منظور عالمي قصص إنسانية

التحرر من كافة أشكال التمييز.. كيف وسعت المادة الثانية من إعلان حقوق الإنسان حقوق مجموعات لم تكن في صميم النقاش في الماضي

أرشيف: أطفال صغار يقرأون الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
صور الأمم المتحدة
أرشيف: أطفال صغار يقرأون الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.

التحرر من كافة أشكال التمييز.. كيف وسعت المادة الثانية من إعلان حقوق الإنسان حقوق مجموعات لم تكن في صميم النقاش في الماضي

حقوق الإنسان

تنص المادة الثانية من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أن " لكل إنسان حق التمتع بجميع الحقوق والحريات المذكورة في هذا الإعلان، دونما تمييز من أي نوع، لا سيما التمييز بسبب الأصل، أو اللون، أو الجنس، أو اللغة، أو الدين، أو الرأي سياسيا كان أو غير سياسي، أو الأصل الوطني أو الاجتماعي، أو الثروة، أو المولد، أو أي وضع آخر."

هاتان الكلمتان الأخيرتان من المادة الثانية، "وضع آخر"، تم الاستشهاد بهما لتوسيع قائمة الأشخاص المحميين بشكل خاص. كما انعكست لغة هذه المادة في عدد من الصكوك الإقليمية، مثل الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب، والاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان، والاتفاقية الأوروبية لحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية.

وقد وضعت الأمم المتحدة مجموعة من الحقوق في عدد من المعاهدات تستند إلى المادة الثانية، بما في ذلك اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، التي تم اعتمادها عام 2006. وهذه المادة أساسية أيضا للجهود الحالية لحماية المجموعات التي تواجه الاضطهاد، حتى تلك غير المشمولة بشكل محدد في اتفاقية دولية معينة.  

عندما تمت صياغة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان قبل 70 عاما، لم يكن هناك الكثير من التوافق على العديد من النقاط. غير أن المادة الثانية، وتأكيدها على أن "حقوق الإنسان ملك للجميع"، كانت أساسا لتوضيح الحقوق المتعلقة بالعمر والإعاقة وغيرها من الموضوعات التي لم تكن على طاولة القضايا عام 1948.

وفي ذلك الوقت، ذكّر هرنان سانتا كروز مندوب دولة تشيلي آنذاك زملاءه بأن المادة الثانية توسع بشكل مهم الأحكام الأساسية لميثاق الأمم المتحدة، وعلق قائلا: "لقد تأسست الأمم المتحدة أساسا لمكافحة التمييز في العالم".

ويجدر الإشارة هنا إلى أن بلدان الكتلة الشيوعية قد دفعت بشدة منذ البداية لوضع لغة واضحة في الإعلان ضد التمييز.

ولا يستقيم الأمر بدون التطرق إلى آثار التمييز على حياة البشر، فعلى سبيل المثال في المجتمع الهندي المحافظ اجتماعيا، شعر مهندس نظم المعلومات أخليش غودي أنه بالكاد موجود. كان خائفا ويصارع أسئلة حول حياته وميوله الجنسية، وكان يخشى طلب المساعدة لأنه يعتقد أنه حتى المعالج سيصفه بأنه مجرم، بموجب قوانين الهند ضد المثلية الجنسية. وقال أشخاص آخرون من المثليين والمتحولين جنسيا في الهند إنهم واجهوا تمييزا شديدا أو ابتزازا بسبب حظر على ممارسة الجنس مع المثليين يعود إلى منتصف القرن الثامن عشر، إبان حقبة الاستعمار الإنجليزي.

غودي قرر أن يكسر حاجز الصمت، وكان واحدا من بين 20 طالبا وطالبة من المثليين من مختلف المعاهد التكنولوجية، بمن فيهم امرأتان وأخرى متحولة جنسيا، حصلوا على حكم من المحكمة العليا في الهند في سبتمبر الماضي بإلغاء قانون الحقبة الاستعمارية. لم يقم القضاة ببساطة بإلغاء تجريم ممارسة الجنس المثلي. بل حكموا أنه من الآن فصاعدا سيتم منح الهنود المثليين جميع أشكال الحماية الدستورية. وقد رحبت الأمم المتحدة بهذا القرار، الذي قال إن "التوجه الجنسي والتعبير عن الجنس يمثلان جزءا لا يتجزأ من هوية الفرد في جميع أنحاء العالم".

وقد حددت المادتان الأولى والثانية نبرة الإعلان بأكمله بمنعهما التمييز. كلا المادتين لا تزال تؤثران على المعايير الدولية الجديدة والمتطورة.

عام 2006، أوضحت مفوضة الأمم المتحدة السابقة لحقوق الإنسان لويز أربور أن اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة أشارت إلى أن "الاحتفال بالتنوع وتمكين الفرد أساس حقوق الإنسان،" مضيفة أن الاتفاقية تخيلت "دورا نشطا بالكامل" للأفراد ذوي الإعاقة.

وقد صيغت هذه الاتفاقية بمشاركة الأشخاص ذوي الإعاقة، مبتعدة بذلك عن النموذج القديم المتمثل في وضع قانون حول أناس بعينهم دون الأخذ برأيهم.

ولكن يظل الأشخاص ذوو الإعاقة غير مرئيين وغير قادرين على التمتع بالنطاق الكامل لحقوق الإنسان. إذ يعيش عدد غير متناسب منهم في البلدان النامية، وغالبا ما يتم تهميشهم ويقعون تحت وطأة الفقر المدقع. وهو واقع تهدف هذه الاتفاقية إلى تغييره، لضمان تمتع الأشخاص ذوي الإعاقة فعليا بالحقوق والكرامة نفسها التي يتمتع بها الجميع.

وهذا النهج القائم على الحقوق تناولته أيضا الشعوب الأصلية وغيرهم ممن يحاولون وضع حد للتمييز على أساس التوجه الجنسي والهوية الجنسانية أو أي أساس. ولذا فليس من الضروري إنشاء مجموعة جديدة من الحقوق الخاصة بمجموعة بعينها، أو وضع معايير دولية جديدة لحقوق الإنسان. كل ما هو مطلوب لحماية تلك الفئة من العنف والتمييز هو احترام الحقوق القائمة بالفعل.

وهناك ترابط وثيق بين المواد الثلاث الأولى للإعلان. ويعود ذلك إلى صانعة حرفية من الصين تدعى بينغ تشونغ تشانغ، كانت على دراية كبيرة بالفلسفة الشرقية والغربية. بينغ اقترحت أن تعكس المواد الأولى للإعلان الأفكار الرئيسية للفلسفة السياسية في القرن الثامن عشر حول الحقوق: أي الأخوة التي تردد صداها في المادة الأولى، والمساواة كما رأينا في المادة الثانية، والحرية التي سنتطرق إليها في حديثنا عن المادة الثالثة.