منظور عالمي قصص إنسانية

أمام التحديات المتعددة، منظمة الصحة العالمية تحث على الاستثمار في أنظمة صحية قوية لإنقاذ العديد من الأرواح

أطفال يمشون في الطين في مخيم للنازحين في مايدوغوري شمال شرق نيجيريا.
© UNICEF/KC Nwakalor
أطفال يمشون في الطين في مخيم للنازحين في مايدوغوري شمال شرق نيجيريا.

أمام التحديات المتعددة، منظمة الصحة العالمية تحث على الاستثمار في أنظمة صحية قوية لإنقاذ العديد من الأرواح

الصحة

دعت منظمة الصحة العالمية العالم – بشكل فردي أو كمجتمع دولي – إلى تعزيز الدفاعات الصحية مع تفاقم التحديات الماثلة أمامنا في هذه الفترة؛ من إيبولا إلى الكوليرا، ومن زيادة حالات الإصابة بكوفيد-19 وجدري القردة إلى تهديد الإنفلونزا مع دخول فصل الشتاء.

وفي المؤتمر الصحفي الاعتيادي من جنيف يوم الأربعاء، تناول مدير عام منظمة الصحة العالمية، د. تيدروس أدهانوم غيبرييسوس، الأوضاع الصحية العالمية مشيرا إلى تفاقمها بسبب عودة ظهور الكوليرا في هايتي، والحالات المشتبه بها في سوريا، وانتشار إيبولا في أوغندا، علاوة على ذلك يستمر تفشي كـوفيد-19 وجدري القردة.

وشدد المسؤول الأممي على أنه من خلال الاستثمار في أنظمة صحية قوية على المستوى المحلي، يمكن التخفيف من تأثير حالات الطوارئ وإنقاذ العديد من الأرواح.

زيادة الحالات المصابة بكوفيد-19

قال د. تيدروس إن دولا عديدة في أوروبا أبلغت الآن عن زيادة في حالات الإصابة بكوفيد-19، ودخول المستشفيات والوفيات.

وأشار إلى أن هذا الأمر متوقع مع انخفاض درجات الحرارة وقضاء مزيد من الوقت في الأماكن المغلقة، كما لم تعد معظم البلدان تطبق تدابير الحد من انتشار الفيروس.

وقال: "نتوقع زيادة في حالات كوفيد-19 المبلغ عنها. لكن لا يجب أن تكون الوفيات كذلك، لأن لدينا لقاحات وعلاجات يمكن أن تنقذ الأرواح."

وبحسب منظمة الصحة العالمية، يظل أوميكرون هو المتغير السائد على مستوى العالم، وتقوم منظمة الصحة العالمية وشركاؤها بتتبع أكثر من 300 سلالة فرعية.

يظل الرصد والاختبار والتسلسل ضعيفا على مستوى العالم، مما يجعل التتبع مثل مطاردة الظل

لكنّه أضاف: "يظل الرصد والاختبار والتسلسل ضعيفا على مستوى العالم، مما يجعل التتبع مثل مطاردة الظل."

ولكن، مع رفع معظم هذه الإجراءات، عادت الإنفلونزا، وتدعو الوكالة الأممية إلى عدم الاستهانة بها، وزيادة الرصد والاختبار والتسلسل، وضمان تطعيم الفئات الأكثر عرضة للخطر.

وردّا على سؤال يتعلق بمدى خطورة تفشي كوفيد-19 الآن، قالت د. ماريا فان كيرخوف، رئيسة الفريق التقني المعني بكوفيد-19، إن هذا الفيروس يواصل التطور، وينتشر على مستوى كبير جدا حول العالم الآن. ومن بين السلالات الفرعية لمتغير أوميكرون الأكثر انتشارا BA.5.

وأكدت أن دول العالم ستواصل رؤية المزيد من انتشار العدوى لأنها ستعيش مع هذا الفيروس، ولكن "لدينا اللقاحات التي تواصل إثبات فعاليتها في منع الحالات الشديدة والوفاة."

وأعربت عن القلق إزاء ارتفاع الحالات التي يتم التحقق منها في الجزء الشمالي من الكرة الأرضية، إذ بدأت بعض الدول ترى ارتفاعا في دخول المستشفيات والعناية المركزة والوفيات. "هذا يعود إلى عدم اكتمال جرعات التطعيم، وعدم الاستخدام الفعّال للأدوات المتاحة مثل مضادات الفيروسات."

ومع دخول فصل الخريف والشتاء، شددت د. فان كيرخوف على أهمية أن تكون النظم الصحية مستعدة، وذكّرت بأهمية ارتداء الكمامات وأن تكون هناك تهوية مناسبة في الأماكن المغلقة.

انتشار الكوليرا

وتطرق د. تيدروس إلى عودة ظهور مرض الكوليرا "بشكل غير مرحب به." وأضاف أنه بعد سنوات من انخفاض الحالات على مستوى العالم، "شهدنا زيادة مقلقة في تفشي الكوليرا في جميع أنحاء العالم خلال العام الماضي."

وأوضح أنه في الأشهر التسعة الأولى من هذا العام وحده، أبلغت 27 دولة عن تفشي وباء الكوليرا. "لا نشهد فقط المزيد من التفشي فحسب، ولكن المزيد من التفشي المميت."

وتظهر البيانات المتوفرة لدى منظمة الصحة العالمية أن متوسط معدل وفيات الحالات حتى الآن هذا العام يقارب ثلاثة أضعاف معدل السنوات الخمس الماضية.

وفي سوريا، تم الإبلاغ عن أكثر من 10,000 حالة مشتبه بإصابتها بالكوليرا في الأسابيع الستة الماضية فقط.

وفي هايتي، بعد أكثر من ثلاث سنوات مع عدم وجود حالات إصابة بالكوليرا، تم الإبلاغ رسميا عن حالتين هذا الأسبوع في العاصمة بور-أو-برنس، مع 20 حالة يشتبه بإصابتها، وسبع وفيات قيد التحقق منها في مناطق أخرى. ومن المحتمل أن يكون العدد الفعلي للحالات أعلى بكثير.

"هذا التفشي يمثل نكسة خاصة حيث كانت هايتي تستعد لتكون خالية من الكوليرا في وقت لاحق من هذا العام."

في عام 2013، أنشأت منظمة الصحة العالمية وشركاؤها مخزونا دوليا من لقاحات الكوليرا، وشحنت في العام الماضي 27 مليون جرعة. ولكن مع تزايد عدد حالات تفشي المرض، لا يمكن للعرض مواكبة الطلب.

وأشار إلى أن الكوليرا تتغذى على الفقر والصراع، لكنها تتزايد الآن بفعل تغير المناخ. حيث تؤدي الأحداث المناخية الشديدة مثل الفيضانات والأعاصير والجفاف إلى تقليل الوصول إلى المياه النظيفة وتهيئة البيئة المثالية لانتشار الكوليرا.

إيبولا في أوغندا

عاملتان من المجال الصحي في أوغندا
WHO Africa
عاملتان من المجال الصحي في أوغندا

تطرق د. تيدروس إلى الوضع في أوغندا، حيث تواصل منظمة الصحة العالمية دعم الحكومة للاستجابة لتفشي مرض الإيبولا في أربع مقاطعات. حتى الآن، تم الإبلاغ عن 63 حالة مؤكدة وحالة يُشتبه بها، بما في ذلك 29 حالة وفاة.

وقد أصيب 10 من العاملين في المجال الصحي، وتوفي أربعة. ويتعافى أربعة أشخاص ويتلقون الرعاية.

وقد خصصت منظمة الصحة العالمية مليوني دولار أميركي من صندوق الطوارئ لحالات الطوارئ، وتواصل العمل مع الشركاء لدعم وزارة الصحة من خلال إرسال متخصصين وإمدادات وموارد إضافية.

وتابع يقول: "عندما يكون هناك تأخير في اكتشاف تفشي فيروس إيبولا فمن الطبيعي أن تزداد الحالات بشكل مطّرد في البداية، ومن ثمّ تنخفض مع تنفيذ التدخلات المنقذة للحياة وتدابير مكافحة تفشي المرض."

وأشار إلى أن اللقاحات المستخدمة بنجاح للحد من تفشي الإيبولا الأخير في جمهورية الكونغو الديمقراطية ليست فعّالة ضد نوع فيروس الإيبولا المسؤول عن هذه الفاشية في أوغندا.

مع ذلك، هناك عدة لقاحات في مراحل مختلفة من التطوير ضد هذا الفيروس، يمكن طرح اثنين منها للتجارب السريرية في أوغندا في الأسابيع المقبلة، في انتظار الموافقات التنظيمية من الحكومة الأوغندية.

باكستان: الأمراض قد تفتك بالمواطنين

فيما يتعلق بباكستان، قال د. تيدروس إنه على الرغم من توقف منسوب المياه عن الارتفاع، إلا أن الخطر يتزايد. وأضاف أن أكثر من 1,500 شخص لقوا مصرعهم في الفيضانات، لكن قد يُفقد عدد أكبر بسبب الأمراض في الأسابيع المقبلة، إذا لم تتوفر استجابة دولية واسعة النطاق وعاجلة.

وتؤكد منظمة الصحة العالمية تضرر ما يقرب من 10 في المائة من جميع المرافق في باكستان مما يجعل الملايين غير قادرين على الحصول على الرعاية الصحية. كما أن مخزون الأدوية الأساسية والإمدادات الطبية محدود أو جرفته المياه؛ كما تعرقل الطرق والجسور المتضررة الوصول إلى الخدمات والإمدادات؛ وتعطلت آليات مراقبة الأمراض والإحالة.

وقال: "الآن يوجد انتشار للملاريا والكوليرا وحمى الضنك وزيادة في التهابات الجلد ونقدّر أن أكثر من ألفي امرأة تضع مولودا يوميا، معظمهن ينجبن في ظروف غير آمنة."

مياه الفيضانات في منطقة أوميركوت، مقاطعة السند، باكستان.
© UNICEF/Asad Zaidi
مياه الفيضانات في منطقة أوميركوت، مقاطعة السند، باكستان.

وتركز منظمة الصحة العالمية على دعم الأشخاص في أربع مجموعات:

  • أولئك الذين يعيشون في المخيمات، والذين يمكن الوصول إليهم بسهولة لكنهم يمثلون نسبة صغيرة من إجمالي الاحتياجات.
  • أولئك الذين يعيشون على جوانب الطرق لمسافات تمتد لمئات الكيلومترات.
  • أولئك الذين يعيشون في مناطق معزولة بسبب مياه الفيضانات والذين يصعب الوصول إليهم.
  • أولئك الذين يعيشون في المناطق التي تنحسر فيها المياه ويعودون إلى منازلهم في القرى والبيوت المدمرة.

وقد خصصت منظمة الصحة العالمية في آب/أغسطس 10 ملايين دولار أميركي من صندوق الطوارئ الخاص بها لحالات الطوارئ، "لكن الكارثة ضخمة وغير مسبوقة تحتاج إلى استجابة ضخمة وغير مسبوقة."

وقد أصدرت المنظمة نداء اليوم لجمع 81.5 مليون دولار لدعم عمل منظمة الصحة العالمية من أجل دعم تقديم التطعيم والخدمات الصحية الأخرى المنقذة للحياة؛ ولمعالجة سوء التغذية الحاد والشديد؛ وتعزيز رصد الأمراض؛ ولتقوية المياه والصرف الصحي.

الوضع في تيغراي "يزداد سوءا"

ردّا على سؤال حول الوضع في تيغراي، قال د. تيدروس إنه يزداد سوءا. وأوضح أنه بالنسبة لأكثر من ستة ملايين شخص في تيغراي، ليس هناك إمكانية للوصول إلى الغذاء ولا الأدوية. وليس بإمكان منظمة الصحة العالمية إرسال الدواء، وعلاوة على ذلك، لا يوجد وصول للخدمات الأساسية مثل الخدمات المصرفية والاتصالات.

"إنها أسوأ أزمة إنسانية نشهدها الآن، وتتم بشكل منهجي على يد الحكومتين الإثيوبية والإريترية. والحصار مفروض منذ أكثر من 23 شهرا الآن."

وحث القوات الإثيوبية والإريترية على إنهاء الحرب، "ويمكنها فعل ذلك بشكل أحادي الجانب، وإنهاء الحصار وإعطاء السلام فرصة."

وأكد أن "العقاب الجماعي" للمدنيين يناهض القانون الدولي ويُعتبر جريمة.