منظور عالمي قصص إنسانية

مجلس الأمن يخفق في حماية حق الشعب السوري في الحصول على المساعدات الإنسانية الطارئة عبر الحدود

أطفال يلعبون في شاحنة مدمرة في دوما، سوريا.
© UNICEF/Omar Sanadiki
أطفال يلعبون في شاحنة مدمرة في دوما، سوريا.

مجلس الأمن يخفق في حماية حق الشعب السوري في الحصول على المساعدات الإنسانية الطارئة عبر الحدود

السلم والأمن

مشروعا قرارين طرحا اليوم الجمعة على التصويت في مجلس الأمن الدولي، لم يحظَ أي منهما بالأصوات الكافية التي تمكن الأعضاء الخمسة عشر من اعتماد قرار جديد يسمح بإيصال المساعدات الإنسانية عبر الحدود للشعب السوري.

مشروع أيرلندا والنرويج

المشروع الأول المقدم من أيرلندا والنرويج، حاملتي القلم الإنساني بالملف السوري، كان يدعو إلى "تمديد القرارات الواردة في الفقرتين 2 و 3 من قرار مجلس الأمن 2165 (2014) لمدة 6 أشهر، أي حتى 10 كانون الثاني/يناير 2023، فقط للمعبر الحدودي في باب الهوى، مع تمديد ستة أشهر إضافية، أي حتى 10 تموز/يوليو 2023، ما لم يقرر المجلس خلاف ذلك، ورهناً بإصدار التقرير الموضوعي للأمين العام، مع التركيز بشكل خاص على الشفافية في العمليات، والتقدم المحرز في الوصول عبر الخطوط ومشاريع التعافي المبكر في تلبية الاحتياجات الإنسانية".


حصد المشروع الأول 13 صوتا لصالحه، فيما صوتت روسيا ضده (مستخدمة حق النقض)، وامتنعت الصين عن التصويت.

الموقف الأمريكي من فشل اعتماد مشروع أيرلندا والنرويج


المندوبة الأمريكية الدائمة لدى الأمم المتحدة ليندا توماس-غرينفيلد أعربت عن أسفها الكبير لإخفاق المجلس في اعتماد مشروع القرار المقدم من أيرلندا والنرويج. وقالت:


"بسبب تصويت عضو واحد من أعضاء المجلس، سيتعين على المستشفيات رفض معالجة المرضى لأنها لا تملك الإمدادات والأدوية اللازمة. من المرجح أن تغلق المدارس أبوابها، ويحرم الأطفال من الوعد بالتعليم، بمستقبل أكثر إشراقا. سيتم قطع المساعدات الغذائية التي يعتمد عليها 85000 شخص للبقاء على قيد الحياة، وكذلك مجموعات الكرامة المنقذة للحياة لـ 250.000 امرأة وفتاة. وستتوقف شحنات العلاجات الحيوية."

وأضافت أن الآمال ستتلاشى، مشيرة إلى أن هذا (التمديد) "مسألة حياة أو موت، ومن المؤسف أن الناس سيموتون بسبب هذا التصويت – وبسبب البلد الذي استخدم حق النقض بلا خجل اليوم."


وأوضحت المندوبة الأمريكية أن المسودة التي طرحتها أيرلندا والنرويج كانت بالفعل التسوية القصوى. 


"من غير المعقول أن يضع أحد أعضاء مجلس الأمن - روسيا - مصالحه السياسية فوق الاحتياجات الإنسانية للشعب السوري. كانت هذه لحظة لإنقاذ الأرواح والقيادة بمسؤولية. دولة واحدة أخفقت في القيام بذلك."

وقالت "عندما نجلس في هذه القاعة المزخرفة، فمن السهل أن نغفل عن العواقب الواقعية لتصويتنا. لكن على بعد حوالي 5000 ميل، بالنسبة لـ 4.1 مليون شخص في شمال غرب سوريا، سيكون تأثير هذا التصويت سريعا وخيماً."


روسيا حاولت تصحيح أوجه القصور في المشروع الأيرلندي-النرويجي ولكن..

 

امرأة تحضر حفيدتها البالغة من العمر ثمانية أشهر لإجراء فحص طبي في عيادة صحية في ريف حماة الشمالي في سوريا.
© UNICEF/Aldroubi
امرأة تحضر حفيدتها البالغة من العمر ثمانية أشهر لإجراء فحص طبي في عيادة صحية في ريف حماة الشمالي في سوريا.

القائم بأعمال الممثل الدائم لروسيا لدى الأمم المتحدة، ديمتري بوليانسكي، شرح استخدامه حق النقض ضد  مشروع القرار الذي أعدته أيرلندا والنرويج بشأن تمديد الآلية إيصال المساعدات الإنسانية عبر الحدود إلى سوريا، قائلا إن تعنت الوفدين الأيرلندي والنرويجي لم يسمح بأن يأخذا في عين الاعتبار إنذاراتنا المتكررة. 


وأوضح أن المشروع الذي طرح للتصويت يضرب بمصالح دمشق عرض الحائط، في حين أن دمشق يجب أن تكون المستفيد الأول من القرار. وقال إن ما حصل طوال العام الماضي قد بين أن هذا المجلس والأمم المتحدة لم يتمكنا من أداء المهام التي كنّا قد اتفقنا بشأنها.  

فبيت القصيد هنا كان إنشاء عمليات إيصال المساعدات عبر الطرق الداخلية السورية إلى شمال غرب البلاد، وزيادة الشفافية في الإبلاغ عن أنشطة مشاريع الأمم المتحدة في سوريا، وزيادة كبيرة في مساعدة المانحين للمشاريع في مجال الإنعاش المبكر.

 
"لقد حاولنا تصحيح أوجه القصور في مشروعنا الذي يسمح لكم بتمديد الآلية لمدة نصف عام، ثم لمدة نصف عام آخر بعد تحقيق معايير العمل الضرورية التي اتفقنا عليها العام الماضي."

هذا واعتبر السفير الروسي كلمة المندوبة الأمريكية تعبيرا صارخا عن السخرية السياسية و"محاولة لتضليل الرأي العام العالمي"، مشيرا إلى أنها تعطي الانطباع بأن المشروع الروسي لا ينص على تمديد ولاية الآلية على الإطلاق. "لكن كل ما ذكرته الممثلة الأمريكية الدائمة في خطابها وارد أيضا في مسودتنا. ويمكن للجميع التحقق من ذلك بنفسه"، على حد قوله.
وختم داعيا زملاءه التصويت على المشروع الروسي "لأن البديل عن هذا هو الإغلاق التام للمعابر." 

أيرلندا والنرويج: هذا النقض لن يثبط من عزيمتنا


وأعربت أيرلندا والنرويج عن خيبة أمل شديدة لأن المجلس لم يعتمد مشروع القرار الذي قدمتاه إلى المجلس بشأن المساعدات الإنسانية عبر الحدود إلى سوريا. 


وقالتا عقب التصويت إنهما قد تعاملتا بعناية مع جميع أعضاء المجلس، قدمتا هذه المسودة بحسن نية وكأفضل جهد لهما نحو حل وسط يمكن أن يحظى بدعم هذا المجلس.
وبحسب الدولتين العضوتين في مجلس الأمن، فإن استخدام حق النقض اليوم يهدد الدعم الإنساني للسوريين الضعفاء.


ولكنهما شددا على "إن وجهتي نظر أيرلندا والنرويج بشأن حق النقض معروفة جيدا. نحن نأسف لوجوده ونأسف بشدة لاستخدامه اليوم. لكن هذا النقض لن يثبط من عزيمتنا. هذه ليست نهاية الطريق. ما يهمنا كحاملي قلم هو توصيل المساعدات الإنسانية لمن يحتاجونها."

وأكدتا أنهما ستواصلان العمل من أجل الوصول إلى حل.

المشروع الروسي

من الأرشيف: مجلس الأمن يناقش الأوضاع في سوريا
UN Photo/Manuel Elias
من الأرشيف: مجلس الأمن يناقش الأوضاع في سوريا


أما المشروع الثاني الذي قدمته روسيا، فكان يدعو إلى "تمديد القرارات الواردة في الفقرتين 2 و3 من قرار مجلس الأمن 2165 (2014) لمدة ستة أشهر، أي حتى 10 كانون الثاني/يناير 2023، فقط بالنسبة لمعبر باب الهوى الحدودي، بهدف تمديده مرة أخرى لمدة ستة أشهر إضافية، أي حتى 10 تموز/يوليو 2023، الأمر الذي سيتطلب قرارا منفصلا".


صوتت دولتان فقط لصالح هذا المشروع هما روسيا والصين؛ فيما استخدمت كل من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا حق النقض ضد هذا المشروع، وامتنعت 10 دول عن التصويت. 

مشروع روسيا يفيد ’النظام السوري‘ أكثر مما يفيد الشعب السوري


أول المعترضين على المشروع الروسي كان الولايات المتحدة الأمريكية التي قالت على لسان مندوبتها الدائمة ليندا توماس-غرينفيلد إن "هذا القرار الذي عرضته علينا روسيا لا يفعل ببساطة ما هو صواب بالنسبة للشعب السوري. لا يفعل ما هو صواب بالنسبة لمنظمات الإغاثة. وهذه ليست الطريقة الصحيحة لممارسة الأعمال في هذا المجلس. لقد سلبت روسيا بجشع ودون احترام هذه المفاوضات من حامليْ القلم، اللذين قادا عملية تشاورية وشاملة."


لهذه الأسباب، أوضحت السيدة غرينفيلد أنه "لا يمكننا دعم هذا القرار - وندعو الآخرين للانضمام إلينا في التصويت بلا (على المسودة الروسية)."


بالفعل انضم إلى الولايات المتحدة الأمريكية كل من فرنسا وبريطانيا في التصويت سلبا على الاقتراح الروسي؛ أي تم استخدم حق النقض من قبل ثلاث دول دائمة العضوية في مجلس الأمن، "لأنه من خلال تجديد الآلية عبر الحدود لمدة ستة أشهر فقط، يخفق المشروع الروسي في منح عمال الإغاثة الضمانات اللازمة لتلبية الاحتياجات على الأرض بشكل كافٍ مما يؤدي إلى معاناة لا داعي لها (...) إنه قرار يفيد ’النظام السوري‘ أكثر مما يفيد الشعب السوري"، على حد تعبير السفيرة الأمريكية. 

من لم يؤيد مشروع القرار الروسي هذا إنما تنكر لاحتياجات الشعب السوري


القائم بأعمال الممثل الدائم لروسيا لدى الأمم المتحدة، ديمتري بوليانسكي، قال كلمة مقتضبة عقب استخدام ثلاث دول دائمة العضوية حق النقض ضد مشروع القرار الروسي، مفادها بأن من صوت ضد المسودة لم يتلزم بالكلمات والوعود التي قطعها للشعب السوري:


"تصويت اليوم يتحدث عن نفسه وهو أبلغ من أي كلمات خاصة تلك الكلمات الخادعة والفارغة التي استمعنا إليها من زملائنا من الدول الغربية. فمن لم يؤيد مشروع القرار هذا إنما تنكر لاحتياجات الشعب السوري."

وقال لمندوبي الهيئة المؤلفة من خمسة عشر عضوا: "كان أمامكم الخيار بتأمين استمرارية إيصال المساعدات عبر الحدود لفترة سنة على مرحلتين، بشرط تحسين آلية المساعدة الإنسانية لهذا البلد ككل. بالكلمات، لقد دعوتم دائما إلى تحسين الوضع، لكن في الواقع اتضح أن كل هذا باطل وخداع. لقد أثبتتم ذلك اليوم بدفن الآلية العابرة للحدود بالكامل." 
بالنسبة للسفير الروسي، فأن هذه الصفحة من التاريخ قد طويت بالكامل، مؤكدا أن بلاده ستواصل تقديم المساعدة للشعب السوري الشقيق مع الاحترام غير المشروط لسيادة هذا البلد وسلامته الإقليمية.
 

من الأرشيف: أطفال يجلسون خارج خيمة الأسرة في مخيم الزهرية  في شرق ريف حمص، سوريا.
© UNICEF
من الأرشيف: أطفال يجلسون خارج خيمة الأسرة في مخيم الزهرية في شرق ريف حمص، سوريا.

سوريا: المشروع الروسي محاولة صادقة لتمكين المجلس من الوفاء بالمسؤولية الملقاة على عاتقه


من جهتها أكدت سوريا في نهاية جلسة التصويت على مشروعي القرار حرصها منذ بدء المشاورات المتعلقة بتمديد مندرجات القرار 2585 على تبني نهج واضح وبناء سواء لكشف العيوب والأخطار التي تمثلها آلية العمل عبر الحدود أو لجهة فضح المعايير المزدوجة بشأن تعزيز الوصول من الداخل وعدم الجدية بشأن تنفيذ مشاريع الإنعاش المبكر.


جاء ذلك على لسان السفير السوري بسام صباغ الذي قال إن بلاده أكدت دوما على أن "المتسبب في الأزمة الإنسانية في سوريا هو السياسيات الخاطئة للولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وبريطانيا والتي لا تزال تمارس التضليل والتزوير وقد رأينا في بياناتها اليوم ذلك بأوضح صوره عبر الادعاء الزائف بحرصها على توفير الدعم الإنساني للسوريين."


واعتبر مشروع القرار الذي تقدم به الوفد الروسي "محاولة صادقة لتمكين المجلس من الوفاء بالمسؤولية الملقاة على عاتقه، كما أماط اللثام عن الأطراف الحقيقية التي تتحمل المسؤولية الكاملة عن إفشال تنفيذ مندرجات القرار 2585." 
هذا وأكد مجددا استعداد وفد بلاده "للانخراط في أي جهد إيجابي وبناء يهدف إلى التخفيف من المعاناة الإنسانية للشعب السوري في ظل الاحترام التام لسيادة سوريا واستقلالها ووحدة وسلامة أراضيها."