منظور عالمي قصص إنسانية

حوار خاص: في نهاية ولايته كمنسق الإغاثة الطارئة في الأمم المتحدة، مارك لوكوك يحث على معالجة الصراعات وتغير المناخ والأمراض لتقليل الاحتياجات الإنسانية

وكيل الأمين العام للشؤون الإنسانية، مارك لوكوك، يلتقي بنازحين من جنوب السودان. (صورة من الأرشيف)
UNMISS/Eric Kanalstein
وكيل الأمين العام للشؤون الإنسانية، مارك لوكوك، يلتقي بنازحين من جنوب السودان. (صورة من الأرشيف)

حوار خاص: في نهاية ولايته كمنسق الإغاثة الطارئة في الأمم المتحدة، مارك لوكوك يحث على معالجة الصراعات وتغير المناخ والأمراض لتقليل الاحتياجات الإنسانية

المساعدات الإنسانية

عندما تم تعيينه كوكيل للأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية وكمنسق الإغاثة في حالات الطوارئ، قبل أربعة أعوام، كان مارك لوكوك يأمل في أن تكون الحاجة إلى المعونة على الصعيد العالمي آخذة في الانخفاض. 

ولكن، نظرا للنزاعات التي طال أمدها وتلك الناشئة، وعبء الأمراض مثل إيبولا والآن كـوفيد-19 بلا شك، وصل عدد الأشخاص الذين يحتاجون إلى المساعدة والحماية إلى مستويات غير مسبوقة خلال هذه الفترة.

وبينما يستعد لوكوك لمغادرة منصبه يوم الجمعة، تحدث مع الزميلة ديان بن من قسم اللغة الإنجليزية في أخبار الأمم المتحدة مؤكدا على ضرورة عمل البلدان بشكل أكبر لمواجهة التحديات المشتركة، ليس فقط لصالح الملايين من الأشخاص الضعفاء في جميع أنحاء العالم، ولكن أيضا للعاملين في المجال الإنساني الذي يخدمونهم وغالبا ما يدفعون الثمن باهظا.

وقال السيّد لوكوك متحدثا من لندن عبر تقنية الفيديو: "النبأ السار هو أن الأمم المتحدة، والمنظمات غير الحكومية والصليب الأحمر، تواصل القيام بعمل رائع في إنقاذ الأرواح وتقليل المعاناة، وأعتقد أن النظام الإنساني قد ارتقى إلى المستوى المطلوب في السنوات الأخيرة"، مضيفا أنه تم الوصول بالمساعدات إلى أكثر من 100 مليون شخص في السنة.

وأمضى الموظف الحكومي البريطاني السابق، الذي يُشار إليه بشكل غير رسمي باسم "رئيس خدمات الإغاثة" في الأمم المتحدة، حوالي أربعة عقود في مجال التنمية الدولية. ويعتقد أنه نظرا لأن الحالة البشرية قد تحسنت بشكل عام خلال هذا الوقت – مع انخفاض معدلات الفقر والجوع على سبيل المثال – يجب أن يتمكن كل شخص على هذا الكوكب من التمتع بحياة أفضل.

سيخلف السيد لوكوك، السيد مارتن غريفيثس، مبعوث الأمين العام الخاص إلى اليمن. وقد قدّم الرجلان إحاطتهما يوم الثلاثاء أمام مجلس الأمن حول آخر التطورات في اليمن.

وتحدث لوكوك عن العمل المطلوب الآن في المجال الإنساني، في مواجهة التهديدات المتطرفة الجديدة، لكنّه أشاد أيضا بالدور الدؤوب لعمّال الإغاثة في جميع أنحاء العالم- وكثيرون منهم من الموظفين الوطنيين في البلدان التي تمر بأزمات.

حوار خاص مع مسؤول الجناح الإنساني في الأمم المتحدة مارك لوكوك الذي يغادر منصبه هذا الأسبوع

أخبار الأمم المتحدة: ستغادر الأمم المتحدة بعد العمل لمدة أربعة أعوام كرئيس للجناح الإنساني للمنظمة أو مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا). لنعود معك بالزمن إلى الوراء، عندما تم تعيينك في هذا المنصب، ما هي بعض الأهداف التي كنت تأمل في تحقيقها بصفتك منسق الإغاثة في الأمم المتحدة؟

مارك لوكوك: حسنا، ما كنت أتمناه في عام 2017 عندما تسلّمت هذه الوظيفة هي أننا ندخل حقبة تنخفض فيها الاحتياجات الإنسانية حول العالم إلى حد ما. وكانت قد زادت كثيرا خلال العقد الماضي (2010-2020) ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى الصراعات الجديدة ولكن أيضا بسبب تأثير تغيّر المناخ. وكنت آمل في إمكانية عكس هذا الاتجاه الأخير لأنه خلال معظم السنوات الخمسين الماضية كان هناك تقدم هائل في التنمية البشرية، وأصبح الناس يعيشون لفترة أطول، ويحصلون على تغذية أفضل، ويذهب المزيد من الأطفال إلى المدرسة ويموت عدد أقل بسبب الأمراض التي يمكن تجنبها، وما إلى ذلك. كنت آمل في أن نضاعف - نوعا ما - من هذا التقدم وأن يجد ذلك طريقه إلى الأشخاص الأكثر ضعفا في العالم، والذين هم عادة في حالات إنسانية. لكنني أعتقد، من الناحية الموضوعية، أن السنوات الأربع الماضية كانت وقتا عصيبا بشكل غير عادي.

لقد توسع الصراع في العديد من الأماكن مع الفشل في حل النزاعات طويلة الأمد مثل سوريا واليمن -- مارك لوكوك

أولا، لقد توسع الصراع في العديد من الأماكن؛ مع الفشل في حل النزاعات طويلة الأمد مثل سوريا واليمن، وظهور نزاعات جديدة أيضا في أماكن أخرى – موزامبيق وإثيوبيا.

ثانيا، رأينا الآثار المتزايدة لتغيّر المناخ، والذي أصبح الآن سببا كبيرا للمعاناة الإنسانية في جميع أنحاء العالم. وثالثا، تفشي الأمراض، ليس فقط الجائحة، ولكن بالطبع أحدثت الجائحة فرقا كبيرا.

لذلك، على الرغم من أن هدفي كان رؤية انخفاض في المعاناة، فإن ما حدث في الواقع هو تنامي عدد الأشخاص الذين يحتاجون إلى الحماية والمساعدة بمستويات غير مسبوقة، حقا.

النبأ السار هو أن الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية والصليب الأحمر تواصل القيام بعمل رائع في إنقاذ الأرواح وتقليل المعاناة، وأعتقد أن النظام الإنساني قد ارتقى بالفعل إلى المستوى المطلوب في السنوات الأخيرة. ونصل إلى أكثر من 100 مليون شخص كل عام؛ بلا شك ننقذ أرواح الملايين كل عام، والأمور ستكون أسوأ لولا شجاعة والتزام ومهنية وتفاني جميع الأشخاص الذين يعملون لدى الوكالات الإنسانية في جميع أنحاء العالم، ولنتذكر أن معظمهم من سكان ومواطني البلدان التي تمر بأزمة هي نفسها.

مارك لوكوك، منسق الإغاثة في حالات الطوارئ، يلتقي بمجموعة من المتطوعين الشباب الذي يساعدون الحكومة والمنظمات الإنسانية على التصدي لعودة ظهور الأمراض من جديد في كسلا بالسودان.
OCHA/Saviano Abreu
مارك لوكوك، منسق الإغاثة في حالات الطوارئ، يلتقي بمجموعة من المتطوعين الشباب الذي يساعدون الحكومة والمنظمات الإنسانية على التصدي لعودة ظهور الأمراض من جديد في كسلا بالسودان.

كما شهدنا زيادة كبيرة في التمويل، التمويل الطوعي، الذي تقدمه الدول الأعضاء لعمل المنظمات الإنسانية. لقد ارتفع بنحو 30 في المائة في السنوات التي كنت أقوم فيها بهذا العمل. ولا تزال الفجوة كبيرة بين الأموال التي نحصل عليها والأموال التي نحتاج إليها، لكننا تمكنا من جمع المزيد من الأموال، وهذا يعني أن المعاناة كانت أقل مما كانت ستكون عليه لولا ذلك.

لكن الشيء المهم هو أنه إلى أن يتحسن العالم في التعامل مع أسباب المشكلات الإنسانية، التي يستحوذ عليها الصراع وتغير المناخ، وكوفيد-19 والأمراض الأخرى، لا ينبغي لأحد أن يتوقع انحسار الأعراض. سيكون هناك المزيد من الأشخاص الذين يحتاجون إلى المساعدة حتى تتم معالجة الأسباب بشكل أفضل.

أخبار الأمم المتحدة: كان عام 2020 بلا شك عاما صعبا بشكل خاص. كيف أثرت الجائحة على عمليات مساعدات الأمم المتحدة؟

مارك لوكوك: أول ما يمكن قوله عن الجائحة إنها وصلت إلى كل ركن من أركان الكوكب، ولم تكن آثارها فقط من خلال ما فعله الفيروس، والمرض والوفاة اللذين يسببهما الفيروس، ولكن من حيث التأثير الهائل على الاقتصاد العالمي والانكماش الهائل الذي واجهه العديد من البلدان الأكثر فقرا في اقتصاداتها مما أدى إلى زيادات كبيرة في الفقر في البلدان شديدة الضعف. وهذا يقود إلى المزيد من الحاجة الإنسانية.

لقد رأينا نقصا كبيرا في المعدات الأساسية: معدات الحماية الشخصية والأدوية والسلع وما إلى ذلك. ورأينا أيضا أن البلدان الميسورة تتغلب عليه (النقص) إلى حد كبير. لقد رأينا تفاوتات رهيبة في توافر اللقاحات.

الدول التي تبلي بلاء حسنا في الخروج من الجائحة هي الدول الغنية التي لديها العلماء وشركات الأدوية والقاعدة المالية، وأنظمة الضرائب، مما يعني أنه يمكنها جمع الأموال لدفع تكاليف برامج التطعيم الضخمة. لم تحصل البلدان الفقيرة على ذلك حتى الآن، ويبدو أن الطريق لا يزال طويلا.

لقد أدت الجائحة أيضا، بطريقة لم يتم فهمها بشكل كاف، إلى تفاقم الكثير من المشاكل الموجودة مسبقا. لقد ظهرت صراعات جديدة خلال 15 شهرا منذ تفشي الجائحة: ناغورنو كاراباخ، أماكن في موزامبيق، ما رأيناه في إثيوبيا. إلى حد ما لسوء الحظ، هذه هي نتيجة مصالح خبيثة تستغل اللحظة التي يركز فيها بقية العالم على مشكلة كبيرة وتسعى لتحقيق أهداف غير مرغوب فيها، أهداف ضارة.

أخبار الأمم المتحدة: وكيف واجه مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) تلك التحديات فيما يتعلق بالجائحة؟

مارك لوكوك: حسنا، تتمثل مهمة أوتشا أساسا في تنسيق النظام الإنساني. وقد أعدنا هيكلة طريقة تنظيمنا. زدنا عدد الأشخاص في الميدان، وقللنا عددهم في المقرات. وقمنا بترتيب مواردنا المالية.

عندما بدأت بالعمل، كان مكتب أوتشا يواجه مجموعة من الصعوبات المالية التي تمكنّا من حلّها. وقد ركزنا حقا على هذه المسؤوليات الرئيسية الأربعة التي لدينا: أولا، تحديد الحاجة الإنسانية عند ظهورها. ثانيا، تنسيق تطوير خطط الاستجابة في كل دولة توجد فيها مشكلة.

ثالثا، جمع الأموال لدفع تكاليف خطط الاستجابة هذه. ورابعا، المساعدة في مشكلات بعينها تتعلق بالتنفيذ: ليس تقديم الطعام أو الرعاية الطبية أو السلع للناس، ولكن المساعدة في أمور مثل المفاوضات حول الوصول خلال الصراع، وإزالة التعارض في الأماكن التي يحتاج العاملون في المجال الإنساني إلى الحماية من الرجال المسلحين بالبنادق والقنابل.

أخبار الأمم المتحدة: رأينا أيضا خلال هذه الفترة استهداف العمليات الإنسانية بشكل متزايد في أماكن مثل سوريا واليمن وجنوب السودان. لكن واجهتكم أيضا عوائق في الوصول وحواجز بيروقراطية وعجز مطلق عن إنجاز العمل في بعض الأحيان. كيف تصف المجال الإنساني في هذه الفترة؟

مارك لوكوك: حسنا، لقد وقّعت جميع دول العالم على القوانين التي تلزمها بضمان أن الناس، المدنيين العالقين دون ذنب في النزاع أو في كوارث أخرى، يمكنهم الحصول على المساعدة بطريقة محايدة وحيادية، والعاملون في المجال الإنساني هم الخط الأمامي للقيام بذلك.

وأنتِ محقة في أننا رأينا الكثير جدا من الانتهاكات لتلك القوانين التي وقّع عليها الجميع: الانتهاكات من قبل دول، بلدان، أعضاء في الأمم المتحدة، ولكن أيضا انتهاكات ارتكبتها جماعات مسلحة غير حكومية وجماعات إرهابية متطرفة بشكل متزايد.

مارك لوكوك منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، يلتقي بمجموعة من السائقين السوريين في الحدود السورية التركية. (2019)
OCHA/David Swanson
مارك لوكوك منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، يلتقي بمجموعة من السائقين السوريين في الحدود السورية التركية. (2019)

 

من الواضح وجود تحديات حقيقية للامتثال للقوانين التي ينبغي أن تحمي عمال الإغاثة من أن يعلقوا (بالصراع) أو أن يُصابوا أو يُقتلوا أو يُختطفوا أو يتم استجوابهم أو الإساءة إليهم، أثناء تأدية واجبهم في الوصول إلى الأبرياء.

هذا النظام يتعرض لضغط كبير، وأحد الأمور التي قضيت وقتا طويلا في القيام به أثناء عملي على مدار السنوات الأربع الماضية، بما في ذلك من خلال أكثر من 100 اجتماع حيث أطلعت مجلس الأمن على ما يجري، هو محاولتي توضيح ذلك. وأعتقد أننا بحاجة إلى رؤية مجموعة من الأشياء تحدث، للتحكم بشكل أفضل في هذه الأنماط من التحديات.

أولا، نحتاج إلى تذكير الجميع لماذا وقّعوا في المقام الأول على قوانين الحرب هذه لأن مصالح الدول في نهاية المطاف تُخدم بشكل أفضل من خلال الامتثال للقوانين، وهناك أيضا مجموعة من القيم والمعايير الإنسانية بالغة الأهمية التي ينبغي الالتزام بها.

ثانيا، أعتقد أنه من المهم حقا فضح الانتهاكات عند حدوثها. قد يكون هذا أمرا محبطا وغير مجزٍ إلى حد كبير، لأنني اكتشفت في الكثير من اجتماعات مجلس الأمن حيث كنت أثير قضايا ولم أشعر دائما أنه يتم التعامل معها بالشكل الذي كان يمكن أن يكون. لكن مع ذلك، من المهم جدا الاستمرار في فعل ذلك.

اكتشفت في الكثير من اجتماعات مجلس الأمن حيث كنت أثير قضايا ولم أشعر دائما أنه يتم التعامل معها بالشكل الذي كان يمكن أن يكون -- مارك لوكوك

وثالثا، أعتقد أننا بحاجة إلى تطوير فهم أفضل وأدوات جديدة للتعامل مع بعض الجماعات المتطرفة الجديدة. توجد الآن مجموعات ظهرت لا تقبل حقا بقواعد اللعبة التي وقع عليها الآخرون في العقود التي تلت الحرب العالمية الثانية، ونحن بحاجة إلى إيجاد طرق لمعالجة ذلك.

إنه موضوع معقد وصعب للغاية، ولكن تطوير طرق أكثر فاعلية للتفاوض بشأن الوصول والتوافق؛ وزيادة الاستثمار في فهم الدوافع الأيديولوجية وغيرها والسلوك التنظيمية، إذا أردتِ: سيكولوجية ما يكمن وراء بعض القرارات التي تتخذها هذه الجماعات المتطرفة، وأيضا إدراك أنه في بعض الأحيان – وهذا أمر صعب بالنسبة للمنظمات الإنسانية – ما هو ضروري هو الرد العسكري على تلك الجماعات.

لست مضطرا للتحدث إلى العديد من الأشخاص الذين عاشوا تحت حكم داعش في العراق وسوريا لمعرفة مدى فظاعة التجربة، وأحيانا يكون الرد الوحيد الناجع عسكريا.

ولكن من المهم حقا أن يتم ذلك بطريقة تكسب القلوب والعقول وتحمي مصالح السكان المحليين، وفي كثير من الأحيان لم يحدث ذلك.

أخبار الأمم المتحدة: عندما بدأنا المقابلة، سألتك عن الأهداف التي كنت تأمل في تحقيقها. هل تشعر أنك حققتها؟

مارك لوكوك: حسنا، كما قلت، كنت آمل في أن تكون الاحتياجات الإنسانية أقل في العالم؛ في الواقع هناك أكثر مما كان موجودا. من ناحية، من الواضح أن هذا ليس مؤشرا إيجابيا على ما أتمنى أن يحدث. لكن، من المهم حقا أن نقول إننا تجنبنا أسوأ النتائج في بعض الأزمات الكبيرة. لقد كنت قلقا للغاية طوال العام الماضي من مجاعة ضخمة تحيط بحياة ملايين الأشخاص في اليمن وتستنزفها، وتؤدي إلى فقدان الأرواح. لقد تمكنا من تجنب ذلك حتى الآن.

وكذلك الأمر في الأزمات الأخرى حيث توجد أعداد كبيرة من الأرواح المعرضة للخطر بسبب انعدام الأمن الغذائي: شمال شرق نيجيريا وجنوب السودان وأجزاء من الساحل.

عندما أغادر منصبي، لدينا الآن مشكلة مجاعة كبيرة في شمال إثيوبيا. لا يزال هناك وقت لتجنب الأسوأ، ولكن ليس إذا لم يغيّر الرجال المسلحون بالبنادق والقنابل والسياسيون أسيادهم سلوكهم.

أعتقد أن النظام الإنساني قد تصدى بشكل جيد للتحديات، أنا منبهر بشدة بشجاعة والتزام ومهنية وإبداع العاملين في المجال الإنساني في الخطوط الأمامية. ستكون الأمور أسوأ بكثير إذا لم يخاطر هؤلاء الأشخاص بحياتهم كل يوم لمساعدة الآخرين.

مارك لوكوك منسق الأمم المتحدة للإغاثة الطارئة يتحدث في حمص مع الطفل خالد، 10 سنوات، الذي نزح مع أسرته من تدمر -أرشيف
OCHA/Ghalia Seifo
مارك لوكوك منسق الأمم المتحدة للإغاثة الطارئة يتحدث في حمص مع الطفل خالد، 10 سنوات، الذي نزح مع أسرته من تدمر -أرشيف

 

أعتقد أيضا أننا بدأنا في إحراز بعض التقدم بالابتكار في نظام العمل الإنساني: محاولة التصرف مبكرا بشأن المشكلات عند ظهورها؛ محاولة الاستفادة بشكل أفضل من التكنولوجيا الرقمية للحصول على المساعدة والقوة الشرائية للأشخاص دون الاضطرار إلى تعريض حياة العديد من العاملين في مجال الإغاثة للخطر.

لقد تحسنّا في تحديد الفئات الضعيفة، وخاصة النساء والفتيات، وخاصة الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة، ولا سيّما الأشخاص الذي يعانون من مشاكل الصحة العقلية ومشكلات نفسية اجتماعية، وتصميم استجابات لتلبية احتياجات جميع تلك الفئات الضعيفة بشكل أفضل.

لذلك ثمة مجموعة كاملة من الطرق التي أعتقد أن النظام الإنساني يتحسن بها، لكن هذا يشيح الأنظار عن حقيقة أن الاحتياجات تتزايد لأنه لا تتم معالجة أسباب هذه الاحتياجات.

وهذا حقا هو الشيء الذي يحتاجه العالم لتدبّر كيفية التعامل معه بشكل أفضل.

أخبار الأمم المتحدة: سيّد لوكوك، لدينا أسئلة من مختلف الأقسام اللغوية لأخبار الأمم المتحدة. يود زملاؤنا في قسم اللغة العربية أن يعرفوا ما هو الشيء الوحيد الذي يؤرقك؟

مارك لوكوك: الشيء الذي يقلقني – هذا ما يثيره هذا السؤال حقا – هو قبل كل شيء، ما إذا كان بإمكان العالم وضع مجموعة من الترتيبات لتشارُك جيوسياسي وتعاون (على حل المشكلات) التي تتسبب في حدوث بعض الأزمات الكبيرة، وبعض أسوأ الأزمات، سواء كان في سوريا أو اليمن، في الشرق الأوسط، أو في الدولة التي ينحدر منها من أرسل لكِ هذا السؤال.

إلى أن يتحسن العالم في التعامل مع الأسباب الكامنة وحل تلك المشاكل، ستكون الاحتياجات الإنسانية عالية جدا. لم أر الكثير من علامات التحسن في ذلك حتى الآن، لكنني آمل أنه ربما، خاصة بسبب الموقف الجديد الذي تبنته إدارة (الرئيس الأميركي جو) بايدن، يمكن أن يتغير خلال السنوات المقبلة. وهذا سيُحدث فرقا كبيرا.

أخبار الأمم المتحدة: زملاؤنا في القسم الصيني يسألون حول تقارير تفيد بأن العديد من البلدان المتقدمة تريد الآن التخلي عن التزامها بإنفاق 0.7٪ من ناتجها المحلي الإجمالي على المساعدة الإنمائية الرسمية. ما مدى تأثير هذه الخطوة على المساعدة الإنسانية في جميع أنحاء العالم؟

مارك لوكوك: حسنا، أعتقد أن هناك دولة واحدة فقط، في الواقع، قد تراجعت عن هذا الالتزام، وآمل في أن ذلك يكون لفترة قصيرة جدا وأن تعود عن هذا القرار.

أعتقد أنه لا يزال بالتأكيد النظر في النداءات والاستجابات الإنسانية المنسقة من قبل الأمم المتحدة، يمثل مشكلة كبيرة. إذ إن جزءا كبيرا جدا من العبء يتم الوفاء به من قبل عدد صغير جدا من الدول الغربية. النظام الذي لدينا للعمل الإنساني في الأمم المتحدة، على عكس حفظ السلام أو دفع الفواتير العامة للأمم المتحدة، هو نظام تطوعي.

في المجال الإنساني لدينا نظام تطوعي، وفي السنوات الأخيرة، تمت تلبية 70 في المائة من الفاتورة طواعية من أربعة مصادر فقط وهي: الولايات المتحدة وألمانيا والاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة. ولا أعتقد أن هذا نهج قابل للحياة ومستدام في المستقبل.

أعتقد أنه سيكون من الجيد جدا أن تلعب دول أكثر دورا أكبر في تمويل الجهد الجماعي، وسيكون من الجيد لو كانت "عبء الراكب المجاني" أقل، بصراحة.

أخبار الأمم المتحدة: سؤال من زملائنا في القسم الروسي: أنت تعرف وترى بشكل مباشر حجم وعمق المعاناة في العالم. كيف لا تستسلم لليأس والاكتئاب؟ وما الذي يجعلك تستمر؟

مارك لوكوك: أعتقد أن الشيء الأساسي هو أن نؤمن بأن الأمور يمكن أن تتحسن. وعليك أن تفهم أن الأشياء التي تقوم بها تساهم على الأقل في تخفيف معاناة الناس. لقد عملت لمدة 40 عاما في مجال التنمية الدولية والقضايا ذات الصلة، وكان الكثير مما رأيته عبارة عن تحسن في الحالة البشرية.

عندما ولدت، كانت غالبية الناس على هذا الكوكب تعيش في فقر مدقع. كانوا جائعين معظم الوقت. مات العديد من الأطفال في سن الطفولة. لم يتمكن الناس من إرسال أطفالهم إلى المدرسة. لقد تم إحراز تقدم هائل، وتسود هذه الظروف الآن في حوالي 10 في المائة من حياة الناس. نحن بحاجة إلى منح هؤلاء الأشخاص نفس الفرص التي أتيحت لكثير من الناس في جميع أنحاء العالم.

مارك لوكوك، منسق الشؤون الإنسانية والإغاثة في حالات الطوارئ، خلال إحاطته أمام مجلس الأمن
UN Photo/Loey Felipe

أخبار الأمم المتحدة: هل سبق لك أن ندمت على موافقتك على تولي هذه الوظيفة الصعبة؟

مارك لوكوك: حسنا، أنتِ تعلمين أن الأمين العام اتصل بي في نيسان/أبريل 2017 وسألني عما إذا كنت سأقبل الوظيفة. أعتقد أنه إذا اتصل بك الأمين العام للأمم المتحدة وطلب منك ذلك، فأنت بحاجة إلى سبب وجيه جدا لرفض العرض!

لقد أعجبت بمشاهدة عمل جميع زملائي. أعتقد أنه بدون ما تفعله الوكالات الإنسانية، ستكون الأمور أسوأ بكثير. وبهذا المعنى، فإنه عمل مجزٍ من الناحية المهنية.

يجب أن أقول إنني كنت محظوظا للغاية برئيسي. إحدى أفضل النصائح التي أقدمها لزملائي الأصغر سنا الذين يأتون إليّ أحيانا ويسألونني ما هي نصيحتي فيما يتعلق بالتطوير الوظيفي؟ وإحدى أفضل النصائح هي اختيار رئيس جيد حقا. اذهب واعمل لدى شخص تحبه حقا.

لقد كنت محظوظا بشكل لا يصدق للعمل مع أنطونيو غوتيريش. إنه رجل لامع للغاية، وهو مدير جيد جدا للعمل معه. إنه واضح فيما يريد. لديه مجموعة واضحة من القيم. يتوقع منك أن تفي بها ويسمح لك بالمضي قدما في ذلك.

في العديد من الأيام التي كنت أقوم فيها بهذا العمل، وكان عليّ أن أذهب إليه وأطلب القليل من المساعدة حول موضوع ما، وقد أدهشني دائما في مدى سرعة استجابته على الفور، ومدى استجابته البناءة دائما.

أخبار الأمم المتحدة: هل هناك أي نصائح خاصة تود تقديمها لخلفك؟

مارك لوكوك: حسنا، لحسن الحظ، فإن خلفي هو شخص ذو خبرة كبيرة جدا وأعتقد أنه من المحتمل أن يعرف الكثير عن النظام الإنساني الدولي أكثر مما أعرفه، لذلك لا أعتقد حقا أنه يحتاج إلى نصيحة مني.

من الواضح أنني ومارتن نعرف بعضنا البعض جيدا. لقد عملنا معا بشكل وثيق للغاية بشأن اليمن لمدة ثلاث سنوات حتى الآن. لقد أجريت معه الكثير من المناقشات.

لقد سألني الكثير من الأسئلة حول ما يحدث حتى يتمكن من إعداد نفسه لتولي الوظيفة. سأراقب من على الهامش. سأشجع جميع الوكالات الإنسانية. إذا كانت هناك طرق يمكنني من خلالها تقديم الأفكار أو المساهمة، فسأكون سعيدا للقيام بذلك. لكنني أعلم أن مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية والنظام الإنساني سيكونان في أيدٍ أمينة جدا تحت قيادة مارتن بوصفه المنسق الجديد.