منظور عالمي قصص إنسانية

اليمن: الهدنة تمثل ضوءا في نهاية النفق لكنها تظل هشة ونجاحها يعتمد على التزام الأطراف

امرأة تجلس مع ابنها في منزل العائلة المؤقت في لحج ، اليمن.
© WFP/Hebatallah Munassar
امرأة تجلس مع ابنها في منزل العائلة المؤقت في لحج ، اليمن.

اليمن: الهدنة تمثل ضوءا في نهاية النفق لكنها تظل هشة ونجاحها يعتمد على التزام الأطراف

السلم والأمن

وُصفت الهدنة التي توسطت فيها الأمم المتحدة لمدة شهرين في اليمن بأنها فرصة ثمينة ستعمل على التخفيف من المعاناة الإنسانية لليمنيين وتحسين الاستقرار الإقليمي. ولكن نجاح الهدنة يعتمد على التزام الأطراف بها.

هذا ما استمع إليه مجلس الأمن في جلسة عقدها صباح يوم الخميس بتوقيت نيويورك بشأن "الحالة في اليمن" استضاف فيها وكيل الأمين العام للشؤون الإنسانية ومنسق الإغاثة في حالات الطوارئ، مارتن غريفيثس، ومبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى اليمن والذي زفّ أخبار التوصل إلى هدنة مع بداية شهر رمضان، هانس غروندبرغ.

وقال غروندبرغ لأعضاء مجلس الأمن في إحاطته الافتراضية: "إن هناك ضوءا في نهاية النفق بعد حوالي ثلاثة أشهر من المفاوضات، اتفقت الأطراف على مبادرة الأمم المتحدة لهدنة في عموم البلاد لمدة شهرين وقابلة للتجديد – وهي أول هدنة (يتم التوصل إليها) منذ ستة أعوام."

تشمل الهدنة بنودا من شأنها تحسين حرية حركة البضائع والمدنيين من النساء والرجال والأطفال. وحتى الآن، هي صامدة، وتعتبر بمثابة مهلة لليمنيين، ولحظة – ينبغي انتهازها - للسعي نحو تحقيق السلام.

على الرغم من ذلك، فالهدنة لا تزال هشة ومؤقتة.

وتابع غروندبرغ يقول: "لكنها تتطلب التزاما مستمرا من الأطراف ودعما واسعا من الإقليم والمجتمع الدولي للتأكد من صمودها ولتصبح نقطة تحوّل باتجاه السلام."

مؤشرات مشجعة لوقف العنف

منذ بداية الهدنة، ظهرت مؤشرات مشجعة بحسب غروندبرغ تشير إلى أن وقف دوامة التصعيد أمر ممكن، بالإضافة إلى الانخفاض الكبير في الخسائر في صفوف المدنيين، وعدم الإبلاغ عن أي ضربات جوية داخل اليمن أو عبر الحدود من اليمن.

المبعوث الخاص إلى اليمن، هانس غروندبرغ، يقدم إحاطة افتراضية أمام مجلس الأمن.
UN Photo/Eskinder Debebe

وتابع المبعوث الأممي يقول: "على الرغم من صمود الهدنة بشكل عام، إلا أن التقارير عن عمليات عسكرية، خاصة حول مأرب، تبعث على القلق ويجب معالجتها بشكل عاجل من خلال الآليات التي أنشأتها الهدنة."

وأشار إلى انعدام الثقة بسبب التجارب السابقة، وذكّر الأطراف بأن المبدأ المؤسس للهدنة هو استخدام هذه المهلة للتقدم نحو إنهاء الحرب وليس تصعيدها.

وأكد قائلا: "نحن بحاجة إلى العمل بشكل جماعي ومكثف في الأسابيع المقبلة لضمان عدم تفككها. سأستمر في إشراك الأطراف في تنفيذ الهدنة وتعزيزها وتمديدها." وأكد أن هذا كان محور مناقشاته في مسقط وفي صنعاء، كما ناقش الخطوات المقبلة لتقوية الهدنة والخطوات التي سيتم اتخاذها بعد انقضاء فترة الشهرين.

التخفيف على المدنيين أولوية

يتم فحص الأطفال للكشف عن سوء التغذية في عيادة في اليمن.
© UNICEF/Anwar Al-Haj
يتم فحص الأطفال للكشف عن سوء التغذية في عيادة في اليمن.

شدد غروندبرغ على أن التخفيف على حركة البضائع والمدنيين أولوية للهدنة: "لقد رأينا بالفعل عددا من السفن تدخل موانئ الحديدة، مما يحمل أثرا إيجابيا على حياة المدنيين. كما يجب استئناف الرحلات الجوية إلى مطار صنعاء، ونحن نعمل مع الشركاء لتحقيق ذلك بأسرع ما يمكن."

لأشهر، أدى النقص في الوقود إلى ارتفاع الأسعار، وحرم الناس من الرعاية الصحية وغيرها من الخدمات. وقال وكيل الشؤون الإنسانية، مارتن غريفيثس، إن هذا النقص عرّض النساء والفتيات لمزيد من المخاطر أثناء سفرهن لمسافات بعيدة بحثا عن الماء أو غاز الطهي."

من جانب آخر شدد غروندبرغ على أن فتح الطرق في تعز ومناطق أخرى تعد أولوية أيضا.

Tweet URL

وشكر حكومة اليمن وأنصار الله على إظهار القيادة اللازمة وتقديم التنازلات المطلوبة للتوصل إلى هذا الاتفاق، كما تحدث عن الدور المهم الذي قامت به المملكة العربية السعودية وسلطنة عُمان في دعم المفاوضات "التي أوصلتنا إلى هنا."

كما شدد على أن الهدنة تبني على الجهود الحثيثة التي بذلتها أطراف المجتمع المدني اليمني والمجموعات الشبابية والنساء الناشطات في مجال السلام، لوقف الحرب وتحسين وضع المدنيين في عموم البلاد.

وقال غروندبرغ إنه سيعمل مع الأطراف للبناء على عناصر الهدنة من أجل الحفاظ عليها، وكجزء من العملية متعددة المسارات التي يسعى لإطلاقها، وأضاف أن هذه العملية سوف تسترشد بالمشاورات التي بدأها مع مجموعات يمنية متنوعة.

كما أحاط المجلس بمخرجات الجولة الأولى من تلك المشاورات: "الرسالة الرئيسية التي ظهرت من المشاورات حتى الآن هي أن اليمنيين يريدون إنهاء الحرب."

وأشار إلى أن الأسابيع المقبلة ستكون بمثابة اختبار لالتزام الأطراف. وقال: "هذا هو وقت بناء الثقة. وهذا ليس بالأمر السهل بعد أكثر من سبعة أعوام من النزاع. سيحتاج اليمن إلى دعم المجتمع الدولي الآن أكثر من أي وقت مضى للحفاظ على الزخم، وللتحرك نحو التوصل إلى نهاية شاملة وسلمية ومستدامة للنزاع."

الوضع الإنساني يظل حرجا

وكيل الإغاثة في حالات الطوارئ، مارتن غريفيثس، يقدم إحاطة أمام مجلس الأمن حول الحالة في اليمن.
UN Photo/Eskinder Debebe
وكيل الإغاثة في حالات الطوارئ، مارتن غريفيثس، يقدم إحاطة أمام مجلس الأمن حول الحالة في اليمن.

من جانبه، قال مارتن غريفيثس إنه بعد سنوات عديدة من الصراع والأزمات، أصبح الأمل سلعة نادرة في اليمن. "ولكن اليوم، آمل في أن نشهد أنماطا من التغييرات التي من المحتمل جدا أن تساعد في تمهيد الطريق لمستقبل أكثر إشراقا لليمن."

وقال إنه على الرغم من التقارير عن استمرار الاشتباكات المحدودة في بعض المناطق، لا سيّما في مأرب وتعزّ، فقد تراجعت الأعمال العدائية بشكل حاد في جميع أنحاء البلاد.

السماح بانهيار عملية الإغاثة من شأنه أن يتعارض بشكل مباشر مع الزخم الإيجابي الذي نشهده في الجهود الأوسع المبذولة لحل الأزمة

لكن، بعيدا عن هذا الأمل، لسان الواقع يقول إن ملايين الأشخاص في اليمن لا يزالون بحاجة ماسة إلى المساعدة الإنسانية للبقاء على قيد الحياة، بحسب غريفيثس.

وأشار إلى أن الشركاء الإنسانيين يبذلون كل ما في وسعهم للمساعدة، "هذا العام تحتاج وكالات الإغاثة إلى 4.3 مليار دولار لمساعدة 17.3 مليون شخص في البلاد."

وأكد غريفيثس أن التمويل يظل من أكبر التحديات أمام الاستجابة، مع وجود مخاطر على البرامج الأساسية عبر القطاعات – من بينها المساعدة الغذائية والماء والرعاية الصحية والدعم للأشخاص النازحين – حيث سيتواصل تقليصها وفي نهاية المطاف ستتوقف إذا لم تحصل على التمويل المطلوب.

وتابع يقول: "إن السماح بانهيار عملية الإغاثة من شأنه أن يتعارض بشكل مباشر مع الزخم الإيجابي الذي نشهده في الجهود الأوسع المبذولة لحل الأزمة. نتطلع إلى العمل مع جميع الجهات المانحة لدينا هذا العام لضمان استمرار البرامج المنقذة للحياة على النطاق المطلوب."

تحديات كبيرة أمام الوصول الإنساني

أسرة نازحة داخليا في موقع للنازحين في محافظة الضالع، باليمن.
© UNOCHA/Mahmoud Fadel-YPN
أسرة نازحة داخليا في موقع للنازحين في محافظة الضالع، باليمن.

ومن التحديات الأخرى، صعوبة الوصول إلى بعض المناطق. ففي العام الماضي، كان نصف الأشخاص المحتاجين للمساعدة يعيشون في مناطق متأثرة بصعوبة الوصول إليها، لا سيّما كنتيجة للعراقيل البيروقراطية.

وكثير من تلك القيود تؤثر بوجه خاص على النساء العاملات في المجال الإنساني، وبرامج مخصصة لرفاهية وسلامة الفتيات والنساء.

وقال غريفيثس: "أجدد دعوتي إلى جميع الأطراف من أجل بذل كل ما في وسعها لتيسير الوصول الإنساني إلى كل الأشخاص المحتاجين، بما يتماشى مع التزاماتها وفق القانون الدولي."

كما حث على معالجة التحديات التي تواجه العاملين الإنسانيين، مشيرا إلى مرور خمسة أشهر على "اعتقال" موظفين مع الأمم المتحدة على يد السلطات الحوثية، وأكد على استمرار الجهود لإطلاق سراح خمسة من طواقم الأمم المتحدة تم اعتقالهم على يد رجال مسلحين في أبين في شباط/فبراير.

وأشار غريفيثس إلى أنه يتسلح بالأمل، لكن يتوقف هذا الأمل على أشياء كثيرة، بما في ذلك التزام الأطراف باغتنام هذه اللحظة، فضلا عن التزام هذا المجلس المستمر بتشجيعهم على القيام بذلك.

وقال غريفيثس، مع الهدنة، "سيصبح من السهل الوصول إلى المجتمعات التي تعيش بالقرب من خطوط المواجهة – بما في ذلك في تعز، حيث عانى السكان منذ سنوات لأن مدينتهم محاصرة بسبب النزاع والطرق المغلقة. هذه كلها أخبار جيدة، ما دامت الهدنة صامدة. قد يكون هناك المزيد من الأخبار السارة في الأفق."

وسيتمكن الأشخاص الذين يحتاجون إلى السفر إلى الخارج، من صنعاء، للحصول على رعاية طبية أو لأسباب أخرى أخيرا من القيام بذلك.

حزمة مساعدات اقتصادية

رحب غريفيثس بحزمة الدعم الاقتصادي البالغة ثلاثة مليارات دولار والتي تم الإعلان عنها في المشاورات اليمنية الأخيرة التي عقدها مجلس التعاون الخليجي. وهذا يشمل دعم الوقود والمساعدة التنموية ووديعة جديدة بقيمة ملياري دولار في البنك المركزي اليمني – من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة – والتي من شأنها أن تساعد على استقرار العملة.

وتابع يقول: "بالفعل، استعاد الريال 25 في المائة من قيمته منذ هذا الإعلان. وهذا يعني أن الغذاء والسلع الأساسية الأخرى – التي يجب استيرادها كلها تقريبا – ستصبح تقريبا في متناول اليمنيين."

وحث غريفيثس جميع الأطراف على انتهاز الفرص العديدة التي تقدمها هذه اللحظة، ودعا مجلس الأمن والدول الأعضاء إلى استخدام كل المنصّات لدعم تلك الجهود.

وقال في ختام كلمته: "يتطلع ملايين اليمنيين إلى المجتمع الدولي للوقوف إلى جانبهم وهم يسعون جاهدين لتأمين مستقبل أكثر أمانا وإشراقا وسلاما."

الإمارات العربية ترحب بمجلس القيادة الرئاسي

في كلمته أمام مجلس الأمن، رحب السفير الإماراتي محمد أبو شهاب، نائب المندوبة الدائمة والقائم بالأعمال بالإنابة، بقرار الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي القاضي بتشكيل مجلس القيادة الرئاسي لاستكمال تنفيذ مهام المرحلة الانتقالية، وتفويضه بكامل صلاحيات رئيس الجمهورية.

وكان الرئيس هادي قد أعلن في 7 نيسان/أبريل عن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي ونقل كامل السلطة إلى هذا المجلس الذي يمثل طيفا أوسع من المكوّنات السياسية اليمنية ذات التوجه المدني والمساندة لمشروع استعادة الدولة.

وقال السفير الإماراتي: "نأمل في أن تساهم هذه الخطوة في التوصل إلى حل سياسي دائم بين الأطراف اليمنية."

وأكد على دعم بلاده الكامل لمجلس القيادة الرئاسي والهيئات والجهات المساندة له لتمكينه من ممارسة مهامه وإنهاء الأزمة، مشددا على ضرورة قيام الأطراف اليمنية بتوحيد الجهود والعمل بروح الفريق الواحد لتتمكن مؤسسات الدولة من استعادة فاعليتها وتلبية احتياجات المواطنين.

ورحبت دولة الإمارات العربية بدعوة المملكة العربية السعودية مجلس القيادة الرئاسي إلى البدء في التفاوض مع الحوثيين (جماعة أنصار الله) تحت إشراف الأمم المتحدة للتوصل إلى حل سياسي نهائي وشامل.

وقال: "ندعو الحوثيين إلى اغتنام هذه الفرصة الثمينة والتوقف عن المزايدات وذلك عبر الانخراط جديا في الجهود الحثيثة لإنهاء الحرب في اليمن."

ثلاث شقيقات يسرن باتجاه المدرسة في منطقة قتال في تعز، اليمن. شباط/فبراير 2021.
© UNICEF/Ahmed Al-Basha
ثلاث شقيقات يسرن باتجاه المدرسة في منطقة قتال في تعز، اليمن. شباط/فبراير 2021.

اليمن: الحكومة اختارت السلام

في كلمته أمام المجلس، قال السفير عبد الله السعدي، مندوب اليمن الدائم لدى الأمم المتحدة، إن الحكومة اليمنية اختارت السلام طريقا لإنهاء الصراع وتحقيق الأمن والعدالة والمساواة وسيادة القانون الذي يطمح إليه أبناء الشعب اليمني.

وأضاف يقول: "قدّمت الحكومة الكثير من التنازلات بهدف رفع المعاناة الإنسانية."

وأشاد بعملية السلام التي تقودها الأمم المتحدة والمبعوث الخاص، غروندبرغ، مشيرا إلى أنها مبنية على مرجعيات الحل السياسي المتفق عليها وهي المبادرة الخليجية وآلياتها التنفيذية، ومخرجات الحوار الوطني الشامل، وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة وعلى رأسها القرار 2216.

وعن مجلس القيادة الرئاسي، قال السفير اليمني: "لقد أكد فخامة الأخ رئيس مجلس القيادة الرئاسي الدكتور رشاد العليمي أن هذا المجلس سيعمل على إنهاء الحرب وإحلال السلام وأنه مجلس سلام، لكنه أيضا مجلس دفاع وقوة ووحدة صف مهمته الذود عن سيادة الوطن وحماية المواطنين."

وأكد أن الحكومة اليمنية مستعدة للذهاب إلى أبعد مدى لتحقيق تطلعات الشعب في السلام والأمن والازدهار، "لكن ذلك لا يمكن له أن يتحقق ما لم تجنح ميليشيات الحوثي للسلام وتقدم التنازلات الحقيقية من أجل مستقبل اليمن وأبنائه"، على حد تعبيره.

وحذر في ختام كلمته مما وصفه "بتلاعب الميليشيات الحوثية" بملف خزان صافر، وتغيير مواقفها واستخدامه كورقة ابتزاز سياسي.

وقال: "في الوقت الذي ندعو إلى دعم وتمويل خطة الأمم المتحدة لتجنب الكارثة، فإننا نجدد دعوتنا إلى هذا المجلس الموقر لمواصلة الضغط على تلك الميليشيات حتى إنهاء الخطر الذي تمثله الناقلة."