منظور عالمي قصص إنسانية

وعدها زوجها بالجنة، فوجدت جحيما: قصة امرأة كازاخية عادت إلى وطنها من سوريا

 في 26 كانون الثاني / يناير 2019. في سوريا، يجتمع الأطفال والعائلات معا، بعد أن أجبروا على الفرار من ديارهم، قبل الشروع في رحلة طويلة وشاقة إلى مخيم الهول.
© UNICEF/UN0277723/Souleiman
في 26 كانون الثاني / يناير 2019. في سوريا، يجتمع الأطفال والعائلات معا، بعد أن أجبروا على الفرار من ديارهم، قبل الشروع في رحلة طويلة وشاقة إلى مخيم الهول.

وعدها زوجها بالجنة، فوجدت جحيما: قصة امرأة كازاخية عادت إلى وطنها من سوريا

حقوق الإنسان

ناشدت الأمم المتحدة مرارا وتكرارا رؤساء 57 دولة حول العالم لإعادة مواطنيها الذين لا يزالون يعيشون في ظروف لا تطاق في مخيم الهول للنازحين بسوريا. وبحسب الخبراء، لا يزال حوالي 65,000 شخص في هذا المخيم وغيره من المخيمات السوريّة، كثير منهم نساء وأطفال، وهم عائلات لأفراد من مقاتلي داعش السابقين. وقد أجلت السلطات الكازاخية أكثر من 600 من مواطنيها على مدار الأعوام الثلاثة الماضية.

"الجبنة المجانية موجودة فقط في مصائد الفئران"

"أخبرونا أن سوريا هي بلاد الشام، هي أرض مقدسة. وإذا متنا هناك في المعركة، فسنرتقي إلى الجنة على الفور، ونصبح شهداء. كنا متحمسين في ذلك الحين – 150 شخصا من كازاخستان – نشترك بنفس العقلية، ذهبنا جميعا إلى سوريا في 2014."

هكذا تستذكر أسيل إي. (32 عاما) في مقابلة مع القسم الروسي في أخبار الأمم المتحدة بداية مشوارها إلى سوريا، حيث توجهت هي وزوجها وابنها إلى سوريا بحثا عن "السعادة الوهمية" وكانت حامل في ذلك الوقت.

أقرّت أسيل بأنها كانت مهووسة ليس فقط في الفكرة، ولكن أيضا من أجل أهداف خاصة بها. وقالت: "انجذبنا إلى حقيقة أننا لن نعمل في الأرض المقدسة، وأن الأموال، أي الغنائم، سيتم توزيعها علينا شهريا. والمنازل والممتلكات من المدن والبلدات المحررة ستكون ملكا لنا."

لكن، بعد ذلك، كما لو كانت تذكّر نفسها: "كل هذا جذب الرجال في الغالب."

أسيل تنحدر من أسرة عادية

ترعرعت أسيل في كنف أسرة عادية شمالي كازاخستان، حيث لم يكن التأثير الديني بنفس القدر الذي كان في جنوبي البلاد. وبعد تخرّجها من الجامعة، رحلت إلى العاصمة. وفي عام 2013 اعتنقت الإسلام.

وقالت إنها في البداية أحبت فكرة الحجاب حيث بدت جميلة وهي ترتديه، ومن ثمّ تزوجت رجلا "بلحية" ويرتدي "بناطيل قصيرة" (في إشارة إلى التشدد الديني) – وقالت إنها تزوجت من رجل "مسلم حقيقي" وحاولت أن تصبح الزوجة الصالحة له، فأقنعها "بالهجرة" إلى سوريا.

بعد "إطاعة زوجها" توجهت أسيل معه إلى سوريا عبر بيلاروس وتركيا. ووفقا لها، كل شيء كان جيدا في البداية. ولكن "الجنة الموعودة" كانت قصيرة المدة. بعد اندلاع الأعمال العدائية، أصبحت المدينة التي يسكنون بها تحت الحصار، وبات الأمر أصعب كثيرا بدون طعام، ونفد المخزون من الطعام والنقود واستذكرت أسيل الظروف غير الصحية التي اضطرت فيها إلى وضع مولودها الثاني في سوريا.

أسيل إي. امرأة كازاخية عادت من سوريا إلى بلدها كازاخستان.
UN News/Kulpash Konurova
أسيل إي. امرأة كازاخية عادت من سوريا إلى بلدها كازاخستان.

خمس سنوات عجاف في سوريا

عاشت أسيل في سوريا لمدة خمسة أعوام، وتنقلت مع زوجها من مكان لآخر. وفي نفس الوقت، تزوج هو من امرأتين أنجبتا له أطفالا.

ولكن، في أحد الأيام لم يعد زوجها إلى المنزل – فقد أصابت قنبلة المبنى الذي كان يعمل فيه. وبعد أن أصبحت أرملة، قررت أسيل العودة مع طفليها إلى الديار. وكانت حكومة كازاخستان تنظم رحلات مباشرة لإعادة من يرغبون بالعودة. إلا أنها خشيت - هي وغيرها - من أن يتم الزجّ بها في السجن إذا عادت إلى بلادها، ولكنها أدركت أن بقاءها في سوريا يعني الموت. وإذا ظلت على قيد الحياة، فستكون الحياة جحيما.

رحلت أسيل مع نساء من داغستان، تركيا، وحتى من دول أوروبية، واستطاعت العودة مع طفليها إلى بلدها ضمن العملية الثانية الخاصة للسلطات الكازاخية.

رائحة الوطن

بحسب أسيل، كانت محظوظة لأنها عاشت في مخيم الهول لمدة شهرين فقط. وهذه الأيام الستون، وقبلها خمس سنوات مليئة بالتجول والمصاعب، كانت كفيلة لأن تفهم الجحيم الذي عاشت فيه، ولم تعرّض نفسها فقط للخطر، بل أيضا طفليها.

هناك في سوريا أدركت أنه في بلد غريب كنا – وبقينا – غرباء

وقالت: "هناك في سوريا أدركت أنه في بلد غريب كنا – وبقينا – غرباء."

أطلقت السلطات الكازاخية تسمية "جوزان" على عملية إعادة مواطنيها إلى البلاد، وهي كلمة كازاخية تعني "نبتة مرّة" تنبت في البلاد، ورائحتها مرتبطة بكازاخستان.

وقد مرّت ثلاث سنوات على إطلاق عملية "جوزان" – وبحسب لجنة الأمن الوطني في كازاخستان، خلال هذه المدة، تم تنفيذ ست مراحل من هذه العملية، وإعادة 607 من المواطنين منذ عام 2019: 37 رجلا، 157 امرأة و413 طفلا، 34 منهم أيتام.

ومن بين العائدين، تمت إدانة 31 رجلا، و18 سيدة لمشاركتهم في أنشطة داعش.

مخيم الهول في شمال شرق سوريا يضم أكثر من 70،000 شخص وأكثر من 90% منهم نساء وأطفال. ويشكل العراقيون والسوريون أكثر من 80% من عدد سكان المخيم (حزيران/يونيو 2019).
© OCHA/Halldorsson
مخيم الهول في شمال شرق سوريا يضم أكثر من 70،000 شخص وأكثر من 90% منهم نساء وأطفال. ويشكل العراقيون والسوريون أكثر من 80% من عدد سكان المخيم (حزيران/يونيو 2019).

إعادة التأهيل

كانت الوجهة النهائية للرحلات الجوية المباشرة لعملية "جوزان" القادمة من سوريا مدينة أكتاو الكازاخية على شواطئ بحر قزوين. وتم وضع جميع النساء والأطفال في مركز إعادة تأهيل، حيث تم تجهيزهم لبدء حياة سلمية في البلاد بعد شهر. وبعد إجراء الفحوصات الطبية عمل معهم علماء النفس وعلماء الدين. والتحق الأطفال بالمدارس ورياض الأطفال المؤقتة، حيث عمل معهم المعلمون والمدرسون.

وبعد انتهاء الحجر الصحي، تم إرسال جميع النساء والأطفال إلى أقاربهم في مسقط رأسهم.

الآن، تشعر أسيل بالسعادة وتعيش في بلدها، وقد تزوجت من رجل آخر. كما أنها سعيدة بنجاح ابنيها وأكبرهما يبلغ الآن من العمر ثمانية أعوام، والصغير خمسة أعوام. "لكنّ والديّ زوجي الأول لا يزالان يعتقدان بأن ابنهما سيعود يوما ما."

أسباب الجنوح للتطرف

تحدث مدير مركز "أكنيت" لإعادة التأهيل، عليم شونيتف، في مقابلة مع أخبار الأمم المتحدة، عن أسباب الهجرة الجماعية للشباب الكازاخيين، إلى سوريا في 2013-2014.

وأشار إلى أن أحد الأسباب هو ما وصفه بالأميّة الدينية، والتي بحسب قوله تجعل الشباب أعزل أمام دعاة الفكر الديني المتطرف.

وقال: "لم يكن لشبابنا ما يعارضونه في العمل الجيد للغاية المتمثل في تجنيد الدعاة. الفكر الديني المتطرف هو عمل مشترك بين التقنيين السياسيين وعلماء النفس وعلماء الدين الذين زرعوها في عقول الشباب، بعد ذلك أصبحوا مستعدين للتضحية بحياتهم من أجل أفكار الآخرين."

هذا المتحف تعرض لأضرار شديدة في حلب.
Photo: UNESCO/Prof. Abdulkarim
هذا المتحف تعرض لأضرار شديدة في حلب., by Photo: UNESCO/Prof. Abdulkarim

ثانيا، وفقا للسيد شونيتف، في السنوات الأولى لاستقلال كازاخستان، تم اعتماد قانون بشأن حرية الدين والجمعيات الدينية. وقال: "فُتحت الحدود، وتوجه الشباب إلى الخارج إلى المؤسسات الدينية ووقعوا فريسة الدعاة الكاذبين. وعندما عادوا إلى وطنهم، كانوا بالفعل ينشرون أيديولوجية خطيرة هنا."

والسبب الثالث هو إنجاز القرن الحادي والعشرين: الشبكة العنكبوتية.

وقال إن الشباب على الإنترنت كانوا يبحثون عن إجابات لأسئلتهم وحلول لمشكلاتهم التي يتعين عليهم مواجهتها في الحياة، ومن خلال المواقع الدينية والشبكات الاجتماعية حدثت عملية "التطرف الذاتي."

وأضاف يقول: "لقد كان هناك نزوح جماعي لشبابنا إلى سوريا والعراق، لهذا انتهى بهم الأمر في حرب يخوضها شخص آخر. وبين أولئك الذين يقضون عقوباتهم في المؤسسات الإصلاحية، 95 في المائة منهم تخلوا عن الفكر المتطرف، وبعضهم عاد إلى الحياة العلمانية، والبعض الآخر اعتنق الإسلام المعتدل. عملنا مستمر."

دعم الأمم المتحدة

إن إعادة المواطنين الذين ذهبوا طواعية إلى مناطق الصراع للانضمام إلى المتطرفين والإرهابيين عملية معقدة للغاية، تبحث خلالها سلطات جميع البلدان المهتمة، بدعم من الأمم المتحدة، عن "وسيلة ذهبية" لإيجاد هذا التوازن بين أمن السكان وحقوق الإنسان والرحمة الإنسانية العادلة.

وتقدم الأمم المتحدة الدعم الشامل للدول التي أصبحت رائدة في "حقل الألغام" هذا. وقام مركز الأمم المتحدة الإقليمي للدبلوماسية الوقائية لمنظمة آسيا الوسطى بتطوير برنامج عالمي للتحقق من هوية المرتزقة الأجانب المزعومين، أولئك الذين يعودون وغيرهم ممن يستعدون للعودة، وملاحقتهم إذا ثبتت إدانتهم، وإعادة تأهيلهم والاندماج في المجتمع.

كما تقدم وكالات الأمم المتحدة، بما في ذلك مكتب مكافحة الإرهاب، الدعم المباشر للسجون الكازاخية في التعامل مع السجناء المتطرفين.