل مباشر على حصول المدنيين على الرعاية الصحية.

وقالت المنظمة إن الأطفال معرّضون أكثر من غيرهم لانخفاض درجة حرارتهم والتهابات الجهاز التنفسي، وبسبب انعدام المأوى فإن الكثير منهم ينام في العراء مع عائلاتهم ولهذا فهم معرّضون لخطر المرض.

وأشارت منظمة الصحة العالمية في بيانها إلى أن واحدا من بين كل ثلاثة مراكز تطعيم في شمال غرب سوريا توقف عن العمل إما مؤقتا أو بشكل دائم بسبب تصاعد العنف وبسبب هجران البلدات إلا أن المنظمة ستواصل القيام بحملة للتطعيم ضد شلل الأطفال الشهر المقبل.

 * اقرأ أيضا: 142 ألف نازح في شمال غرب سوريا خلال أربعة أيام

استهداف المستشفيات

وكشفت منظمة الصحة العالمية عن تعرّض مستشفيين مساء الاثنين إلى هجومين منفصلين. وتوقف مستشفى كنانة العام في دارة عزة في حلب عن العمل بعد أن كان يقدم خدمات لنحو 50 ألف شخص ويقدم ما معدله 10،000 استشارة طبية شهريا.

كما تعرّض مستشفى الفردوس للتوليد ورعاية الطفل لأضرار طفيفة ولكن من غير الواضح ما إذا كان سيواصل عمله. وقالت المنظمة "بذلك يرتفع عدد الهجمات التي استهدفت المرافق الصحية إلى ستة في شمال غرب سوريا وقتل خلالها عشرة أشخاص وأصيب 30 آخرون بجراح، علاوة على حرمان المدنيين من الحصول على الخدمات الصحية.

وأكدت منظمة الصحة العالمية أنها ستقوم في الأيام المقبلة بإرسال عقاقير ومستلزمات طبية ضرورية، عبر الحدود مع تركيا إلى سوريا، لعلاج الصدمات وتقديم الرعاية الجراحية في إدلب وحلب، بالإضافة إلى نقل الأدوية لعلاج الأمراض غير المعدية وتقديم الرعاية الأولية للمرضى.

أزمة متفاقمة

يعيش المدنيون ومعظمهم نساء وأطفال تحت قصاصات من الأغطية البلاستيكية مع تجمّد الطقس -- ميشيل باشيليت

وأعربت باشيليت عن فزعها بسبب النطاق الذي بلغته الأزمة الإنسانية في شمال غرب سوريا، وقالت:

"إن المدنيين ومعظمهم نساء وأطفال يعيشون تحت قصاصات من الأغطية البلاستيكية مع تجمّد الطقس ويُقصفون. المأساة هي أن عائلات بأكملها، بعضها فرّ من زاوية في سوريا إلى أخرى على مدار العقد الماضي، تجد القصف جزءا من حياتها اليومية، كيف يمكن لأحد أن يبرر مثل هذه الهجمات التي لا تفرق بين أحد وغير الإنسانية؟"

وقد شنّت قوات الحكومة السورية هذا الشهر عملية عسكرية كبيرة لإعادة السيطرة على إدلب وحلب. ووثقت المفوضية من 1 حتى 16 شباط/فبراير مقتل 100 مدني على الأقل بينهم 18 سيّدة و35 طفلا، وإصابة الكثير من المدنيين بجراح بسبب الهجمات الجوية والبرية التي شنتها القوات الحكومية وحلفاؤها. وبالإضافة إلى ذلك، قُتل سبعة مدنيين، بينهم ثلاثة أطفال وامرأتان بسبب القصف المدفعي من قبل مجموعات مسلحة غير حكومية.

سوريا تشهد أكبر موجة نزوح للمدنيين منذ بدء الصراع في 2011