منظور عالمي قصص إنسانية

افتتاح الدورة الـ 50 لمجلس حقوق الإنسان في ظل تحديات كبيرة تواجه تعزيز حقوق الإنسان وحمايتها في العالم

غرفة حقوق الإنسان وتحالف الحضارات في جنيف، سويسرا.
UN Photo/Jean Marc Ferré
غرفة حقوق الإنسان وتحالف الحضارات في جنيف، سويسرا.

افتتاح الدورة الـ 50 لمجلس حقوق الإنسان في ظل تحديات كبيرة تواجه تعزيز حقوق الإنسان وحمايتها في العالم

حقوق الإنسان

قالت ميشيل باشيليت، في كلمة هي الأخيرة لها أمام الدورة الخمسين لمجلس حقوق الإنسان يوم الاثنين، إن أزمة الغذاء والوقود والتمويل العالمية تهدد الآن بإغراق الملايين في انعدام الأمن الغذائي والفقر، وأطلعت المجلس على بعض المواقف الحرجة "التي تتطلب اتخاذ إجراءات عاجلة". وأعربت عن شعورها بالقلق إزاء استمرار الإفلات من العقاب على انتهاكات حقوق الإنسان، والتهديدات لسيادة القانون في العديد من البلدان.

وقالت السيدة ميشيل باشيليت إن إحاطتها تأتي في وقت لا يزال صعبا لتعزيز حقوق الإنسان وحمايتها: "منذ أن اجتمعنا آخر مرة، استمرت الحرب في أوكرانيا في تدمير حياة الكثيرين، وتسببت بالخراب والدمار. إن الفظائع التي يتعرض لها السكان المدنيّون ستترك بصمات لا تُمحى، بما في ذلك على الأجيال القادمة."

وتطرقت إلى تداعيات الحرب الاقتصادية والاجتماعية والسياسية على جميع أنحاء المنطقة والعالم، "وليس هناك نهاية تلوح في الأفق."

الفظائع التي يتعرض لها السكان المدنيّون ستترك بصمات لا تُمحى، بما في ذلك على الأجيال القادمة

وقالت: "يعيش 1.2 مليار شخص في بلدان معرّضة بشدة للخطر وهشة أمام تداعيات الأبعاد الثلاثة للأزمة، ألا وهي التمويل والغذاء والطاقة في وقت واحد."

إذ يقدّر برنامج الأغذية العالمي بأن عدد الأشخاص الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد سيزداد من 276 مليون شخص في بداية عام 2022 إلى 323 مليون شخص خلال هذا العام.

الأمين العام: باشيليت "أحدثت فرقا كبيرا"

Tweet URL

ردّا على إعلانها أنها لن تسعى إلى ولاية ثالثة كمفوضة سامية لحقوق الإنسان، أصدر الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، بيانا أشاد فيه "بخدماتها الدؤوبة" وتفانيها كمفوضة سامية لحقوق الإنسان. وقال: "لطالما أعجبت جدا بميشيل باشيليت – سيدة متبصرة ورائدة وذات مبادئ."

وأشار إلى أنه منذ أيامها الأولى في شيلي، وبتضحيات شخصية هائلة، كانت في الخطوط الأمامية للنضال من أجل حقوق الإنسان طوال حياتها.

وأضاف في البيان: "في كل ما فعلته، تعيش ميشيل باشيليت وتتنفس حقوق الإنسان. لقد حرّكت البوصلة في سياق سياسي شديد الصعوبة – وأحدثت فرقا عميقا للناس في جميع أنحاء العالم."

وأكد السيد غوتيريش أنه سيواصل تقديم الدعم الكامل لباشيليت، "سأقدّر دائما حكمتها وصوتها القوي ونجاحها في ضمان أن تكون حقوق الإنسان أساس عمل الأمم المتحدة."

انعدام المساواة داخل البلدان وفيما بينها

في بداية جلسة المجلس الصيفية الماراثونية المستمرة لمدة أربعة أسابيع – أسبوع أطول من المعتاد من أجل التعامل مع عبء العمل المتزايد باستمرار - أفادت السيدة باشيليت بأن التفاوتات بين البلدان وداخلها آخذة في الارتفاع بشكل كبير، مما يهدد حالات التعافي من كـوفيد-19، ويقوّض التقدم المحرز في تنفيذ أهـداف التنمية المستدامة وإبطاء العمل المناخي.

وسلطت باشيليت الضوء على أربعة مجالات للتدخل أملا في إعطاء العالم بعض التوجيه في مواجهة الأزمات الحالية:

 قدّرت إحدى الدراسات أن التفاوتات العالمية هي كبيرة اليوم كما كانت في أوائل القرن العشرين

أولا، نحتاج إلى معالجة عدم المساواة والتمييز. وقالت: "نحن نعيش في عالم مذهل من انعدام المساواة، حيث قدّرت إحدى الدراسات أن التفاوتات العالمية هي كبيرة اليوم كما كانت في أوائل القرن العشرين."

وكان البنك الدولي قد توقع أن يعيش 198 مليون شخص إضافي في فقر مدقع خلال عام 2022 بسبب الجائحة. وتشير التقديرات الآن إلى أن أسعار الغذاء العالمية وحدها ستضيف 65 مليون شخص إضافي إلى هذا المجموع.

وفي حين عانى الناس من جميع فئات الدخل من خسائر أثناء الجائحة، فإن أفقر 20 في المائة عانوا من أشد انخفاض في الدخل، وأفقر 40 في المائة لم يبدأوا في تعويض خسائر دخلهم.

وتابعت باشيليت تقول: "مع استمرار تدفق أزمة المناخ بالنسبة لنا جميعا، فإن أشد الناس فقرا وضعفا هم من يتحملون العبء الأكبر."

ميشيل باشليت، مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان تحضر الدورة الخمسين لمجلس حقوق الإنسان.
UN Photo/Jean Marc Ferré

ثانيا، يجب أن تدمج الميزانيات الوطنية حقوق الإنسان.

أكدت المفوضة السامية أن اليوم، لا يزال أكثر من أربعة مليارات شخص – أكثر من نصف سكان العالم – لا يحصلون على أي حماية اجتماعية. وتشير مجموعة الأزمات العالمية والاستجابة التابعة للأمم المتحدة إلى أن البلدان النامية تخسر 1.2 تريليون دولار سنويا لسد فجوة الحماية الاجتماعية.

وقالت باشيليت: "تحذر المجموعة من أنه ما لم يتم توسيع أنظمة الحماية الاجتماعية بشكل مناسب، فسيضطر الناس إلى اتخاذ خيارات ذات تأثير شديد على الصحة والتعليم وسبل العيش."

وثالثا، هناك حاجة الآن إلى مزيد من التعاون والتضامن الدوليين – بما في ذلك من أجل تخفيف عبء الديون. وحذرت باشيليت من اتساع فجوة التمويل لتحقيق أهداف التنمية المستدامة بنسبة تزيد عن 70 في المائة إلى مبلغ سنوي قدره 4.3 تريليون دولار.

في عام 2022، تشير التقديرات إلى أن البلدان النامية ستحتاج إلى 311 مليار دولار لخدمة الدين الخارجي العام، بما يعادل 13.6 في المائة من الإيرادات الحكومية.

رابعا، من أجل التحوّل نحو نظام ذي حلول منسقة وشاملة ومستدامة للديون، يجب إصلاح الهيكل المالي الدولي.

يوفر القانون الدولي لحقوق الإنسان الإطار لهذا الدعم، بما في ذلك كيفية التخفيف من التراجع في إعمال الحقوق. وتابعت باشيليت تقول: "هذا يشمل ضمان ألا تؤدي التدابير المعتمدة إلى نتائج تمييزية، لاسيّما بالنسبة للأشخاص الأكثر تهميشا."

أولى أهداف التنمية المستدامة هي القضاء على الفقر المدقع والجوع
World Bank/Jamie Martin
أولى أهداف التنمية المستدامة هي القضاء على الفقر المدقع والجوع

حماية الفضاء المدني

وصفت باشيليت الفضاء المدني النابض بالحياة بالرافعة لمجتمع مستقر وآمن. "ومع ذلك، نواصل توثيق الهجمات ضد المدافعين والصحفيين، في العالم الواقعي أو الافتراضي، في جميع أنحاء العالم."

الدروس واضحة، قالت باشيليت، وهي واضحة في أقوى دول العالم في الغرب وفي الشرق: "عندما نتبنى قوانين تميّز على أساس الدين، وتقوم بتنميط الأشخاص، ونمنح ترخيصا واسعا لإنفاذ القانون دون إشراف مستقل كافٍ، فإننا نلحق الضرر ليس فقط بمصداقيتنا، ولكن باستقرارنا أيضا."

دعوة لفتح تحقيق في مقتل الصحفية شيرين أبو عاقلة

فيما يتعلق بقضية مقتل الصحفية الفلسطينية شيرين أبو عاقلة، قالت باشيليت: "أدعو السلطات الإسرائيلية إلى فتح تحقيق جنائي في مقتل الصحفية شيرين أبو عاقلة، والإسراع في إعلان النتائج والاستنتاجات، ومحاسبة الجناة."

وأشارت إلى أنه بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان، "على إسرائيل التحقيق وضمان المساءلة المناسبة عن كل حالة وفاة وإصابة خطيرة تسببت فيها القوات الإسرائيلية."

وقالت إن مناخ الإفلات من العقاب السائد يؤجج المزيد من الانتهاكات والعنف – وتحدثت عن "مستويات مرتفعة" بشكل مزمن من القتل والإصابة بين الفلسطينيين، بمن فيهم الأطفال، على يد القوات الإسرائيلية في الأرض الفلسطينية المحتلة، والأمر مستمر في أول ستة أشهر من عام 2022.

وفي اليمن، في سياق انعدام الأمن الغذائي الخطير، استمرت الهدنة الهشة التي بدأت في 2 نيسان/أبريل 2022 سارية، "وأدعو جميع الأطراف إلى الموافقة على تمديدها والعمل مع المبعوث الخاص للأمم المتحدة على تنفيذ جميع أحكامها."

وقالت إن تلك التطورات أعقبت نقل السلطة التنفيذية إلى مجلس القيادة الرئاسي "الذي، للأسف، لا يضم امرأة واحدة."

وحثت المجلس على إعطاء الأولوية أيضا لإنهاء إضراب القضاء سلميا الذي أثر سلبا على ضمانات الإجراءات القانونية الواجبة.

إثيوبيا والولايات المتحدة ومناطق أخرى

بعد حوالي 18 شهرا من اندلاع النزاع في شمال إثيوبيا، تشير التقارير إلى انتهاكات وتجاوزات للحقوق في منطقتي بني شنقول-جوموز وأوروميا. وأشارت باشيليت إلى أن ذلك يشمل "الهجمات ضد المدنيين والاحتجاز التعسفي وتدمير الممتلكات."

وتابعت تقول، في الولايات المتحدة، التحركات الأخيرة من قبل بعض الولايات للنظر في تقييد الإجهاض "تشكل تهديدا لحقوق الإنسان، مع تأثير غير متناسب على النساء ذوات الموارد المحدودة."

ورحبت بالقرار الأخير للمحكمة الدستورية الكولومبية بإلغاء تجريم الإجهاض بما يتماشى مع التطورات الإيجابية على الصعيد العالمي، بما في ذلك في الأرجنتين والمكسيك.

وتطرقت إلى دعوة البرازيل إلى ضمان إجراء الانتخابات العامة المقبلة في تشرين الأول/أكتوبر مع احترام الحقوق الأساسية، وسط اعتداءات على المرشحين، "لاسيّما على المنحدرين من أصل أفريقي والنساء ومجتمع الميم."

ولاحظت المفوضة السامية "بأسف" اعتقال روسيا التعسفي لعدد كبير من المتظاهرين المناهضين للحرب، إلى جانب "المحظورات العامة" على حرية التعبير، باستخدام "مفاهيم غامضة ومبهمة بما في ذلك الأخبار الكاذبة."

وأعربت عن قلقها بشأن الخطط في المملكة المتحدة لاستبدال أحد أهم تشريعات حقوق الإنسان – قانون حقوق الإنسان – بتشريعات أكثر محدودية، مشيرة إلى أن ذلك قد يقوّض الوصول إلى العدالة والحق في سبل الانتصاف الفعّالة وحالة من عدم اليقين القانوني وزيادة التكاليف.

طالبو اللجوء، بمن فيهم الأطفال، في مخيم ماتاموروس في انتظار جلسات الاستماع الخاصة بالهجرة الأمريكية في المكسيك.
UNICEF/César Amador
طالبو اللجوء، بمن فيهم الأطفال، في مخيم ماتاموروس في انتظار جلسات الاستماع الخاصة بالهجرة الأمريكية في المكسيك.

لحظة فارقة

تأسس المجلس في عام 2006، لمعالجة حالات حقوق الإنسان المثيرة للقلق في جميع أنحاء العالم، ولتعزيز إعمال الحريات الأساسية للجميع، وقد اجتمع المجلس حتى الآن 50 مرة في جلسات اعتيادية.

واعتمد المجلس 1,372 قرارا أنشأ بموجبها 18 ممثلا للإجراءات الخاصة بشأن المهق والحقوق الثقافية والتنمية والأشخاص ذوي الإعاقة والبيئة والنظام الدولي والمعابر الحدودية والجذام والتوجه الجنسي والعبودية، والعقوبات والمياه والصرف الصحي والتمييز ضد المرأة، من بين موضوعات أخرى.

وأوضح فيديريكو فييغاس، رئيس المجلس لعام 2022، أن المجلس أنشأ إجراءات خاصة للدول، و35 آلية تحقيق، مضيفا أنه منذ تلك الدورة الأولى له، زادت مشاركة المجتمع المدني بأكثر من 150 في المائة.

تكريم جدّات بلازا دي مايو

بمناسبة هذه الدورة الخمسين، تم التخطيط لحدث تذكاري بمشاركة العديد من المتحدثين الرئيسيين، بما في ذلك إستيلا كارلوتو، رئيسة جمعية الجدات في بلازا دي مايو – وهي منظمة لحقوق الإنسان كانت تبحث عن الأطفال الذين تم اختطافهم واختفائهم خلال سنوات الدكتاتورية في الأرجنتين.

وعلى صعيد آخر، من المقرر أن تتحدث لجنة التحقيق بشأن الأرض الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية، وفي إسرائيل، لأول مرة أمام المجلس منذ إنشائها قبل عام.

في يوم الخميس، 16 حزيران/يونيو، ستعود السيدة باشيليت لتقديم تحديث شفوي عن الوضع في مدينة ماريوبول الأوكرانية.

وسيتم التطرق إلى الوضع في ميانمار مرتين خلال الأسبوع الأول من الدورة، مع تحديث شفوي من قبل المفوضة السامية يوم الثلاثاء 14 حزيران/يونيو، تتبعه في اليوم التالي حلقة نقاش عن انتهاكات حقوق الإنسان ضد الروهينجا والأقليات الأخرى.

وخلال الأسبوع الأول، سيستمع المجلس أيضا إلى الأوضاع في إريتريا والسودان وأفغانستان ونيكاراغوا وإيران.

وسيتناول المجلس أيضا القضايا الموضوعية خلال هذا الأسبوع الأول من الجلسة من خلال حوارات تفاعلية مع خبراء مستقلين حول الميول الجنسية والهوية الجنسانية، الحق في التجمع السلمي وحقوق المصابين بالجذام والتمييز ضد المرأة.