منظور عالمي قصص إنسانية

حوار خاص مع الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش

حوار خاص مع الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش

أخبار الأمم المتحدة: كيف تقيمون وضعنا الآن في ظل جائحة كوفيد-19؟

الأمين العام للأمم المتحدة: أنا قلق للغاية. لقد أظهرت الجائحة لنا هشاشة العالم الهائلة. ليس فقط فيما يتعلق بكوفيد-19، ولكن أيضاً فيما يتعلق بتغير المناخ، والخروج على القانون في الفضاء السيبراني، ومخاطر الانتشار النووي، وتأثيرات عدم المساواة في تماسك المجتمع.

لقد أركعنا فيروس مجهري. يجب أن يؤدي هذا إلى كثير من التواضع لدى قادة العالم، والتضامن في مكافحة كوفيد-19. الأمين العام أنطونيو غوتيريش

لقد أركعنا فيروس مجهري. يجب أن يؤدي هذا إلى كثير من التواضع لدى قادة العالم، والتضامن في مكافحة كوفيد-19. لكننا نعلم أنه لم تكن هناك وِحْدة. إذ تبنى كل بلد استراتيجيته الخاصة، وشهدنا النتائج: فقد تقدم الفيروس في كل مكان.

في البلدان النامية، يعاني الناس كثيرا من هذا الافتقار إلى التضامن. هذا أمر سلبي على الجميع، لأنه إذا لم نتمكن من التصدي لكـوفيد-19 بشكل صحيح في هذه البلدان، فسيتحرك الفيروس ذهابا وإيابا وسندفع جميعا ثمنا باهظاً، حتى في أغنى البلدان في العالم.

أخبار الأمم المتحدة: ما الذي يجب على الحكومات والمجتمعات فعله للتغلب على الفيروس والخروج من الأزمة بشكل أقوى؟

الأمين العام: نحتاج إلى أن يعمل الجميع معا في روح من التعاون. من الضروري للغاية أن يعتبر لقاح كوفيد-19 منفعة عامة عالمية، أن يكون لقاحاً للناس. نريد تجنب المنافسة بين الدول التي تحاول الحصول على أكبر عدد ممكن من اللقاحات لأنفسها، ونسيان تلك الدول التي لديها موارد أقل.

نحتاج لقاحا ميسور التكلفة للجميع، في كل مكان، لأننا لن نكون آمنين إلا إذا كان الجميع بأمان. إن الاعتقاد بأنه يمكننا الحفاظ على سلامة الأغنياء وترك الفقراء يعانون هو خطأ غبي.

أخبار الأمم المتحدة: قد يكون فيروس كوفيد-19 قد حول الانتباه والموارد بعيداً عن الحاجة الملحة إلى العمل المناخي. ما هي الأشياء الثلاثة الرئيسية التي يجب القيام بها على الفور حتى يغير العالم مساره بشأن هذه القضية؟

رجال الإطفاء في كوينزلاند، أستراليا، يتصدون للحريق الذي يهدد المجتمعات المحلية.
Queensland Fire and Emergency Services
رجال الإطفاء في كوينزلاند، أستراليا، يتصدون للحريق الذي يهدد المجتمعات المحلية.

الأمين العام: لقد حدد المجتمع العلمي هدفنا. علينا حتما أن نحد من ارتفاع درجة الحرارة إلى 1.5 درجة بحلول نهاية القرن. من أجل ذلك، نحتاج إلى حياد الكربون بحلول عام 2050. ومن أجل ذلك، نحتاج إلى خفض حوالي 45٪ من الانبعاثات في العقد القادم.

إذا، الأهداف واضحة. كيف نصل إليها؟ نحن بحاجة إلى التزام كامل، وخاصة من الدول الأكثر إطلاقا للانبعاثات، نحتاج إلى جميع الإجراءات التحويلية في الطاقة، في الزراعة في الصناعة، في النقل، في جميع مجالات حياتنا، نحتاج إلى إجراءات تحويلية تجعل من الممكن تحقيق هذه الأهداف.

علينا حتما أن نحد من ارتفاع درجة الحرارة إلى 1.5 درجة بحلول نهاية القرن. من أجل ذلك، نحتاج إلى حياد الكربون بحلول عام 2050.

إن الأمر بسيط للغاية. يجب أن نتوقف عن إنفاق أموال دافعي الضرائب لدعم الوقود الأحفوري. يجب أن نستثمر بشكل كبير في الطاقة المتجددة لأنها أرخص وأربح. إنه ليس فقط الشيء الصحيح الذي يجب فعله بل هو أفضل شيء اقتصادي يمكن فعله. نحتاج إلى وقف بناء محطات توليد الطاقة بالفحم. نحتاج إلى الاستثمار في أشكال جديدة من وسائل النقل- ألا وهي السيارات الكهربائية- نحتاج إلى الاستثمار في الهيدروجين. إنه وقود المستقبل.

وفي نفس الوقت نحتاج إلى حماية التنوع البيولوجي للغابات، إلى التحول في زراعتنا. في كافة هذه الجوانب نحتاج إلى العمل معا باستراتيجية مشتركة وهدف واضح، يجب الالتزام بحياد الكربون بحلول عام 2050.

أخبار الأمم المتحدة: 2030، الموعد النهائي المحدد لتحقيق أهداف التنمية المستدامة السبعة عشر، ليس بعيدا جدا. كيف يجب على قادة العالم إعادة تركيز الجهود لتحقيق أهداف التنمية المستدامة؟ إذ إنها مخططنا لكوكب أكثر استدامة وإنصافا.

الأمين العام: حسنا، بسبب كوفيد-19 والحاجة إلى تعافي وانتشال الاقتصادات، فإننا ننفق تريليونات الدولارات في الوقت الحالي.

إذا كنتَ تنفق آلاف الدولارات، فلنفعل ذلك بما يتماشى مع أهداف التنمية المستدامة. لنفعل ذلك بما يتماشى مع أجندة 2030.

 أننا بحاجة إلى تعددية أقوى. لكننا بحاجة إلى التعددية التي هي أيضا تعددية الناس، التي يمكنهم من خلالها المشاركة  في صنع القرار-- الأمين العام أنطونيو غوتيريش

فلنقم بإعادة بناء اقتصاداتنا بشكل أفضل، بمزيد من الإنصاف في مكافحة عدم المساواة، بمزيد من الاستدامة التي تكافح تغير المناخ، ومعالجة جميع الجوانب الأخرى ذات الصلة بأهداف التنمية المستدامة -سواء كان ذلك الحد من الفقر، حماية المحيطات، أو أمور تتعلق بالتعليم والصحة والحكم.

فيروس كوفيد-19 يمثل تهديدا، يمثل مشكلة، ولكنه أيضا فرصة لنتغير، يمكننا التغير في الاتجاه الصحيح. بينما نقوم بتعبئة موارد ضخمة لإعادة البناء، يمكننا إعادة البناء في الاتجاه الصحيح. ويجب أن يكون مخططنا هو جدول أعمال 2030 والأهداف المستدامة.

أخبار الأمم المتحدة: أنشئت الأمم المتحدة منذ 75 عاما. لقد دعوتَ الجميع للمشاركة بنشاط في محادثات الأمم المتحدة لعامها 75، خاصة تلك الفئات التي لا يُتسمَع إليها كثيرا، بما فيها الشباب. لقد تحدثت إلى الشباب، ولكنك كنت غالبا في وضع المستمع إلى هذه الفئة. ما الذي شجعك من تلك الأحاديث مع الشباب؟

الأمين العام: لن نكون آمنين إلا إذا كان الجميع بأمان

الأمين العام: التزام قوي للغاية من الشباب تجاه الشراكات الدولية. جيل الشباب أكثر عالمية من جيلي. إنهم يشعرون بمقاربة عالمية للمشاكل. إنهم يفهمون أننا بحاجة إلى أن نكون معا. ولذا فهم يفهمون أننا بحاجة إلى تعددية أقوى. لكننا بحاجة إلى التعددية التي هي أيضا تعددية الناس، التي يمكنهم من خلالها المشاركة  في صنع القرار.

وهذا الالتزام القوي جدًا من الشباب بأفكار مثل التغطية الصحية الشاملة، أفكار مثل العمل المناخي وأفكار مثل مزيد من العدالة والمساواة في مجتمعاتنا، المساواة بين الجنسين، ومحاربة العنصرية- كل هذه الجوانب تظهر التزاما شديدا من الشباب. هذا هو أكبر أمل لدي فيما يتعلق بمستقبلنا المشترك.

أخبار الأمم المتحدة: منذ حوالي 25 عاما، كان إعلان بجين بمثابة نقطة تحول تاريخية للنهوض بحقوق المرأة. لكن آلاف السنين من النظام الأبوي أدت إلى عالم يهيمن عليه الذكور. ماذا تريد أن ترى الرجال يفعلونه، لضمان تكافؤ السياسات الجنسانية والمساواة؟

الأمين العام: يجب أن يفهم الرجال أنه من مصلحة الجميع، وليس فقط النساء، أن يكون هناك تكافؤ ومساواة بين الجنسين، لأن العالم سيكون أفضل. صحيح أننا نعيش في عالم يهيمن عليه الذكور بثقافة يهيمن عليها الذكور. لذلك فمن الأهمية بمكان الوصول إلى التكافؤ في الأمم المتحدة. وقد فعلنا ذلك على أعلى مستوى، لكننا الآن بحاجة إلى القيام به على كل المستويات.

هناك أساسا مسألة قوة ونحن بحاجة إلى - لا أحب استخدام عبارة تمكين المرأة، يبدو وكأننا نعطي القوة للمرأة. القوة لا تُمنح، بل تؤخذ- لكننا نحتاج إلى تحرك النساء لتأكيد دورهن في المجتمع. ونريد أن يفهم الرجال أن هذا أمر إيجابي.

الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش في حوار مع الزميلة مي يعقوب من قسم أخبار الأمم المتحدة.
UN News/Ben Dotsei Malor
الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش في حوار مع الزميلة مي يعقوب من قسم أخبار الأمم المتحدة.

أخبار الأمم المتحدة: السيد غوتيريش، لقد تحدثت بحماسة عن عدم المساواة والظلم - وهما سببا للعديد من المشاكل في عالمنا اليوم. ما هي بعض الأمثلة الأكثر تدميرا على هذ الأمر؟ وكيف يمكن أن تكون التعددية الحلَّ الذي تستفيد منه البشرية جمعاء؟

الأمين العام: إنه لأمر مروع للغاية من وجهة نظر الثروة والدخل، أن نرى أن واحدا في المئة من البشر يتمتعون بموارد تبلغ أكثر من موارد نصف سكان العالم. لكني أقول إن أكثر جوانب عدم المساواة إثارة للصدمة لا ترتبط بالضرورة بالمال.

إن عدم المساواة مرتبط بالتمييز فيما يتعلق بالنوع الاجتماعي، فيما يتعلق بالعنصرية، فيما يتعلق بالدين، فيما يتعلق بالأشخاص من ذوي الإعاقة، فيما يتعلق بمجتمع المثليين والمثليات والمتحولين والمتحولات، يعني نحن بحاجة إلى مجتمع يكون فيه التماسك هدفنا. نحن بحاجة إلى الاستثمار في التماسك لجعل كل مجتمع، بما في ذلك مجتمعات السكان الأصليين، والأقليات، كل مجتمع يشعر بأن هويته محترمة، لكنها أيضا جزء من المجتمع ككل.

أخبار الأمم المتحدة: السيد غوتيريش، الكلمة الأخيرة لك. هذه جمعية عامة افتراضية، خالية من الضجة المعتادة، لكنها أيضا مليئة بالقضايا الملحة والخطرة- والأمل. ما الذي تريده للقادة والجمهور أن يستخلصوه من الدورة الخامسة والسبعين الجمعية العامة؟

الأمين العام: حسنا، بالطبع، أشياء كثيرة. لكن إذا كان علي أن أختار، وأقول الأولويات: أود أن أقول، فلنحرص على أن يكون لدينا وقف إطلاق نار عالمي. فلنحرص على حصولنا على لقاح يمثل منفعة عامة عالمية، يكون لقاحا للأشخاص. فلنحرص على أنه عندما نعيد بناء اقتصاداتنا، فإننا نفعل ذلك لبلوغ حياد الكربون بحلول عام 2050.

تنزيل

أثرت جائحة كوفيد-19 على العالم أجمع، فقد "أركعنا هذا الفيروس المجهري"، وفقا للأمين العام الذي دعا إلى أن يكون ذلك درسا في التواضع لقادة العالم، مشيرا إلى أن عدم التضامن من جانب بعض الدول الغنية تجاه البلدان النامية، يعني أننا جميعاً سوف ندفع ثمناً باهظاً.

جاء ذلك في حوار خاص مع أخبار الأمم المتحدة قبيل افتتاح دورة الجمعية العامة الجديدة.

وقال أنطونيو غوتيريش: "نحن بحاجة إلى لقاح ميسور التكلفة للجميع في كل مكان، لأننا لن نكون آمنين إلا إذا كان الجميع بأمان"، محذرا من أن "الاعتقاد بأن بإمكاننا الحفاظ على سلامة الأغنياء، وترك الفقراء يعانون، هو خطأ غبي".

وفي مقابلة شاملة، قبيل الدورة الخامسة والسبعين غير المسبوقة والتي ستعقد افتراضيا في غالبها، حدد السيد غوتيريش أولوياته للعام المقبل، في ظل التهديد غير المتوقع لفيروس كورونا الذي لا يزال ينتشر، إلى جانب الفرص حيث يرى أن تغييرا جذريا يعود بفائدة طويلة الأجل على الجميع.

وكرر الأمين العام للأمم المتحدة التأكيد على حتمية إسكات البنادق من خلال وقف إطلاق نار عالمي حتى يتمكن العالم حقًا من الاتحاد ضد الفيروس؛ وبناء تضامن حقيقي وتقديم "الصالح العام العالمي" من خلال ضمان لقاح للجميع، متاح للجميع؛ والتأكد من أن العالم يبقي الاحترار العالمي أقل من 1.5 درجة ويحقق الحياد الكربوني من خلال العمل المناخي بحلول عام 2050.

وأوضح السيد غوتيريش أهمية تولي النساء السلطة بأنفسهن، وإنهاء عدم المساواة من خلال تغيير جذري في المواقف تجاه التمييز والجنس والإعاقة والمساواة في الحقوق.

نص الحوار الكامل أدناه:

استمع
11'20"
مصدر الصورة
UN News/Ben Dotsei Malor