منظور عالمي قصص إنسانية

الأمم المتحدة تحذر من تداعيات استمرار القتال في السودان

أرشيف: متظاهر يحمل العلم السوداني في الخرطوم، السودان.
Salah Naser
أرشيف: متظاهر يحمل العلم السوداني في الخرطوم، السودان.

الأمم المتحدة تحذر من تداعيات استمرار القتال في السودان

السلم والأمن

متحدثا من مدينة بورتسودان الساحلية، قال فولكر بيرتس رئيس بعثة الأمم المتحدة في السودان إن الطرفين المتقاتلين تجاهلا قوانين الحرب وأعرافها، إذ شنا هجمات على المناطق المكتظة بالسكان بدون الأخذ بعين الاعتبار سلامة المدنيين والمستشفيات أو حتى السيارات التي تقل المرضى والجرحى.

جاءت تصريحات المسؤول الأممي في إحاطة قدمها لمجلس الأمن الدولي، في وقت متأخر من يوم الثلاثاء بتوقيت السودان، حول آخر التطورات منذ اندلاع القتال بين الجيش وقوات الدعم السريع في منتصف الشهر الحالي.

ألقى بيرتس كلمته عبر دائرة اتصال من بورتسودان، التي انتقل إليها من الخرطوم بسبب استمرار القتال.

بدأ فولكر بيرتس إحاطته بتوجيه التحية لجميع النساء والرجال والأطفال السودانيين- بمن فيهم موظفون لدى الأمم المتحدة وعاملون في المجال الإنساني- الذين لقوا حتفهم أو أصيبوا خلال القتال في السودان.

وقال إن جهوده في الفترة الأخيرة- جنبا إلى جنب مع الدول الأعضاء والمنظمات الإقليمية- تركزت على تأمين توقف القتال لأغراض إنسانية أو وقف إطلاق النار، مشيرا إلى أن هذه الجهود حققت نجاحا محدودا حتى الآن.

ووصف الممثل الخاص للأمين العام في السودان وقف إطلاق النار لمدة 72 ساعة- الذي توسطت فيه الولايات المتحدة الأمريكية يوم أمس الاثنين (24 نيسان/أبريل)- بأنه خطوة إيجابية، ولكن مع ذلك، لا تزال ترد أنباء عن إطلاق نار متقطع فيما يتبادل الطرفان الاتهامات بشأن انتهاك وقف إطلاق النار.

وقال فولكر بيرتس إن الأمم المتحدة وشركاءها يكثفون الجهود لضمان استمرار وقف إطلاق النار وإمكانية أن يتطور ذلك إلى وقف دائم للأعمال العدائية والعودة إلى المفاوضات السياسية.

ودعا القيادات العسكرية من الجانبين إلى الالتزام بوقف إطلاق النار وتوطيده في إطار وقف دائم للأعمال العدائية، مؤكدا استعداد الأمم المتحدة لتقديم الدعم. كما دعا الدول الأعضاء التي لها نفوذ على الطرفين المتحاربين إلى دعم هذه الجهود.

"حتى لو انتصر طرف، فإن السودان سيخسر"

وتحدث المبعوث الأممي عن الانتهاكات التي ارتكبها الجانبان، وحثهما على التقيد بالتزاماتهما بموجب القانون الإنساني الدولي وضمان حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية. وشدد على ضرورة منح المدنيين ممرا آمنا لمغادرة مناطق القتال الفعلي والوصول إلى الإمدادات.

وقال بيرتس إن قائدي الجيش وقوات الدعم السريع لم يتمكنا من الالتزام بشكل كامل بوقف تام لإطلاق النار أو تطبيقه، وإنهما يواصلان تبادل الاتهامات وإصدار الادعاءات المتنافسة حول السيطرة على المنشآت الرئيسية.

وأشار إلى عدم وجود ما يؤكد بشكل واضح حتى الآن على استعداد أي منهما لإجراء مفاوضات جادة بما يدل على أنهما يعتقدان أن تحقيق النصر العسكري على الآخر أمر ممكن. ووصف بيرتس ذلك بأنه سوء تقدير.

وفيما يستمر القتال، يزداد انهيار النظام والقانون بأنحاء السودان الذي قد يصبح مجزأ بشكل أكبر بما سيخلف أثرا مدمرا على المنطقة، كما قال المبعوث الأممي.

وحذر قائلا "حتى لو انتصر طرف، فإن السودان سيخسر".

 

مبنى إداري وسكني في شارع الستين (جنوب الخرطوم) وتبدو عليه آثار القصف والدمار نتيجة تعرضه للقصف.
Mohammed Shamseddin

 

تزايد الخوف من انعدام الأمن

وأفاد فولكر بيرتس بتلقي تقارير مقلقة عن محاولات الاعتداء الجنسي، مشيرا إلى تصاعد الخوف من زيادة الإجرام بالتزامن مع نفاد خطوط الإمداد وتدميرها بسبب الغارات الجوية، وأشار إلى أن هذا الخوف تفاقم بسبب التقارير التي تتحدث عن إطلاق سراح سجناء من مراكز الاعتقال في الخرطوم.

في الولاية الشمالية، لا تزال السيطرة على مطار مروي محل نزاع بين الطرفين. وأشار بيرتس، في إحاطته، إلى تسليم مجموعة من القوات المصرية التي كانت محتجزة لدى قوات الدعم السريع، بأمان إلى السلطات المصرية.

أما الحالة في ولايات دارفور فلا تزال متقلبة كما قال المسؤول الأممي. وفي شمال كردفان، اندلع قتال متقطع في مدينة الأبيض. وفي النيل الأزرق، اندلعت اشتباكات طائفية بين مجتمعات الهوسا والفونج في 21 نيسان/أبريل، في ظل غياب قوات الأمن. وأسفر هذا القتال عن مقتل تسعة أشخاص وإصابة أربعة بجروح وتشريد 4500 شخص من ديارهم.

وأضاف بيرتس: أما في ولايات السودان الأخرى، فعلى الرغم من أنها بمنأى عن القتال إلا أنها تأثرت من تداعيات القتال مثل ارتفاع أسعار السلع والوقود. ووردت أنباء متزايدة عن قيام لصوص مسلحين عند نقاط التفتيش على بعض الطرق بنهب المدنيين الفارين من العنف.

جهود شعبية لملء الفراغ

من ناحية أخرى، قال فولكر بيرتس إن المجتمع المدني والشبكات الشعبية حشدت جهودها لملء الفراغ في الاستجابة للأزمة. فقد أنشأت العديدُ من لجان المقاومة في الأحياء غرفَ طوارئ لتوفير الرعاية الصحية الأساسية. كما تدعم عدة لجان تنسيق عمليات إجلاء المدنيين من المناطق الأكثر تضررا ويعرض الكثير من هذه اللجان استضافة المدنيين في منازلهم. ونبه إلى أن الرجال والنساء السودانيين يواصلون إظهار قوة التضامن والرحمة في خضم هذه الأزمة.

الموظفون الأمميون

ودعا ممثل الأمين العام إلى ضمان سلامة وأمن موظفي الأمم المتحدة ومبانيها وأصولها والعاملين في المجال الإنساني والطبي، مشيرا إلى نقل ما مجموعه حوالي 1200 شخص- بما في ذلك 744 من موظفي الأمم المتحدة وعائلاتهم، وموظفي المنظمات الدولية غير الحكومية وعائلاتهم، والدبلوماسيين من عدة سفارات، من الخرطوم إلى مدينة بورتسودان.

وقال إن عددا قليلا من الموظفين الدوليين وعائلاتهم لا يزالون في الخرطوم ولم يتم إجلاؤهم لأسباب مختلفة.

وأكد الممثل الأممي أن أسرة الأمم المتحدة بأكملها ستعمل بلا كلل من أجل إنهاء العنف في السودان واستعادة الأمل في مستقبل أفضل، مجددا التأكيد على التزام الأمم المتحدة الثابت تجاه السودان وشعبه.

موجة جديدة من التحديات الإنسانية

جويس مسويا مساعدة الأمين العام للشؤون الإنسانية قالت إن ما يحتاجه الشعب السوداني "وما نحتاجه في سبيل الوصول إليه هو وقف فوري لإطلاق النار وحل دائم للأزمة".

وقالت إن الاحتياجات الإنسانية في السودان بلغت مستوى قياسيا حتى قبل اندلاع القتال في السودان، حيث يحتاج نحو 15.8 مليون شخص - أي ثلث السكان - إلى مساعدات إنسانية، فيما يعاني 4 ملايين طفل وامرأة حامل ومرضع من سوء التغذية ويبلغ عدد النازحين داخليا 3.7 مليون شخص.

وحذرت المسؤولة الأممية من أن هذا الصراع لن يؤدي إلا إلى تعميق هذه الاحتياجات. كما أنه يهدد بإطلاق العنان لموجة جديدة من التحديات الإنسانية.

وأشارت إلى أن القتال يعرقل بشكل كبير عمليات الإغاثة ويعرضها للخطر، محذرة من أن الأزمة الإنسانية آخذة في التحول بسرعة إلى كارثة.

"أُجبر ما لا يقل عن 20 مستشفى على الإغلاق بسبب الأضرار أو الاستخدام العسكري أو نقص الموارد. قد يؤدي انقطاع التيار الكهربائي ونقص الوقود إلى الإضرار بمخزون اللقاحات وإمدادات المياه، وهي خطوة تمهيدية لانتشار الأمراض".

وأشارت السيدة مسويا إلى التقارير التي تفيد بوقوع حوادث عنف جنسي وجنساني، داعية كافة الأطراف إلى ضمان عدم تعرض أي امرأة أو فتاة لهذه الجرائم.

وحذرت من الأضرار المهولة التي تلحق بالصحة النفسية، خاصة بين الأطفال.

ضرورة احترام العاملين في المجال الإنساني

وقالت السيدة مسويا إن المجتمع الإنساني لم يسلم من هذا القتال، مشيرة إلى وفاة 5 من العاملين الإنسانيين، فيما "تعرض عمال الإغاثة في منازلهم للهجوم والضرب والاحتجاز تحت تهديد السلاح. وتعرضت المستودعات والمكاتب، والمركبات للهجوم، والنهب والاستيلاء. الوضع خطير للغاية ومثير للقلق".

ومضت المسؤولة الأممية قائلة:

"نواصل تقديم الخدمات متى وحيثما كان ذلك ممكنا، لا سيما في مجالات الصحة والتغذية. نستكشف طرقا لتجديد مخزوناتنا حتى نتمكن من تقديم المساعدة لشركائنا في بورتسودان وأماكن أخرى، بمجرد أن يكون ذلك آمنا. ونقوم بتنشيط مركز في نيروبي لدعم الاستجابة السريعة".

وقالت السيدة مسويا إن القانون الدولي الإنساني واضح لا لبس فيه، داعية جميع أطراف النزاع إلى احترام المدنيين والبنية التحتية المدنية، مع الحرص المستمر على تجنب تعريضهم للخطر، "ويشمل ذلك السماح بمرور آمن للمدنيين لمغادرة مناطق القتال على أساس طوعي. ويجب على الأطراف احترام العاملين في المجال الإنساني والأصول وتسهيل عمليات الإغاثة. وعليها احترام أفراد الخدمات الطبية ووسائل النقل والمرافق".

دعم مرحب به من دول الجوار

الأمين العام أنطونيو غوتيريش قال إن 450 شخصا على الأقل قُتلوا، من بينهم 4 من أفراد أسرة الأمم المتحدة، وأصيب أكثر من 4000 شخص فيما فر عشرات الآلاف من ديارهم.

وقال في كلمته أمام المجلس إن التقارير الواردة من الخرطوم ترسم صورة كارثية للناس العالقين داخل المباني وهم يشعرون بالذعر ولا يمتلكون سوى إمدادات متناقصة من الغذاء والماء والدواء والوقود.

وأشار إلى أن الخدمات الصحية توشك على الانهيار وفق ما تفيد به منظمة الصحة العالمية فيما تُستخدم عدة مستشفيات من قبل الجماعات المسلحة.

ومع وصول لاجئين سودانيين ولاجئين من دول أخرى كانوا مقيمين بالسودان، إلى تشاد ومصر وجنوب السودان، شكر الأمين العام حكومات تلك الدول على دعمها.

وقال غوتيريش إن نشوب حرب شاملة طويلة الأمد هو أمر يصعب التفكير فيه. وأضاف أن السودان يشترك في الحدود مع 7 دول، كلها شهدت صراعات أو اضطرابات خلال العقد الماضي، كما أنه المعبر إلى منطقة الساحل التي يؤدي فيها انعدام الأمن وعدم الاستقرار السياسي إلى مفاقمة الوضع الإنساني الكارثي.

ينتشر الفقر والجوع في المنطقة، وتخلف حالة الطوارئ المناخية وأزمة تكاليف المعيشة والارتفاع الحاد للديون آثارا مروعة. وفي بعض المناطق تكون المساعدات الإنسانية هي كل ما يحول دون وقوع المجاعة كما قال الأمين العام.

صراع القوة، فتيل مشتعل

وقال غوتيريش: "صراع القوة في السودان لا يعرض مستقبل البلاد فقط للخطر، ولكنه فتيل مشتعل يمكن أن ينفجر عبر الحدود ليتسبب في معاناة هائلة على مدى سنوات ويؤخر التنمية لعقود".

وشدد الأمين العام على ضرورة أن يتوقف القتال فورا. ودعا كل أطراف الصراع، الفريق عبد الفتاح البرهان والفريق محمد حمدان دقلو "حميدتي"، والقوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع إلى إسكات البنادق.

وشدد على ضرورة أن يضع قادة السودان مصالح الشعب في المقدمة، وألا يُحل الصراع على أرض المعركة على حساب أجساد السودانيين.

واختتم كلمته بالقول إن الأمم المتحدة تقف إلى جانب الاتحاد الأفريقي وهيئة الإيقاد والشركاء الإقليميين والدوليين، وقبل كل شيء تقف إلى جانب الشعب السوداني وأمانيه ومطالبه لتحقيق السلام واستعادة الحكم المدني والانتقال الديمقراطي.