منظور عالمي قصص إنسانية

السلام يبدأ بي: 75 عاما من العمل من أجل السلام

من الأرشيف: غالباً ما يزور جنود حفظ السلام التابعون لليونيفيل المدارس في جنوب لبنان للتفاعل مع الطلاب الصغار.
UNIFIL
من الأرشيف: غالباً ما يزور جنود حفظ السلام التابعون لليونيفيل المدارس في جنوب لبنان للتفاعل مع الطلاب الصغار.

السلام يبدأ بي: 75 عاما من العمل من أجل السلام

شؤون الأمم المتحدة

"السلام يبدأ بي، وبكم، وبنا جميعا"، عنوان حملة على وسائل التواصل الاجتماعي أطلقتها إدارة عمليات حفظ السلام في الأمم المتحدة لتسليط الضوء على الخدمات التي يوفرها حفظة السلام رغم الظروف الميدانية الصعبة التي يعملون تحت وطأتها.

هناك اثنتا عشرة بعثة حفظ سلام أممية منتشرة في أربع قارات، يعمل عناصرها على حماية المدنيين وتبديد المخاطر والتهديدات الأمنية، ومساعدة الدول في بناء مجتمعات سلمية، شاملة ومزدهرة، وتفادي العثرات التي قد تعترض مسارها قدر الإمكان.

ولدى هذه البعثات نقاط قوة فريدة، بما في ذلك الشرعية، وتقاسم الأعباء، والقدرة على نشر القوات والشرطة من جميع أنحاء العالم، ودمجها مع قوات حفظ السلام المدنية لتنفيذ مجموعة من الولايات التي حددها مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة.

تاريخ بعثات حفظ السلام

على مدى الأعوام الخمسة والسبعين الماضية، عمل حفظة السلام الأمميون على إنقاذ الأرواح وتغيير حياة الناس والانتقال من أوضاع الحروب إلى السلام.

وقد تم نشر أول بعثة حفظ سلام أممية في الشرق الأوسط عام 1948، وهي هيئة الأمم المتحدة لمراقبة الهدنة. ويستمر المراقبون العسكريون، العاملون بها في العمل اليوم لتحقيق الاستقرار في المنطقة.

وخدم أكثر من مليوني جندي حفظ سلام، من 125 دولة، في إحدى وسبعين عملية سلام. وأحدثوا فرقا ملموسا للناس الذين يخدمونهم في جميع أنحاء العالم: من أفريقيا، إلى الأمريكتين، مرورا بآسيا والمحيط الهادئ، وأوروبا، وصولا إلى الشرق الأوسط.

تهيئة الظروف المواتية للسلام

وقد أثبتت عمليات حفظ السلام أنها أكفأ الأدوات المتاحة للأمم المتحدة لمساعدة البلدان المضيفة على شق الطريق الصعب من الصراع إلى السلام.

ويوفر حفظة السلام التابعون للأمم المتحدة الأمن، ويقدمون الدعم السياسي، والدعم اللازم لبناء السلام، لمساعدة البلدان على التحول نحو مجتمعات ديمقراطية.

وتهتدي عمليات الأمم المتحدة لحفظ السلام بثلاثة مبادئ أساسية، هي موافقة الأطراف؛ الحياد؛ وعدم استعمال القوة إلا دفاعا عن النفس ودفاعا عن الولاية.

وعمليات حفظ السلام مرنة. وقد اتخذ نشرها في العقدين الماضيين أشكالا كثيرة. فتفويض عمليات حفظ السلام متعددة الأبعاد ولا يقتصر على صون السلام والأمن فحسب، بل يشمل أيضا تسهيل العملية السياسية وحماية المدنيين والمساعدة في نزع سلاح المحاربين السابقين وتسريحهم وإعادة دمجهم، وتقديم الدعم لتنظيم الانتخابات، وحماية وتعزيز حقوق الإنسان، والمساعدة في استعادة سيادة القانون.

تزايد التحديات

على مر السنين، ساعدت ولايات حفظة السلام في منع الصراع وحماية المدنيين والنهوض بالحلول السياسية وتعزيز حقوق الإنسان ودعم العمليات الديمقراطية، بما في ذلك الانتخابات، وبناء قدرات مؤسسات الدولة وكفالة أن تتولّى النساء والشباب قيادة عمليات السلام وحل النزاعات والمشاركة بها.

ولكن عند نشر بعثة حفظ سلام في بلد ما فإن تحقيق النجاح ليس مضمونا بشكل مطلق إذ إن عمليات حفظ السلام الأممية تذهب، بحكم تعريفها تقريبا، إلى أصعب البيئات من الناحية المادية والسياسية.

وقد واجهت بعثات الأمم المتحدة الكثير من التحديات، على سبيل المثال في الصومال، ورواندا، ويوغسلافيا السابقة في أوائل فترة التسعينيات. وقدمت هذه الانتكاسات دروسا هامة للمجتمع الدولي عند اعتزام نشر قوات حفظ السلام للأمم المتحدة باعتبارها أداة لاستعادة السلام والأمن الدوليين والحفاظ عليهما.

والظروف التي يعمل فيها جنود حفظ السلام أصبحت أكثر خطورة اليوم من أي وقت مضى. فصنع السلام أصبح أصعب وسط التوترات السياسية العالمية المتزايدة، كما باتت الصراعات أكثر تعقيدا.

وتؤثر أزمة المناخ على المجتمعات التي مزقتها الحروب بشكل أكبر، ويؤجج تزايد المعلومات المضللة العنف ضد قوات حفظ السلام وشركاء الأمم المتحدة، وأصبح العلم الأزرق الأيقوني هدفا للهجوم المتعمد.

جندية حفظ سلام إندونيسية في قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان أثناء القيام بدوريات على طول الخط الأزرق (من الأرشيف).
UN Photo/Pasqual Gorriz
جندية حفظ سلام إندونيسية في قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان أثناء القيام بدوريات على طول الخط الأزرق (من الأرشيف).

سجل حافل

ومع ذلك، فقد أنجزت البعثات الأممية نجاحات عدة على مدى السنوات الخمس والسبعين من إنشائها.

فمنذ 1948، ساعدت الأمم المتحدة في إنهاء النزاعات وتعزيز المصالحة من خلال إجراء عمليات ناجحة للحفاظ على السلام في عشرات الدول، مثل كمبوديا، والسلفادور، وغواتيمالا، وموزمبيق، وناميبيا، وطاجيكستان.

وقامت بعثات الأمم المتحدة للحفاظ على السلام بإحداث تغييرات حقيقية في العديد من الأماكن الأخرى بواسطة عملياتها المنتهية أو المستمرة، مثل سيراليون، وبوروندي، وكوت ديفوار، وتيمور الشرقية، وليبيريا، وهايتي، وكوسوفو.

ومن خلال توفير الضمانات الأساسية للأمان والاستجابة للكوارث، دعمت عمليات الأمم المتحدة التحولات السياسية وساعدت في دعم المؤسسات الجديدة الهشة. وساعدت كذلك الكثير من الدول على الانتهاء من مراحل النزاعات، والاتجاه إلى مسار التنمية الطبيعية، حتى وإن ظلت هناك تحديات رئيسية لعملية السلام.

المثابرة والالتزام

على الرغم من هذه التحديات، فإن حفظة السلام يثابرون، إلى جانب شركائهم، في السعي الجماعي لتحقيق السلام.

وتعد عمليات الأمم المتحدة لحفظ السلام مشروعا مميزا للتعددية والتضامن الدولي، لكنها لا تستطيع بمفردها تلبية جميع الاحتياجات والتوقعات.

وتسعى عمليات حفظ السلام اليوم بلا هوادة لتكون أكثر تقدماً وابتكاراً وفعالية من أجل أن تنجح وسط التهديدات الجديدة والتحديات المتزايدة.

على مدار 75 عاما، خدمت عمليات حفظ السلام الأممية ملايين الأشخاص المحاصرين في دوامة صراعات كارثية ودعمتهم.

وقد لقي أكثر من 4000 جندي حفظ سلام مصرعهم أثناء خدمتهم تحت الراية الأممية.

تاريخ وشجاعة والتزام حفظة السلام العاملين اليوم، والبالغ عددهم سبعة وثمانين ألفا، يلهمنا ويذكرنا بضرورة العمل، لأن السلام يبدأ بي وبكم وبنا جميعا.