منظور عالمي قصص إنسانية

اليونيسف تحذر من استمرار تراجع الثقة في لقاحات الأطفال التي حُرم منها عشرات الملايين خلال جائحة كوفيد-19

فتيات ينتظرن دورهن للتلقيح في مدرسة روسونغ رايا الابتدائية في إندونيسيا
© UNICEF/UN0692909/Clark
فتيات ينتظرن دورهن للتلقيح في مدرسة روسونغ رايا الابتدائية في إندونيسيا

اليونيسف تحذر من استمرار تراجع الثقة في لقاحات الأطفال التي حُرم منها عشرات الملايين خلال جائحة كوفيد-19

الصحة

كشف صندوق الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) في تقرير جديد أن الثقة في لقاحات الأطفال قد تراجعت في العديد من البلدان، بنسبة تصل إلى 44 في المائة.

وكشف التقرير الجديد المعنون "حالة الأطفال في العالم 2023: التطعيم لكل طفل" أن الانطباع العام لأهمية لقاحات الأطفال قد انخفض خلال جائحة كوفيد-19 في 52 من أصل 55 دولة تمت دراستها.

أظهر تقرير اليونيسف الجديد أيضاً أن 67 مليون طفل لم يحصلوا على لقاح واحد أو أكثر على مدى السنوات الثلاث الماضية بفعل انقطاع الخدمات التي سببتها الضغوطات على النظم الصحية وتحويل الموارد الشحيحة والصراع والهشاشة وانخفاض الثقة.

لمعرفة المزيد تحدثنا إلى السيد عماد عون، مدير المناصرة للتطعيم في قسم الاتصالات العالمية لدى اليونيسف، وسألناه أولاً عن السبب وراء تخصيص المنظمة لتقرير حالة أطفال العالم لهذا العام للتحصين الروتيني.

Soundcloud

عماد عون: تصدر اليونيسف هذا التقرير- حالة أطفال العالم- حوالي كل عامين، وهذه هي المرة الأولى في تاريخ اليونيسف الذي تضع فيه تقريرا مختصا بالتلقيح ولقاحات الأطفال. كان السبب الرئيسي وراء ذلك هو أننا رأينا بعد جائحة كوفيد-19 تأثيرا كبيرا على عدد الأطفال الذين حصلوا على اللقاحات الأساسية والروتينية حول العالم. فبسبب الاضطرابات التي خلقتها الجائحة، حيث شاهدنا توقف الخدمات في بعض البلدان وتحويل كم هائل من الموارد المالية والبشرية لمكافحة الجائحة، ظهرت ثغرة كبيرة في الخدمات الأساسية الطبية الأخرى، وأهمها لقاحات الأطفال.

أصبحت لدينا معلومات وإحصاءات كبيرة من السنوات الثلاث التي مرت منذ الجائحة تدل على أن عدد الأطفال الذين فاتتهم اللقاحات الأساسية أو لم يحصلوا على اللقاحات الكاملة ازداد بشكل هائل.

هناك حوالي 67 مليون طفل لم يحصلوا على اللقاحات الروتينية، التي عادة ما يحصلون عليها، بسبب الجائحة. لذا تم تخصيص تقرير عام 2023 لموضوع اللقاحات.

أخبار الأمم المتحدة: يشير التقرير إلى تراجع كبير في الثقة باللقاحات، ما هي العلاقة بين هذا التراجع وجائحة كوفيد-19؟

السيد عماد عون: من الصعب ربط الأمرين. تم إجراء إحصاء كبير بين منظمة اليونيسف وجامعة لندن، كلية لندن للنظافة والطب الاستوائي (London School for Hygiene and Tropical Medicine) شمل 55 بلدا، وتم إحصاء عدد كبير من الأشخاص في كل بلد. كان السؤال: ما رأيكم بأهمية لقاحات الأطفال على الصعيد الشخصي؟

تبين من نتائج الإحصاءات أن هناك تراجعا كبيرا لنظرة الناس حول أهمية لقاحات الأطفال. هذا قد لا يؤدي إلى عدم تلقيح الأشخاص لأنفسهم أو لأطفالهم، فهو تراجع في نظرة الأشخاص لأهمية اللقاحات فحسب.

نعلم أيضا أن هذا الإحصاء أجري خلال الجائحة التي كان لها تأثير كبير على الموضوع بسبب انتشار المعلومات الخاطئة عبر الإنترنت، وطبعا بسبب موضوع لقاح كوفيد-19 الذي كان من أهم الأشياء التي كان يتم تداولها على وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام التقليدي.

إذا، كان موضوع اللقاحات مهم جدا في السنوات الثلاث الماضية وكان هناك ازدياد كبير في المعلومات سواء الخاطئة أو الصحيحة عبر الانترنت. لهذا السبب أصبح للأشخاص رأي جاد حول الموضوع. ولكن من الصعب القول إن هذا حصل بسبب كوفيد-19، لأننا نعلم أيضا أن تراجع الثقة كان قد بدأ قبل الجائحة، وأصبح ملحوظا بشكل أكبر بسببها.

أظهر الإحصاء أن 52 بلدا من أصل الـ 55 بلدا التي شملها التقرير شهدت تراجعا في ثقة الأشخاص بلقاحات الأطفال، وكان التراجع طفيفا في بعض الدول وملحوظا في دول أخرى.

يجب التوضيح هنا أن السؤال الذي تم طرحه من ضمن الإحصاء لم يحدد ما إذا كنا نتكلم عن لقاحات كوفيد-19 أو لقاحات الأطفال الروتينية. كان السؤال بشكل عام، ولكن يمكن لنا أن نتوقع أن بعض الأشخاص اعتقدوا أن السؤال يتعلق بلقاحات كوفيد-19. السؤال لم يحدد. لذا يجب أن تؤخذ هذه المواضيع في عين الاعتبار.

فتاة تبلغ من العمر عامين تتلقى لقاحا في منزلها في الإكوادور
© UNICEF/UN0692717/Arcos
فتاة تبلغ من العمر عامين تتلقى لقاحا في منزلها في الإكوادور

أخبار الأمم المتحدة: كما ذكرت، هناك معلومات مضللة تنتشر عبر الإنترنت، ماذا تفعل اليونيسف لمكافحة هذا الانطباع لدى الناس؟

السيد عماد عون: أنا أعمل في مقر اليونيسف في نيويورك، ولكن لليونيسف مكاتب في جميع أنحاء العالم وفي معظم دول العالم، وهناك مكاتب إقليمية أيضا.

لدينا فرق مختصة في "التغيير الاجتماعي والسلوكي"، وهي فرق تعمل على تغيير رأي المجتمعات المحلية تجاه مواضيع معينة تتعلق بالصحة، ومنها طبعا اللقاحات ولقاحات الأطفال.

هؤلاء الموظفون عادة ما يكونون موجودين في المجتمعات المحلية ويعملون مباشرة مع أشخاص ذوي سلطة أو لديهم القدرة على تغيير الرأي العام حول اللقاحات أو أي موضوع آخر يتعلق بالصحة.

هم يؤمنون المعلومات الصحيحة ويستطيعون أن يتشاوروا مع الأشخاص الذين لديهم أي أسئلة حول اللقاحات الروتينية أو حتى لقاح كوفيد-19. من الممكن أن يتعاملوا مع الأشخاص الذين لديهم أسئلة أو حصلوا على معلومات خاطئة أو مضللة.

تعمل هذه الفرق في الغالب على مواجهة هذا الأمر، وقد زادت أهميتها بعد إجراء الإحصاء وبعد أن أظهرت معلوماتنا خلال العام أو العاميين الماضيين أن هناك خطرا لازدياد المعلومات المضللة عبر الإنترنت بشكل كبير، مما قد يؤثر على قرارات الأشخاص الشخصية بتلقيح أنفسهم وأطفالهم.

هذه الفرق هي المختصة بهذا الموضوع وهي تعمل على مدار الساعة في المجتمعات لكي تحسن نظرة المجتمعات للقاحات بعض الشيء ولتصحيح المعلومات التي يمكن أن تكون خاطئة.

 أخبار الأمم المتحدة: أستاذ عماد، إذا استمر هذا الاتجاه وانتشر، ماذا يمكن أن يعني للأطفال في كل مكان، وللصحة العامة في أنحاء العالم، حتى في الدول التي تشهد معدلات قوية للتحصين؟

السيد عماد عون: من الصعب أن نحسم نتيجة هذا الموضوع على المدى الطويل. هذه الإحصاءات عادة ما تكون متصلة بالظروف الحالية، بمعنى أننا خرجنا من الجائحة للتو وقد دارت مناقشات عديدة حول اللقاحات. لذا الأمر يتعلق شيئا ما بالوضع الحالي. النتائج التي رأيناها مرتبطة بالوضع الحالي. من الممكن أن تتغير بعد عام أو اثنين، ومن الممكن أن تتحسن نظرة المجتمع لقضية اللقاحات لأنه من الممكن أن نكف عن الحديث عنها بالشكل الذي كنا نقوم به خلال الجائحة.

ولكن إذا لم يتحسن الوضع، وإذا استمر انتشار المعلومات الخاطئة وتراجعت الثقة لدى الأشخاص بأهمية لقاحات الأطفال، قد يؤدي ذلك إلى رفضهم لتلقي اللقاحات وإعطائها لأطفالهم، وهي مشكلة كبيرة. نعلم أن اللقاحات ساعدتنا تاريخيا على تخطي مراحل صعبة جدا من الأمراض، بما في ذلك شلل الأطفال والحصبة، وإذا أصبحت نظرة الأشخاص تجاه اللقاحات سلبية لدرجة ألا يلقحوا أطفالهم، من الممكن أن تزداد عدد حالات الأمراض التي تخطيناها نوعا ما.

وتظهر بياناتنا ومعلوماتنا بأن هناك ازديادا كبير في عدد حالات شلل الطفال – كانت هناك حالات لشلل الأطفال في نيويورك العام الماضي – كما أن حالات الحصبة ازدادت حول العالم. نحن نشهد بالفعل ازدياد حالات المرض التي كنا قد سيطرنا عليها نوعا ما.

لسوء الحظ، اذ ما استمر الوضع بالتراجع واستمر تراجع ثقة الناس، من الممكن أن نرى زيادة أكبر في حالات الأمراض، التي كانت لدينا القدرة على تخطيها من قبل نوعا ما.

رئيسة قسم التطعيمات في مجمع دار سعد الطبي في عدن تنزل إلى الشوارع لضمان تلقيح الأطفال
© UNICEF/UN0679318/Hayyan
رئيسة قسم التطعيمات في مجمع دار سعد الطبي في عدن تنزل إلى الشوارع لضمان تلقيح الأطفال

أخبار الأمم المتحدة: أستاذ عماد، هل لك أن تخبرنا عن عدد الأطفال الذين فاتتهم اللقاحات الروتينية في العالم العربي بالتحديد، وما هو الدافع وراء هذه الأرقام؟

السيد عماد عون: عدد الأطفال الذين لم يحصلوا على اللقاحات الروتينية خلال الأعوام الثلاثة الماضية هو 67 مليون طفل، ما بين 2019 و2022. من أصل هؤلاء هناك 3.8 مليون طفل في العالم العربي، في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، لم يحصلوا على اللقاحات الروتينية. الدول التي تأثرت أكثر من غيرها في العالم العربي هي: اليمن ومن ثم الجمهورية السورية ثم العراق. هذه هي الدول الثلاث التي تتصدر لائحة الدول التي تتأثر بهذا الأمر.

الأسباب عدة. وبالطبع يمكننا القول إنه من الممكن أن يكون تراجع الثقة قد أدى إلى ازدياد عدد الأطفال غير الملقحين. ولكن أيضا في اليمن وسوريا نعلم أن الأزمات والنزاعات والحروب تؤثر على قدرة الأشخاص على الوصول إلى الخدمات الصحية. نعلم أن المرافق الصحية والعيادات والمستشفيات في هذه البلدان متضررة بسبب الحروب، وفي نفس الوقت نعلم أن الأشخاص لا يستطيعون الوصول إلى المستشفيات والعيادات التي ما زالت تعمل.

قد تكون هذه هي الأسباب الرئيسية التي أدت إلى تراجع عدد الأطفال الذين يحصلون على اللقاحات في الشرق الأوسط. وبالطبع، أتت جائحة كوفيد-19 على رأس كل ما ذكرته لتزيد الوضع سوءا.

أخبار الأمم المتحدة: هل لديك رسالة للآباء الذين يرفضون تطعيم أطفالهم رغم قدرتهم على الوصول إلى التطعيم؟

السيد عماد عون: الرسالة واضحة نوعا ما. لقد مررنا بجميع هذه الأمراض منذ زمن، باستثناء كوفيد-19، وقد مرت بها الأجيال التي سبقتنا، وتم استخدام اللقاحات لمساعدة الأطفال على تخطيها أو حماية الأطفال منها وأثبتت هذه اللقاحات فعاليتها على مر الزمن. لذا ما نواجهه الآن ليس جديدا. فالحصبة وشلل الأطفال والكزاز هي جميعا أمراض مرت علينا منذ فترة طويلة واستطعنا تخطيها بسبب اللقاحات.

ونطالب الآباء الذين لديهم أي أسئلة أن يستشيروا الطواقم الطبية الموجودة حولهم للحصول على بيانات مثبتة وعلمية. نرى أن هناك معلومات خاطئة ومضللة عبر الإنترنت. نطلب من الجميع أن يبّدوا المعلومات التي يحصلون عليها من المختصين.

ليس هنا من شيء جديد، لقد تخطينا جميع هذه الأمراض بسبب اللقاحات. نحن نرى هذه الأمراض مجددا، ولكننا نعلم ما الذي يجب فعله. نعلم أنه يجب استخدام اللقاحات لأنها الآلية الأهم لتخطي الأمراض وحماية أنفسنا منها.

أعتقد أن هذه رسالة مهمة، هذه أشياء مررنا بها وتخطيناها جميعا ويمكننا تخطيها مجددا.