منظور عالمي قصص إنسانية

هايتي: الحل السياسي لا يزال بعيد المنال، ولم يعد بمفرده كافيا لمعالجة الأزمات المتداخلة التي تعصف بالبلاد

العاصمة الهايتية، بورت-أو-برنس
UNDP Haiti/Borja Lopetegui Gonzalez
العاصمة الهايتية، بورت-أو-برنس

هايتي: الحل السياسي لا يزال بعيد المنال، ولم يعد بمفرده كافيا لمعالجة الأزمات المتداخلة التي تعصف بالبلاد

السلم والأمن

عقد مجلس الأمن اليوم الاثنين اجتماعا حول "الوضع في هايتي" في سياق أزمة كبرى تعصف بالبلاد، حيث أدّى عنف العصابات المستشري والاضطرابات الشعبية واسعة النطاق إلى تفاقم الوضع الإنساني المتردي بالفعل، في ظل تقييد وصول أبناء هايتي إلى الخدمات الأساسية وتقليص قدرة الجهات الفاعلة الإنسانية على الاستجابة للاحتياجات المتزايدة. وعلاوة على ذلك، جلبت عودة الكوليرا إلى البلاد ذكريات مؤلمة للسكان.

وكانت المكسيك والولايات المتحدة – حاملتا القلم بشأن هايتي – قد طلبتا تقديم الاجتماع الاعتيادي بشأن هايتي (الذي كان مقررا في 21 تشرين الأول/أكتوبر) في ضوء قسوة الظروف على الأرض. ويعكس هذا الشعور المتزايد بالإلحاح بين أعضاء المجلس وهم ينظرون في إيجاد أفضل السبل لدعم السلطات الهايتية لمعالجة الوضع.

وينظر الأعضاء حاليا في قرارين محتملين: يتفاوض أعضاء المجلس على مشروع قرار مكسيكي-أميركي ينص على نظام عقوبات في هايتي، بما في ذلك التدابير المستهدفة (تجميد الأصول وحظر السفر) وحظر توريد الأسلحة، والثاني قد يرحب بنشر قوة دولية متخصصة في البلاد. ولا تزال المناقشات جارية، وتوقيت التصويت المحتمل على القرارين لم يتحدد بعد.

أوضاع إنسانية مزرية

من هايتي، أطلعت الممثلة الخاصة للأمين العام لهايتي ورئيسة مكتب الأمم المتحدة المتكامل في هايتي، هيلين لاليم، مجلس الأمن على التطورات الأخيرة في البلاد وتقرير الأمين العام الاعتيادي المؤرخ في 13 تشرين الأول/أكتوبر (S/2022/761).

وقالت في مستهل كلمتها إنها عندما قدمت إحاطتها قبل ثلاثة أسابيع، تحدثت عن ثلاث أزمات متداخلة: اقتصادية وأمنية وسياسية تسرّع من دوامة التدهور في هايتي. وفي غضون أربعة أيام من تلك الإحاطة، أكدت الحكومة أول حالة إصابة بالكوليرا في هايتي منذ أكثر من ثلاث سنوات. وقالت: "هناك حالة طوارئ إنسانية على أعتابنا الآن."

وفي غضون أسابيع، تم تأكيد عشرات الحالات، أدى أكثر من نصفها إلى الوفاة، مع الاشتباه في وجود مئات أخرى في مقاطعتي الغرب والوسط.

وتابعت تقول: "كان خمسة وعشرون من تلك الوفيات في سجن بور-أو-برنس وحده. كما يُشتبه في وجود حالات في سجن كروا دي بوكيه."

وفي نفس الوقت، تستمر العصابات في إغلاق محطة فارو حيث يتم تخزين معظم الوقود في البلاد.

وأضافت تقول: "كانت العواقب على البنية التحتية الأساسية في هايتي وخيمة، حيث عرقلت العمليات في المستشفيات وموردي المياه في البلاد، وأثّرت على الاستجابة للكوليرا."

وحذرت من أنه بدون وقود لا يتم جمع النفايات من الأحياء، بينما تؤدي الأمطار الغزيرة إلى حدوث فيضانات، ومع اختلاطها بالنفايات فهي تهيّئ ظروفا غير صحية تمهد لانتشار الأمراض.

بورت-أو-برنس عاصمة هايتي.
UNDP Haiti/Borja Lopetegui Gonzalez
بورت-أو-برنس عاصمة هايتي.

وأشارت إلى عدم نجاح العمل البطولي للشرطة – الجهاز الذي لا يزال يعاني من نقص حاد في عدد موظفيه ونقص الموارد – ولا الجهود السياسية في التخفيف من وطأة الوضع.

كما هو الحال دائما، فإن مواطني هايتي الأشد فقرا وضعفا هم الأكثر تضررا

"كما هو الحال دائما، فإن مواطني هايتي الأشد فقرا وضعفا هم الأكثر تضررا."

وأشارت إلى أنه من دون حرية نقل الوقود، لن تتمكن هايتي من تجاوز هذه الأزمة الحالية. ولا يزال الميناء الذي يتم فيه تخزين الوقود يمثل تحديا.

وقالت: "علاوة على ذلك، فإن ندرة الوقود تؤثر على تنقل الشرطة واستجابتها. لقد ذهبت نداءات الهيئات الدبلوماسية والجهات الأخرى، بما في ذلك الأمم المتحدة، من أجل إنشاء ممر إنساني أدراج الرياح."

وأضافت أن الحرمان الاقتصادي يتسبب في جعل السكان أكثر ضعفا مما كانوا عليه منذ سنوات. ويعيق عنف العصابات بشكل حاسم الاستجابة الإنسانية للمرض الذي عاد للظهور وكذلك للجوع، حيث يواجه 4.7 مليون شخص الجوع الحاد، بما في ذلك عشرات الآلاف على شفا التضور جوعا.

سوء الأوضاع الأخرى

وعن الأحوال الأخرى في البلاد، قالت لاليم إنه تم الإبلاغ عمّا يقرب من ألف حالة اختطاف في عام 2022 وحده، ويستمر انعدام الأمن العام في منع ملايين الأطفال من حضور الفصول الدراسية، ويعزل أحياء بأكملها، ويترك المجال لابتزاز العائلات وحرقها في منازلها.

وتطرقت إلى التقرير الذي صدر يوم الجمعة بعنوان "العنف الجنسي في بور-أو-برنس: سلاح تستخدمه العصابات لبث الخوف" بالاشتراك بين مكتب الأمم المتحدة المتكامل في هايتي ومفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان.

ويوثق التقرير "بشكل مؤلم" الجرائم الجنسية التي ترتكبها العصابات ضد النساء والفتيات والفتيان من جميع الأعمار، وكذلك الرجال بدرجة أقل، واستخدمت العصابات المسلحة عمليات الاغتصاب والاغتصاب الجماعي لبث الخوف والعقاب والقهر وإلحاق الأذى بالسكان المحليين.

وقد سلّمت كندا والولايات المتحدة في منتصف هذا الشهر معدات أمنية إلى الشرطة، بما في ذلك المركبات التكتيكية والمصفحة، وأشارت لاليم إلى أنها تعلّق آمالا على أن يساعد ذلك الشرطة في استعادة السيطرة على الوضع.

أجبرت أعمال عنف العصابات في عاصمة هايتي، بورت-أو-برنس، ما يقرب من 8,500 امرأة وطفل على الفرار من ديارهم في غضون أسبوعين فقط. (من الأرشيف)
BINUH/Boulet-Groulx
أجبرت أعمال عنف العصابات في عاصمة هايتي، بورت-أو-برنس، ما يقرب من 8,500 امرأة وطفل على الفرار من ديارهم في غضون أسبوعين فقط. (من الأرشيف)

الوضع السياسي واستمرار العملية السياسية

فيما يتعلق بالوضع السياسي، قالت لاليم إن القرار 2645 ولّد إحساسا بالإلحاح لأنه ولأول مرة يطلب من الحكومة الإبلاغ عن جهودها الرامية إلى وضع إطار مستدام ومحدد زمنيا ومقبول بشكل عام لعملية سياسية يقودها الهايتيون.

وبناء على قرار هذا المجلس، "قمتُ بتكثيف جهودي لجمع الجهات الفاعلة الرئيسية حول الطاولة، من خلال الحوار المستمر، والحفاظ على الزخم بين أصحاب المصلحة المعنيين لإنشاء إطار لعملية سياسية متجددة."

ومنذ آب/أغسطس، يقود المجتمع المدني مبادرة اقتربت أخيرا من جمع جميع أصحاب المصلحة حول اقتراح مشترك. وبدعم من مكتب الأمم المتحدة، بدأ الفاعلون الاقتصاديون والاجتماعيون والسياسيون في تحديد طرق عملية للمضي قدما وإطلاق جولة جديدة من المناقشات بين مختلف الكتل السياسية.

لكنها استطردت قائلة: "مع ذلك، تعثرت المحادثات. وانحسرت روح التسوية، وفي حالة حزينة عشناها من قبل، بدأت المصالح الخاصة في إعادة توجيه السرد."

مع ذلك، أكدت أن هذه المحادثات مستمرة، وعُقد حتى يوم أمس اجتماع بين ممثلي المجتمع المدني بهدف إحياء توافق واسع في الآراء. ولا تزال المساعي الحميدة للأمم المتحدة بالغة الأهمية لتوفير الفرص للهايتيين للالتقاء والاتفاق على طريق لتحقيق الاستقرار في البلاد.

عاصمة هايتي، بورت-أو-برنس.
UNDP Haiti/Borja Lopetegui Gonzalez

طلب قوات دولية

في 7 تشرين الأول/أكتوبر، ناشدت الحكومة الهايتية النشر الفوري "لقوة دولية متخصصة" لتعزيز جهود الشرطة الوطنية الهايتية مؤقتا للسماح بتوزيع الوقود والمياه وتسهيل التنقل الحر للبضائع والأشخاص من أجل وقف الأزمة الإنسانية في جميع أنحاء البلاد.

وقد أعربت بعض الجهات في هايتي عن معارضتها لطلب الحكومة، وبحسب تقارير إعلامية، شجب متظاهرون في مسيرات جرت في العاصمة في 10 تشرين الأول/أكتوبر، إمكانية التدخل الدولي في هايتي.

وكررت لاليم دعوة الأمين العام للأمم المتحدة لشركاء هايتي إلى النظر في هذا الطلب على سبيل الاستعجال لتقديم الإغاثة الفورية لمن هم أكثر ضعفا بالفعل.

وشددت على أنه ينبغي أن يقترن أي دعم أمني معزز للشرطة الوطنية بدعم نظام العدالة لضمان المساءلة المناسبة، ولإعادة إنفاذ المبادرات التي تقودها الدولة، مثل الوحدات القضائية المقترحة والمتخصصة في الفصل في الجرائم التي ترتكبها العصابات وكذلك الجرائم المالية.

المطلوب حل سياسي بقيادة هايتي

وقالت في ختام كلمتها إن أي حل شامل يتطلب حلا سياسيا بقيادة هايتي. لكن الحل السياسي لا يزال بعيد المنال، ولم يعد بمفرده كافيا لمعالجة الأزمة الحالية.

ولدعم المؤسسات الهايتية في سعيها من أجل النظام المدني والمساءلة – وإنقاذ آلاف الأرواح التي ستُفقد لولا ذلك – يجب على أعضاء هذا المجلس التحرّك، وبشكل حاسم، للمساعدة في التصدي لآفات انعدام الأمن والفساد المتواصلة في هايتي.