منظور عالمي قصص إنسانية

تراجع حاد في التطعيم الروتيني للأطفال خلال العامين الماضيين بعد ما يقرب من عقد من التقدّم المتعثّر

تطعيم الأطفال دون سن الخامسة في سوق سانت ميشيل في كوتونو، بنن
©Yézaël Adoukonou/ Nations Unies Bénin
تطعيم الأطفال دون سن الخامسة في سوق سانت ميشيل في كوتونو، بنن

تراجع حاد في التطعيم الروتيني للأطفال خلال العامين الماضيين بعد ما يقرب من عقد من التقدّم المتعثّر

الصحة

تسببت جائحة كوفيد-19 في أكبر تراجع مستمر في الحصول على التطعيمات منذ ثلاثة عقود، وذلك بحسب بيانات رسمية نشرتها منظمة الصحة العالمية واليونيسف. ودقت الوكالتان ناقوس الخطر حيث استمرت تغطية اللقاحات في الانخفاض في عام 2021، مع تفويت 25 مليون طفل للقاحات المنقذة للحياة.

ولم يتلق 18 مليون طفل من أصل 25 مليون طفل جرعة واحدة من اللقاحات ضد الدفتيريا والتيتانوس والسعال الديكي (المعروفة بـ DTP3) خلال العام، وتعيش غالبيتهم العظمى في بلدان منخفضة ومتوسطة الدخل، مع تسجيل الهند ونيجيريا وإندونيسيا وإثيوبيا والفلبين أعلى الأرقام.

وكانت ميانمار وموزامبيق من بين البلدان ذات الزيادات النسبية الأكبر في عدد الأطفال الذين لم يتلقوا تطعيما واحدا بين عامي 2019 و2021.

وقالت كاثرين راسيل، المديرة التنفيذية لليونيسف: "هذا تنبيه أحمر (إشارة للخطر) لصحة الأطفال. إننا نشهد انخفاضا مستمرا في تطعيم الأطفال منذ جيل."

زيادة عدد الأطفال الذين فاتهم التطعيم

بحسب البيانات، انخفضت النسبة المئوية للأطفال الذين تلقوا ثلاث جرعات من اللقاح ضد الدفتيريا والتيتانوس والسعال الديكي – وهي اللقاحات التي تُعدّ مؤشرا على تغطية التحصين داخل البلدان وعبرها – بـ 5 نقاط مئوية بين عامي 2019 و2021 لتصل إلى 81 في المائة.

نتيجة لذلك، فقد 25 مليون طفل جرعة واحدة أو أكثر من لقاحات DTP من خلال خدمات التحصين الروتينية في عام 2021 وحده. وهذه زيادة بمقدار مليونين عن أولئك الذي فوّتوا التطعيم في عام 2020، وبمقدار ستة ملايين عن عام 2019، مما يسلّط الضوء على العدد المتزايد من الأطفال المعرّضين لخطر الإصابة بأمراض مدمّرة كان يمكن الوقاية منها.

وعلى الصعيد العالمي، فُقد أكثر من ربع التغطية بلقاحات فيروس الورم الحليمي البشري (HPV) التي تم تحقيقها في عام 2019.

وترى الوكالتان الأمميتان أن لهذا عواقب وخيمة على صحة النساء والفتيات، حيث إن التغطية العالمية للجرعة الأولى من لقاح فيروس الورم الحليمي البشري لا تتجاوز 15 في المائة، على الرغم من إعطاء اللقاحات الأولى الضوء الأخضر منذ أكثر من 15 عاما.

 

أسباب الانخفاض

 

حملة تطعيم ضد شلل الأطفال في مخيم للنازحين في مأرب، اليمن.
© UNICEF/Mahmoud Fahdl
حملة تطعيم ضد شلل الأطفال في مخيم للنازحين في مأرب، اليمن.

 

يعزى الانخفاض إلى العديد من العوامل، بما في ذلك زيادة عدد الأطفال الذين يعيشون في مناطق النزاع والحالات الهشّة، حيث غالبا ما يكون الوصول إلى التحصين صعبا.

 

إضافة إلى ذلك، زادت المعلومات الخاطئة والمشكلات المرتبطة بجائحة كـوفيد-19 مثل حدوث اضطرابات في الخدمات وسلاسل الإمداد. وتحويل الموارد لجهود الاستجابة للجائحة، وتدابير الاحتواء التي حدت من الوصول إلى خدمة التطعيم وتوافرها.

 

وأضافت السيدة كاثرين راسيل تقول: "كوفيد-19 ليس عذرا. نحن بحاجة إلى عمليات التحصين التي تلحق بالملايين الذين فوّتوا التطعيم أو سنشهد حتما المزيد من الفاشيات، المزيد من الأطفال المرضى، وزيادة الضغط على النظم الصحية المثقلة بالفعل."

 

تفشي أمراض مثل الحصبة وشلل الأطفال

 

أدّت مستويات التغطية غير الكافية بالفعل إلى تفشّي أمراض مثل الحصبة وشلل الأطفال اللذين كان من الممكن تجنّبهما خلال الأشهر الـ 12 الماضية، وهو ما يؤكد على الدور الحيوي للتحصين في الحفاظ على صحة الأطفال واليافعين والبالغين والمجتمعات.

 

وقد انخفضت تغطية الجرعة الأولى من الحصبة إلى 81 في المائة في عام 2021، وهذا أيضا أدنى مستوى منذ عام 2008. ذلك يعني أن 24.7 مليون طفل فوّتوا جرعتهم الأولى من الحصبة في عام 2021، بزيادة قدرها 5.3 مليون طفل عن عام 2019.

 

وهناك 14.7 مليون طفل آخر لم يتلقوا الجرعة الثانية المطلوبة. وبالمثل، مقارنة بعام 2019، فقد 6.7 مليون طفل الجرعة الثالثة من لقاح شلل الأطفال و3.5 مليون طفل فوّتوا الجرعة الأولى من لقاح فيروس الورم الحليمي البشري الذي يقي الفتيات من سرطان عنق الرحم لاحقا في الحياة.

 

ويأتي التراجع الحاد في عامين بعد ما يقرب من عقد من التقدّم المتعثّر، مؤكدا على الحاجة ليس إلى معالجة الاضطرابات المرتبطة بالجائحة وحسب، ولكن أيضا تجاوز التحديات المرتبطة بإدارة التطعيمات الروتينية لضمان الوصول إلى كل طفل ويافع.

 

رضيع عمره 13 يوما يتلقى تطعيم ضد شلل الأطفال في إحدى البلدات بباكستان.
UNICEF/Asad Zaidi
رضيع عمره 13 يوما يتلقى تطعيم ضد شلل الأطفال في إحدى البلدات بباكستان. , by UNICEF/Asad Zaidi

 

2021 عام التعافي؟

 

كان من المأمول أن يكون عام 2021 عاما للتعافي يتم خلاله إعادة بناء برامج التحصين المثقلة بالفعل وتعويض مجموعة الأطفال الذين فاتهم التطعيم في عام 2020.

 

بدلا من ذلك، تراجعت تغطية اللقاحات (DTP3) إلى أدنى مستوى لها منذ عام 2008، الأمر الذي أدّى، إلى جانب الانخفاض في تغطية اللقاحات الأساسية الأخرى، إلى انحراف العالم عن المسار الصحيح لتحقيق الأهداف العالمية، بما في ذلك مؤشر التحصين لأهـداف التنمية المستدامة.

 

ويحدث هذا التراجع التاريخي في معدلات التحصين على خلفية ارتفاع معدلات سوء التغذية الحاد الوخيم بسرعة. ويرى الخبراء أن الطفل المصاب بسوء التغذية يعاني بالفعل من ضعف المناعة، ويمكن أن يعني تفويت اللقاحات أن أمراض الطفولة الشائعة تتسبب بالوفاة بشكل أسرع.

 

ويهدد تقارب أزمة الجوع مع فجوة التحصين المتزايدة بتهيئة الظروف لأزمة بقاء الطفل على قيد الحياة.

 

وقال د. تيدروس أدهانوم غيبرييسوس، مدير عام منظمة الصحة العالمية: "يجب أن يسير التخطيط لكوفيد-19 والتصدي له جنبا إلى جنب مع التطعيم ضد الأمراض الفتّاكة مثل الحصبة والالتهاب الرئوي والإسهال."

 

 

فتاة صغيرة تنتظر تلقي التطعيم خلال الحملة الوطنية للتحصين ضد شلل الأطفال والحصبة في مقديشو، الصومال في 1 أيلول/سبتمبر 2020
WHO Somalia/Ismail Taxta/Ildoog
فتاة صغيرة تنتظر تلقي التطعيم خلال الحملة الوطنية للتحصين ضد شلل الأطفال والحصبة في مقديشو، الصومال في 1 أيلول/سبتمبر 2020, by WHO Somalia/Ismail Taxta/Ildoog

 

إعطاء الأولوية للتحصين الروتيني

 

تعمل كل من منظمة الصحة العالمية واليونيسف مع تحالف غافي (GAVI) للقاحات وشركاء آخرين لتنفيذ إطار جدول أعمال التحصين للعام 2030 (IA2030).

 

وقال سيث بيركلي، الرئيس التنفيذي لتحالف GAVI: "إنه لأمر يفطر القلب أن نرى المزيد من الأطفال يفقدون الحماية من الأمراض التي يمكن الوقاية منها للعام الثاني على التوالي."

 

وأكد أن أولوية التحالف يجب أن تُعطى لمساعدة البلدان على الحفاظ على التحصين الروتيني واستعادته وتعزيزه، جنبا إلى جنب مع تنفيذ خطط التطعيم الطموحة ضد كوفيد-19.

 

ويدعو الشركاء في تنفيذ إطار جدول أعمال التحصين للعام 2030 الحكومات والأطراف ذات الصلة إلى تكثيف جهود التطعيم للحاق بالركب ومعالجة التراجع عن التحصين الروتيني، وتوسيع خدمات التوعية في المناطق المحرومة للوصول إلى الأطفال الذين فوّتوا التطعيم وتنفيذ حملات لمنع تفشي الأمراض.

 

كما يدعو الشركاء الحكومات إلى تنفيذ استراتيجيات قائمة على الأدلة وتركز على الناس ومصممة خصيصا لبناء الثقة في اللقاحات والتحصين، ومكافحة المعلومات الخاطئة، وإعطاء الأولوية للمعلومات الصحية وتعزيز أنظمة الرصد لتوفير البيانات.

 

بالإضافة إلى ذلك، من الضروري زيادة الاستثمار في البحوث لتطوير وتحسين اللقاحات الجديدة والحالية وخدمات التحصين، مع ضمان الالتزام السياسي من قبل الحكومات الوطنية وزيادة تخصيص الموارد لتعزيز واستدامة التحصين ضمن الرعاية الصحية الأولوية.