منظور عالمي قصص إنسانية

السودان: باشيليت تدعو إلى محاسبة المسؤولين عن انتهاكات حقوق الإنسان بشكل كامل على أفعالهم

ميشيل باشيليت، مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان
UN Photo
ميشيل باشيليت، مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان

السودان: باشيليت تدعو إلى محاسبة المسؤولين عن انتهاكات حقوق الإنسان بشكل كامل على أفعالهم

حقوق الإنسان

وصفت مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، ميشيل باشيليت استيلاء العسكريين على السلطة في السودان بالأمر "المقلق للغاية" مضيفة أنه "خيانة لثورة 2019 الشجاعة والملهمة ويتعارض مع كل قوانين حقوق الإنسان الدولية، وكذلك الوثيقة الدستورية الخاصة بالبلد والوثائق التأسيسية الأخرى للمرحلة الانتقالية."
 

وقد أعادت الأحداث منذ الانقلاب إلى الذهن صفحة قاتمة في تاريخ البلاد عندما تم خنق حرية التعبير وقمع حقوق الإنسان بشكل شامل. واعتقال واحتجاز العديد من الأشخاص – بمن فيهم وزراء الحكومة وأعضاء الأحزاب السياسية والمحامون ونشطاء المجتمع المدني، والصحفيون والمدافعون عن حقوق الإنسان وزعماء الاحتجاجات. 

وعقب اعتقاله، وُضع رئيس الوزراء قيد الإقامة الجبرية. وأعلن التلفزيون الرسمي يوم الخميس عن إطلاق سراح أربعة وزراء.

وقالت باشيليت في كلمتها أمام مجلس حقوق الإنسان اليوم إن أماكن وجود معظم المعتقلين لا تزال مجهولة، "وقد احتجزوا في الحبس الانفرادي، دون السماح لهم بمقابلة المحامين أو أقاربهم – الاختفاء القسري يضاعف من خطورة اعتقالاتهم التعسفية."

وقالت المفوضة السامية لحقوق الإنسان: "كما دعا مجلس الأمن، وهي دعوة كررها الأمين العام للأمم المتحدة أمس، يجب الإفراج فورا عن جميع المعتقلين والموقوفين منذ الانقلاب العسكري. هذا ضروري أيضا للشروع بالحوار المطلوب بشكل عاجل والعودة السريعة للحكم المدني."

استخدام "غير متناسب للقوة"

قوبلت احتجاجات الشوارع الضخمة منذ 25 تشرين الأول/أكتوبر في عدة حالات بالاستخدام المفرط للقوة، بما في ذلك استخدام الذخيرة الحية، كما وثقها مكتب الأمم المتحدة المشترك لحقوق الإنسان في السودان ولا سيّما في الخرطوم وفي أم درمان.

يجب محاسبة المسؤولين عن هذه الانتهاكات وغيرها من انتهاكات حقوق الإنسان بشكل كامل عن أفعالهم -- ميشيل باشيليت

وبحسب مصادر طبية، قُتل ما لا يقل عن 13 مدنيا على أيدي القوات العسكرية والأمنية منذ 25 تشرين الأول/أكتوبر، كما أصيب أكثر من 300 آخرين بجراح.

وقالت باشيليت: "هذا الاستخدام غير المتناسب للقوة والمميت، من قبل القوات المسلحة السودانية، وقوات الدعم السريع، وقوات الأمن الأخرى – بما في ذلك عناصر الشرطة العسكرية والاستخبارات – يجب أن ينتهي على الفور. ويجب محاسبة المسؤولين عن هذه الانتهاكات وغيرها من انتهاكات حقوق الإنسان بشكل كامل عن أفعالهم."

استهداف النساء الناشطات والصحفيين

وسلطت المفوضة السامية الضوء على أنه في بلد حيث كانت النساء والفتيات قائدات نشطات في الحركة من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان، "ورد أن العديد من الناشطات قد تعرّضن للاعتقال والمضايقة والتهديد، وفي حالات كثيرة تعرّضن للضرب أثناء المشاركة في الاحتجاجات."

وأشارت إلى العديد من التقارير المقلقة عن العنف ضد المرأة، بما في ذلك الغارة في الصباح الباكر على سكن الطالبات الواقع بالقرب من المقر العسكري في الخرطوم في 25 تشرين الأول/أكتوبر. وقد تعرَضت الطالبات للترهيب والضرب، مما أدى إلى إصابتهن بجراح.

كما استهدف عملاء أمن الدولة الذين يرتدون عادة ملابس مدنية، الجهات الفاعلة الرئيسية في المجال المدني. ووثق مكتب الأمم المتحدة المشترك لحقوق الإنسان عمليات اعتقال واحتجاز الصحفيين وأعضاء لجان المقاومة والنشطاء. وتعرضت صحيفة الديمقراطي في الخرطوم ووكالة السودان للأنباء لمداهمات من قبل قوات عسكرية ومجهولة الهوية، وتمت إقالة المدير العام للإذاعة والتلفزيون في السودان.

وقالت باشيليت إنه تم إبلاغها بأن جميع المحطات الإذاعية والقنوات التلفزيونية في البلاد توقفت عن البث، باستثناء تلفزيون السودان الوطني وإذاعة أم درمان، الخاضعة لسيطرة السلطات العسكرية، وتوقفت الصحف عن الطباعة كما جرت مداهمات في عدد من مكاتب منظمات المجتمع المدني. بالإضافة إلى ذلك، تم فرض إغلاق على مستوى الدولة للإنترنت منذ 25 تشرين الأول/أكتوبر.

(من الأرشيف) متظاهرون في أحد شوارع العاصمة السودانية الخرطوم. (11 أبريل 2019)
UN Sudan/Ayman Suliman
(من الأرشيف) متظاهرون في أحد شوارع العاصمة السودانية الخرطوم. (11 أبريل 2019)

استمرار عمل الحقوقيين رغم التحديات

وقالت باشيليت: "على الرغم من القيود المفروضة على حرية الحركة وانقطاع الاتصالات، تمكن مكتب الأمم المتحدة المشترك لحقوق الإنسان في السودان من مواصلة العمل الرئيسي لرصد حقوق الإنسان وإعداد التقارير، بالتعاون مع شركاء المجتمع المدني. كما يتواصل العمل للمناصرة فيما يتعلق بتحديد الهوية والموقع والوضع القانوني لجميع الأشخاص المحتجزين، بهدف زيارتهم للتحقق من وضعهم وظروف احتجازهم."

هذا يشير إلى أن القادة العسكريين سعوا إلى إلغاء الالتزامات بالعدالة الانتقالية والإصلاحات المؤسسية ومكافحة الفساد -- ميشيل باشيليت

وحثت المفوضة السامية القادة العسكريين في السودان، وجميع مؤيديهم، على "التراجع من أجل السماح للبلاد بالعودة إلى طريق التقدم نحو الإصلاحات المؤسسية والقانونية. وعلى وجه الخصوص، شهد العامان الماضيان تقدما قيما نحو إنشاء لجنة وطنية لحقوق الإنسان ولجان رئيسية مستقلة منصوص عليها في الوثيقة الدستورية – بما في ذلك العدالة الانتقالية والأرض والمرأة والمساواة بين الجنسين والإصلاحات القانونية والفساد."

وقالت: "من المثير للاهتمام أن العديد من المقررين وأعضاء لجنة تفكيك نظام 30 حزيران/يونيو 1989 ومكافحة الفساد واسترداد الأموال العامة قد تم استهدافهم للاعتقال في الأسبوعين الماضيين."

واللجنة هي الهيئة الانتقالية المكلفة بفحص واسترداد الأصول العامة من ممتلكات النظام السابق، والتحقيق في الفساد وملاحقته قضائيا. اعتبارا من 2 تشرين الثاني/نوفمبر 2021، اعتُقل رئيس اللجنة الوطنية بالوكالة في الخرطوم، ورئيسها المناوب، والمقرر، والمتحدث الرسمي، كما اعتُقل ثلاثة من أعضاء اللجنة. 

على المستوى الإقليمي، تم اعتقال مقرريْن اثنين وخمسة أعضاء من اللجان دون الوطنية في ولايات نيالا وسنار والجزيرة. كما اعتقل العديد من المتعاونين مع لجنة التفكيك، بمن فيهم محامون مستقلون وموظفون حكوميون. 

وتابعت باشيليت تقول: "هذا يشير إلى أن القادة العسكريين سعوا إلى إلغاء الالتزامات بالعدالة الانتقالية والإصلاحات المؤسسية ومكافحة الفساد وضمان عدم تكرار الانتهاكات السابقة المنصوص عليها في الوثيقة الدستورية."

إضرار بآفاق اتفاق جوبا

وقالت المفوضة السامية إن العمل العسكري أضرّ أيضا بآفاق اتفاق جوبا للسلام، الموقع العام الماضي والوضع في درافور.
وقالت إن اثنين على الأقل من الموقعين الرئيسيين يعارضان السيطرة العسكرية وهددا بالانسحاب من الاتفاق. وأضافت أن الأطراف غير الموقعة من المرجح أن تثبط عزيمتها عن الانضمام في الاتفاق. 

وذكّرت باشيليت المجلس بأن أي توترات بين هذه الجهات المسلحة "قد تؤدي إلى تفاقم التوترات على الأرض في دارفور – والتي يمكن أن تشكل مرة أخرى تهديدا مباشرا للمدنيين في تلك المنطقة."
وقالت: "للشعب السوداني الحق في حرية التعبير والتجمع السلمي. إن استخدام القوة المفرطة – مثل إطلاق الرصاص الحي – لقمع التعبير عن هذه الحقوق غير قانوني وغير مبرر."

ودعت إلى استعادة الإنترنت وجميع أشكال الاتصال، بما يتفق مع القانون الدولي. وقالت: "هذا أمر بالغ الأهمية بشكل خاص كي يظل الناس على اطلاع خلال أزمة مثل هذه الأزمة الراهنة، وليكونوا قادرين على التواصل مع بعضهم البعض. وكما ذُكر سابقا، يجب إطلاق سراح جميع المعتقلين تعسفا، بهدف إقامة حوار والعودة إلى الحكم المدني."