متحدون من أجل السلام: الأمم المتحدة تعقد جلسة استثنائية تاريخية لمناقشة الوضع في أوكرانيا

افتتح رئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة، السيد عبد الله شاهد، الجلسة الاستثنائية الحادية عشرة للجمعية العامة للأمم المتحدة، والتي خصصت لمناقشة تطورات الوضع في أوكرانيا. وفي بداية الجلسة وقف الحضور دقيقة صمت.
ومن ثم بدأ رئيس الجمعية العامة حديثه بالإعراب عن قلق بالغ إزاء التدهور السريع للوضع والعمل العسكري المستمر في أوكرانيا، مشيرا إلى أن الهجوم العسكري الذي قام به الاتحاد الروسي هو انتهاك لسلامة أراضي أوكرانيا وسيادتها ويتعارض مع ميثاق الأمم المتحدة.
عملا بقرارها المعنون "متحدون من أجل السلام" المؤرخ 3 تشرين الثاني/نوفمبر 1950، يجوز للجمعية العامة أن تعقد "دورة استثنائية طارئة" في خلال 24 ساعة، إذا بدا أن هناك تهديدا للسلام أو خرقا للسلام أو أن هناك عملا من أعمال العدوان- ولم يتمكن مجلس الأمن من التصرف بسبب استخدام حق النقض من جانب عضو دائم (روسيا)- حيث يمكنها أن تنظر في المسألة على الفور من أجل إصدار توصيات إلى الأعضاء باتخاذ تدابير جماعية لصون أو إعادة السلام والأمن الدوليين.
ووصف السيد شاهد هذا القرار بأنه فرصة جديدة لضمان أن تكون قيادة الأمم المتحدة على مستوى توقع الأشخاص الذين نخدمهم في الأمور المتعلقة بالسلام والأمن.
وجدد رئيس الجمعية العامة دعوته إلى وقف فوري لإطلاق النار، فيما دعا جميع الأطراف إلى ممارسة أقصى درجات ضبط النفس؛ والعودة الكاملة للدبلوماسية والحوار.
وشدد على ضرورة أن نتصرف نيابة عن النساء والأطفال والرجال المحاصرين في مرمى النيران. من الضروري أن نتبع جميع القنوات المتاحة لاحتواء الموقف، وتهدئة التوترات، والسعي إلى حل سلمي، وفقا للقانون الدولي ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة".
"إن ميثاق الأمم المتحدة، الذي تمت صياغته بعد الحرب العالمية الثانية بوقت قصير، يقوم على مبدأ المساواة في السيادة. وهو يحدد عالما تحل فيه الدول الأعضاء نزاعاتها الدولية بالوسائل السلمية، دون التهديد باستخدام القوة أو استخدامها. الهجوم العسكري المستمر لا يتفق مع هذا. إنه إهانة لمؤسسي هذه المنظمة وكل ما تمثله. يجب أن يتوقف العنف. يجب احترام القانون الإنساني والقانون الإنساني الدولي. ويجب أن تسود الدبلوماسية والحوار. دعوا السلام يسود."
وقال شاهد إن الجمعية العامة بدولها الأعضاء البالغ عددها 193 تمثل الضمير الجماعي للإنسانية، مشيرا إلى أن قوتها متجذرة في سلطتها الأخلاقية. "دعونا نظهر تلك الشجاعة الأخلاقية ونستخدم نقاش اليوم ليس لإثارة خطاب الحرب، ولكن لإعطاء فرصة للسلام. دعونا نشعل نار الحب والإنسانية والرحمة. البنادق أفضل حالا عندما يتم إسكاتها. دعوا السلام يسود."
الأمين العام للأمم المتحدة جدد في خطابه أمام الجمعية العامة ضرورة أن يتوقف القتال في أوكرانيا فورا، مشيرا إلى أن القصف الصاروخي والجوي الروسي يستهدف المدن الأوكرانية ليلا ونهارا. "العاصمة كييف محاطة من جميع الجهات."
وفقا لمفوضية شؤون اللاجئين، أشار الأمين العام إلى فرار نصف مليون من الأوكرانيين بالفعل عبر حدود البلاد. وأضاف قائلا:
"لقد طفح الكيل. يتعين على الجنود العودة إلى ثكناتهم، وعلى القادة التوجه نحو مسار السلام. يجب حماية المدنيين. يجب التمسك بالقانون الإنساني الدولي وقانون حقوق الإنسان. يجب احترام سيادة أوكرانيا واستقلالها وسلامتها الإقليمية، داخل حدودها المعترف بها دوليا، بما يتماشى مع قرارات الجمعية العامة."
وأعرب الأمين العام عن امتنانه لجيران أوكرانيا لما أبدوه من رحمة وكرم وتضامن في استقبال الباحثين عن الأمان، مشددا على ضرورة إبداء هذا التضامن "من دون أي تمييز على أساس العرق أو الدين أو العرق."
وسلط الأمين العام في حديثه الضوء على ثلاثة إجراءات ملموسة:
أولا، تخصيص 20 مليون دولار من الصندوق المركزي لمواجهة الطوارئ لدعم عمليات الطوارئ على طول خط التماس في شرقي أوكرانيا وفي أجزاء أخرى من البلاد.
ثانيا، تعيين السيد أمين عوض منسقا للأمم المتحدة معنيا بالأزمة في أوكرانيا.
ثالثا، إطلاق نداءين طارئين منسقين، يوم غد الثلاثاء، لمساعدة أوكرانيا والمنطقة.
ودعا الأمين العام جميع الأطراف إلى الوفاء بالتزاماتها بالسماح بحرية حركة العاملين في المجال الإنساني وتيسير المرور الآمن والسريع ودون عوائق للإغاثة الإنسانية.
كما حث المجتمع الدولي على حشد الدعم لتمويل النداءين الأمميين بغرض تلبية احتياجات جميع الذين نزحوا بسبب هذه الأزمة، وكذلك الفئات الضعيفة الأخرى، التي ستزداد أعدادها مع تصاعد القتال.
ورحب المسؤول الأممي الأرفع بكل الجهود السلمية الرامية لإنهاء إراقة الدماء ووقف هذا الصراع، معربا عن شكره للدول التي عرضت استضافة المفاوضات وتسهيلها، مؤكدا استعداد الأمم المتحدة لدعم هذه الجهود.
وأضاف الأمين العام قائلا: "الحرب ليست الحل. إنها تسبب الموت والمعاناة الإنسانية والدمار الذي لا معنى له وتشتيت الانتباه عن التحديات الحقيقية التي تواجه البشرية مثل أزمة المناخ والعديد من التحديات الملحة في القرن الحادي والعشرين... نحن بحاجة إلى السلام الآن."
مندوب أوكرانيا الدائم لدى الأمم المتحدة، السفير سيرغي كيسليتسا أعرب عن امتنانه لكافة الدول التي دعمت واتخذت القرار بعقد هذه الجلسة الطارئة، وأثني على موقف الأمين العام "القوي جدا دعما للسلام ولميثاق الأمم المتحدة."
وقال إن التهديد الذي يواجه الأمن حاليا "يماثل الحرب العالمية الثانية،" واصفا أوامر الرئيس بوتين "بوضع القوى النووية الروسية في حالة تأهب قصوى،" بأنه "ضرب من الجنون."
واتهم روسيا "باستخدام كافة إمكانياتها العسكرية لمهاجمة أوكرانيا... وتطلق القذائف على المدن وتصيب الأماكن السكنية... قذائف روسيا تستهدف القضاء على البنية الأساسية ونشر الإشعاعات النووية بالقرب من كييف."
واتهم الروس بمهاجمة "حضانات الأطفال والمدارس." وقال إن هناك "مجموعات تخريب تعمل في المدن والقرى الأوكرانية وتستهدف سيارات الإسعاف،" مشيرا إلى "مقتل 352 من الأوكرانيين بمن فيهم الأطفال،" وجرح عدد كبير من المدنيين بينهم أطفال، على حد تعبيره.
ودعا المسؤول الأوكراني الجمعية العامة إلى أن تطلب من روسيا وقف عدوانها على بلاده، و"الاعتراف بأن العمل الروسي هو هجوم على دولة مستقلة ذات سيادة، وعليها أن تسحب قواتها بلا قيد أو شرط إلى الحدود المعترف بها وأن ترجع عن القرار المتصل بضم لوهانسك ودونيتسك."
ودعا الجمعية العامة إلى أن تكون "واضحة فيما يتعلق بدور بيلاروس الخبيث ومساعداتها على الهجوم على أوكرانيا." وأضاف مخاطبا مندوبي الدول الأعضاء: "ما يحدث الآن في أوكرانيا له آثار أمنية وإنسانية تقع عليكم جميعا."
وأشار السفير الأوكراني إلى أنه، ولأول مرة منذ إنشاء الأمم المتحدة، تُشن حرب في وسط أوروبا، قائلا إن الوقت قد حان لمساعدة أوكرانيا "التي تدفع الثمن باهظا فيما يتعلق بأمنها وسلامتها وسلامة العالم."
وأضاف: "إذا لم تنج أوكرانيا فلن نندهش من فشل الديمقراطية بعد ذلك. يمكن إنقاذ أوكرانيا وإنقاذ الأمم المتحدة الآن وإنقاذ الديمقراطية."
بدوره، قال السفير الروسي، فاسيلي نيبينزيا إن "أصل الأزمة الراهنة تكمن في أوكرانيا نفسها... فقد خرّبت وابتعدت عن التزاماتها لعدة سنوات."
وقال إن "أوكرانيا غير مستعدة للحوار واتخاذ الخطوات لمنح وضع خاص للوهانسك ودونيتسك."
وأوضح أن الدول الغربية التي دعمت أوكرانيا أشارت إلى أن "مواطني هاتين المقاطعتين ليس لهم الحق في الوضع الخاص."
وأضاف: "طُلب إلينا تقديم مساعدات عسكرية طبقا للاتفاقات الثنائية تمشيا مع الاعتراف بالمنطقتين."
وقال إن "مواطني هاتين المنطقتين استمروا في اللجوء إلى الملاجئ وإن العمليات الأوكرانية لم تتغير والشركاء الغربيون لم يهتموا بذلك،" مشيرا إلى أن روسيا تحاول من خلال هذه "العملية العسكرية الخاصة" الدفاع عن نفسها ضد "نظام سعى إلى الحصول على الأسلحة النووية."
وقال إن الرئيس الأوكراني "أكد ذلك صراحة في 18 شباط/فبراير، خلال مؤتمر ميونيخ."
المندوب الروسي أشار إلى أن الدول الغربية، برئاسة الولايات المتحدة تقوم "بدور سلبي" وفشلت في إقناع أوكرانيا في التقيد بالتزاماتها." واتهم الدول الغربية "بإغراق أوكرانيا بالأسلحة."
وحذر السفير الروسي، فاسيلي نيبينزيا، من أن انضمام أوكرانيا إلى الناتو قائلا إن ذلك هو "خط أحمر على الصعيدين العسكري والاستراتيجي." وأضاف:
"طلبنا تقديم ضمانات أمنية للاتحاد الروسي، ولكنّ الأمريكيين وممثلي الناتو رفضوا ذلك وانخرطوا في مسائل ثانوية دون الاهتمام بمشاغلنا."
ونفى مندوب روسيا استهداف المدنيين في أوكرانيا.
السفير الفرنسي، نيكولا دوريفيير اتهم روسيا باستغلال وضعها كعضو دائم في مجلس الأمن، من خلال استخدام حق النقض الفيتو، يوم الجمعة الماضية، لمنع اعتماد قرار شاركت في رعايته 82 دولة، مشيرا إلى أن الجمعية العامة تتحمل اليوم مسؤولية تاريخية:
"تتمثل هذه المسؤولية في التحدث بصوت عال، نيابة عن المواطنين في كل القارات، بما في ذلك في روسيا، ممن يطالبون بالوقف الفوري لهذه الحرب وبانسحاب الجيش الروسي من الأراضي الأوكرانية."
وأعرب عن دعم بلاده للجهود الجارية في الجمعية العامة لتحضير قرار يطالب روسيا بوضع حد لعدوانها وباحترام سيادة أوكرانيا وسلامة أراضيها، داعيا كل أعضاء الجمعية العامة إلى التصويت على مشروع القرار.
وشدد على ضرورة عدم غض الطرف أو الصمت، قائلا: "الامتناع ليس بخيار. الامتناع يعني الإذعان لمنطق الأقوى"، داعيا كل الدول الأعضاء إلى "التصويت لصالح سيادة القانون مقابل القوة."
وقال نيكولا دوريفيير إن انعقاد هذه الجلسة الطارئة للجمعية العامة لا يعني تخلي مجلس الأمن عن ممارسة مسؤولياته، مشيرا إلى أن المجلس سيجتمع اليوم حول الوضع الإنساني في أوكرانيا.
وأوضح أن فرنسا ستقدم مع المكسيك مشروع قرار لضمان حماية المدنيين وضمان إيصال المساعدات الإنسانية بشكل آمن وبدون عقبات استجابة للحاجات العاجلة للشعب الأوكراني.
وأكد أن فرنسا وشركاءها في الاتحاد الأوروبي سيقفون بحزم مع الشعب الأوكراني، مشيرا إلى تقديم الاتحاد الأوروبي 90 مليون يورو كمساعدات لأوكرانيا.
مندوب الصين الدائم لدى الأمم المتحدة، السفير تشانغ جون دعا كافة الأطراف إلى ممارسة ضبط النفس، ومنع المزيد من تردي الأوضاع، والتعجيل بالجهود السياسية الهادفة إلى إيجاد حل سياسي، مرحبا ببدء المفاوضات المباشرة بين روسيا وأوكرانيا.
وشدد على ضرورة أن تكون أوكرانيا نقطة اتصال بين الشرق والغرب بدلا من أن تكون نقطة تنافس.
وقال إن الأمم المتحدة وكافة الأطراف الدولية ينبغي أن تعمل على تيسير التسوية الدبلوماسية وتخفيف التصعيد.
وأكد على ضرورة ضمان سلامة السكان والعاملين في المجال الإنساني. وأضاف:
"كعضو دائم في مجلس الأمن، تعي الصين مسؤوليتها في الحفاظ على الأمن والسلم الدوليين."
وقال المندوب الصيني إن بلاده ستستمر في الاضطلاع بدور بناء سعيا للسلام.
مندوب سوريا الدائم لدى الأمم المتحدة، بسّام صباغ، استهل حديثه في الجلسة الاستثنائية، قائلا:
"على الرغم من الأزمات والتحديات الكبرى والخطيرة التي واجهت الأسرة الدولية على مدى عقود ولم يتمكن فيها مجلس الأمن من الاضطلاع بمسؤولياته الأساسية بموجب الميثاق في حفظ السلم والأمن الدوليين، فإننا لم نر حماسا لدى الدول الغربية لعقد مثل هذه الدورة الاستثنائية الطارئة، مما يؤكد تمسك تلك الدول بسياسة النفاق والمعايير المزدوجة وانتهاج المقاربات الخاطئة المبنية على المصالح وليس على المبادئ."
وقال بسّام صباغ إن وفد بلاده يرى أن عقد هذه الجلسة الطارئة بشأن الحالة في أوكرانيا "يأتي كجزء من الحملة المعادية للاتحاد الروسي، متهما الدول الغربية بالعمل على إشعال الأوضاع في أوكرانيا "وتهديد أمن الاتحاد الروسي وسلامته أرضا وشعبا."
واستنكر ما وصفه بـ"الحملة المنسقة التي تشنها وفود الدول الغربية وأذرعها الإعلامية ضد الاتحاد الروسي والتي تتضمن النشر المتعمد لمعلومات عدائية مضللة وادعاءات باطلة وصور وفيديوهات مفبركة تستهدف النيل من حق الاتحاد الروسي في الدفاع عن سيادته وأرضه وأمنه ودرء الأخطار التي تهدد شعبه بالشكل الذي كفله ميثاق الأمم المتحدة."
واتهم السفير السوري الدول الغربية بتجاهل الحقائق والروابط التاريخية بين الشعبين في أوكرانيا والاتحاد الروسي، "منذ الانقلاب الذي وقع في أوكرانيا في عام 2014."
وأشار إلى أن الدول الغربية غلّبت رغبتها في منح الناتو رقعة نفوذ على حدود روسيا على حساب حياة وسلامة المدنيين في دونباس ومعاناة الروس في لوهانسك ودونيتسك، على حد تعبيره.
وأعلن رئيس الجمعية العام للأمم المتحدة، السيد عبد الله شاهد رفع الجلسة الاستثنائية، عند الساعة السادسة مساء بتوقيت نيويورك، على أن تتواصل يوم غد الثلاثاء، حيث من المتوقع أن تصوت الجمعية العامة على مشروع قرار بشأن الحالة في أوكرانيا.
يشار إلى أن هذه الجلسة الاستثنائية هي الحادية عشرة التي تعقدها الجمعية العامة منذ عام 1950. وعقدت هذه الجلسة بناء على قرار مجلس الأمن رقم 2623 الذي اتخذه مجلس الأمن، يوم أمس الأحد.
وتعود آخر جلسة استثنائية عقدتها الجمعية العامة إلى نيسان/أبريل 1997 بناء على طلب تقدم به الممثل الدائم لقطر، "لمناقشة الأعمال الإسرائيلية غير القانونية في القدس الشرقية المحتلة وبقية الأرض الفلسطينية المحتلة."