منظور عالمي قصص إنسانية

حوار مع فادي طيار، المسؤول الإعلامي بمنظمة الأونروا في لبنان

حوار مع فادي طيار، المسؤول الإعلامي بمنظمة الأونروا في لبنان

أخبار الأمم المتحدة: أولا حدثنا عن نشأتك هنا في لبنان؟ أين ولدت وترعرعت؟

فادي الطيار: أنا اسمي فادي الطيار، ولدتُ في مخيم نهر البارد (شمال لبنان). طبعا مخيم نهر البارد هو مخيم من بين 12 مخيما للاجئين الفلسطينيين الموجودة في لبنان. عندما نتحدث عن مخيم للاجئين، نحن نتحدث عن بقعة جغرافية صغيرة جدا، تعيش فيها مجموعة كبيرة من الناس، هؤلاء الناس يعانون من ظروف صعبة سواء من ناحية السكن سواء من ناحية البنى التحتية سواء من نواحي البطالة، نواحي الفقر، نواحي القيود المفروضة على حقوق العمل وبالتالي هذه هي الظروف الصعبة التي يعيشها اللاجئون في لبنان. هذه الظروف أصبحت أسوأ بفعل الأزمات المستجدة التي حصلت في لبنان (الأزمة المالية والاقتصادية وأزمة كورونا). الظروف بالتالي ازدادت سوءا، اللاجئون الفلسطينيون اتجهوا أكثر فأكثر إلى الأونروا للمساعدة، الأونروا تعاني من صعوبات (وأنتم تعرفون عن هذا الموضوع) بالتالي هذا هو واقع الحال الموجود حاليا في لبنان. 

أخبار الأمم المتحدة: ذكرت أنك ولدت هنا. ماذا عن والديك؟ هل ولدا هنا أم هاجرا من فلسطين؟

فادي الطيار: والدي هاجر من فلسطين بعمر العشر سنوات. ولدتي ملدت في أثناء خروج أهلها من فلسطين إلى لبنان. والدي دائما كان يتحدث إلينا عن حياته في فلسطين، كان دائما يمزج بين الحنين وبين الألم حين يتحدث عن هذا الموضوع، يتحدث عن ذكرياته وعن طفولته، والأماكن التي كان يلعب فيها، عن الأشخاص الذين كان يلتقي بهم، يتحدث عن والده وعن الأرض التي كان يعيش فيه والده وكان يعمل فيها والده. فبالتالي يحاول قدر المستطاع أن يتذكّر ما يتذكر بألم وبغصة وكان دائما عنده أملم أن يعود يوما ما إلى ذلك المكان.

أخبار الأمم المتحدة: يعني ذكرته عن فلسطين هي فقط من خلال السنوات العشر الأولى من حياته، لم تتسن له الفرصة بعد ذلك لزيارة الوطن؟

فادي الطيار: نعم ذكرته فقط (عن فلسطين) ضمن السنوات العشر حين كان طفلا وبالتالي هو يحاول قدر المستطاع أن يستجمع ما يستجمع من هذه الذاكرة.

أخبار الأمم المتحدة: كيف أمضيت طفولتك كلاجئ في لبنان؟ وكيف كانت سنوات الدراسة في الأونروا؟

فادي الطيار: نعم، أنا كطفل من أطفال اللاجئين الفلسطينيين قضيت طفولتي في المخيم. حين أتذكّر المخيم وأتذكّر طفولتي، أتذكّر اللعب بالتحديد كونه هو الشيء الذي يرتبط ارتباطا وثيقا بالطفل، وكم كان يحز بأنفسنا نحن كأطفال في المخيمات أننا لا نملك مساحات واسعة، لا يوجد أماكن واسعة ليعلب فيها الأولاد، لا يوجد أماكن للترفيه. وبالتالي كنّا نجد المكان الوحيد الذي يمكن أن نلعب به هو مدارس الأونروا.  

أنا تعلمت في مدارس الأونروا وأفتخر أنني تعلمي في مدارس الأونروا. كان هناك مساحات واسعة نستطيع أن نلعب فيها بملاعب مدارس الأونروا. لم يكن موضوع المدرسة فقط يتعلق بالترفيه وإنما أيضا هناك مسألة التعليم التي هي مسألة مهمة جدا بالنسبة إلينا كلاجئين فلسطينيين نواجه ما نواجه ونعاني ما نعاني، كنّا متمسكين وما زلنا متمسكين بالتعليم لأننا نرى فيه الأمل ونرى فيه الأفق الوحيد حتى نستطيع أن نغير ظروف حياتنا. اللاجئون الفلسطينيون نعم هم لاجئون ولكن لديهم مواهب. وبالتالي التعليم هو الوسيلة الوحيدة التي يمكن لهذا اللاجئ ن يلجأ إليها من أجل أن يغير من ظروف حياته.

أخبار الأمم المتحدة: تعقيبا على الذي ذكرته بأن اللاجئين الفلسطينيين لديهم القدرة وهذا الشغف بالمثابرة على العمل، هناك شاب فلسطيني في غزة (لؤي البسيوني) اتجه إلى وكالة ناسا، هو كان من بين التلاميذ الذين تعلموا في مدارس الأونروا ووصل إلى مرتبة عالية وجميلة جدا... 

فادي الطيار: طبعا حين نسمع عن أطفال فلسطينيين أو شباب فلسطينيين تمكنوا من بلوغ مراحل قيادية مهمة وأماكن مهمة في مختلف أنحاء العالم رغم كل الظروف، هذا يشعرنا بالفخر تمام ويحفزنا أكثر لأن نعمل ونثابر من أجل أن نحقق نحن أيضا ما نستطيع أن نحققه في ظل كل هذه الظروف الصعبة والقاتمة التي نواجهها. نحن لن نفقد الأمل، رغم كل الظروف، لن نفقد الأمل لأنه الشيء الوحيد الذي مكن أن نتمسك به في ظل هذه الظروف الصعبة.

أخبار الأمم المتحدة: لمت لقد كنتَ من سكان نهر البارد ومن ثم تهجرت. يعني أنت أولا لاجئ في لبنان واختبرت أيضا النزوح واللجوء مرة أخرى. كيف تصف تجربة النزوح في بلد أنت أصلا تعيش لاجئا فيه؟ 

فادي الطيار: أنا من سكان نهر البارد، في عام 2007 حصلت حرب في مخيم نهر البارد، نزح بسبب هذه الحرب سكان نهر البارد. كان وقع ذلك صعبا على الجميع وأنا واحد من هذا المجتمع الذي واجه هذه المشكلة ولكن هذه التجربة جعلتني أفهم أكثر معنى اللجوء. أنا كنت أسمع من والدي عن اللجوء ولكن لم أكن أدرك معنى هذه الكلمة، أدركتها من خلال ما حصل في مخيم نهر البارد بالمفهوم العملي، أدركت ما معنى أن تكون في مكان معين وفي يوم وليلة تضطر أن تخرج من هذا المكان إلى مكان آخر لتعيش فيه، تترك كل شيء حتى تبحث عن الأمن والأمان. تترك طموحاتك، تترك أحلامك وتعيش ظروفا قاسية وصعبة، ظروفا نفسية صعبة وأيضا تصبح معتمدا على المساعدات من الآخرين.

هذا الشيء يحز في نفسك لأنك في نهاية إنسان موجود على هذا الأرض لديك أحلام مشروعة، لديك طموحات، لكن أن تأتيك ظروف مثل هذه الظروف لتضطر أن نغير خططك أن تغير تفكيرك وربما تعيش في ظروف كما قلت نفسية صعبة وصعبة للغاية. 

أخبار الأمم المتحدة: فادي أنت تعمل حاليا في الأونروا كمسؤول إعلامي، حدثنا عن خبرتك المهنية السابقة؟ ومن ثم كيف بدأت العمل في الأونروا؟ 

فادي الطيار: بعد انهائي صف 12 وحصولي على شهادة البكالوريا من الدولة اللبنانية اتجهت للدراسة في مركز سبلين للتدريب، لم أستطع الدخول على الجامعة بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة التي كان يعيشها والدي، لكنني واصلت المسيرة وذهبت إلى مركز سبلين تعلمين هناك بشكل مجاني من الأونروا. استطعت أن أتخرج من قسم دار المعلمين واستطعت الحصول على وظيفة مع الأونروا، وكان هذا بالنسبة لي على الصعيد الشخصي إنجاز خصوصا في ظل الظروف الصعبة التي يعيشها اللاجئون والقيود المفروضة على العمل إذ يعتبر أن تحصل على وظيفة في ظل هذه الظروف إنجازا هاما. وفي نفس الوقت كان هذا الأمر بالنسبة لي مسؤولية إضافية لأنني كنت أدرس في مدارس الأونروا والآن أنا أدرس في مدارس الأونروا وبالتالي أنا مسؤول عن أجيال. هذه الأجيال أريد أن أربيها أريد أن أعلمها، أريد أغرس فيها حب التعليم، أريد أن يفهم هؤلاء اللاجئون أن يملكونه من إمكانات ومن طاقات لا يمكن أن يذهب سدى بل يجب أن يذهب في المكان الصحيح وأنهم يستطيعون أن يغيروا في حياتهم: أن تكون لاجئا لا يعني أن الطرق قد سدّت في وجهك أنت تستطيع أن تحقق إنجازات وأنت أعطيت مثلا عن الشاب لؤي من غزة الذي استطاع أن يذهب إلى ناسا، هذا مثال واضح بأن إمكاناتنا وقدراتنا موجودة لكن ما ينقصنا هو الفرصة. هذه الفرصة نحن نبحث هنا وسنظل نبحث عنها حتى نحقق الأفضل. 

وبعد دخولي في مهنة التدريس، أكملت في الجامعة درست اختصاصين، درست إدارة الأعمال وحصلت على ماجستير فيها، وحصلت أيضا على شهادة جامعية في اللغة الإنكليزية وآدابها وأكملت في مسيرتي المهنية واستطعت أن أصل الآن إلى وظيفة المسؤول الإعلامي، في هذه الوظيفة لدي أيضا مسؤولية هامة وهي أن أضيء على مشاكل هؤلاء اللاجئين، ليس فقط على مشاكل هؤلاء اللاجئين وإنما أيضا أن أضيء على قصص نجاح هؤلاء اللاجئين. كيف أن هؤلاء اللاجئين في ظل الظروف الصعبة التي يوجهونها قادرون على التكيف مع هذه الظروف، قادرون على الإنجاز والإبداع رغم كل المآسي التي يعيشونها وهناك أمثلة كثيرة عن هذا الموضوع. 

أخبار الأمم المتحدة: نحن نعلم أن اللاجئين الفلسطينيين لا يستطيعون العمل في لبنان. هناك قيود كثيرة. أنت من بين القلائل المحظوظين. ماذا عن أترابك الذين يكافحون من أجل إيجاد فرصة عمل؟

فادي الطيار: طبعا موضوع العمل بالنسبة للاجئين الفلسطينيين هو موضوع صعب جدا. كما قلت هناك قيود مفروضة وبالتالي من يحصل على وظيفة يعتبر محظوظا. بالنسبة لي، أنا محظوظ ولكنني أشعر أيضا بالألم والغصة بالنسبة إلى أقراني وبالنسبة إلى الشباب الآخرين هؤلاء الشباب، الكثير منهم تخرجوا من الجامعات. هنالك أطباء ومهندسون وأناس وصلوا إلى مراحل متقدمة في تعليمهم ولكن الصعوبة في هي أنهم يجدوا عملا. وبالتالي فإن الأوضاع النفية لهؤلاء الشباب هي أوضاع كارثية ونحن ما نقلق منه كثيرا هو أن يتجه هؤلاء الشباب اتجاهات غير مرغوب فيها، إلى المخدرات مثلا أو إلى طرق غير شرعية للهجرة وأنت تعرفين ماذا تعني الطرق غير الشرعية للهجرة وما يحمله ركوب البحر وركوب قوارب وما إلى ذلك من مخاطر. هذه الأمور نحن دائما ننتبه إليها وفي الأونروا نحاول قدر المستطاع أن نستثمر في هؤلاء الشباب ولدينا مشاريع نعمل من أجل أن نستثمر في هؤلاء الشباب ونعمل على أن يستطيع أن يحقق هؤلاء الشباب كامل طاقتهم وكامل إمكاناتهم. 

أخبار الأمم المتحدة: ما هي القيود الأخرى التي يعاني منها الفلسطينيون في لبنان؟

فادي الطيار: أهم قيد هو قيد العمل. هناك أيضا موضوع التملك. اللاجئ الفلسطيني لا يستطيع أن يتملك في لبنان. هذان الموضوعان هما من أهم القيود التي يعاني منها اللاجئون الفلسطينيون، واللاجئون الفلسطينيون في لبنان يرغبون أن يعملوا حتى يكونوا منتجين، حتى لا يعتمدون على الآخرين. هم يريدون أن ينتجوا بأنفسهم، يريدون أن يساهموا في اقتصاد هذا البلد ويدعموا اقتصاد هذا البلد.

أخبار الأمم المتحدة: سأختم مع زيارة الأمين العام. برأيك ما هي أهمية زيارة أمين عام الأمم المتحدة إلى مدرسة من مدارس الأونروا في لبنان وأهمية لقائه بلاجئين شباب صغار من البرلمانيين؟ 

فادي الطيار: بالنسبة لي، إنها زيارة مهمة جدا خاصة في ظل هذه الظروف الصعبة. دائما لدى اللاجئ الفلسطيني مخاوف من أن يكون منسيا، وأن يكون مهمشا. فهذه الزيارة من قبل رأس هذه المنظمة الدولية بمثابة اعتراف صريح بأن هذا اللاجئ لا يزال موجودا، وأن الأمم المتحدة تنظر إليه على أن مشكلته لا تزال موجودة. وبالتالي يجب أن نعمل جميعا على إيجاد حل لهذه المشكلة. وإن مجيئه إلى هذه المدرسة وحضوره واجتماعه مع هؤلاء الطلاب رسالة أيضا بنفس هذا السياق ولا شك أن هذا سيكون بمثابة فرصة لهم حتى يعبروا عما يشعرون به، عن مشاكلهم، عن همومهم إلى رأس هذه المنظمة الدولية. 

هذه الزيارة تعد فرصة هامة جدا بالنسبة لهم ولا شك أنها أيضا فرصة للأمين العام حتى يستمع على الأرض ويستمع مباشرة من هؤلاء الأطفال أو من هذه العائلات عن الهموم والمشاكل التي تواجههم حتى تكتمل الصورة الموجودة في رأسه- أكيد أنه يعرف كل هذه الأمور- ولكن حين تنزل إلى الأرض، فالصورة تكتمل بشكل أفضل ويأخذ فكرة أفضل عن الواقع الموجود على الأرض.  

أخبار الأمم المتحدة: فادي الطيار شكرا جزيلا لك. 

تنزيل
مدة الملف
11'23"
مصدر الصورة
UNRWA/Lebanon