منظور عالمي قصص إنسانية

أحلام وقيود: مع أسرة في مخيم للاجئي فلسطين في غزة

أم إيهاب، يمين الصورة، مع أبنائها وشقيقتيها في منزلها في مخيم الشاطئ للاجئي فلسطين في غزة.
UN News/Reem Abaza
أم إيهاب، يمين الصورة، مع أبنائها وشقيقتيها في منزلها في مخيم الشاطئ للاجئي فلسطين في غزة.

أحلام وقيود: مع أسرة في مخيم للاجئي فلسطين في غزة

المساعدات الإنسانية

بعد السير في شوارع ضيقة ضعيفة الإضاءة، وصلنا إلى منزل أسرة النمنم في مخيم الشاطئ غرب مدينة غزة. في المنزل الصغير الذي لا تتجاوز مساحته 60 مترا يقيم 14 فردا. تحدث أفراد الأسرة عن مشاكلهم. الأم التي تخاف أن يسافر ابنها الأكبر ويترك الأسرة فيما يعاني زوجها من مشاكل صحية، الابن الشاب الذي يحلم بالخروج من غزة سعيا وراء حلم الحياة الأفضل له ولأسرته. والابنة المتعثرة في المدرسة وعلى وشك أن تتركها، والأب الذي يقول إن أي وقف محتمل للدعم المقدم من الأونروا سيكون مثل الحكم بالإعدام بالنسبة له.

استقبلتنا الزوجة التي فضلت أن نناديها بأم إيهاب، ودخلنا معها غرفة صغيرة بالمنزل تجمع بها أفراد الأسرة، وشقيقة أم إيهاب الزائرة.

"اسمي أم إيهاب، أبلغ من العمر 45 عاما، أعيش في هذا المنزل في مخيم الشاطئ مع 13 شخصا. عندما تهطل الأمطار، يفيض البيت بالمياه. كل أولادي ينامون هنا. ابني عمره 27 عاما ينام خارج الغرفة، وابني الآخر أيضا وعمره 18 عاما ينام في المطبخ. الوضع مأساوي في داري."

Soundcloud

تحدثت أم إيهاب عن المساعدات العينية التي تتلقاها الأسرة من وكالة الأونروا *(وكالة إغاثة وتشغيل لاجئي فلسطين) مثل السكر والأرز. ورغم أن المساعدات لا تكفي استهلاك الأسرة بالكامل، إلا أن أم إيهاب قالت إن هذه المساعدة تجنب الأسرة حالة العدم التام المحتومة إذا توقف دعم الأونروا بسبب الوضع المالي للوكالة.

"لولا مساعدات الأونروا سننعدم تماما. إذا توقفت المساعدات، قد اضطر إلى إرسال أبنائي للشحاذة في الشوارع. ابني في السابعة والعشرين من العمر، ولا يعمل. كان يبكي بالأمس بالدموع، وأخذته خالته وجلست معه قبالة البحر لتروح عنه. هو في السابعة والعشرين من عمره ولا يملك مالا حتى لحلاقة شعره. صار يبكي من الوضع، يشعر بعدم وجود مكان أو مستقبل له هنا، فلا توجد أي فرص للعمل."

الزوج عاطف محمد النمنم قال إنه يتمنى أن يسافر ابنه لتتوفر له فرصة عيش حياة أفضل، ولكن الأم أصرت على ضرورة أن يبقى في غزة، فدار بين الزوجين الحوار التالي.

الأم: يا رب تفرج الأوضاع على الشباب.

الأب (موجها حديثه لي): بالله عليك ساعدي ابني على السفر.

الأم: لا أريده أن يسافر، أنت مريض. ما الذي سيحدث لنا إذا أصبت أنت بمكروه؟ لا أريده أن يسافر.

الأب: أنا أريده أن يسافر ليصنع مستقبله. هل يجب أن يدمر حاله من أجلي؟ إما أن يعمل أو يسافر.

أحد الشوارع الضيقة في مخيم الشاطئ للاجئي فلسطين في غزة.
UN News/Reem Abaza
أحد الشوارع الضيقة في مخيم الشاطئ للاجئي فلسطين في غزة.

نادت الأم على ابنها إيهاب ليجلس معنا ويتحدث عن مشاكله. جاء إيهاب ووافق على إجراء الحوار بشرط ألا نلتقط له صورة أو فيديو. قد يكون دافعه في ذلك شعوره بعدم الارتياح بظهور صورته مرتبطة بوضع يائس وهو الشاب الفخور الذي يطمح إلى التمتع بحياة أفضل بكثير من المتاح له في غزة.

معدل البطالة في غزة يقدر بخمسين في المئة، وترتفع النسبة بين الشباب لتصبح سبعين في المئة. جيمي ماكغولدريك منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية قال في حوار مع أخبار الأمم المتحدة إن سكان غزة يتمتعون بالقوة والقدرة على الاعتماد على النفس.

" 7 من بين كل 10 شباب في غزة عاطلون عن العمل. ما نحاول فعله هو تنفيذ مشاريع العمل مقابل النقد، وبرامج التدريب لتزويد الناس بالمهارات المهمة. ولكن جلب المواد اللازمة للعمل في حرفة ما صعب للغاية، كما يصعب تصدير المنتجات من غزة بسبب القيود المفروضة على القطاع. البيئة صعبة جدا للتنمية الاقتصادية، ونتيجة لذلك ينهار الاقتصاد. وهناك أيضا الوضع المالي الصعب للأونروا، الناس عاطلون عن العمل أو يفقدون وظائفهم ولا يجدون المساعدات الكافية، كل ذلك يضيف مزيدا من الضغوط على البيئة الهشة والصعبة."

ويخضع قطاع غزة منذ أكثر من عشر سنوات لإغلاق مفروض من السلطات الإسرائيلية، كما يعاني القطاع من الانقسام الفلسطيني المستمر منذ سنوات.

نعود إلى منزل عائلة النمنم في مخيم الشاطئ في قطاع غزة، سألت الشاب إيهاب عن فرص العمل فقال:

"أعطني الشغل، أين الشغل؟ قابلت مهندسا وطلب مني أن أعمل معه بدءا من الساعة السابعة صباحا حتى الخامسة بعد الظهر مقابل 20 شيكلا (حوالي 5 دولارات). وافقت. ماذا أفعل؟ لا يوجد بديل. معظم أصدقائي سافروا إلى اليونان أو تركيا، تركوا غزة، أصلا غزة ميتة، الكل يجري وراء مصلحته."

وقال إيهاب إن الانقسام الفلسطيني هو السبب الأول لما يحدث في غزة. وأعرب عن إحباطه واليأس من أن يتغير أي شيء، رافضا الفكرة التي تراود والدته أحيانا بأن تزوجه.

"لا ليس لدي أي أمل ولا حتى 1%. مضت علينا 12 سنة، ماذا فعلنا؟ إذا كان هناك شيء سيتغير، لكان تغير بالفعل. تفكرون في أن أتزوج، ماذا بعد الزواج بدون عمل؟ إذا جئت ببنت الناس ثم مرضت فاحتاجت علاجا أو حملت، ماذا ستفعل؟ ما ذنبها؟ لماذا نصبح همين بدلا من هم واحد".

عاطف النمنم وأسرته في منزله في مخيم الشاطئ للاجئي فلسطين في غزة.
UN News/Reem Abaza
عاطف النمنم وأسرته في منزله في مخيم الشاطئ للاجئي فلسطين في غزة.

الأب عاطف النمنم قال إن توقف الدعم المقدم من الأونروا، إذا حدث، يعني الإعدام بالنسبة له.

"أنا مسؤول عن هذا البيت، وأنا مريض أصبت بجلطة في المخ وخضعت لعمليتين جراحيتين في القلب وعندي غضروف ومشاكل في الكلى. لا أستطيع تحمل تكلفة الدواء، الصيدلي يطردني عندما أذهب للصيدلية لأحضر الدواء، وعندما أطلب منه أن يصبر على النقود يرد بأنه لا يستطيع الانتظار لتدفع لي كل 3 أو 4 أشهر. ماذا أفعل؟ لا أستطيع تكلفة ثمن أنبوبة الغاز، أريد شراء البندورة ولا أستطيع، ليس لدي زيت في المنزل. ماذا أفعل؟ مساعدات الوكالة لا تكفينا، فكيف سيكون الحال إن توقفت، سيعني ذلك الإعدام بالنسبة لنا."

يقول عاطف النمنم إن الوضع في غزة لم يكن بهذه الصعوبة في الماضي، إذ كانت فرص العمل متوفرة وكان الجميع يعملون ولهم دخل مالي. كان النمنم يجد من يساعده، إذا احتاج لاقتراض مبلغ من المال، ولكن الآن الأزمة تطال الجميع.  

نسمة وشمس النمنم رسبتا في الشهادة الثانوية ولم تتمكنا من إعادة السنة الدراسية، وفي كل الأحوال يقول والدهما عاطف إنه لن يتمكن من تحمل تكلفة دراستهما الجامعية.

يرى إيهاب أن الحل الوحيد لمشاكله هو السفر بعيدا عن غزة، فسارعت والدته بانتقاد فكرة السفر. وفي إطار حديث إيهاب عن أهمية المساعدات المقدمة من الأونروا للاجئين، قال إنه يتمنى أن يتمكن من الاستغناء عن المعونة إذا توفرت له فرص العمل.

"ما زال لدي أمل، لم أيأس أبدا في حياتي من الدنيا، والله أنا مثل الجبل. ولكن أحيانا يشعر الفرد بأن جناحيه تكسرا. بالنسبة لي أفضل أن أعمل وأن تؤخذ مني المؤن والمساعدات. أريد أن أعمل وسأتنازل عن المساعدات، ولكن لا توجد فرص عمل. كيف يمكن أن يعيش الناس؟"

تقدم *الأونروا (وهي وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل لاجئي فلسطين في الشرق الأدنى) "المساعدة والحماية والدعم لحوالي خمسة ملايين لاجئ من فلسطين في الأردن ولبنان وسوريا والأرض الفلسطينية المحتلة وذلك إلى أن يتم التوصل إلى حل لمعاناتهم."

وتعتمد ميزانية الأونروا على الدعم السخي من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والحكومات الإقليمية، إذ يمثل هذا الدعم أكثر من 92 في المائة من المساهمات المالية للوكالة.

مرت الأونروا بأزمة مالية طاحنة غير مسبوقة العام الماضي بعد قرار الولايات المتحدة بتقليص مساهماتها للوكالة بشكل حاد.

المزيد عن تمويل الأونروا.